ثورة الدستور 1948 باليمن.. ماذا تعلم شباب فبراير 2011 من أخطائها؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتزامن ذكرى 11 فبراير/شباط 2011، في اليمن مع ذكرى ثورة الدستور التي اندلعت في 17 فبراير/شباط 1948 واستمرت حتى 13 مارس/آذار من نفس العام بعد أن قاد الأمير أحمد حميد الدين ثورة مضادة تمكنت فيها من إفشال الثورة والقضاء على رموزها.

كانت الثورة قد اندلعت من داخل القصر الملكي ضد الإمام يحيى حميد الدين، حاكم الدولة اليمنية آنذاك، وقادها عبدالله أحمد الوزير مساعد الإمام وممثله في عدد من الاتفاقيات، بمعية نخبة من المثقفين ورجال الدين والضباط الأحرار، ما جعل المنزعجين من هذا الحراك الثوري يطلقون عليها اسم "انقلاب الوزير".

كان هدف الثوار تحويل نظام الحكم من "ملكي مطلق" إلى "ملكي دستوري"، ولذلك سميت "ثورة الدستور"، وتم إنشاء مجلس للشورى وتعيين 60 عضوا من نخبة اليمنيين كأعضاء للمجلس، وهو أول مجلس دستوري لليمن، منذ أكثر من 1000 عام، أي منذ سيطرة حكم الإمامة الزيدية على اليمن عام 897 ميلادية.

تمكن مناضلو 1948 يقودهم الثائر علي ناصر القردعي من قتل الإمام يحيى حميد الدين مع عدد من مرافقيه، من بينهم رئيس وزرائه عبدالله العمري، في منطقة حزيز، الضاحية الجنوبية لصنعاء آنذاك.

بعدها تم إعلان وفاة الإمام، ومبايعة عبدالله الوزير ملكا دستوريا وإماما شرعيا، وتعيين سيف الحق إبراهيم (شقيق الإمام أحمد الأصغر) رئيسا للوزراء، غير أن الثورة لم يكتب لها النجاح رغم أنها نجحت على الفور في إقامة نظام سياسي ومؤسسات دستورية.

استلهام النموذج

هذا الحراك في اليمن أزعج الأنظمة الملكية في الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى العراق والأردن، خشية استلهام النموذج وانتقاله إلى بلدانهم.

كان لعدم الاعتراف بسلطة عبدالله الوزير أثر سلبي في استمرار الثورة، فسرعان ما شن ولي العهد الأمير أحمد حميد الدين ثورة مضادة مستعينا بحشود هائلة من القبائل اليمنية، ومدعوما بالمال والسلاح من الملك عبدالعزيز آل سعود، وتمكن من إفشال الثورة والقبض على رموزها وإعدامهم ثم مبايعته إماما خلفا لأبيه يحيى حميد الدين.

أعدم الإمام أحمد 32 من الثوار، على رأسهم عبدالله الوزير، وجمال جميل في ميدان شرارة، (ميدان التحرير حاليا)، كما قام بتصفية أخيه الأصغر سيف الحق إبراهيم ، الذي عين رئيسا للوزراء في سلطة عبدالله الوزير، عبر دس السم له في السجن.

وبالنسبة لمصر، أعلنت الحياد حينها، لكن الملك الفاروق لم يخف تعاطفه مع ولي العهد أحمد حميد الدين، ثم دعمه لاحقا، ولهذا شكل الموقف المصري فرقا تجاه اليمن، بين مصر الملكية ومصر الجمهورية، ففي حين فشلت الثورة في 1948، نجحت في 1962 بعد أن أصبح النظام السياسي في مصر جمهوريا عقب ثورة يوليو/تموز 1952 بمصر.

 

 

خطأ قاتل

أنتجت ثورة 1948 ثورة أخرى، هي ثورة 1955 وقد أتت كفضل ثان من الثورة، حيث أرادت وضع دستور للدولة والحد من القمع والاستبداد الذي يمارسه الإمام أحمد حميد الدين، الذي عين ابنه محمد وليا للعهد وقام بإقصاء إخوته من الحكم، ما أثار إخوته عليه، ودفعهم للتعاون مع الثوار.

قاد المقدم أحمد يحيى الثلايا الثور، بمعية عدد من الضباط و الجنود، وقاموا في 2 أبريل/نيسان 1955 بمحاصرة قصر الإمام أحمد في تعز، وطالبوه بالتنازل عن السلطة لأخيه سيف الإسلام عبدالله حميد الدين.

أبدى الإمام الاستجابة الفورية لمطالبهم، وكتب: "من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى، يتولى الأخ سيف الإسلام عبدالله تصريف الأمور في البلاد"، وتظاهر بالمرض وتفويض أمره إلى الله، حتى ظن الجميع أنه استسلم للضغوطات ووافق على مطالبهم.

غير أنها لم تكن إلا خديعة من قبل الإمام للإيقاع بالثوار وإفشال ثورتهم، بحسب ما يرويه رئيس الوزراء الأسبق محسن العيني في كتابه "خمسون عاما من الرمال المتحركة".

