"السيناريو الأسود".. هل يعود الاقتتال الداخلي في فلسطين بعد الانتخابات؟

محمد النعامي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

باتت الانتخابات الفلسطينية المقبلة حديث الساعة في الشارع الفلسطيني، حيث تجري الاستعدادات الإدارية والقانونية لإجرائها، وسط إقبال كبير ومخاوف من عودة الانقسام.

وقد بلغت نسبة المسجلين للانتخابات 93 بالمئة من مجمل الكتلة الانتخابية في الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس المحتلة، بحسب ما أعلنت لجنة الانتخابات في 17 فبراير/شباط 2021.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2021، أصدر الرئيس محمود عباس مرسوما حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/أيار والرئاسية في 31 يوليو/تموز والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس/ آب (من نفس العام)".

وبجانب التشكيك الشعبي في جدية عباس في إجراء الانتخابات، فإن أكثر ما يقلق الفلسطينيين هو تكرار ذات السيناريو الذي أعقب الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 2006، والتي أسفرت عن فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

قاد فوز حماس في يونيو/حزيران 2007، إلى صراع دموي مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، انتهت بسيطرة الحركة الإسلامية على قطاع غزة.

وأسفرت المواجهات في حينه عن سقوط مئات القتلى والجرحى، إلى جانب أن الكثير من المرافق قد تأثرت بالاقتتال، حيث لم تسلم منها المساجد والجامعات والمؤسسات العامة، وهو ما يخشى الفلسطينيون تكراره عقب الانتخابات المقبلة.

ملفات معلقة

وأكثر ما يثير مخاوف الفلسطينيين هي الملفات التي فشلت جهود المصالحة في وضع حلول لها، لا سيما ملف الموظفين الذين عملوا في حكومة حماس بغزة، والبالغ عددهم أكثر من 40 ألف موظف.

يقابل هؤلاء عشرات الآلاف من الموظفين التابعين لسلطة رام الله، والذين يتقاضون رواتبهم دون ممارسة أعمالهم، بعد أن طلبت منهم السلطة الاستنكاف عن العمل في غزة.

ومع رفض السلطة الاعتراف بمن وظفتهم حماس، يرى مراقبون أن الاستغناء عن هؤلاء الموظفين سيخلق أزمة كبرى قد تكون شرارة لموجة من الخلافات والتوترات في الشارع.

وكذلك ترفض حركة حماس سياسة التنسيق الأمني التي تتبعها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي والتي تقضي بتقديم معلومات أمنية عن أي أنشطة عسكرية للمقاومة الفلسطينية والمساهمة في منعها. 

وظهر الرئيس محمود عباس عام 2007 وهو يخاطب قادة الأجهزة الأمنية طالبا منهم قتل أي مقاوم يحمل صاروخا ويريد إطلاقه تجاه المستوطنات الإسرائيلية.

 

ومن جانبه قال المحلل السياسي فايز أبو شمالة: "المرحلة المقبلة في المسار السياسي الفلسطيني حساسة للغاية وخطرة ومفتوحة على كافة الاحتمالات مع الأخذ بالاعتبار تساوي فرص نجاح الانتخابات وفرص فشلها".

وأضاف أبو شمالة لـ"الاستقلال": "سبق للرئيس محمود عباس أن ألغى الانتخابات قبيل تنفيذها عام 2016؛ عندما شعر أن الكفة ستذهب لصالح حركة حماس، ومن جهة أخرى قد يرى نفسه مضطرا لانجاح الانتخابات لكسب ثقة (الرئيس الأميركي جو) بايدن وتوحيد الجهود الفلسطينية عشية أية تسوية مرتقبة".

وأكد أن قرار الانتخابات سيكون أشبه بترحيل للأزمات في حال لم يتم التوصل لاتفاق شامل قبلها، يضع النقاط على الحروف ويمنع تكرار أحداث 2006، حيث لم يتم التوافق -حتى الآن- على تقاسم الأدوار وتحديد الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، سيما بين الرئيس والحكومة".

 ويفضل أبو شمالة إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه على إدخال الساحة الفلسطينية في جولات صراع جديدة تفضي إلى تعميق الانقسام.

وأضاف "الملفات العالقة ستشكل التحدي الأكبر في حال اجتياز الانتخابات فهناك آلاف الموظفين المهددين بفقدان وظائفهم في ظل وجود موظفين رسميين سابقين والحاجة لتشغيل الخريجين الذي لم يحصلوا على حقهم في العمل على مدار 15 عاما وكل هذا يعقد الأمر أكثر".

وتابع "في حال تأزمت الأوضاع السياسية، وهو أسوأ السيناريوهات، فلا أظن أنه من الممكن عودة الفلتان الأمني لغزة بالشكل الذي حدث خلال عامي 2006 و2007 فلا يوجد قدرة عسكرية لحركة فتح أو السلطة في غزة على مجابهة حماس التي انتصرت في 3 حروب أمام إسرائيل والجميع يعلم حجم قوتها العسكرية التي ستمنع أي جهة من محاولة إعادة ذات السيناريو".

