القبض على "عصابة الموت".. هل يميط اللثام عن قتلة المتظاهرين بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور أكثر من عام على اندلاع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، الشعبية في العراق، أعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، عن اعتقال "عصابة الموت" التي قتلت ناشطين وإعلاميين، في مدينة البصرة (جنوب)، متوعدا بإجراء محاكمة عادلة وعلنية.

التقارير أشارت إلى أن "الكاظمي يحاول منذ أشهر فتح ثقب في الجدار الكونكريتي لفرق الاغتيالات، لكن الوضع كان صعبا والفرق كانت محمية، لكن بعد تفجير ساحة الطيران ببغداد في 21 يناير/ كانون الثاني 2021، استطاع استثمار الحدث وتوظيفه وإقالة بعض الشخصيات المتنفذة التي كانت توقف الملاحقات والتحقيقات، وتحمي هذه الفرق".

إعلان القبض على "عصابة الموت" أثار تساؤلات ملحة عن مدى امتداد هذه الإجراءات للإطاحة بجماعات أخرى متورطة باغتيال ناشطين في بغداد وغيرها من المدن العراقية، أم أن الكاظمي يخضع لضغوطات داخلية وخارجية كما حصل في حوادث سابقة؟

"عصابة الموت"

الكاظمي أكد خلال بيان نشره مكتبه في 16 فبراير/ شباط 2021، أن "قواتنا الأمنية البطلة تمكنت من إلقاء القبض على العصابة (فرق الموت) التي قامت بقتل عدد من المواطنين والناشطين والإعلاميين في البصرة. الحكومة لن تنسى دماء المواطنين ومن قتلهم، ومصممون على المضي قدما في هذا الجانب".

يأتي ذلك بعد يوم واحد من تغريدة نشرها الكاظمي على "تويتر" قال فيها: "عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة ونشرت الموت في شوارعها الحبيبة وأزهقت أرواحا زكية، سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيدا لمحاكمة عادلة علنية. قتلة جنان ماذي (ناشطة) وأحمد عبد الصمد (إعلامي) اليوم، وغدا القصاص من قاتلي ريهام (ناشطة) والهاشمي (خبير أمني) وكل المغدورين. العدالة لن تنام".

وكان الكاظمي قد أفرج عن عناصر "كتائب حزب الله" في يونيو/ حزيران 2020، وعنصر من "عصائب الحق" في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، بعد القبض عليهم متورطين بإطلاق صواريخ على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد.

فرق اغتيالات

"عصابة الموت" التي أعلن الكاظمي عن اعتقالها، وصفتها تقارير صحفية في 17 فبراير/ شباط 2021 بأنها "فرقة اغتيالات رهيبة" مسؤولة عن عمليات قتل وتهديد كثيرة في البصرة، بدأت مسيرتها باغتيال محافظ المدينة الأسبق محمد مصبح الوائلي عام 2012، وبعدها اغتالوا مدير التجاوزات مكي التميمي عام 2014.

ومع اندلاع التظاهرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قتلوا الناشط مجتبى أحمد جاسم في منطقة الهندية بالبصرة عام 2020، وبعدها اغتالوا الناشطة جنان ماذي، والمراسل الصحفي أحمد عبد الصمد، وزميله المصور صفاء غالي في 10 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه، حسب التقارير.

وأفادت وسائل إعلام محلية، بأن المجموعة ذاتها- وحسب اعترافاتها- هاجمت منزلي محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني وشقيقه، وكذلك منزل حاتم محسن الدراجي مدير شركة مقاولات معروف في المدينة، إضافة إلى أنها حاولت اغتيال ضابط برتبة مقدم في جهاز استخبارات البصرة.

لكن التقارير أكدت أن هذه المجموعة بدأت عملها منذ عهد نوري المالكي الذي ترأس الحكومة بين عامي 2006 و2014، وكانت مرتبطة بجهة أمنية متنفذة، وعام 2017 توصلت إليها استخبارات البصرة واعتقلت رؤوسا كبيرة منهم، لكن بعد مدة أطلق سراحهم بضغط من شخصية أمنية رفيعة أقيلت مؤخرا.

