مسار صعب في أفغانستان.. كيف فخخ مؤتمر بون 2001 عملية سلام 2021؟

12

طباعة

مشاركة

حمّل موقع إيطالي مسؤولية تواصل الصراعات الداخلية وتعثر عملية السلام في أفغانستان، في جزء كبير منها، إلى المؤتمر الذي انعقد بمدينة بون الألمانية في أعقاب الغزو الأميركي عام 2001.

واعتبر موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن مؤتمر بون "كان له أثر عميق على عملية السلام الأفغانية، وخلق فراغا في الشرعية مازال قائما إلى اليوم"، متسائلا عن "كيفية ملء هذا الفراغ الآن".

وأشار إلى أنه بعد مرور عقدين من الحرب والعنف، شهد عام 2020 بداية مفاوضات السلام الأفغانية بين حكومة كابل ومقاتلي حركة "طالبان"، لافتا إلى أن كل المحاولات المختلفة التي بذلت لإنهاء الصراع "باءت بالفشل".

مسار صعب

ولفهم المسار الصعب المليء بالعقبات الذي سلكه البلد سعيا إلى إنهاء الصراع، أكد الموقع أنه من الضروري التركيز على الخطوة الأولى التي اتخذت في هذا الاتجاه، بدءا بغزو البلاد عام 2001. 

وذكر أنه عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وبعد أن رفضت "طالبان" طلبا للرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش بتسليم أسامة بن لادن المتهم الأول بتنفيذ الهجمات، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب على الحركة، مطلقة عليها اسم "عملية الحرية الدائمة". 

وبعد 5 أيام من القصف المتواصل من قبل القوات الأميركية والبريطانية، تمكن "التحالف الشمالي الأفغاني"، الحليف المحلي الرئيس لواشنطن، من تحقيق مكاسب تدريجية، وسرعان ما سيطر على مناطق رئيسة مثل كابل وقندهار، مما أجبر "طالبان" على الاستسلام.

وعلى إثر ذلك، بدأت مرحلة التفاوض على النظام الأفغاني بعد الحرب، وفي هذا السياق، عُقد بين 27 نوفمبر/تشرين الثاني و5 ديسمبر/كانون الأول 2001، مؤتمر بون، الذي نظمته الأمم المتحدة بهدف إعادة ترتيب السلطة الأفغانية لـ"المضي قدما نحو السلام". 

وللإشارة، تمت دعوة العديد من الشخصيات الرئيسة للمشاركة في المؤتمر، مثل قادة تحالف الشمال ومجموعة قبرص ومجموعة بيشاور.

وتم الاتفاق على إنشاء إدارة مؤقتة إلى غاية انتخاب سلطة انتقالية، والتي كان من المقرر أن تجري انتخابات ديمقراطية في غضون عامين، وبالتالي وضع الأساس لبناء أفغانستان الجديدة. 

كما تم اختيار حامد كرزاي، وهو زعيم قومي من عرق البشتون مقرب من القوى الغربية ويحظى بدعم واشنطن، رئيسا للإدارة المؤقتة.

ولدعم السلطة الانتقالية، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1386، الذي يقضي بنشر قوات مساعدة دولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف)، وفي مارس/آذار 2002، أطلقت الأمم المتحدة أيضا بعثة "يوناما" لدعم المرحلة الانتقالية في البلاد.

وفي نفس الإطار، ذكر الموقع الإيطالي أن نقاشا كبيرا حدث داخل الأمم المتحدة حول طريقة الدعم التي يجب تبنيها في الحالة الأفغانية.

وفي النهاية، تم اختيار ما يسمى بنهج "الأثر الطفيف"، الهادف إلى تقديم مجرد دعم للسلطات المحلية، والحد من نطاق التدخل.

وهكذا أصبح لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، "مهمة فريدة من نوعها"، على عكس التدخلات الأخرى في فترة ما بعد الصراع مثل ما حدث في كوسوفو أو تيمور الشرقية، حيث مارست المنظمة جميع وظائف الدولة بحكم الواقع.

إرث صعب

وقال الموقع: إنه "رغم الجهود التي بذلتها مختلف الجهات الفاعلة الموجودة بالبلاد، إلا أنها ظلت في حالة حرب، وتكمن جذور هذا الوضع في العديد من عناصر الصراع وعملية الانتقال المعقدتين، بالإضافة إلى دور الجهات الفاعلة". 

وألمح إلى وجود نقطة واحدة واضحة تتعلق بالتأثير السلبي للأمم المتحدة على المفاوضات التي أعقبت الحرب خلال المرحلة الأولى من عملية الانتقال.

وأوضح الموقع أن أحد الجوانب تسبب في إشكالية خاصة، ويتعلق الأمر باستبعاد "طالبان" من المفاوضات وعدم دعوتها للمشاركة في مؤتمر عام 2001، خصوصا وأن استبعاد أحد أطراف الصراع عادة ما يكون (في صراعات أخرى)  أيضا جانب حاسم يؤثر سلبا على عملية السلام برمتها.

