قانون الانتخابات الجديد.. هل يطفئ شعلة "المصباح" في الحكومة المغربية؟

ربيع عبد الباسط | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع مصادقة المجلس الوزاري بالمغرب على القوانين الانتخابية التشريعية والبلدية خريف 2021، طفى الحديث في الساحة السياسية بأن المملكة دخلت مرحلة جديدة في مسلسل إبعاد حزب "العدالة والتنمية" من رئاسة الحكومة المقبلة.

وفي 11 فبراير/شباط 2021، ترأس الملك محمد السادس المجلس الوزاري، وتركز جدول أعماله حول مشاريع القوانين التنظيمية للانتخابات، وتمت المصادقة عليها لتحال على البرلمان لإدخال التعديلات والملاحظات.

وشملت القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة، 4 مشاريع، أبرزها اثنان مثلا تجاوبا مع مطالب المعارضة الحزبية، وتجاهل مواقف حزب "العدالة والتنمية" (شعاره المصباح) الذي يقود الحكومة.

أحد هذه القوانين الأربعة، هو مشروع "يهدف لمراجعة عدد الجماعات (البلديات) الخاضعة لنمط الاقتراع باللائحة، من خلال الرفع من عدد السكان المطلوب لتطبيق نمط الاقتراع المذكور من 35 ألفا إلى 50 ألفا نسمة".

واعتمد المغرب في 2015 تقسيما إداريا جديدا، ارتفع بموجبه عدد الجماعات إلى 1503، بينهما 1403 يتحقق فيها شرط أقل من 35 ألف نسمة، التي يعنيها التعديل الجديد.

ويقسم القانون المغربي "الجماعات" إلى 3 مستويات، الأول ويقصد به البلديات، والثاني المحافظات، بينما المستوى الثالث يشمل "الجهات" (الأقاليم)، حيث اعتمدت الرباط تقسيما إداريا قائما على 12 جهة.

وخلال الانتخابات البلدية لسنة 2015، حقق حزب "العدالة والتنمية" انتصارات كبيرة تجلت في حصوله على أكثر من مليون و700 ألف صوت، وتحقيقه أزيد من 5 آلاف مقعد من أصل 15 ألفا، وكذلك تمكن من الفوز بأغلبيات مريحة لتسيير أكثر من 300 بلدية أغلبها ذات كثافة سكانية عالية.

وأرجع مراقبون ساعتها فوز العدالة والتنمية إلى استفادته من نظام الاقتراع باللائحة، الذي مكنه من هزم الأعيان ورجال الأعمال والقيادات السياسية التاريخية في البلديات، التي كانت تفوز بسهولة حين اعتماد نمط الاقتراع الفردي.

ويقوم نمط الاقتراع باللائحة على اختيار لائحة حزبية، بخلاف الاقتراع الفردي الذي يقوم على اختيار مرشح واحد، وانطلق المغرب في اعتماد اللائحة منذ انتخابات 2002، وذلك بهدف "تعزيز التصويت السياسي والتضييق على الفساد والتزوير الانتخابي".

مطالب المعارضة

ككل سنة انتخابية، تعقد الحكومة لقاءات مع الأحزاب، وتفتح نقاشا حول القوانين الانتخابية، وما ميز مشاورات الحكومة مع الأحزاب، حيث تباينت المواقف واختلفت التوجهات والآراء، تجاه التعديلات المطلوب إجراؤها على القوانين الانتخابية.

ويمثل موضوع "نمط الاقتراع" واحدا من أكثر المواضيع إثارة للخلاف بين الأحزاب، وتحديدا بين "العدالة والتنمية" وباقي الأحزاب، حيث توافقت أحزاب معارضة وباقي مكونات الائتلاف الحاكم على الاعتماد أكثر على نمط الاقتراع الفردي، والتراجع عن نمط الاقتراع باللائحة.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أرجع عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، حسن حمورو،  هذا التباين إلى "اختلاف رهانات الأحزاب السياسية، فرهانات الأحزاب ستختلف، بين العدالة والتنمية الذي يسعى لإثبات صوابية اختياراته في المرحلة التي توشك على الانتهاء، وبين الرهان المشترك لباقي الأحزاب وهو تحجيم الحضور الانتخابي لحزبنا".

