بشريات التطبيع.. كيف بدأ مبعوث إسرائيل بالمغرب التدخل في شؤون المملكة؟

ربيع عبد الباسط | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في أول تصريحات له للصحافة العبرية، كشف الممثل الدبلوماسي لإسرائيل في المغرب دافيد غوفرين، عن لقائه بالطائفة اليهودية والحديث معها عن مشاكلها، كما تطرق إلى موقف حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) الذي وصفه بأنه "معارض للتطبيع".

حديث "غوفرين" خلال مقابلة مع قناة "i24news" العبرية، في 7 فبراير/شباط 2021، تجاوز الخطاب الرسمي المغربي الذي يعتبر الملك محمد السادس "أميرا لجميع المؤمنين المغاربة بمختلف دياناتهم"، واعتدى على حق المواطنة لليهود المغاربة واعتبارهم "جالية يحل مشاكلها".

هذه التصريحات فتحت المجال للحديث عن التدخل في شؤون المغرب من خلال تعامل تل أبيب مع المواطنين المغاربة من الديانة اليهودية، باعتبارهم "جالية" إسرائيلية، لا كمواطنين مغاربة، بشكل ينسف ما تقوله الدولة المغربية.

وركّز بيان وزارة الخارجية المغربية في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، على أن مباحثات الملك محمد السادس مع مستشار الأمن القومي لإسرائيل، مائير بن شبات، تنطلق من كون هذا الأخير يعد من "الجالية المغربية اليهودية".

وأشار إلى أن "الملك أكد في معرض حديثه إلى مائير على الروابط الخاصة مع الجالية اليهودية المغربية، ولا سيما أفرادها الذين يشغلون مناصب مسؤولية في إسرائيل".

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الديوان الملكي عن مصطلح "الجالية اليهودية" كمدخل تتناول فيه الرباط علاقاتها مع إسرائيل، حيث سبق لبيان آخر، أن ذكر بهذا المعطى في التعامل مع الجالية اليهودية المغربية الموجودة في تل أبيب.

تحريض علني

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، حمل بلاغ آخر للديوان الملكي، نفس فكرة الجالية اليهودية، وجعلها "مدخلا" لاستئناف التطبيع، حيث قال: "جاء ذلك اعتبارا للدور التاريخي الذي ما فتئ يقوم به المغرب في التقريب بين شعوب المنطقة، ونظرا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودين في إسرائيل".

وأضاف البيان أن "الملك أخبر الرئيس الأميركي (السابق)، دونالد ترامب بعزم المغرب تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب".

كما أن وزير الخارجية ناصر بوريطة، أكد في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن "للمغرب تاريخ مهم مع الطائفة اليهودية، خاصة في العالم العربي، فالملك محمد السادس والملوك السابقين، بينهم الحسن الثاني، كانوا يحترمون اليهود ويحمونهم، والعلاقات بين المغرب واليهود كانت مميزة".

هذه التأكيدات، يرى فيها أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة تازة (شمال)، إسماعيل حمودي، "حذرا مغربيا في التعامل مع إسرائيل، وتركيزا على أن الملك والملكية تتعامل مع المغاربة في تل أبيب من زاوية أنهم جالية مغربية مقيمة هناك".

وأضاف حمودي لـ"الاستقلال"، أن "المغرب يريد إبقاء العلاقة مع إسرائيل مشروطة ببوابة الجالية المغربية، وهذا ما عكسه مثلا قرار السماح لما تسميه الرباط بالجالية المقيمة في تل أبيب بزيارة المملكة والسياحة".

حديث مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي غوفرين، عما سماه بالجالية اليهودية في المغرب، واعتباره أن "الملك داعم للتطبيع"، بينما حزب العدالة والتنمية (إسلامي) يقف "ضد هذا المسار"، اعتبره باحثون "تدخلا في شؤون المغرب وتحريضا على الملكية قبل أن يكون ضد الحزب الذي يرأس الحكومة".

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، أمين عام "العدالة والتنمية"، على "إعلان مشترك" بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، أثناء أول زيارة لوفد رسمي إسرائيلي أمريكي للرباط.

ويواجه "العدالة والتنمية" منذ التوقيع انتقادات حادة بسبب مشاركته في استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب، بينما ترفض أدبيات الحزب، أي شكل من أشكال التطبيع، إلا أن الحزب يرد بأن موقفه ثابت بشأن دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وأن التوقيع بسبب موقعه في المسؤولية الحكومية فقط.

