معركة "الرئاسات الثلاث" تنتقل للشارع.. هل تجرّ تونس نحو الفوضى؟

آمنة سالمي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت دخلت فيه أزمة "التعديل الحكومي" غير المسبوقة بتونس، أسبوعها الرابع دون التوصل إلى حلّ، تستمر الأحزاب وعلى رأسها حركة "النهضة" حشد أنصارها للنزول للشارع في 27 فبراير/شباط 2021، لـ"الدفاع عن التجربة الديمقراطية"، وسط تحذيرات من إمكانية وقوع صدامات وانزلاق إلى حرب أهلية ودعوات أخرى مضادّة للتظاهر.

ففي 16 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن رئيس الحكومة المشيشي تعديلا حكوميا شمل 11 حقيبة وزارية من أصل 25، وبعد 10 أيام صدّق عليه البرلمان، ورغم ذلك لم يوجه رئيس الجمهورية قيس سعيد، دعوة إلى الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابه "خروقات".

وأمام هذه الأزمة المستعصية، وبعد دعوات لحلها مع طرح مبادرات لذلك، أعلن المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" (54 مقعدا بالبرلمان) في 11 فبراير/شباط الجاري، أنه قرر التشاور مع الأحزاب وكل القوى التي تدعم التجربة الديمقراطية والبرلمان والدستور للنزول إلى الشارع.

ولم يمضِ يوم واحد على دعوة "النهضة" أنصار الديمقراطية للتظاهر، حتى أطلقت عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا) المناهض للنهضة والانتقال الديمقراطي بتونس، دعوة مضادة لأنصارها للتعبئة العامة في الشارع للاحتجاج ضدّ منظومة الحكم الحالية برلمانا وحكومة والدعوة إلى إسقاطهما.

حماية الديمقراطية

وفي تعليق على الدعوة للتظاهر، قال المتحدث باسم "النهضة" ونائبها بالبرلمان، فتحي العيّادي، لصحيفة "الاستقلال" إن "الحركة تدارست مسألة النزول إلى الشارع، باقتراح من بعض الأصدقاء في المشهد السياسي، ومبدئيا نتشاور مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب لتنظيم هذا التحرك يوم 27 فبراير/شباط 2021".

ويهدف هذا التحرّك، بحسب العيادي، إلى "الدفاع عن الديمقراطية والبرلمان والدستور بالأساس"، مؤكدا أن "هذا التحرك سيكون للدفاع عن التجربة وليس موقفا تجاه أي طرف كان ولا رد فعل على أي تحرّك مماثل حصل في الشارع". 

ويرى المتحدث باسم النهضة أن "التجربة الديمقراطية التونسية مستهدفة ومهددة على أكثر من مستوى، ومثلما تصمد مؤسسات الدولة من برلمان وحكومة في الدفاع عن هذه التجربة، فإنه لابد من الإصغاء لرأي الشارع وكل التونسيين للتعبير عن ذلك من خلال الحضور في هذه المظاهرة المرتقبة".

وشدد على أن "التجربة الديمقراطية باعتبارها نموذجا ناجحا في المنطقة العربية فهي مستهدفة أساسا من الخطاب الشعبوي، ومن خطاب آخر فاشي إقصائي يُمارس داخل البرلمان"، في إشارة إلى كتلة "الحزب الدستوري الحرّ".

وأكد العيادي أن "التجربة التونسية مستهدفة أيضا من بعض الأجندات الخارجية التي تحرّض على هذه التجربة وتحاول استهدافها باستمرار".

وأشار إلى أن "استهداف التجربة يتركّز اليوم بالأساس داخل البرلمان ورئيسه راشد الغنوشي من خلال سعي بعض الكتل سحب الثقة منه، إلى جانب دعوات حلّ البرلمان، وفي كل هذا استهداف للتجربة وعمل على تقويضها بشتى الطرق". 

ودعا العيادي، "كلّ القوى المدنية والمنظمات الوطنية والتيار السياسي والبرلماني الداعم للحكومة والأحزاب السياسية للمشاركة في تظاهرة حماية الديمقراطية".

والتيار السياسي والبرلماني الداعم للحكومة يتكون من كتل حركة النهضة (54 مقعدا)، وقلب تونس (30 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (18 مقعدا)، وكتلة الإصلاح (18 مقعدا) والكتلة الوطنية (9 مقاعد)، وعدد من النواب المستقلين.

تياران مُتضادان

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي سامي براهم، لـ"الاستقلال"، إن "الحكومة والبرلمان والانتقال الديمقراطي يحتاجون إلى تحرك منظم في الشارع وهادئ ومتّزن يعبر عن مساندته للانتقال الديمقراطي، لأنه تبيّن أن الرئيس سعيّد أصبح له تيار برلماني وسياسي مناهض لهذا الانتقال ويريد الدفع بإحداث نقلة على مستوى منظومة الحكم".

ولفت براهم إلى أن "تونس اليوم تضم تيارين متضادين، الأول رئاسي والثاني برلماني، والتيار البرلماني الذي يمثله الائتلاف الداعم للحكومة يحتاج أن يعبر عن نفسه".

