بالوكالة عن العالم.. كيف انتصرت أستراليا للإعلام التقليدي أمام فيسبوك؟

إسطنبول - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أسبوع من فرضه حظرا على مشاهدة ونشر أي محتوى إخباري في أستراليا، قرر موقع "فيسبوك" رفع الحظر بعد محادثات "ناجحة" مع حكومة كانبرا، بحسب وسائل إعلام محلية.

قرار موقع التواصل الاجتماعي بالحظر في 18 فبراير/ شباط 2021، جاء على خلفية إقرار البرلمان الأسترالي قانونا يجبر الشركات الرقمية العملاقة على دفع مقابل مادي لمحتوى الأخبار الذي تقدمه على منصاتها.

العديد من الأستراليين شعروا بالغضب من فقدانهم المفاجئ للوصول إلى مصادر موثوق بها، خاصة وأن نحو 17 مليون أسترالي يزورون موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كل شهر.

استمرت المناقشات بين أمين الخزانة الأسترالي جوش فرايدنبرغ، ورئيس فيسبوك مارك زوكربيرج لأيام، قبل التوصل إلى اتفاق في 23 فبراير/شباط 2021.

وبموجب الاتفاق، وافقت حكومة كانبرا على إدخال تعديلات على قانون الإعلام الجديد، تمنح المنصات الرقمية وناشري الأخبار مدة شهرين لتسوية الصفقات التجارية قبل إخضاعها للتحكيم الإلزامي.

الدعم مقابل الأخبار

بدأت القصة في بداية فبراير/شباط 2021، عندما اختارت "غوغل" أن تتفاوض مع السلطات الأسترالية، بينما حظر فيسبوك، تداول المحتوى الخبري عبر صفحاته.

وفي بيانه يوم 18 فبراير/شباط 2021، أعلن "فيسبوك"، إنه: "منذ 6 أشهر، علم أنه قد يتم إجباره على تنفيذ هذا القانون الذي تناقش حوله مع الحكومة الأسترالية على مدار 3 سنوات، في محاولة لتوضيح سبب عدم صلاحية هذا القانون المقترح، وغير المعدل".

وتابع: "لم نتعامل مع القرار باستخفاف، ولكن عندما صدر، كان علينا اتخاذ إجراء سريع، إذ أنه من الضروري قانونا القيام بذلك قبل أن يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ، ولكننا أخطأنا في جانب الإفراط في تنفيذ هذا الإجراء".

وأشار إلى أنه أثناء تنفيذ الإجراء الذي اتخذه الموقع "تم حظر بعض المحتوى عن غير قصد، ولكن لحسن الحظ تم استرجاع الكثير منه سريعا".

وأوضح عملاق التواصل الاجتماعي أن "هناك قضايا جدية بشأن الاضطراب الذي أحدثه الإنترنت في صناعة الأخبار، ما جعل وسائل الإعلام تتجه نحو حل هذه القضايا بطريقة تجعل شركات التكنولوجيا هي المسؤولة، وتحافظ على استدامة الصحافة".

وأكد البيان أن: "التسوية الجديدة يجب أن تستند إلى حقائق عن كيفية تقييم الأخبار، وليس عن طريق كيفية تدفق الأخبار والمعلومات على الإنترنت".

وقال وزير الخزانة الأسترالي، جوش فرايدنبرغ، إن أستراليا ستعدل القانون، وأعلن في حديث له مع الصحفيين، أنّ "فيسبوك أعاد صداقته مع أستراليا"، وذهب إلى حد القول: "عاصمة أستراليا كانبرا خاضت معركة بالوكالة عن العالم"، في ظل تواصل دول أخرى مع شركات التكنولوجيا فيما يتعلق بعدد من قضايا الأخبار والمحتوى.

وكانت الحكومة تناقش القانون، الذي يُعد اختبارا لنظام نشر المحتوى على مستوى العالم، في مجلس الشيوخ، بعد تمريره في مجلس النواب، وقال موقع فيسبوك إنه أُجبر على حجب الأخبار الأسترالية ردا على التشريع المقترح.

ويهدف القانون الحكومي الخاص بالأخبار إلى إجراء تفاوض "أكثر إنصافا" بين عمالقة التكنولوجيا وشركات الأخبار، حول قيمة المحتوى الإخباري، ولكن فيسبوك وغوغل عارضا ذلك بشدة، ويجادل كلاهما بأن التشريع يسيء فهم كيفية عمل الإنترنت.

وقال فيسبوك أيضا إنه يحصل على مكاسب تجارية قليلة من محتوى الأخبار، لكن الحكومة الأسترالية تقول إن التشريع ضروري "لتكافؤ الفرص" لشبكات نشر الأخبار، التي تراجعت أرباحها في عصر الإنترنت.

ولدى فيسبوك بالفعل منتج خاص به لعرض الأخبار، يدفع من خلاله للمؤسسات الإعلامية رسوما لعرض موضوعاتها على منصته، لكن الميزة متاحة فقط في بريطانيا والولايات المتحدة.

تصعيد كانبرا

في 22 فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة الصحة الأسترالية عن وقف حملاتها الترويجية للتطعيم ضد كورونا عبر موقع "فيسبوك"، بعد حجب الموقع أخبار البلد احتجاجا على مشروع القانون.

