موقع إيطالي يكشف عن تجربة فنلندا في محاكمات جرائم الحرب الإفريقية

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع إيطالي الضوء على انتقال محكمة فنلندية إلى ليبيريا، في 22 فبراير/شباط 2021، لإجراء جزء من جلسات محاكمة السيراليوني جبريل ماساكوي، القيادي السابق بالجبهة الثورية الموحدة، والمتهم بارتكاب جرائم خلال الحرب الأهلية الليبيرية الثانية (1999-2003).

وأوضح موقع "إنسايد أوفر" أن "إجراءات المحاكمة، التي انطلقت في وقت سابق من فبراير/شباط 2021، بمدينة تامبيري بفنلندا، تنص على أن تنتقل محكمة الدولة الإسكندنافية إلى العاصمة الليبيرية مونروفيا لمدة شهرين ثم لأسبوعين إلى سيراليون، للاستماع إلى الضحايا والشهود".

وشدد الموقع على أن "هذا الإجراء من شأنه أن يحدث ثورة في إجراءات القضاء العالمي".

ووفقا لهذا المبدأ، أوضح "إنسايد أوفر" أنه يمكن للدولة أن تحاكم مواطنا أجنبيا لـ"ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في الخارج، لكن هذه المرة، سيلتزم القضاء الفنلندي بالكامل بتشريعاته رغم كونه ضيفا في ليبيريا".

من جانبه، قال الخبير في العدالة الدولية وجرائم الحرب، تييري كروفيليي، في حديثه للموقع الإيطالي، إن "هذا ابتكار، لم يحدث أن طلبت دولة من دولة أخرى إجراء محاكمة على أراضيها بموجب قوانينها الخاصة، ناهيك أن ذلك يحدث أثناء جائحة كورونا".

الذاكرة الجماعية

يعيش ماساكوي البالغ من العمر 51 عاما في فنلندا منذ عام 2008، بعد أن حصل على اللجوء لدوره في  المحاكمات التي أجرتها المحكمة الخاصة بسيراليون، وقد مُنح حصانة ضد الجرائم التي ارتكبها في هذا البلد مقابل إدلائه بشهادته التي أتاحت إدانة مختلف القادة المتمردين. 

وذكر الموقع أن ماساكوي لفت مجددا الانتباه إليه في أغسطس/آب 2018، إثر تقديم المنظمة السويسرية غير الحكومية "Civitas Maxima" الملتزمة بالتحقيق في جرائم الصراعات الليبيرية، معلومات إلى العدالة الفنلندية حول تورطه في هذه الصراعات.

وفي مارس/آذار 2020، ألقي القبض على القائد والمتحدث باسم "الجبهة الثورية الموحدة" بعد تحقيق استمر 14 شهرا زار خلاله المحققون الفنلنديون ليبيريا عدة مرات. 

وبعد أن وجهت له اتهامات بارتكاب جرائم قتل وتعذيب واغتصاب مختلفة، تقرر عدم تسليمه إلى مونروفيا ليبقى في فنلندا لأسباب أمنية، ومن المحتمل أن يصدر في شأنه حكم ابتدائي بداية سبتمبر/أيلول المقبل.

ولفت الموقع الإيطالي إلى أن هذه القضية "سلطت الضوء على ضعف الأنظمة القانونية في بلدان مثل فرنسا وسويسرا وبلجيكا، حيث تجري حاليا محاكمات أخرى لجرائم حرب ارتكبها مقاتلون ليبيريون سابقون في ليبيريا، وتتسم هذه المحاكمات ببطء التحقيقات، كما أنها تستغرق وقتا طويلا".

على سبيل المثال، شرعت السلطات السويسرية في محاكمة قائد المتمردين الليبيري السابق، أليو كوسياه، في 15 فبراير/شباط الجاري في بيلينزونا، ويأتي ذلك بعد مرور أكثر من 6 سنوات على اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 ودون إجراء تحقيق ميداني.

وبالعودة إلى محاكمة ماساكوي، أوضح كروفيليي: "نظرا لأنه سيراليوني، من المحتمل جدا أن تمنح ليبيريا صلاحيات قضائية كاملة للمحكمة الفنلندية". 