وطالبت أحزاب (التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي)، وهي كلها في الائتلاف الحكومي، مدعومة بأحزاب (الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية) في المعارضة، بتعزيز "الاقتراع الفردي" على حساب نمط التصويت باللائحة.

ومطلع 2020، أطلقت الحكومة مشاورات مع الأحزاب حول الانتخابات المقبلة، وقامت بعدها الأحزاب معارضة وائتلافا، بتوجيه مذكرات إلى وزارة الداخلية، تضمنت ملاحظاتها على القوانين الانتخابية، ومطالبها بشأن مجموعة من التعديلات.

وقدمت هذه الأحزاب أثناء المشاورات مع وزارة الداخلية، مقترحا شبه موحد، يدعو إلى اعتماد نمط الاقتراع باللائحة في المناطق التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة، وتبني نمط التصويت الفردي في الدوائر التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، وهو ما استجابت له الحكومة.

وعلى خلاف هذه الأحزاب، اقترح "العدالة والتنمية" اعتماد نمط الاقتراع باللائحة في المناطق التي يفوق عدد سكانها 20 ألفا، عوض 35 ألف المعتمدة حاليا. 

وفي هذا الاتجاه، اعتبر رئيس فريق "المصباح" بمجلس المستشارين، نبيل شيخي، في تصريح لموقع حزب، أنه "من الأمور التي يؤسف لها ضمن هذه المشاريع، تقليص عدد الدوائر الانتخابية الخاضعة لنمط الاقتراع باللائحة، وهو ما يتنافى مع المسار الذي كنا نطمح إليه من خلال تعميم هذا النظام باعتباره مدخلا لعقلنة وترشيد العملية الانتخابية، وتكريس منطق التصويت على الأحزاب بدل الأشخاص". 

الاحتواء والتحجيم

الوزير السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية، مصطفى الخلفي، استعرض في دراسة تحليلية نشرها في موقع معهد "كارنيغي" للسلام الدولي (أميركي)، ثنائية "الاحتواء" الذي فرضته الدولة، و"التحجيم" الذاتي للمشاركة الذي تبناه الحزب.

وتاريخيا، شارك حزب العدالة والتنمية، في أول انتخابات في تاريخه عام 1997 في حدود نصف الدوائر الانتخابية، ويعتبره الحزب "تحجيما ذاتيا"، فيما يعتبره آخرون بداية سياسة الاحتواء التي فرضتها الدولة على الحزب

هذا السلوك سيتكرر في الانتخابات التشريعية لسنة 2002، حين أعلن مشاركته في 56 دائرة من أصل 91، بل نزل إلى ما نسبته 18 في المائة من الدوائر في الانتخابات البلدية لـ2003. 

وتذهب تحليلات كثيرة إلى أن أحداث 16 مايو/أيار 2003 (سلسلة تفجيرات متزامنة في مدينة الدار البيضاء)، وقيام حملة إعلامية وسياسية كبيرة، وصلت حد تحميل العدالة والتنمية المسؤولية المعنوية عن الإرهاب، بل وطالبت بحل الحزب، كلها عوامل دفعت الحزب إلى تقليص مشاركته.

وخلال انتخابات 2007، تقدم الحزب في مختلف الدوائر الانتخابية، وأعلن بعض قادته الاستعداد لتحمل المسؤولية الحكومية، لكن دعواتهم لقيت رفضا من قبل الدولة والأحزاب التي كانت تبحث تشكيل الحكومة آنذاك.

وفي علاقته بالمشاركة في الحكومة، كما اعتمد المشاركة المتدرجة بالنسبة للاحتواء ولهذا رفض المشاركة في حكومة التناوب (ترأسها  اليساريون) في مارس/آذار 1998 وكذلك في حكومة أكتوبر/تشرين الأول 2002 ولجأ إلى الحفاظ على حد أدنى وفعال من المعارضة البرلمانية.

