برلمان الأسد يرفع القيود عن تملك الأجانب في سوريا.. هذه أهدافه الخفية

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت التعديلات التي أقرها مجلس الشعب (البرلمان) التابع للنظام السوري، على القانون رقم 11 للعام 2011 الخاص بتملك غير السوريين للعقارات في سوريا، مخاوف كبيرة لدى المواطنين من تغيرات ديمغرافية محتملة بعد رفع القيود عن الأجانب للتملك في البلاد.

التعديلات التي أقرّت في 17 فبراير/شباط 2021، على القانون، رفعت القيود التي كانت تمنع تملك الأجانب لأكثر من وحدة سكنية للعائلة الواحدة، وأعطى المالك الأجنبي حرية التصرف بالعقار قبل مرور سنتين على اكتساب الملكية.

وتناولت التعديلات شروط التصرف لغير السوري الذي اكتسب ملكية عقار وفق أحكام هذا القانون أو الذي انتقل إليه بطريق الإرث أو الوصية أو بأي طريق من طرق الانتقال، وذلك سواء كان العقار واقعا داخل أم خارج المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية والبلديات وآلية نقل ملكية العقار إلى إدارة أملاك الدولة.

ونصت المادة الأولى من التعديل الجديد على "جواز إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي الجمهورية العربية السورية لاسم أو لمنفعة شخص غير سوري، طبيعيا كان أم اعتباريا، بأن تكون إقامة الشخص مشروعة، وأن يكون التملك لعقار واحد مبني بقصد السكن وعلى وجه الاستقلال ويشكل وحدة سكنية متكاملة ومرخص وفق نظام ضابطة البناء وبعد الحصول على ترخيص مسبق يصدر بقرار من وزير الداخلية".

أما تعديل المادة الثانية، فقد نص على أنه "يُمنع على غير السوري الذي اكتسب ملكية عقار وفق أحكام هذا القانون التصرف به بأي وجه قبل مضي سنتين على اكتساب الملكية"، بعدما كان سابقا في حاجة لموافقة وزير الداخلية.

في حين نصت المادة الثالثة في فقرتها الأولى على أنه "يجب على غير السوري المالك للعقار الذي انتقل إليه بطريق الإرث أو الوصية أو بأي طريق من طرق الانتقال، نقل ملكيته إلى مواطن سوري خلال مدة ثلاث سنوات من تاريخ انتقاله إليه"، بعدما كان سنتين قبل التعديل.

أما الفقرة الثانية من المادة الثالثة ذاتها، فقط تضمنت "تنقل ملكية العقار إلى إدارة أملاك الدولة لقاء دفع قيمته المقدرة وفقا لأحكام قانون الاستملاك إذا لم يتم تنفيذ الفقرة الأولى من هذه المادة".

تغيير ديموغرافي

بناء على ما أقره "مجلس الشعب" التابع للنظام السوري، قالت "هيئة القانونيين السوريين" (مناهضة للنظام) إن "هذه التعديلات التي تسمح بتملك الأجانب ورفع القيود السابقة جاءت في ظل الحرب المدمرة التي شنها نظام بشار (الأسد) ومليشياته ضد الشعب السوري وغياب البيئة الآمنة وسيطرة القوات الإيرانية على مؤسسات الدولة وعلى مساحات واسعة من سوريا".

وأشارت الهيئة خلال مذكرة قانونية لها نشرتها على "فيسبوك" في 19 فبراير/ شباط 2021 إلى أن "التعديلات اشترطت الإقامة المشروعة في سوريا لتملك الشقة السكنية وفق التعديلات (مئات آلاف الإيرانيين والشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان) قدموا إلى سوريا وهجروا السوريين هؤلاء هم من سيتملك الشقق السكنية لإتمام التغيير الديموغرافي في سوريا".

وذكرت أن "الجريمة في التعديل وتوقيته وظروفه واضحة الأهداف وكأن ما يسمى مجلس الشعب قد أمن الخبز والمحروقات والماء والكهرباء والخدمات للشعب وانتقل لسن قوانين لا داع لها الآن نهائيا ولن تخدم سوى الإيرانيين والمليشيات الشيعية المستقدمة والروس أيضا".