فيما يقول مراقبون إن إعادة الرباط للعلاقات مع إسرائيل أملتها ظروف "الوحدة الترابية"، حيث كان رهينا باعتراف أميركا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المملكة وجبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة مراكش (جنوب)، عبد الرحيم العلام، أن "أخطر ما في تصريحات المسؤول الإسرائيلي، هي فكرة الملك مع التطبيع والعدالة والتنمية ضده، هي على العكس تماما مما تبدو وتظهر".

وأضاف العلام، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "تصريحات مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي ليس استهدافا للعدالة والتنمية، بل على العكس من ذلك هو تحريض على المؤسسة الملكية، وتصويرها مناصرة وداعمة للتطبيع، في مقابل تصوير العدالة والتنمية، رافضا لهذا التطبيع".

وتابع: "نحن أمام تصريح خطورته تكمن في وضع الملكية في مواجهة مباشرة مع رافضي التطبيع، فمقاومة إسرائيل جزء من الثقافة الشعبية في المغرب، ولها مؤيدون، يشكلون فئات واسعة من المجتمع المغربي، ويضم كذلك عددا من الأسر التي فقدت أبناءها الذين شاركوا في معارك تحرير فلسطين".

وقال العلام: "تعلمون أن الرواية الرسمية في المغرب تقدم التطبيع باعتباره قرارا سياسيا اضطرت الدولة إليه، بعدما وضعت أمام مقايضة في الصحراء، وبالتالي فبحسب الرواية المغربية، فالتطبيع دفعت له الدولة، وليس كما يروج له مسؤول مكتب الاتصال".

واعتبر أن "الملكية مع التطبيع، تصريح فيه إساءة بالغة الخطورة إلى الملك والملكية في المغرب، ورفع لأسهم حزب العدالة والتنمية في الشارع".

مس بالسيادة

وفي تعليقه على حديث ممثل إسرائيل عن الجالية اليهودية، قال العلام: "بداية لابد أن نميز بين مستويين، الأول هو إن كان غوفرين يقصد من اجتماعه بالطائفة اليهودية، اليهود المغاربة الذين ذهبوا في وقت سابق لإسرائيل، وحملوا جنسيتها وخدموا في جيشها، فهؤلاء لم يعودوا مغاربة بالقانون لكونهم عملوا في جيش يعادي المغرب".

وأضاف: "سواء تعلق الأمر بعودة هؤلاء إلى المغرب، واستقرارهم به، أو إن كانوا مجرد سياح عابرين، فإن الأمر متعلق باجتماع مسؤول دبلوماسي أجنبي مع جالية أجنبية مقيمة في المغرب، وبالتالي هذا جزء من عمله". 

وشدد العلام على أن "المستوى الثاني، إن كان الأمر متعلقا بمواطنين مغاربة من ديانة يهودية، وتباحث معهم في مشاكلهم وصعوبات حياتهم، فإنه يعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمغرب".

وأضاف أن "الخطير في هذه المسألة أن يتحول المغرب من دولة المواطنين إلى دولة طوائف، يحق لسفير الفاتيكان أن يستقبل المسيحيين المغاربة، كما يحق لسفير إيران أن يجتمع مع الشيعة المغاربة، كما يحق لسفير السعودية أن يجتمع بـ(السلفيين)، وكل علاقته بهم هي علاقات عقدية طائفية غير مواطناتية".

واعتبر العلام أن "خطورة ما جرى تكمن في حل رابطة المواطنة وتأسيس رابطة عقدية بديلة عن الوطن والمواطنة، رابطة العقيدة كبديل للمواطنة، هو أخطر ما يهدد الدولة".

وشدد على أن "هذا السلوك مهدد لفكرة الدولة، ويمهد لانهيارها، مقابل قيام تجمعات بشرية لا نظام سياسي لها، قيام كيانات وتجمعات بشرية لا رابط عضوي بين عناصرها ومكوناتها".

ومضى الباحث السياسي قائلا: "للأسف ما جرى هو نفس ما توقعه عدد من الباحثين، الذين اعتبروا التطبيع أحد مداخل المساس بالتماسك الاجتماعي والسياسي للمغرب، وأنه لن يكون بردا وسلاما على الدولة والمجتمع، وبالتالي نحن الآن أمام تهديد صريح لهذا التماسك".

وأكد العلام في ختام تصريحه أن "أخطر من العصف بالتماسك الاجتماعي، هو أن يتحول موضوع التطبيع إلى مجال للصراع الداخلي، لذلك كان من الأفضل الابتعاد عما من شأنه تهديد هذا التماسك الاجتماعي".