حرب اقتصادية بين أميركا والصين.. هذا هو "تكتيك" بايدن لإدارة الصراع

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مستمرة على نهج دونالد ترامب في المواجهة الاقتصادية مع الصين، لكن مع وجود اختلافات نوعية في خطط المواجهة وفنيات الصراع.

في خطابه الأول، قال بايدن بمؤتمر ميونخ الذي عقد في الفترة من 19 إلى 21 فبراير/شباط 2021، إنه يتوقع أن يستمر ما سماه "التنافس" مع الصين، داعيا أوروبا لـ"الاستعداد للدخول في منافسة إستراتيجية طويلة المدى مع الصين، ومواجهة انتهاكات حكومة بكين الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي".

تحالف المواجهة

كانت العلاقات الأميركية الأوروبية قد تدهورت في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ووصلت لمستويات غير مسبوقة من الاحتقان جراء تقويض ترامب لمنظمة التجارة العالمية وفرضه رسوما على الواردات الأوروبية من الفولاذ والألومنيوم وانسحابه من اتفاقية المناخ.

حاول بايدن ترميم هذه الصدوع التي أحدثها ترامب في جدار العلاقات بين الجانبين، متعهدا بـ"عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي"، من أجل مواجهة ما وصفها بالتحديات المشتركة الاقتصادية و السياسية الصينية.

بايدن صرح في مؤتمر ميونخ أن "التحالف عبر الأطلنطي يشكل أساسا قويا للشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة، التي تعد "حجر الزاوية لكل ما نأمل في تحقيقه في القرن الحادي والعشرين".

مضيفا: "اسمحوا لي أن أمحو أي شك باق: ستعمل الولايات المتحدة بإرادة وثيقة مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وعواصمهم عبر القارة، من روما إلى ريغا (عاصمة لاتفيا)، لمواجهة مجموعة التحديات المشتركة التي نواجهها".

ركز بايدن كثيرا على عودة ثقة "دول ضفتي الأطلسي" بواشنطن، قائلا: "من البيت الأبيض أتحدث إليكم اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة للعالم: الولايات المتحدة عادت.. لقد عاد التحالف العابر للأطلسي".

مؤكدا أن "الولايات المتحدة مصممة وعازمة على إعادة التعامل مع أوروبا والتشاور معكم واستعادة مكانتنا المتمثلة في القيادة الموثوقة". حد قوله.

ذلك الأمر أكدت عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي لم تكن علاقتها جيدة مع ترامب، قائلة في مؤتمر ميونخ: "على الولايات المتحدة والدول الأوروبية توحيد جداول أعمال مشتركة للتعامل مع الصين وروسيا، وإن التعامل مع بكين وموسكو مهمتان رئيستان يتعين على الشراكة عبر الأطلنطي تبنيهما في السنوات المقبلة".

معالم الصراع

ما أسماها بايدن بـ"الانتهاكات الاقتصادية"، ليست فقط هي سر تأزم العلاقات بين واشنطن وبكين، لكن هناك ملفات أخرى وفق ما صدر عن بايدن في 17 فبراير/شباط 2021، وشنه هجوما غير مسبوق على بكين قائلا: "ستدفع ثمن انتهاكاتها لحقوق الإنسان".

وأضاف بايدن في لقاء تلفزيوني على محطة "سي إن إن": "ستكون هناك تداعيات على الصين"، مؤكدا أنه "سيعمل مجددا على إعادة دور واشنطن العالمي في الدفاع عن حقوق الإنسان، وسيعمل مع المجتمع الدولي، على الدفع بالصين على حماية تلك الحقوق".

وتابع بايدن في تصريحاته التي بدت مشابهة لتصريحات ترامب قائلا: "الصين تسعى جاهدة لأن تصبح زعيمة عالمية، ولكي تحصل على اللقب وتكون قادرة على الوصول إلى ذلك، عليها أن تكسب ثقة الدول الأخرى، وإلا فمن الصعب عليها الوصول إلى ذلك، طالما أنها تمارس نشاطا يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية".

ونقلت وكالة رويترز عن البيت الأبيض أن بايدن "أجرى اتصالا مع الرئيس الصيني استمر لمدة ساعتين، أكد أثناءه على قلقه العميق بشأن ما سماها "الممارسات الصينية الاقتصادية القسرية وغير العادلة".

بالإضافة إلى "القمع" في هونغ كونغ، و"انتهاكات حقوق الإنسان" في شينغ يانغ، والإجراءات الحازمة المتزايدة في المنطقة، بما في ذلك ممارساتها تجاه تايوان".