وأكدت "الهيئة" أن إلغاء هذه القيود يأتي بالتزامن مع إعلان محافظة دمشق عن القيمة التقديرية للعقارات التي جرى الاستيلاء عليها من النظام السوري بموجب المرسوم (66) لعام 2012 والقانون رقم (10) لعام 2018، والذين شملا مناطق "المزة" و"خلف الرازي" و"داريا" و"كفرسوسة" و"القدم" و"مخيم اليرموك" و"جنوب دمشق" و"الغوطة الشرقية" و"القابون" وبعض أحياء دمشق القديمة.

وآلت ملكية تلك العقارات فيما بعد إلى رجال أعمال إيرانيين وروس ورجال أعمال مقربين من النظام وشركات الاعمار الأجنبية والتي بدأت بإنشاء المشاريع عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات مثل مشروع "ماروتا سيتي" وذلك قبل استكمال الإجراءات القانونية.

وأوضحت أن لجنة تقدير القيمة المالية للعقارات المشمولة بالمرسوم (66) والقانون (10)  قدرت سعر المتر في تلك المناطق من 30 إلى 40 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 10 دولار بينما سعر المتر الحقيقي وصل إلى ما بين 5  إلى 8 آلاف دولار.

وأشارت "الهيئة" أن هذه التعديلات تمنح هؤلاء حرية التملك والتصرف في عقارات السوريين المهجرين وفتح أسواق تجارة العقارات للأجانب مما يعزز دعم خزينة النظام بالقطع الأجنبي واستكمالا لجريمة التغيير الديموغرافي من خلال توطين وتمليك الإيرانيين والمليشيات الأفغانية والعراقية الباكستانية وحزب الله وغيرهم من المرتزقة في دمشق أولا، ثم في مراكز المحافظات الكبرى مثل حلب وحمص وحماه.

وخلصت الهيئة القانونية إلى القول بأن "هذه التعديلات تعتبر جريمة حرب مستمرة بحق السوريين تطال أملاكهم وعقاراتهم وحرمانهم منها وبيعها للأجانب دون وجه حق، واستكمالا لجريمة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي".

هيئة القانونيين السوريين تصدر بيانا خاصا حول التعديلات التي أقرها ما يسمى مجلس الشعب لدى نظام بشار على قانون تملك الأجانب رقم ١١ لعام ٢٠١١ وأهداف التعديلات في استمرار جريمة التغيير الديمغرافي وترسيخها في سورية

تم النشر بواسطة ‏هيئة القانونيين السوريين‏ في الجمعة، ١٩ فبراير ٢٠٢١

استيطان المليشيات

من جهته، أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في 18 فبراير/ شباط 2021 إلى "تمدد إيراني جديد ضمن الأراضي السورية، يتمثل باستيطان مليشيات عربية وأجنبية موالية لها قرب الحدود السورية – اللبنانية برعاية حزب الله اللبناني".

وأفاد المرصد الحقوقي بأن "مليشيات إيرانية وعراقية وأفغانية عمدت في الآونة الأخيرة إلى مصادرة شقق فارهة وفيلات في منطقة بلودان ومناطق أخرى بالقرب منها، وحولتها إلى أماكن إقامة لهم ولعوائلهم، والنسبة الأكبر من المليشيات هم الأفغان، كما بلغ عدد الفلل والشقق المصادرة حتى اللحظة أكثر من 69، غالبيتها تعود ملكيتها لأشخاص خارج سوريا".

ولم تكتف تلك المليشيات بذلك، حيث تتمدد إيران أيضا بشراء أراضٍ على كامل الحدود اللبنانية بالرغم من وجود قوانين تمنع بيع وفراغ الأراضي الحدودية.

 إلا أن المليشيات هذه لا تشملها القوانين على ما يبدو، فقد رصد المرصد السوري شراءها لأكثر من 140 أرض في الزبداني، أما المنطقة الأكثر كثافة وشهدت أكبر شراء أراض حتى الآن فهي الطفيل الحدودية إذ جرى شراء 200 أرض حتى اللحظة.

وفي غوطة دمشق الشرقية، أفاد المرصد السوري بأن "عمليات شراء عقارات في مدن وبلدات الغوطة تصاعدت بشكل كبير وملفت في الآونة الأخيرة، وذلك من مجموعة أشخاص يعملون لدى تجار من محافظة دير الزور".

