مصدر رزق.. كيف أثقل وقف التهريب لإسبانيا كاهل العائلات شمالي المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

دفع تفشي فيروس كورونا إلى إغلاق الحدود مع مدينة سبتة الخاضعة للحكم الإسباني قبل عام، ما وضع حدا لـ"التجارة الموازية" التي دعمت منطقة الفنيدق شمالي المغرب.

ويعتمد اقتصاد المنطقة بنسبة كبيرة على أنشطة "التهريب المعيشي"، عبر نقل السلع من سبتة وبيعها داخل المغرب، حيث تشكل هذه التجارة مصدر رزق لغالبية السكان منذ عقود.

ويعاني سكان "الفنيدق" من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، منذ أن قرر المغرب إغلاق المعبر في مارس/آذار 2020. ويتظاهر آلاف المواطنين بالمدينة بين الفينة والأخرى احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، جراء إغلاق معبر مدينة "سبتة" الحدودية، وهو ما سلطت عليه الضوء صحيفة "لوموند" الفرنسية.

"عام دون دخل"

أمينة تقف صامتة وكأنها مشلولة، وسط حشد من الناس أمام مسجد الفنيدق الكبير، وهي مدينة تجارية صغيرة في شمال المغرب، تحمل صورة جارها بين يديها وهي مرتدية جلبابا ووشاحا أبيض.

جارها الرجل الأربعيني، أحمد بوهبو، وهو جاثم مع أبنائه الأربعة بجانب البحر. انتشل خفر السواحل الإسبانية جثته قبل أسابيع قليلة، حيث حاول مع شابين من حيه السباحة إلى سبتة عن طريق جر عوامة يدوية مثبتة بشبكة صيد. 

تهمس أمينة بقولها: ​​"أراد أحمد فقط العثور على عمل لإطعام أطفاله، هنا لم يتبق أمل يُرجى".

تسبب إغلاق الحدود مع المدينة الإسبانية في ضربة شديدة لاقتصاد الفنيدق ومحيطها، حيث تعتمد المنطقة بأكملها على التجارة مع سبتة ومليلية الشرق، بما في ذلك التهريب. 

وهي بمثابة "تجارة موازية" تحرم المملكة سنويا من 4 إلى 5 مليارات درهم (ما بين 370 و460 مليون يورو) من عائدات الضرائب، حاولت الحكومة الحد منها بإغلاق معبر الترجال الحدودي أمام شركات النقل المعفية من الأداءات على البضائع، نهاية عام 2019.

تقول حليمة البالغة من العمر 39 عاما والتي جاءت أيضا للاحتجاج أمام المسجد في 12 فبراير/شباط: "لقد مر عام تقريبا منذ أن صرنا دون دخل". 

شأن كل سكان المنطقة الحدودية، كانت هذه الأم العازبة لثلاثة أطفال تحمل بطاقة إقامة تسمح لها بدخول سبتة دون تأشيرة. تقول حليمة: "كنت عاملة تنظيف هناك، ولدي عقد وبَدل معاشي، فقدت كل شيء بين عشية وضحاها". 

تقول بشرى، وهي خياطة تبلغ من العمر 27 عاما تعاني من تراجع القدرة الشرائية: "نحن جائعون، لكن لا أحد يستمع إلينا، ولا حتى في البرلمان، فكان الشارع ملاذنا الأخير". 

انهيار كامل

في الأيام الأخيرة، تم توزيع سلال غذائية على العائلات الأكثر تضررا من الأزمة. تقول شيماء أمعاشو، وهي ناشطة شابة حاصلة على شهادة في القانون، عاطلة عن العمل "نحن لا نقوم بمد اليد! نحن نطالب بإنجاز حقيقي لخلق فرص عمل".

وتضيف في ذات السياق "انهار نظام اقتصادي برُمّته، وجد فيه الناس أنفسهم دون ماء وكهرباء، دون ما يكفي لدفع الإيجار، باع البعض ثلاجاتهم أو فرشاتهم أو ملابسهم ليتمكنوا من إطعام أسرهم".

