السيسي يطبق نظرية "هنتنجتون" لتقليل السكان.. حجر واحد وأهداف عدة

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ وصوله للحكم في يونيو/حزيران 2014، لم يترك رئيس النظام في مصر عبدالفتاح السيسي مناسبة، إلا وتحدث فيها عن خطر الزيادة السكانية، متهما إياها بالتهام جهود التنمية، وحملها أسباب الفشل الاقتصادي والاجتماعي.

رئيس النظام في آخر ظهور له قبل أيام، طالب المصريين بتحديد النسل وتقليل الإنجاب، وحدد طفلين فقط لكل أسرة، ملمحا لفرض قيود على الإنجاب.

السيسي، خاطب المصريين من مدينة الإسماعيلية، في 19 فبراير/شباط 2021، مطالبا إياهم بتقليل معدلات النمو السكاني، معلنا أن "أكثر من طفلين مشكلة كبيرة جدا"، مشيرا إلى أن مصر بحاجة إلى تريليون دولار لتتناسب مع الزيادة السكانية.

مئة وواحد مليون نسمة هو عدد سكان مصر، وفقا لتقرير رسمي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، هذا بخلاف نحو 10 ملايين بالخارج، فيما يبلغ معدل الزيادة الطبيعية نحو 1.75 بالمئة عام 2019، ويبلغ متوسط الزيادة السكانية اليومية 4255 نسمة، بنحو 177 مولودا بالساعة، وبمعدل 3 مواليد بالدقيقة، ومولود لكل 20 ثانية.

وزيرة التخطيط هالة السعيد، مهدت لخطاب السيسي، بحديثها 16 يوم فبراير/ شباط 2021، عن تأثير الزيادة السكانية على التنمية، قائلة إن الفرد يكلف الدولة منذ الولادة وحتى سن الـ70 عاما 1.5 مليون جنيه (96 ألف دولار)، رابطة بين زيادة الإنجاب وزيادة نسب الفقر، فيما كشفت عن خطة الحكومة للوصول بسكان مصر لـ117 مليون نسمة وليس 130 مليون في 10 سنوات.

تحديد النسل

إثر حديث السيسي، تبارت الأذرع الإعلامية والدينية والسياسية والبرلمانية والتنفيذية للدفاع عن فكرة وطرح رئيس النظام، وإقناع الشعب للحد من الإنجاب عبر البرلمان والفضائيات والمساجد. 

النائبة بالبرلمان رانيا الجزايرلي، أعلنت عن مشروع قانون لتنظيم النسل، يتضمن حوافز للأسرة المنجبة لطفلين بمجانية التعليم، وتأمين صحي، ودعم بكافة الخدمات، وفرض قيود على الطفل الثالث بخفض 50 بالمئة من الدعم والخدمات، وعدم تمتع الطفل الرابع وما بعده بأي خدمات مجانية ومدعومة.

ومن جانبها، أطلقت دار الإفتاء عشرات الفتاوى حول إباحة تحديد النسل من الناحية الشرعية، وخصصت الوزارة خطبة الجمعة 19 فبراير/ شباط 2021، بجميع المساجد عن القضية.

فيما كثفت البرامج الإعلامية والصحف المصرية تغطيتها لهذا الملف، وقرر محافظون ومسؤولون تدشين حملات لتنظيم الأسرة بريف مصر وفي الصعيد جنوبي البلاد. 

وبمقابل حديث السيسي، أكد خبراء تحدثوا لـ"الاستقلال"، أن الحل للوصول للتنمية المطلوبة هو رفع مستوى معيشة الأفراد بالتعليم والتنمية الاقتصادية والذي يؤدي في النهاية، وفق رؤيتهم، إلى تقليل الإنجاب، مؤكدين أن معدلات الزيادة السكانية ترتفع مع زيادة نسب الفقر والجهل وتقل مع ارتفاع مستوى المعيشة والتعليم الجيد.