وبعد إطلاق سراحهم فرّت قيادات المجموعة إلى إيران، وبقي بعض أعضاء فرقة الاغتيالات يعملون في البصرة، ومع اندلاع "ثورة تشرين" بدؤوا بمطاردة الناشطين البارزين فيها.

التقارير أوضحت أن عمل هذه المجموعات يجري على شكل دوائر منفصلة عن بعضها كل دائرة في مدينة، أي أن "فرقة اغتيالات" البصرة ليس لديها عمل في بغداد وغيرها من المحافظات، والعكس صحيح.

بعد القبض على "فرقة اغتيالات" البصرة، أدلت باعترافات عن فرقة أخرى تقوم بالعمل نفسه في المدينة ذاتها، وكانت مسؤولة عن اغتيال الناشطة ريهام يعقوب، والناشطين، حسين عادل، وزوجته سارة بمنطقة الجنينة في البصرة، حسبما أفادت تقارير إعلامية محلية.

ارتباطات سياسية

على ضوء عملية الاعتقال التي طالت "فرقة الاغتيالات" في البصرة، كشف إسماعيل مصبح الوائلي شقيق محافظ البصرة المقتول، خلال تصريحات صحفية في 15 فبراير/ شباط 2021 أن فرقة الموت لديها ارتباطات سياسية ويتزعمها شخص يدعى "أحمد طويسة" ويدير أكثر من فرقة، وكل واحدة منها لديها مهام خاصة.

وأوضح الوائلي أن "من اغتال شقيقي، هما أحمد طويسة وعلاء الغالبي وفق ما وصلنا من معلومات تخص الاعترافات والتحقيقات"، مؤكدا هرب "طويسة" إلى مبنى قيادة الحشد الشعبي في البصرة بعد ملاحقته وحدثت ضغوط قوية لتسويف الملف وإغلاقه، ولأن القضية تحوّلت إلى قضية رأي عام، أعلنت الحكومة التفاصيل.

وحول الجهات الضاغطة، يقول الوائلي: "إيران ممثلة بالحرس الثوري وقيادات كبيرة بالحشد وزعماء أحزاب إسلامية شيعية، أمثال زعيم مليشيا بدر هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وزعيم حزب الدعوة نوري المالكي، هؤلاء جميعا ضغطوا بقوة وقدموا تنازلات كبيرة رافقها ضغط إيراني لتسويف القضية".

ولفت إلى أن "أحمد طويسة يعمل مسؤولا في الهيئة الاقتصادية لمليشيا كتائب حزب الله المتخصصة بالابتزاز الاقتصادي، خاصة في الموانئ العراقية، ويتلقّى الأوامر من عمار أبو ياسر – مسؤول الحشد الشعبي في البصرة، والأخير أقدم على تهريب طويسة وعلاء الغالبي، بعد لجوئهما لمقر القيادة".

وأفاد الوائلي بأن "المطلوبين (طويسة، والغالبي) هُرِّبا إلى بغداد وفق ما وصلني من معلومات، وربما يجري حاليا الإعداد لتهريبهما إلى خارج العراق.

وعزا أسباب عدم نشر الأجهزة الأمنية لأسماء المتورطين والجهات التي تتبع لها، بالقول: "أجهزة الأمن أضعف من أن تُعلن عن الأسماء، لأن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق التي تدير فرق موت أخرى، أقوى من الدولة وقادرة على قتل كل من يقول كلمة الحق".

وخلال مقابلة تلفزيونية في 17 فبراير/ شباط 2021، قال الوائلي إن "إدارة فرق الموت التي طاردت الناشطين في مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 كان أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، بتكليف مباشر من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني".