وأشار إلى أن "عناصر الحركة تحولوا إلى مخربين بعد عدم معاملتهم كطرف شرعي، وبعد أن تمكنوا من إعادة تنظيم الصفوف في باكستان، شرعوا عام 2003 في استعادة السيطرة على المناطق وزيادة نفوذهم تدريجيا في البلاد". 

من ناحية أخرى، اعتبر الموقع الإيطالي أن "إشراك أمراء الحرب المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب، في المفاوضات، خلق الأساس لخلل ديمقراطي وطعن في شرعية عملية السلام".

كما أثار اختيار كرزاي رئيسا خلال الفترة الانتقالية، الكثير من الشكوك حول استدامة النظام الجديد، لا سيما وأن تعيينه جاء من الخارج تحديدا من قبل الولايات المتحدة التي اعتبرته حليفا مهما لمواصلة مكافحة الإرهاب.

ونتيجة لذلك، يستنتج الموقع أن "الأمم المتحدة دعمت عملية انتقال غير شاملة بما فيه الكفاية، وسرعان ما فقدت الشرعية والحياد في أعين الشعب الأفغاني مما أثر على المرحلة الانتقالية بأكملها".

علاوة على ذلك، أغفل التسريع في إبرام اتفاق الجوانب الأساسية، مثل العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، الغائبة تماما من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بون.

وبذلك، أوضح الموقع أن نهج الأثر الطفيف الذي اعتمدته بعثة "يوناما"، أثر بدوره سلبا على أسس  عملية الانتقال السلمية.

في هذا الصدد، تسائل الموقع عما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على القيام بدور أكبر؟ وللإجابة على هذا السؤال، يثير تحليل الباحث ريتشارد بونزيو، حول استثمارات الأمم المتحدة في عملية بناء السلام في البلاد، الاهتمام. 

وبحسب بونزيو، تم استثمار 57 مليون دولار في أول عامين لبدء بعثة "يوناما" في جهود تعزيز السلام في أفغانستان، وهو رقم أقل بكثير من المبالغ المستثمرة في مناطق أخرى تعيش حروبا، مثل البوسنة والعراق وتيمور الشرقية، حيث تم استثمار 679 و 206 و 233 مليون دولار تواليا.

آفاق المستقبل

وأشار الموقع إلى أن أفغانستان "عانت على مر السنين من تدهور مستمر في الوضع الأمني​ جراء الصراع الذي حقق عام 2018 رقما قياسيا محزنا لأكثر النزاعات دموية في العالم، لذلك منحت بداية مفاوضات السلام الرسمية بين الأفغان عام 2020، الأمل للشعب الأفغاني".

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2020، انطلقت المفاوضات الأفغانية الداخلية بين حكومة كابل وطالبان رسميا بالدوحة، إثر التوصل إلى اتفاق بين واشنطن والحركة في فبراير/شباط 2020، ينص على انسحاب القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها في غضون 14 شهر.

ورغم بدء مرحلة جديدة من المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2020 بفضل التوصل إلى اتفاق حول القواعد الإجرائية، أي مدونة السلوك التي تلزم الطرفين، توقفت المفاوضات في يناير/كانون الثاني 2021 بشأن مسألة خفض العنف الميداني.

من ناحيته، يدعو وفد التفاوض الممثل لحكومة كابل إلى "وقف إطلاق النار كأولوية قبل الانتقال إلى مفاوضات جوهرية"، وعلى الطرف المقابل، يصر ممثلو حركة "طالبان" على إشراكهم في الحكومة كعنصر أساسي، فيما يبدو أن الجانبين ينتظران مزيدا من الوضوح بشأن فك الارتباط الأميركي بعد تغيير إدارة البيت الأبيض.

ورغم الصعوبات الواضحة، نوه الموقع الإيطالي بأن مفاوضات الدوحة "تعد خطوة مهمة خصوصا وأن جلوس طالبان وحكومة كابل على الطاولة يعتبر أمرا إيجابيا". 

وبغض النظر عن النتيجة النهائية، ستشمل المفاوضات أغلب الأطراف مقارنة بمفاوضات عام 2001، "مما يضفي مزيدا من الشرعية عليها وعلى الاتفاق المحتمل الذي يمكن أن يعقبها".

واختتم الموقع مقاله بالتأكيد على أنه "لا يمكن اختزال عدم القدرة على تحقيق سلام مستدام في أفغانستان في مؤتمر بون، ولكن مما لا شك فيه أن الترتيبات المتفق عليها خلال المؤتمر كان لها تأثير عميق على المرحلة الانتقالية في البلاد، مما أدى إلى فراغ في الشرعية ساهم بدوره في إثارة الصراع طيلة عقدين".