كيف ساهم نظام السيسي في وضع ليبيا على طريق اللاعودة؟

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ اندلاع الثورة الليبية في 17 فبراير/ شباط 2011، وما يمكن أن يطلق عليه "محور الشر" المضاد لثورات الربيع العربي في أبوظبي والرياض والقاهرة لاحقا، يعمل على تقويض نتائجها.

بعد الانقلاب العسكري 3 يوليو/ تموز 2013، انضمت مصر بقوة لذلك المحور، وقدمت الدور الأبرز في إفشال العملية الديمقراطية الليبية، وساهمت مع الإمارات والسعودية في إشعال الأوضاع داخل أراضي جارتها الغربية، وتعميق الانقسام، وصولا إلى الحرب الدائرة بين الأطراف المتنازعة.

أحدث نقطة في هذا التدخل الفج المدعوم من محور الشر العربي جاء في مساء الخميس 4 أبريل/ نيسان 2019، حينما أطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما أسماها (عملية تحرير طرابلس)، لتبدأ قواته المتمركزة في شرق ليبيا، والمعروفة بالجيش الوطني، هجوما على العاصمة الليبية، والسيطرة على الحاجز العسكري المعروف باسم (كوبري 27)، الذي يقع على بعد 27 كم، من البوابة الغربية للعاصمة.

بالمقابل تصدت للهجوم، قوات "حماية طرابلس"، التابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، بالإضافة إلى وجود دعم من فصائل مدينة مصراتة المسلحة غربي البلاد، والمؤيدة لحكومة الوفاق.

محور الشر

في 8 أبريل/ نيسان 2019، صرح الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في مقابلة له على شبكة الجزيرة، بأن "اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مجرد أَجير بيد محور الشر العربي المتمثل في الإمارات والسعودية ومصر، الذي يحاول مواجهة الربيع العربي بكل الوسائل خدمة لإسرائيل والغرب".

وغدت ليبيا في السنوات الأخيرة، مسرحا لتدخل الأطراف العربية وتحديدا مصر والإمارات والسعودية، وشكل هذا التدخل أكبر عوامل الأزمة وتغذية النزاع بين الأطراف، ورسخ عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ومنذ سقوط القذافي بعد ثورة 17 فبراير/شباط 2011، دخلت ليبيا في حقبة جديدة، وبدأت تتشكل فيها دولتها ونظامها السياسي على أسس مختلفة ومغايرة لما كانت عليه في السابق، في الوقت الذي تنظر فيه قوى عربية ودولية إلى ليبيا على أنها البلد الذي يمتلك ثروات ضخمة، وموقعا إستراتيجيا هاما في أفريقيا، وعلى سواحل المتوسط بالقرب من القارة الأوروبية.

هشام عشماوي

رأت القاهرة أن الجارة الغربية، تمثل تهديدا مباشرا على أمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بتهريب السلاح وإيواء بعض العناصر المتطرفة المعادية للنظام المصري، من خلال الحدود الشاسعة بين البلدين.

فلم تنس القاهرة هشام عشماوي ضابط الصاعقة الذي انشق عن جيشها لينضم إلى الجماعات المسلحة في سيناء، ثم أسس تنظيم المرابطين الذي نشط في منطقة الصحراء الغربية، وشن عمليات ضد قوات الجيش والشرطة هناك، ومع تضييق الخناق عليه نقل نشاطه إلى ليبيا، قبل أن يتم القبض عليه داخل مدينة درنة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وتسليمه إلى القاهرة.

وفى 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، قضت محكمة مصرية غيابيا بإعدام عشماوي إثر إدانته بالهجوم على كمين الفرافرة بصحراء مصر الغربية، الذي أسفر عن قتل نحو 30 جنديا مصريا.

التدخل المصري في ليبيا تجاوز الضغوط السياسية وعقد تحالفات مع أطراف محددة، بل وصل الأمر إلى تدخل عسكري مباشر، وحاولت القاهرة في فبراير/ شباط 2015، استصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بالتدخل العسكري في ليبيا، وهو ما رفضه الغرب.