"صدام الحضارات"

لكن لماذا يصر السيسي على تحجيم الزيادة السكانية في مصر؟، الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا قدم إجابة على هذا التساؤل وعرض اقتباسا من كتاب السياسي والأكاديمي الأميركي صامويل هنتنجتون، "صدام الحضارات".

هنتنجتون أشار في كتابه لخطورة الزيادة السكانية بالعالم الإسلامي وليس في مصر وحدها، قائلا: إن "معدلات الزيادة السكانية المرتفعة تنتج: مهاجرين، ومقاتلين، وهذا الجمع بين الحجم، والتعبئة الاجتماعية، له 3 نتائج سياسية مهمة". 

أولها أن "الشباب أبطال الاحتجاج، وعدم الاستقرار، والإصلاح، والثورة. وتاريخيا، فإن وجود مجموعات عمرية شبابية كبيرة يتصادف دائما مع تلك الحركات.. هؤلاء الشباب يزودون الحركات السياسية بالقوة البشرية".

 وأضاف ثانيا: "الزيادة السريعة في نسبة من يتعلمون القراءة والكتابة في المجتمعات العربية أيضا تصنع فجوة بين جيل متعلم قادر على القراءة والكتابة، وجيل أكبر سنا معظمه أمي، وهكذا فإن عدم الانفصال بين المعرفة والقوة من المرجح أن يصبح مصدر قلق للأنظمة السياسية".

صاحب "صراع الحضارات"، لفت ثالثا إلى أن "الكثرة السكانية تحتاج إلى موارد أكثر، ومن هنا فإن الناس الذين ينتمون إلى مجتمعات تتزايد أعدادها بكثافة و/أو بسرعة يميلون إلى الاندفاع نحو الخارج، فيحتلون الأراضي، ويمارسون ضغوطا على المجتمعات الأخرى الأقل نموا من الناحية الديموغرافية". 

وفي رؤيته يرى هنتنجتون أن "النمو السكاني الإسلامي يكون هكذا عاملا مساعدا ومهما في الصراعات على طول حدود العالم الإسلامي بين المسلمين والشعوب الأخرى". 

 لكن، مراقبين ومتابعين قدموا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفسيرات أخرى سياسية واقتصادية لإصرار السيسي على خطته لتقليل خصوبة المصريين وتقليل عدد السكان، وقدم بعضهم روشتة لحل أزمات مصر ليس منها تقليل عدد السكان.

 السياسي المصري حاتم أبوزيد، قال عبر "فيسبوك"، إن المسألة ليست زيادة سكانية تلتهم معدلات التنمية، فليست هناك تنمية، مؤكدا أنه يريد تغيير التركيبة السكانية، ولذا يضغط بملف تحديد نسل المصريين.

 وفي رؤية اقتصادية، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، أن "الزيادة السكانية لم تكن سببا لمشكلة الفقر، بل لعل الزيادة السكانية أحد نتائج الفقر".

 

أستاذ التاريخ المعاصر الدكتور صبري العدل، وفي رؤية تاريخية قال بـ"فيسبوك": "موضوع النسل ليس هو المشكلة"، مشيرا إلى أن تعداد مصر طوال 4 قرون كان 4 ملايين فقط ومع ذلك لم نفعل شيئا يضاف لتاريخ البشرية.

الأكاديمي المصري، قدم روشته مؤكدا أن "تحديد الوجهة والبوصلة أهم من تحديد النسل"، داعيا لـ"تغيير الثقافة والعادات والتقاليد وتهذيبها يغير الممارسة اليومية للبشر، والاهتمام بالتعليم، الاستغلال الأمثل للموارد البشرية".

وأكد أنه "ليس عيبا أن نقتدى بدول أخرى مشابهة ونقتبس تجاربها"، موضحا أن "التعامل مع الواقع كما هو أفضل من الاصطدام بالمجتمع لأن نتائجه خطيرة على وحدة الوطن".

نظرية هنتنجتون

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، قال إن "نظرية هنتنجتون حول الزيادة السكانية تنطبق على خطوات السيسي لتقليل عدد المصريين، مبينا أن "الزيادة السكانية التي يتحدث عنها السيسي، تكلم عنها جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، والوحيد الذي تحدث عن ضرورة زيادة السكان هو الرئيس محمد مرسي".