واعتبر أنه "كان من الأفضل أن يكون العنوان الذي ينزل به إلى الشارع عنوانا مدنيا لا حزبيا، أي أن تكون الدعوة للتظاهر من طرف جمعيات ومجتمع مدني قريبة من الائتلاف الحاكم وحزامه البرلماني لدعم الدستور والخيار البرلماني والانتقال الديمقراطي".

واستدرك براهم قائلا: "لكن أن تكون الدعوة من حزب سياسي وكتل برلمانية هذا لا يخدم الأزمة التي نمر بها في شيء".

وأردف براهم أن "من التبعات السلبية للدعوة التي أطلقتها حركة النهضة للتظاهر هو إعلان الحزب الدستوري الحر الذي يمثل شكلا من أشكال الفاشية، ويريد أن يكون منفردا بالتحركات الميدانية، ولا يريد أن تكون هناك أية قوة تزاحمه على مستوى الشارع، لذلك سيقوم بتعبئة عامة ليقول إن الشارع ملكي وليس ملك أطراف أخرى".

وشدد براهم على أن "تونس وصلت لهذه الوضعية جراء موقف رئيس الجمهورية عبر محاولته فرض قراءته للدستور، رغم أن الأخير حدد نظاما برلمانيا للحكم، إلا أن سعيد والتيار السياسي الداعم له (في إشارة للكتلة الديمقراطية التي تضم حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب/38 مقعدا بالبرلمان) يريدون فرض نمط آخر لحكم رئاسي غير ما هو منصوص عليه في الدستور".

من جانبه، انتقد المحلل السياسي والدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي، سعي الأحزاب السياسية إلى التظاهر والتعبئة الشعبية في الشارع، معتبرا أن في ذلك "مخاطرة كبرى بالاستقرار والسلم الاجتماعي". 

وقال العبيدي، لـ"الاستقلال": إن "الوضع في البلاد صعب ومعقد وغير مستقر وأركان الحكم في تونس أي الرئاسات الثلاث ليسوا متفقين فيما بينهم، لذلك تسعى الأحزاب إلى النزول للشارع وتجسيد المشهد على أرض الواقع، لكن هذا الوضع قد ينقلب ضدّها (الأحزاب)". 

وأوضح أن "دعوة النهضة إلى التظاهر أرادت من خلالها تكذيب ما ذهبت إليه عمليات سبر الآراء في الآونة الأخيرة والتي أظهرت تفوق الحزب الدستوري الحر في عمليات الاستطلاع بشأن الانتخابات التشريعية المقبلة، كما أن كل حزب يريد إظهار وزنه في الشارع، وهو نفس الأمر الذي يريد الدستوري الحر إثباته".

أزمة مستعصية

المحلل السياسي العبيدي، شدّد على أن "الدعوات للتظاهر فيها مخاطرة كبرى بالاستقرار والسلم الاجتماعيين وخطر كبير على التحول الديمقراطي، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية كبيرة لم تشهدها من قبل".

ولفت في هذا السياق، إلى "تفاقم نسب البطالة التي فاقت 17.4 بالمائة، وتسجيل نسبة نمو اقتصادي سلبي، وتفاقم عجز الصناديق المالية للدولة، وارتفاع المديونية، كما أن الدولة قد تشهد عجزا في خلاص أجور الموظفين في الأشهر القليلة المقبلة". 

وأكد العبيدي أن "الموجودين في مواقع القرار ليست لهم أية صلة بإدارة الشأن العام ولم يسجلوا أية نتيجة إيجابية في أي مجال من المجالات الاقتصادية".

وأضاف أنه "لا أحد يمكنه تكهّن ما ستؤول إليه الأوضاع في سياق هذه المظاهرات، فمن يدعون إليها لم يستطيعوا تغيير الواقع من داخل مؤسسات الدولة ويريدون تغييره من الشارع وهذا هراء"، حسب تعبيره.

وأردف العبيدي قائلا "كل المؤشرات في تونس تشير إلى أننا ذاهبون للقاع، والنخبة السياسية منغمسة في الصراعات، وسيجروننا إلى كارثة منقطعة النظير".

وفي علاقة بأزمة اليمين الدستورية بين رئيسي الجمهورية والحكومة، تؤكد كل المؤشرات في الساحة أن "لا حل عاجل في الأفق لهذه الأزمة"، إذ ما يزال سعيّد متمسكا بموقفه الرافض لدعوة الوزراء الجُدد لأداء القسم بالقصر الرئاسي بدعوى "وجود شبهات فساد وتضارب مصالح تحوم حول بعضهم".

وهو نفس الموقف الذي كان قد عبّر عنه سعيّد منذ إعلان المشيشي إجراء تعديل وزاري، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، شمل 11 حقيبة وزارية من أصل 25، وقبل نيل وزرائه ثقة البرلمان في الـ26 من الشهر نفسه.

وإلى جانب هذه الأزمة السياسية والدستورية، تعاني تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي فيروس "كورونا"، كما تشهد مناطق مختلفة بالبلاد، منذ أسابيع، احتجاجات ضدّ تردي الأوضاع المعيشية، تخللتها صدامات مع رجال الأمن، ما ينذر بـ"كارثة وشيكة" في حال عدم حل هذه المعيقات سريعا.