وقال وزير الصحة غريغ هانت، إن وزارته ستواصل تمويل الحملة الإعلانية لكن ليس عبر "فيسبوك"، مشيرا إلى أنه سيتم استخدام جميع المخصصات المالية للترويج لحملة التطعيم ضد فيروس كورونا في البلاد والتي تبلغ 16.5 مليون يورو.

وأضاف أن وزارته ستستمر في نشر المعلومات على هذه الشبكة الاجتماعية، لكنها لن تلجأ إليها من أجل الترويج، وقد توقف العمل على صفحات رسمية عدة عبر "فيسبوك" في البلاد بينها تلك التابعة لهيئات الطوارئ، ما أثار موجة تنديد. 

فيما ذهب رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، إلى القول، إن حكومته لن يرهبها وقف فيسبوك إرسال الأخبار للمستخدمين في بلاده، ووصف خطوة عملاق التواصل الاجتماعي بـ"إلغاء صداقة أستراليا" بأنها متعجرفة ومخيبة للآمال.

ولم يستطع الأشخاص خارج الدولة أيضا قراءة أي منشورات إخبارية أسترالية على المنصة، أو الوصول إليها، وقال وزير الخزانة جوش فرايدنبرغ إن الحظر المفروض على المعلومات الإخبارية كان له "تأثير كبير في المجتمع".

كان مسؤولون آخرون أقل دبلوماسية، من بينهم رئيس وزراء أستراليا الغربية مارك ماكغوان الذي اتهم الشركة "بالتصرف مثل ديكتاتور كوريا الشمالية"، واقترح آخرون أن الفراغ الإخباري يمكن ملؤه بالمعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة.

ووصفت ليزا ديفيز، محررة صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد، في تغريدة، الخطوة بأنها "نوبة غضب"، وقال مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في أستراليا إن موقع فيسبوك يفرض رقابة على تدفق المعلومات في البلاد، واصفا ذلك بأنه "تحول خطير في الأحداث".

تعديل القانون

شركة غوغل هددت أيضا بسحب محرك البحث الأساسي الخاص بها من أستراليا، لكنها وافقت في الفترة الأخيرة على صفقات مع شركات إعلامية محلية، من بينها "ناين إنترتينمانت" و"سيفين ويست ميديا" ومؤسسة روبرت ميردوخ الإخبارية.

كانت خطوة فيسبوك لحظر الأخبار في أستراليا، مخاطرة كبيرة، بحسب مراسل "بي بي سي" للتكنولوجيا في أمريكا الشمالية، جيمس كلايتون، مضيفا أن هناك ادعاءات بأن الأخبار الكاذبة على المنصة زادت منذ ذلك الحظر، رغم صعوبة إثبات ذلك.

ويرى محللون أن القانون المقترح جاء نتيجة ضغط قطب الإعلام روبرت مردوخ، الذي تمتلك شركته العديد من الصحف الأسترالية الكبرى.

وأفادت وكالة "رويترز"، بأن الحكومة وفيسبوك توصلا إلى حل وسط، على أن تدخل الحكومة 4 تعديلات على مشروع القانون، منها تعديل يعني استثناء فيسبوك من الرسوم، إذا كان بإمكانه تقديم "مساهمة كبيرة" للصحافة المحلية.

وتشمل التعديلات أيضا فترة وساطة تمتد لشهرين، قبل بدء التحكيم، ما يمنح الأطراف مزيدا من الوقت للتوصل إلى اتفاق خاص.

وقالت شركة ناين انترتينمنت، أكبر شركة محلية في أستراليا، إنها "سعيدة" لأن الحكومة توصلت إلى حل وسط، وتتطلع إلى استئناف المحادثات بشأن ترتيب تجاري.

وتعتزم شبكة "فيسبوك" استثمار ما لا يقل عن مليار دولار في المحتويات الإخبارية في السنوات الثلاث المقبلة، وكتب المسؤول عن الشؤون العامة في "فيسبوك" نيك كليغ: "لقد استثمرنا 600 مليون دولار منذ عام 2018 لدعم قطاع الإعلام، ونعتزم استثمار ما لا يقل عن مليار دولار إضافية خلال السنوات الثلاث المقبلة".

وقال: "ندرك تماما أن الصحافة عالية الجودة أساسية لسير عمل مجتمعاتنا من خلال إعلام المواطنين وتقديرهم وتحميل النافذين مسؤولية أفعالهم"، ولم يعط المسؤول أية تفاصيل حول توزيع الاستثمارات المقبلة للشركة في وسائل الإعلام، ولا الشكل الذي ستتخذه هذه الاستثمارات.

القانون الجديد يوازي الوعد الذي قطعته في أكتوبر/تشرين الأول 2020، شركة "غوغل" بدفع مليار دولار على مدى 3 سنوات لناشرين صحفيين، على غرار مجلتي "دير شبيغل" و"دي تسايت" في ألمانيا، بهدف استخدام محتواهما لأداة جديدة أطلقت عليها تسمية "غوغل نيوز شوكايس" في إطار شراكات.