إذ يقوم الأشخاص بأمر من هؤلاء التجار بشراء العقارات والتي تكون في أغلب الأحيان منازل وبعضها محال تجارية، والملفت في الأمر أن تلك العقارات تبقى مغلقة بعد شراءها، بحسب المرصد.

ووفقا للمعلومات التي أوردها أيضا، فإن التجار ينحدرون من ريف الميادين شرقي دير الزور وهم يتبعون لمليشيا "لواء العباس" المحلية الموالية للقوات الإيرانية والتي تعمل تحت إمرتها.

وأبرز هؤلاء التجار شخص يدعى أبو ياسر البكاري وهو من عشيرة البكارة وسبق وأن جرى شراء الكثير من العقارات من قبله في دير الزور بأوامر من عدنان العباس قائد المليشيا.

ونوه إلى أن عمليات شراء العقارات تتركز ضمن الغوطة الشرقية بشكل رئيسي في كل من كفربطنا وحزة وسقبا وعين ترما والمليحة وزملكا.

وتشمل العقارات تلك المعروضة للبيع من قبل أصحابها بالإضافة لأخرها أصحابها متواجدين في الشمال السوري أو خارج سوريا وذلك عبر وسطاء بين الطرفين.

 في حين وصل تعداد العقارات التي جرى شراءها خلال أشهر قليلة من قبل المجموعة التابعة لمليشيا "لواء العباس" إلى أكثر من 300 عقار بفترة زمنية قصيرة.

تشيع دمشق

وأكد "المرصد السوري" أن العملية متواصلة على قدم وساق، ويقوم ممثلين عن هؤلاء التجار، يحملون أسلحة فردية، بزيارات دورية للمكاتب العقارية ضمن الغوطة الشرقية، متسائلين عن عقارات للبيع.

كما أنهم يطلبون من أصحاب تلك المكاتب إبلاغهم في حال وجود عقارات للبيع، الأمر الذي ولد تخوف لدى أهالي وسكان المنطقة، حول أسباب وأهداف هؤلاء بشراء الكم الهائل من العقارات ضمن مدنهم وبلداتهم.

في السياق ذاته، قال المحامي عبد الناصر حوشان خلال تصريحات صحفية في 19 فبراير/شباط إن "القانون خطير جدا، وهو متعلق بالمرسوم 66 لعام 2012 والقانون رقم 10 لعام 2018 لأنها حلقة متكاملة في عملية الاستيلاء على عقارات السوريين. دمشق ستكون ملك الشيعة خلال السنتين أو الثلاث المقبلة".

وحول إمكانية إيقاف قانون برلمان النظام السوري الأخير بشأن تملك الأجانب، قال المحامي: "لا يمكن أن يحصل ذلك إلا بقرار من الأمم المتحدة".

من جانبه، قال القاضي خالد شهاب الدين، إن التعديلات الأخيرة على القانون 11 الصادر العام 2011 في بدايات الثورة، تُزيل الحواجز السابقة على تملك غير السوريين للعقارات، حيث لم يكن التملّك متاحا لغير السوريين قبل العام 2008، إلى حين صدور القرار 11 في ذلك العام، ومن ثم تمت الاستعاضة عنه بقانون آخر في العام 2011.

وأضاف شهاب الدين خلال تصريحات صحفية في 19 فبراير/ شباط 2021 أن التعديلات الأخيرة ألغت الحواجز السابقة على تملك الأجانب للعقارات، من حيث ضرورة موافقة وزارة الداخلية على عمليات البيع، وهو ما سيؤدي إلى زيادة تملك عناصر المليشيات الإيرانية للعقارات، بشكل مُعلن و"قانوني"، وليس بشكل غير معلن، كما هو الحال قبل التعديلات الأخيرة.

ورأى أن "الهدف الواضح من التعديلات الأخيرة هو تسهيل عمليات بيع العقارات لغير السوريين، وخصوصا بعد أن أدى تهديد النظام بمصادرة ممتلكات السوريين المتخلفين عن الخدمة في الجيش وذويهم، إلى زيادة المعروض العقاري في مناطق سيطرة النظام".

وشدد على أنه "لو كان توقيت التعديلات في ظروف مستقرة وتهدف إلى دعم الاقتصاد والاستثمار وتنشيط سوق العقارات، لكان الأمر مقبولا، لكن الآن من هو المستثمر الذي يشتري العقارات في سوريا؟".