كان بايدن قد وجه تحذيرات لبكين عقب توليه الرئاسة بنحو أسبوع، من أي نية توسعية في شرق وجنوب شرق آسيا، مؤكدا على تقديم دعمه لحلفائه في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، في الوقت الذي قابلت بكين هذه التصريح بالقول إن "احتواءها مهمة مستحيلة".

وتتنافس كل من الولايات المتحدة والصين بشكل محتدم، للحصول على المركز الأول في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وحسب عالم الشؤون السياسية الأميركي، غراهام أليسون، فإن هناك حذرا كبير لدى الولايات المتحدة من الصين كمنافس، وأن واشنطن ستحاول بأقصى ما تستطيع الحفاظ على المكانة التي أسستها كدولة قائدة للعالم. 

يضيف أليسون: "من المحتمل أن تتضح معالم ذلك الصراع، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضا في الأمن القومي العسكري وحتى في المنظومة السياسية، خلال الـ 20 أو 30 سنة القادمة".


آمال صينية

موقف أميركيا العدائي تجاه الصين، يأت في وقت كانت بكين تأمل فيه الحصول على مكاسب اقتصادية وتجارية عقب مجيء بايدن، حيث دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن، بايدن إلى رفع القيود المفروضة على التجارة والمعاملات بين البلدين، في إطار إعادة تقييم السياسة الخارجية لواشنطن مع عدد من الدول.

وقال الوزير الصيني في منتدى "لانتينغ" الذي عقد 22 فبراير/شباط 2021بالعاصمة بكين: "نأمل أن يتمكن صناع القرار في الولايات المتحدة من مواكبة العصر، وأن يروا بوضوح الاتجاهات السائدة في العالم، وأن يتركوا جانبا الأحكام المسبقة والشكوك التي لا أساس لها، وأن يضعوا العلاقات السياسية مع الصين على قائمة أولوياتهم".

وطالب "بي إن"، بضرورة "رفع واشنطن الرسوم الجمركية "غير الضرورية" المفروضة على البضائع الصينية، وتخلي البيت الأبيض عن العقوبات أحادية الجانب المطبقة على الشركات الصينية.

مؤكدا على استعداد الصين لاتخاذ جميع أنواع الإجراءات اللازمة لحماية حقوق الشركات الأميركية العاملة في مجال التجارة على أراضيها.

وعزا الوزير الصيني تلك العقوبات والقيود التي فرضها ترامب إلى "محاولة واشنطن المتكررة إجهاض التطور التكنولوجي الصيني، أو إعاقة مؤسسات البحث والتعليم التابعة لبكين".

تغير ملموس

لا يبدو أن بايدن سيستجيب لتلك المطالب بلا مقابل، رغم إعادة تقييمه للسياسة الخارجية التي انتهجها سلفه ترامب مع البلدان الأخرى، وهو الأمر الذي أشارت إليه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت بيلين في مقابلة مع شبكة CNBC الأميركية. 

بيلين قالت: "سيتم النظر في مسألة التعريفات الجمركية التي أقرّت أثناء ولاية ترامب، لكنها ستبقى سارية المفعول، ولن تكون هناك أية تعديلات، قبل أن تُظهر الصين تغييرا ملموسا تجاه التزاماتها".

ورغم أن مستشاري بايدن كانوا يوافقون ترامب الرأي في أن بكين منافس مدمر، إلا أنهم في ذات الوقت كانوا ينتقدون نهج ترامب في تعامله مع بكين، ويرون أن ترامب انخرط في معارك تجارية مع أوروبا وكندا والمكسيك، وكان يمكن أن يعمل مع هذه الدول للضغط على بكين وخلق وسائل أكثر فاعلية، بحسب تقرير للكاتب الأميركي جاكوب شليزنغر على صحيفة وول ستريت جورنال.

وشهدت العلاقات بين واشنطن وبكين توترا منذ أن فرض ترامب عقوبات اقتصادية ورسوما إضافية وقيودا جمركية على الشركات والمنتجات الصينية في 2018، وأعلن أن الصين "خصم إستراتيجي".

أتت تلك العقوبات عقب اتهام إدارة ترامب لبكين بأنها تنتهك الملكية الفكرية في الولايات المتحدة وتعمل على سرقة ونقل التكنولوجيا الأميركية عن طريق إغراء عدد من الشركات الأميركية ودعوتها لإقامة شراكات محلية في السوق الصينية.

بالإضافة إلى ذلك، تتهم الولايات المتحدة الصين بأنها توجه الاستثمارات في الولايات المتحدة إلى الصناعات الإستراتيجية وتشن هجمات إلكترونية، ما تسبب بعجز تجاري في الولايات المتحدة لصالح الصين.