وفقا لجمعية تجار السوق، في سوق المسيرة الخضراء الصاخب عادة، أسدلت 40 بالمئة من الشركات الستار، حيث يحاول الباعة بيع آخر عملات مستوردة متبقية. 

قبل إغلاق معبر الترجال، كانت البضائع الأجنبية متوفرة هنا بأسعار مخفضة. 

يوضح العربي، وهو بائع بيجامات يبلغ من العمر 58 عاما بقوله أنه قد "استند نموذجنا إلى غياب الجمارك، يأتي العملاء من جميع أنحاء البلاد لشراء منتجات ذات علامات تجارية أجنبية بسعر مخفض".

ويضيف في سياق مُتصل "هناك، لا نتلقى سوى البضائع المحلية، التي نبيعها بأكثر سعرا من (مدينة) الدار البيضاء".

بعد المظاهرة الأولى في 5 فبراير/شباط 2021، قُبض على أربعة شبان تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة ثم حُكم عليهم بالسجن ستة أشهر بتهمة "انتهاك حالة الطوارئ الصحية" و"التجمع غير المُصرح به" و"العنف ضد الشرطة". 

يقول ناشط من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) رغب في عدم الكشف عن هويته، إن السّلطات كانت عدوانية بشكل خاص، وأن هؤلاء الشباب لم يرتكبوا أي خطأ، "لقد كانوا بمثابة مثال لتهدئة النفوس".

ولتهدئة الخلاف أعلنت السّلطات في 9 فبراير/شباط الكشف عن 400 مليون درهم في 2020 للسماح بتطوير المناطق الحرة في تطوان والفنيدق. 

وبحسب مدير عام وكالة النهوض والتنمية بالشمال منير بويوسفي، فإن "إنشاء هذه المناطق الصناعية بدأ منذ ثمانية أشهر، لكنها أرض وعرة وكوفيد- 19 أبطأ العمل: نحن لا نقوم بإحداث مشروع مثل هذا بين عشية وضحاها". 

اقتصاد آخر

في غضون ذلك، فإن احتمالات إعادة الإدماج شحيحة، حتى لو تم إطلاق المبادرات الضعيفة. افتتح على كورنيش الفنيدق حديثا، مركز تدريب جديد يعمل كحاضنة سيفتح أبوابه قريبا. 

يقول رئيس المركز محمد البركوكي إنه "منذ عام 2019 قمنا بتمويل 90 مشروعا وجاري التحضير لـ 120 مشروعا آخر، هدفنا إظهار إمكانية النجاح دون تهريب".

ويضيف في ذات السياق: "لسوء الحظ، عمل هؤلاء الأشخاص في التجارة الحدودية طوال حياتهم، من الصعب عليهم تخيل إمكانية وجود اقتصاد آخر، سوف يستغرق الأمر وقتا لاستعادة الثقة".

وعدت المحافظة بزيادة البرامج التدريبية لـ "النساء الذين يحملن البضائع" لأنهن حملن حزما ضخمة منها على ظهورهن بين المدينة الإسبانية والأراضي المغربية. 

هؤلاء النساء مثل رشيدة، 37 عاما، التي حملت بضائعا لمدة 20 عاما بمُعدل 100 كجم يوميا، من ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع، حتى أثناء حملها في الشهر الخامس.

تقول رشيدة إنه "في سبتة تعرضنا للإساءة والإذلال، لكن على الأقل كان لدينا دخل، عندما علم زوجي أنني كنت أقوم بعمل يدوي لم يستطع تحمل ذلك، فكسر أسناني".

بالنسبة لسكان الفنيدق، لا يزال العيش دون تهريب أمر لا يمكن تصوره. 

فعلى الرغم من أن الأزمة لم تسلم من اقتصاد سبتة، إلا أن المدينة الإسبانية تظل في نظر الكثيرين السبيل الوحيد للمغادرة. 

كل يوم، يتجه عزالدين، الشاب الصغير والضعيف البالغ من العمر 15 عاما، إلى هضبة تواجه البحر الأبيض المتوسط ​​ليتأمل السواحل، ويتدرب على الاستعداد للعبور، فهناك في حيه، لا يحاول أحد ثنيه عن ذلك.