مراسلات إلكترونية

في 4 سبتمبر/أيلول 2014، كشف موقع "نون بوست" عن مراسلات بالبريد الإلكتروني بين وزير المواصلات في حكومة عبد الله الثني والوزير مفوض محمد أبو بكر " مدير شؤون الوكالات الدولية المتخصصة بالخارجية المصرية"، يطلب فيها الوزير من المسؤول المصري طلبات ذخائر وأسلحة في أغسطس/ آب 2014، أثناء الاشتباكات بين قوات ما يعرف بفجر ليبيا ومليشيات القعقاع والصواعق والمدني المؤيدة لعملية الكرامة التي يشنها حفتر منذ منتصف مايو/أيار 2014، ببنغازي.

المراسلات في ذلك الحين أثبتت تورط الحكومة المصرية في الصراع الدائر بليبيا، والدعم الواضح لحفتر الذي كان يحاول أن يستنسخ تجربة عبد الفتاح السيسي منذ صعوده إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري في مصر.

السيسي من جانبه يعتبر الحدود الغربية خطرا داهما على الدولة المصرية، خاصة من جانب تهريب السلاح، وتمركز جماعات متشددة، بالإضافة إلى صعود الإسلاميين ومشاركتهم في حكم ليبيا، وهي النقطة التي حفزت الإمارات ومصر إلى ضرورة الانخراط في المسرح الليبي وتقويض تلك الحالة المقلقة لكليهما.

الحوار المسرب

في 19 فبراير/شباط 2015، كشف تسريب بثته قناة "بانوراما" الليبية، عن مساع مصرية إماراتية لدعم محاولة انقلابية فاشلة في ليبيا بقيادة اللواء خليفة حفتر قبل عام، وتحديدا في فبراير/شباط 2014، وجاء الحوار المسرب بين عباس كامل، وعبد الفتاح السيسي، حينما كان الأخير وزيرا للدفاع.

محور المكالمة في الدقائق الأولى منها، دار عن أحمد قذاف الدم ابن عم معمر القذافي، ورئيس الحكومة الليبية آنذاك علي زيدان، كما تطرق الحديث للشخصية الفلسطينية، والقيادي المقال من حركة "فتح" محمد دحلان، والذي ألمح عباس لحساسية موقفه وهو مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في إشارة لدور خفي يلعبه في الداخل الليبي.

وكشف التسريب عن اتصالات بدت بين السيسي عندما كان وزيرا للدفاع مع زيدان وقذاف الدم، قبل فبراير/ شباط من العام 2014، حيث كان ينتظر تحركا جماهيريا يقوده معارضو المؤتمر الوطني "المنتخب" على غرار تحركات 30 يونيو/ حزيران في مصر.

وفي 20 مارس/آذار 2018 انطلقت من القاهرة سلسلة اجتماعات ضمت عسكريين ليبيين، لبحث سبل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وإعادة هيكلتها، وانعقدت الاجتماعات بحضور رئيس الأركان المكلف من المجلس الرئاسي الليبي اللواء عبد الرحمن الطويل، وبحضور الفريق عبد الرزاق الناظوري رئيس أركان القوات المسلحة الليبية التابع لحفتر، والرجل الثاني بعده في الجيش، الأمر الذي يعزز دور مصر في صياغة وترتيب العملية السياسية في ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، والاعتماد المباشر على حفتر الذي مثل نقطة الدعم لإنفاذ الإرادة السياسية، والعسكرية للبلدين.

نموذج السيسي

في 16 مايو/آيار 2014، انطلقت العملية العسكرية التي يقودها حفتر تحت عنوان (كرامة ليبيا)، وبدأت بمدينة بنغازي في الشرق، حيث هاجمت قوات حفتر مقار للثوار والكتائب المحسوبة على الإسلاميين، ثم انتقل الصراع إلى العاصمة طرابلس، ومنها إلى معظم المناطق الليبية في نزاع محموم استمر لسنوات متتالية.

وفي فبراير/شباط 2014، بثت قناة العربية السعودية تسجيلا لحفتر يعلن فيه  إعجابه بالسيسي، محاولا الاقتداء به عندما أعلن عن خارطة طريق مشابهة لما حدث في مصر، لكن الصراع احتدم في ليبيا وكانت له مسارات مختلفة.