على مدار السنوات الماضية كرر عباس إعلان موقفه بأن سلاح المقاومة الفلسطينية غير شرعي وأن التنسيق الأمني مقدس بالنسبة للسلطة الفلسطينية مهما حدثت من خلافات سياسية مع إسرائيل. 

ويعطي هذا الموقف فكرة واضحة عن سياسة السلطة في قطاع غزة المقبلة بعد إتمام الانتخابات؛ حيث سيكون سلاح المقاومة غير شرعي والتنسيق الأمني ساري منذ اليوم الأول لعمل الحكومة.

ما بعد الانتخابات

بدوره قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، في حديث لقناة الجزيرة، في فبراير/شباط 2021 إن حركته لن تسلم بندقية واحدة والمقاومة محل إجماع، مشددا على أن الانتخابات ليست تحت سقف اتفاقية أوسلو، وأن حماس ستدخلها وفق برنامجها.

وبدوره قال الباحث الفلسطيني عبد الله كساب إنه من المستحيل تجاوز مشروع المقاومة الذي تتبناه حركات المقاومة المسلحة بجانب مشروع المفاوضات الناتج عن اتفاقية أوسلو التي نصت على الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن 78 بالمئة ونبذ المقاومة باعتبارها إرهاب، حيث عملت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها على محاربة المقاومة المسلحة.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "آلية عمل السلطة وأجهزتها الأمنية معروفة للجميع ومن المستحيل أن توقف التنسيق الأمني مهما حصل خصوصا عندما تعود الأجهزة الأمنية إلى قطاع غزة".

وتوقع كساب جمع المعلومات عن المقاومة وربما الصدام الميداني إذا عادت السلطة إلى غزة التي تمثل التهديد الأكبر على إسرائيل، وهو ما يعقد الأمور.

أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن التأييد للأحزاب كان متقاربا بنسبة 38 بالمئة لحماس، مقابل 34 بالمئة لفتح

وتوقع الاستطلاع فوزا سهلا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على عباس في الاستحقاق الرئاسي (رغم أن حماس ليس لديها مرشح للرئاسة)، وشمل الاستطلاع 1270 فلسطينيا في أنحاء الضفة الغربية وغزة. 

وفرص أن تنافس حركة حماس في الانتخابات الرئاسية متدنية جدا؛ حيث يرجح أن تدعم الحركة مرشحا مستقلا.

ومن جانبه قال رئيس المركز، خليل شقاقي "يبدو أن الحركتين ستهيمنان على البرلمان المقبل، دون أن يكون لأي منهما أغلبية"، مضيفا أن المرشحين المستقلين والفصائل الصغيرة ستفوز بالمقاعد المتبقية.

وبالاستناد إلى الاستطلاع، يبدو من الواضح أن أي تنظيم لن ينجح في الهيمنة على الحكومة المقبلة لوحده؛ بل ستتشكل حكومة "وحدة وطنية" تقودها حركتا حماس وفتح، وهو ما يعيد سيناريو حكومات الوحدة الوطنية السابقة التي فشلت في الاستمرار وأفضت لتعزيز الانقسام.

 ومن جهته، قال المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم إن حركته تريد إنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني وقدمت تنازلات كثيرة من أجل الوصول إلى حالة الوحدة، مشيرا إلى أنه كان من الأفضل التوصل لاتفاق شامل قبل الانتخابات.

واستدرك في حديث لـ "الاستقلال" أن حركة فتح أصرت على أن تكون الانتخابات قبل التوافق مما جعل حماس توافق لأنها معنية أن تستغل هذه الفرصة لاتمام هذه العملية الديمقراطية، بحيث تتحمل الحكومة المقبلة المسؤولية عن حل كافة الملفات العالقة.

وأضاف "نريد إتمام الوحدة الوطنية بأي ثمن ولكن في الوقت ذاته لا يمكن النقاش حول شرعية ووجود سلاح المقاومة في الحالة الفلسطينية فنحن تحت احتلال والعدوان الصهيوني مستمر على شعبنا وبالتالي يحق لنا امتلاك القوة والدفاع عن أنفسنا وهذا حق مشروع للشعب الفلسطيني".

ولكن من الضروري ترتيب حالة المقاومة وتوحيدها والاتفاق على قرار السلم والحرب وهذا الأمر مرتبط بترتيب منظمة التحرير الفلسطينية، وفق قوله.

وشدد قاسم على أن حركة حماس لن تقبل بالتنسيق الأمني بأي حال من الأحوال لا في الضفة أو قطاع غزة، على اعتبار أن هذا "سلوك معيب ومشين وطنيا وأخلاقيا ومضر بالقضية الفلسطينية وبالمقاومة".