المفكر والسياسي المصري أضاف لـ"الاستقلال": "يجب أن يرتفع مستوى حياة السكان في مصر الذي كلما ارتفع يزداد الوعي لديهم وهنا يحرصون على إنجاب عدد أقل من الأطفال لتعليمهم تعليما جيدا". 

"تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي من يدفع المصريين لكثرة الإنجاب"، وفق رؤية الأشعل، مشيرا إلى أن "الشعب المصري والمسلمين بصفة عامة أصبح للأسف وعيهم أقل بعدما تسلطت عليهم حكومات مستبدة تسرقهم وتعيب عليهم الإنجاب والاستهلاك وقلة العمل". 

وأكد أنه "في الحقيقة مصر تحتاج إلى نظام كفء يدير الموارد دون فساد، ويعطي فرص متكافئة للجميع، ويعلمهم ويطور من مستوى حياتهم ويعالجهم، وبهذه الطريقة يصبح لدينا مجتمعا قويا مثل تركيا التي يطالب رئيسها رجب طيب أردوغان شعبه بزيادة النسل لأن لديه الموارد وقادر على توجيه واستخدام القوة البشرية لديه لزيادة الإنتاج". 

وقال الأشعل: "نقطة  البداية في مصر هي إصلاح النظام السياسي، وأن يكون لدينا نظام حكم غير فاسد، ويأتي بطريق مشروع، ويختار الأكفأ لإدارة شؤونه، ويحصر موارد مصر حصرا أمينا"، مؤكدا في نهاية حديثه أن "النظام هو نقطة البداية والنهاية وليس الشعب".

فساد واستبداد

الباحث السياسي المصري أحمد مولانا، ربط في رؤيته "حديث السيسي عن النمو السكاني بالأزمة المالية التي يواجهها نظامه، وزيادة مصروفاته عن إيراداته، وتوقف المساعدات الخليجية عنه".

موضحا أن "السيسي توجه لفرض غرامات على المصريين، وتخفيض الإنفاق الحكومي بتخفيض عدد الموظفين، وعدد المواطنين بطرح قضية الزيادة السكانية، ثم تحميل المصريين ومن ينجب منهم أكثر من طفلين تبعات فشل نظامه".

مولانا قال لـ"الاستقلال": "السيسي يعتقد طبقا لنظرية هنتنجتون أن وجود عدد كبير من المصريين معظمهم من الشباب وعدم قدرة الدولة على الوفاء باحتياجاتهم في نظره خلطة تساعد على تأجيج النزعة الثورية لدى الأجيال الشابة، لذلك يحرص على فكرة تقليل عدد الشباب نسبيا وتحميل الشعب تبعات الفشل الحكومي".

الباحث المصري، يرى أن "مشكلة مصر ليست سكانية، بل إن القوة السكانية من عوامل القوة، ومشكلتنا في إهدار الموارد والمشروعات غير ذات الجدوى الاقتصادية مثل قناة السويس (6.5 ملايين دولار)، والتوسع ببناء السجون (نحو 30 سجنا)، وغيرها من المشروعات التي تهدر موارد الدولة".

 وأكد مولانا أن "الطبيعي تقديم الدولة مشروعات وفقا لاحتياجات الناس، لكن السيسي لا يسمع لأحد ويقرر مفردا، وعمل مثلا مدينة صناعية بدمياط أصبحت خاوية".

مضيفا: "وتوسع ببناء محطات الكهرباء فأصبح لدينا فائض 40 بالمئة، بينما متوسط الفائض العالمي 15 بالمئة، ما يعني أن 25 بالمئة بلا فائدة وبنيت محطات دون الاستفادة منها، وهنا أزمتنا إهدار الموارد والفساد والاستبداد والظلم وغياب العدالة، التي تحتاج جميعها تغيير سياسي".