لم يكن الثوار، على عزيمتهم الثورية، يمتلكون حسا سياسيا أو استخباراتيا، وهو الأمر الذي أوقعهم في الفخ، فقد أبقوا على الإمام أحمد ولم يقيدوا أو يراقبوا تحركاته بعد إزاحته من الحكم، ظانين أنهم طووا صفحته فصرفوا عنه النظر.

لكنه كان يتواصل مع رؤساء القبائل وضباط الجيش الموالين له، وما هي إلا 5 أيام حتى فوجئ الثوار بإطلاق النار على مقر قيادتهم، والهجوم عليهم وإفشال ثورتهم، واعتقال عدد من الضباط، من بينهم قائد الثورة أحمد الثلايا، وكان في طريقه إلى عدن، وتم إعدامهم عقب ذلك.

وفق متابعين، فإن ذلك الخطأ الذي تسبب بإفشال الثورة، يذكر بمنح ثوار فبراير الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحصانة من الملاحقة القانونية، بموجب المبادرة الخليجية التي قادتها السعودية.

الأمر الذي دفع صالح للتحالف مع جماعة الحوثي وتنفيذ ثورة مضادة والانقلاب على الحكومة الشرعية والاستيلاء على مؤسسات الدولة، وهو يأتي ضمن الأخطاء الذي تسبب بإعاقة مسار ثورة فبراير/شباط 2011.

 

"حبّلناها وستلد"

ورغم أن ثورة الدستور فشلت كما يرى البعض، لكنها برأي آخرين نجحت في إيجاد تصور نظري وأرضية ثابتة قامت عليها ثورات لاحقة، ومثلت خطوة عملية باتجاه التحرر من النظام الإمامي الملكي المستبد.

ثورة الدستور تلتها ثورة 1955 بقيادة المقدم أحمد يحيى الثلايا، والتي فشلت هي الأخرى، ثم تلتها ثورة 1962 التي نجحت، وكانت برأي كثيرين ثمرة من ثمار ثورتي الدستور وثورة 1955.

في حديث للاستقلال يقول الكاتب والصحفي حفظ الله العميري: "مثلت ثورة الدستور التي اندلعت عام 1948، بقيادة نخبة من الأحرار والثوار، الشرارة الأولى لثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962.

مضيفا: "أي أن ثورة 62 هي مولود ثورة 1948، ولعل مقولة القائد جمال جميل الشهيرة تترجم هذه الحقيقية، ففي ساحة الإعدام التفت القائد جمال جميل نحو الحاضرين قبيل إعدامه قائلا: (لقد حبلناها وستلد)، وهذه مقولة استشرافية أكدت الأحداث دقتها وسلامتها، فقد زرع ثوار 1948 البذرة التي أثمرت في 1962".

وأوضح الكاتب اليمني أن ثورة الدستور كانت هي الثقب في جدار الاستبداد الذي توسع إلى أن نفذ اليمنيون منه إلى ثورة سبتمبر، قائلا: "كسرت ثورة 1948 حاجز الخوف لدى الناس، ووصلت الى رأس السلطة القمعية حينذاك وهو الإمام يحيى، وتم القضاء عليه، بالإضافة لذلك فقد مثلت الثورة بداية التنسيق بين الأحرار من جميع الاتجاهات".

وتابع: "وقع الثوار في أخطاء، وكانت هذه الأخطاء أهم أسباب فشل الثورة، فالثوار كانوا يفتقرون للحس السياسي وهو الأمر الذي انعكس على غياب التنسيق مع المحيط الإقليمي وعدم القدرة على إقناع الأنظمة السياسية للاعتراف بها".

وأردف: "لكن تلك الأخطاء منحت ثوار 1962 دورسا مهمة في تلافي تلك الأخطاء على أكثر من صعيد سياسي وعسكري وكتب لهم النجاح. لا ينبغي إغفال هذه الدروس ولا ينبغي تجاهل تلك الأخطاء".

واستطرد: "بل يجب علينا الاستفادة من أخطاء ثورة الدستور لتصحيح ما أخطأنا فيه في ثورة 2011، وتطوير التجربة حتى وإن واجهتنا صعوبات وإشكالات، يجب أن نعترف بوجود أخطاء تسببت بإعاقة مسار الثورة، وإذا استمرينا بتجاهل تلك الأخطاء وتصويب كل الممارسات التي تخللت الحراك الثوري فلن يولد الفجر المنتظر".

وختم الكاتب اليمني بالقول: "توصيف البعض لثورة الدستور بأنها فشلت غير دقيق باعتقادي، فالثورة كفعل ثوري قد نجحت، لكنها فشلت في الاستمرار، والتمييز بين هذين الأمرين يساعدنا في معرفة وتشخيص الأخطاء الثورية ومواطنها، ومن ثم القدرة على التعاطي معها وفق مراحلها المختلفة".