مشيرا إلى أن هذه الفرقة تشكلت من جميع المليشيات الشيعية المسلحة باستثناء مليشيا "سرايا السلام" التي تتبع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وأضاف: "بعد مقتل سليماني والمهندس في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، أوكلت مهمة قيادة فرق الموت في البصرة إلى القيادي الكبير في مليشيا "بدر" الموالية لإيران ووزير الاتصالات الأسبق حسن كاظم الراشد، لكن "المتصدر في الواجهة لمطاردة الناشطين هو قائد الحشد الشعبي في البصرة، عمار أبو ياسر، الذي جرى تهريبه إلى إيران".

تسويف وارد

وتعليقا على مدى نجاح حكومة الكاظمي في مطاردة "فرق الاغتيالات" بعيدا عن الضغوط التي تمارس عليه، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان حامد المطلك: "الكاظمي لن ينجو إلا بتطبيق ما يقول أي أن التصريحات وحدها لا تعني شيئا، ولا تزكيه على الإطلاق أمام الشعب الذي سئم من الأقوال، فهو يريد أفعالا لا أقوالا".

وأضاف أن "اعتقال هذه المجموعة أمر جيد ونستبشر به خيرا، لكننا نعتقد أن الكاظمي إذا لم يمض قدما في تنفيذ هذه الإجراءات الأمنية سوف تؤثر تأثيرا كبيرا على سمعته وسمعة حكومته، وبالنتيجة سيكون مصيرها الفشل".

وتابع: "الشعب كان يعول خيرا بأن يأتي رئيس وزراء لا يتبع لجهة معينة، لذلك ينتظر من الكاظمي تطبيق القانون وإقامة العدل الاجتماعي، ومحاسبة القتلة المأجورين الذين أشاعوا الفساد والرذيلة والقتل والدمار والتهجير في البلد".

ولفت المطلك إلى أن "هذه العصابات مدعومة من جهات داخلية وخارجية وتمتلك السلاح والمال وهي متشعبة وكثيرة، لكن أن يترك لها العنان بالعبث كما تشاء أمر غير صحيح".

واستطرد: "لذلك نعوّل على أن مثل هذه الإجراءات تحد من  قدرة هؤلاء، وإذا استمرت بشكل أوسع وأقوى فسوف تضع حدا للأفعال المشينة التي ترتكبها بحق المواطنين".

وأكد البرلماني السابق أن "الكشف عن الجهات التي تنتمي لها العصابات، فيه نوع من الصعوبة على رئيس الوزراء لأن هذه الجهات مسنودة  بالتأكيد من جهات أخرى لكن المهم أن يطبق القانون عليهم لكي يكون رادعا، ومن الأفضل نشر أسماء من يدعمهم ويقف وراءهم لكي تحوز ثقة الشعب بشكل أكبر".

من جهته، قال الخبير الأمني أحمد الشريفي: "إذا أردنا الكشف عن الحقائق في الجريمة المنظمة، فلا بد من كشف المُشغل لأن أدوات التنفيذ قابلة للتعويض، ومسألة كشفها وإخضاعها للقانون لا تعني كشفا كاملا لملابسات القضايا، لأن هذه الشخصيات تمارس جريمة جنائية بدوافع سياسية".

وأضاف الشريفي خلال تصريحات صحفية في 17 فبراير/ شباط 2021: "هذه المجموعة (فرقة الاغتيالات) ممكن أن يتهموا بقضايا جنائية (القتل) لكن لماذا القتل؟ فهذه الإجابات نجدها عند المُشغّل وليس المنفذين، لذلك لا يكفي أن نتحدث عن اعتقال مجموعة وحتى محاكمتها، لأنه قد يتحدث المتهم أمام المحكمة بأنه دفعت له أموال من أجل قتل فلان وفلان".

وحول إمكانية التراجع عن محاكمة المتهمين، قال الشرفي: "في كثير من الأحيان يتم تسطيح القضية أو تذويبها، فبعد أن تجري عملية الاعتقال تُسكت هذه الخلية أو تلك دون البحث عن الجذور. لذلك فإن التسويف وارد جدا، حتى لو اعترفوا أنهم هم من قاموا بالعمل الجنائي، فتذهب القضية كأنها قضية جنائية لا سياسية".