وأوضح مولانا أن "فكرة إلقاء عبء المشاكل على المواطنين وتحميلهم لها هو إعلان إفلاس من النظام الذي يقول بهذا ولا يوجد نظام يقول إن شعبه عبء عليه حتى الدول المستبدة يقول حكامها نحن بخدمة الشعب، لكن السيسي يتحدث مع الشعب باعتباره المشكلة".

إنها "نظرة خطيرة أن ينظر للشعب بهذا الشكل، وأتفهم عداءه للإسلاميين لوصولهم للحكم بعد ثورة يناير 2011، وأنه يحاول القضاء عليهم، لكن بدأ الأمر يمتد لخصوصيات المصريين في الإنجاب وفي البناء".

مولانا، ختم حديثه بالقول إنه "يتحكم بكل شيء والمشكلة في نظره أن الشعب لا يسمع الكلام ولا يفعل ما يطلبه منه، وهذا إفلاس منه، وتحميل الشعب المسؤولية يعني فشله".

فشل التنمية

الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، الدكتور هاني سليمان، قال وفقا لنظرية "هنتنجتون": "بلا شك يحرص الحكام الطغاة على إبقاء شعوبهم جاهلة وفقيرة ليسهل عليهم حكمها، فكلما ازداد الجهل والفقر كان اهتمام المواطن منصبا على الحصول على لقمة عيشه ومحاولة توفير المستلزمات الأساسية لأسرته وأولاده، والبعد تماما عما يغضب السلطة خوفا من انقطاع رزقه ورزق أولاده".

وأوضح سليمان لـ"الاستقلال"، أنه "عندما قامت ثورة 3 يوليو/تموز 1952، كان تعداد مصر حوالي 20 مليونا، وبعد 25 عاما منتصف سبعينيات القرن العشرين وصل 40 مليونا، وبعد 25 عاما أخرى بانتهاء الألفية الثانية وصل 70 مليونا، وبعد 20 عاما من بداية القرن الثالث وصل 101 مليون بالداخل، غير 10 ملايين بالخارج".

سليمان، يعتقد أن "الزيادة المطردة لم تواكبها زيادة تنموية مماثلة، اقتصادية وجغرافية واجتماعية وبشرية، فلم تزد المساحة التي يقيم عليها المصريون ويعيشون بـ6 أو 7 بالمئة فقط من مليون كيلو متر مربع هي مساحة مصر، وكان على الدولة باختلاف عهودها توسيع مساحة عيش السكان، وما يستلزمه من إعداد البنية التحتية المناسبة ومد المرافق الأساسية وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة".

ويرى سليمان أنه "لو كان حدث هذا فعلا وبصورة مواكبة لزيادة السكان، لتطلب الأمر أيضا الاهتمام برفع مستوى معيشة الفرد بالاستثمار في التعليم والصحة والإنتاج وتوفير الوظائف لتشغيل الشباب، وإلى آخر أساليب الرخاء والتقدم مثل دول العالم التي حققت تنمية حقيقية، ورخاء شعوبها". 

مستطردا: "إذن التنمية بمختلف أنواعها الحل الحقيقي لمواجهة الزيادة السكانية، التي يمكن أن تستفيد بها الدولة لتحقيق الرخاء، خاصة إذا كانت هذه الزيادة متعلمة وصحيحة البدن والعقل والفكر، تعرف مسؤولياتها نحو أسرتها ووطنها"، مشيرا لما قامت به "الصين والهند واليابان في هذا الإطار.

الخبير المصري جزم بأن "الحكام الطغاة لن يقوموا أبدا بالتنمية من تعليم وصحة وإنتاج وتشغيل، حتى يبقى الشعب جاهلا فقيرا منكبا على لقمة عيشه، بل يستخدم الحكام الطغاة الزيادة السكانية كمبرر لفشل التنمية المزعومة وفسادهم وطغيانهم، أمام شعوبهم التي تنوء بأعباء الفقر والجهل والمرض، حتى يتيقن الشعب الجاهل الفقير أنه سبب فشل الدولة المسكينة والحكام المخلصين".