وأضاف "كما لن تكون مونروفيا متخوفة من احتمال أن يتحدث ماساكوي عن تورط بعض المسؤولين الحكوميين في الصراع".

وفي هذا السياق، أشار الموقع إلى "تقلد مقاتلين سابقين مناصب في الإدارات الليبيرية وأيضا داخل البرلمان بعد أن انتهت مسؤولياتهم في غياهب نسيان الذاكرة الجماعية للبلاد وعدالتها الكارثية".

النموذج الفنلندي

وبغض النظر عن هذه الاعتبارات، نوه الموقع بالمثال الفنلندي ذاكرا في هذا الصدد أن "القضاة الفنلنديين عقدوا عام 2009، محاكمة للرواندي فرانسوا بازارامبا في بلاده، وحكموا عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في الإبادة الجماعية التي عاشتها الدولة الإفريقية عام 1994".

وتابع الخبير كروفيليي: "لم ينجح نموذج العدالة هذا فحسب، ولكنه وفقا للعدالة الفنلندية، كان الأكثر فاعلية واقتصادية، في بلد مثل فنلندا حيث يتم إنفاق الموارد العامة بكل حرص، تمكنت السلطات القضائية من إثبات ملاءمة نقل القضاة والمدعين العامين والمحامين إلى الخارج لعدة أسابيع".

علاوة على ذلك، يعتبر القضاء الفنلندي، الذي يحمل ذكريات مرتبطة بالتجربة الرواندية، أنه من الضروري الاندماج في سياق البلد الذي حدثت فيه الوقائع، وبالأخذ في الاعتبار الاختلافات اللغوية الثقافية في استجواب الشهود الليبيريين، "لن يكون الاستجواب عن بُعد الأسهل والأنسب، خيارا موثوقا به"، على حد تأكيد الموقع الإيطالي.

وبحسب "إنسايد أوفر"، من المحتمل أن تكرر دول أخرى أو محاكم دولية "النموذج الفنلندي"، ولكن يجب أن تؤخذ في الاعتبار النظم القانونية المختلفة. يحدث المسار القضائي الجيد لهلسنكي، والذي يسمح بتقصير وقت المحاكمة (في سياق القانون المدني) المستمد من القانون الروماني (وهو النظام المعتمد في أوروبا). 

من جهتهم، يرى بعض أهل القانون أن ذلك سيكون مناسبا أكثر للعدالة عبر الوطنية ضد جرائم الحرب. 

من ناحية أخرى، تتبع المحاكم الدولية مبادئ القانون المشترك (مستمد من التراث البريطاني) الذي يستغرق أكثر وقت، وعلى سبيل المثال، يصل إنهاء الجلسات التمهيدية بمحكمة "لاهاي" الجنائية أحيانا إلى 4 سنوات.

ووفقا للخبير في العدالة الدولية كروفيليي: "بغض النظر عن العوائق التقنية، من غير المرجح أن يرغب قضاة لاهاي في الذهاب في مهام إلى بلدان صعبة، لذلك يرتبط المشكل بالإرادة، بالمقابل، تكمن قوة النموذج الفنلندي في التصميم على المضي قدما بهذه الطريقة".

وأردف الموقع أن "قضية ماساكوي تثير الأمل مجددا في مونروفيا في إنشاء محكمة خاصة بجرائم الحرب، خصوصا وأن هناك حديث عن موافقة أبداها الرئيس الليبيري جورج وياه على إثر ضغوط من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". 

وقال الباحث السابق في لجنة الحقيقة والمصالحة بليبيريا، آرون وياه: "قبل أن ينهي الرئيس جورج وياه فترة ولايته، يريد أن يترك أثرا يشير إلى إمكانية القضاء على الإفلات من العقاب". 

وأعرب وياه عن أمله في "أن تحدث العدالة الفنلندية سابقة فريدة من نوعها، لطالما أن أمراء الحرب السابقين لا زالوا يشغلون أدوارا رئيسة في الحكومة، فلن تكون هناك تنمية للبلاد".