وفي مايو/آيار 2017، زار رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق محمود حجازي، برفقة مدير المخابرات الحربية المصرية اللواء محمد الشحات، اللواء خليفة حفتر في الاحتفالات المقامة بمناسبة الذكرى الثالثة لإطلاق عملية الكرامة.

وكان حجازي يتولى رئاسة اللجنة المصرية الليبية المشتركة المعنية بالملف الليبي، وسبق له أن عقد سلسلة اجتماعات منفردة مع حفتر، ورئيس مجلس رئاسة الحكومة فائز السراج، وأعضاء من مجلس الدولة الليبي.

قاعدة محمد نجيب

كان مشهد افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية يوم 22 يوليو/تموز 2017، مهيبا في إخراجه ودلالته، فالقاعدة التي أصبحت أكبر القواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط في ظل ما أثير عن إمكانياتها القتالية والتجهيزات العسكرية التي بداخلها، هي الأقرب من الحدود المصرية الليبية، والمتحكمة في العمليات العسكرية غربي مصر.

الافتتاح تم باستعراض ضخم، كان على رأسه عبد الفتاح السيسي برفقة كلٍ من، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، ومستشار العاهل السعودي أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وولي عهد البحرين الأمير حمد بن عيسى آل خليفة، واللواء خليفة حفتر.

خبراء عسكريون أكدوا في حينها أن القاعدة الجديدة ستلعب دورا بارزا في العمليات القتالية التي تجري في ليبيا، وتحديدا على صعيد توفير التدريب والدعم العسكري واللوجستي لقوات الجيش الوطني التابعة لحفتر.

ضربات عسكرية

في 24 أغسطس/آب 2014،  قال المتحدث باسم قوات فجر ليبيا في بيان تلاه أمام صحفيين في طرابلس إن "الإمارات ومصر متورطتان في هذا العدوان الجبان"، وذلك في إشارة إلى غارات جوية على مطار طرابلس، بعد 6 أسابيع من المعارك بينهم وبين قوات حفتر، كما قال المتحدث إن الحكومة المؤقتة والبرلمان الليبيين متواطئان في تلك الغارات.

بيان المتحدث باسم قوات فجر ليبيا عن التورط المصري الإماراتي في قصف طرابلس 

وفي فبراير/شباط 2015، قصفت القوات الجوية المصرية مدينة درنة الليبية، إثر مقتل 21 قبطيا مصريا ذبحا على يد تنظيم الدولة في ليبيا.

وعاودت مصر التدخل العسكري في ليبيا مرة أخرى، ردا على مقتل عشرات المسيحيين في صعيد مصر على يد مسلحين، لتقوم الطائرات الحربية المصرية بتنفيذ هجوم مباغت على مدينة درنة في 2 يونيو/حزيران 2017، وهو ما اعتبره محللون عسكريون ذريعة لتعزيز موقف حليفها حفتر على الأرض.

جرائم حرب

في تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي"، الصادر يوم 23 مايو/آيار 2015، تحت عنوان (ليبيا: تنامي الأدلة التي تثبت ارتكاب جرائم حرب على إثر الضربات الجوية التي نفذتها مصر)، أشارت إلى أن سلاح الجو المصري تقاعس عن اتخاذ الاحتياطات الضرورية اللازمة لدى شنه ضربات، تسببت بمقتل مدنيين في أحد الأحياء السكنية بمدينة درنة الليبية بتاريخ 16 فبراير/ شباط 2015.

وقالت حسيبة حاج صحراوي نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية "لقد انضمت مصر إلى قافلة الجهات التي تعرض حياة المدنيين للخطر في ليبيا".

وفي تقرير هيومن رايتس ووتش عن الأوضاع في ليبيا خلال العام 2015، أكد أن هناك دولا عدة من بينها مصر والإمارات، انتهكت قرار مجلس الأمن رقم 1973 لسنة 2011، الذي يقضي بحظر السلاح في ليبيا، وأن تلك الدول نقلت أسلحة، وذخائر، وطائرات، ومركبات مدرعة إلى أطراف النزاع.