غير أن الحزب عرف تحولا كبيرا بعد انتفاضات الربيع العربي 2011، حيث قرر لأول مرة تغطية جميع الدوائر الانتخابية، رافضا جميع دعوات وإشارات تقليص المشاركة، فحصل على المرتبة الأولى، وتمكن من تشكيل الحكومة ورئاستها.

الحزب الذي أصبح القوة الأولى في البلاد، سيكرر تغطيته لجميع الدوائر في انتخابات 2016، لكنه سيقدم تنازلا من خلال قبوله ببعض التعديلات الطفيفة نسبيا على القوانين الانتخابية، لكنه رغم ذلك لم يتأثر انتخابيا، بل حقق أرقاما "غير مسبوقة" في التاريخ السياسي المغربي على مستوى الأصوات والمقاعد.

تنازلات الحزب

حرص "العدالة والتنمية" في الولاية الأخيرة (2016 -2021) على تقديم تنازلات كبيرة، اعتبرها قادته ضرورية لبناء الثقة مع الدولة، ودفعها إلى التخلي عن التوجس من الحزب ذي المرجعية الإسلامية.

لقد كانت آخر تنازلات الحزب بحثا عن رضى الدولة، هو الموقف من التطبيع، حيث تحول الحزب من أكبر رافض لما كان يعتبره قادته "وجودا واختراقا صهيونيا" و"إبادة حضارية"، إلى داعم لقرارات الدولة من خلال استئناف التطبيع مع إسرائيل.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أمين عام الحزب سعد الدين العثماني وقع باسم الدولة، اتفاقا ثلاثيا في ديسمبر/كانون الأول 2020، يقضي بعودة العلاقات مع دولة الاحتلال، وشارك عدد من وزرائه في لقاءات مباشرة أو عبر الفيديو مع نظرائهم الإسرائيليين.

ويعد إعلان وزير التجهيز والنقل، والقيادي في حزب "المصباح"، عزيز رباح، استعداده للذهاب لإسرائيل متى دعاه "الواجب الوطني" لذلك، مثالا صارخا على هذا التحول في الموقف، وربطه بمصلحة الوطن، تبريرا للتنازلات المقدمة.

وسبق هذا التنازل الكبير، موضوع آخر، تمثل في التخلص من رئيس الحكومة والأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وذلك عبر إبعاده من قيادة الحزب، حيث عمد عدد من قادة الحزب على ترويج أنه "مغضوب عليه من الملك، وسبب للتوتر" بين الحزب والدولة، وبقاؤه في القيادة قد يفتح على الحزب "باب غضب لا قبل له به".  

وأيضا تصريحات سابقة لقيادي المصباح، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، التي دعا فيها إلى تقليص مشاركة الحزب في الانتخابات المقبلة، بهدف إرسال إشارة للدولة بأن الحزب "لا يحمل أي نزوع نحو الهيمنة والسيطرة على الحياة الحزبية في المغرب".

ورغم الآثار والتداعيات الخطيرة التي كادت أن تعصف بالحزب عبر هذه التنازلات، فإن الدولة، بعيون مراقبين، ماضية في تنزيل رؤيتها لتقليص حظوظ العدالة والتنمية، عبر "هندسة عملية انتخابية يخرج فيها الحزب خاسرا". 

السلطوية والقوانين

وفي تعليق عن القوانين الانتخابية المصادق عليها، اعتبر حمورو، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "القوانين ليست العامل الحاسم في الانتخابات، لأنها في النهاية تعبر عن موازين القوى السياسية خاصة في الدول التي ما تزال تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، ونحو ربط المشروعية التمثيلية بالانتخابات، مثل المغرب".

وأكد أن "الإشكال المطروح أمام تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، يتعلق بدور السلطة وموقفها من الإرادة الشعبية، ومن الأحزاب الجماهيرية والمستقلة".

وشدد حمورو على أنه "لا مجال للحديث عن دمقرطة القوانين الانتخابية في مناخ سياسي يعرف مدا متصاعدا للسلطوية، وتراجعا مهولا في استقلالية الأحزاب، وانسحابها بشكل غير مفهوم من القيام بأدوارها في التنبيه للإشكالات السياسية".

وتابع: "حتما هناك رهانات مختلفة للانتخابات المقبلة، لا يوجد من بينها رهان تعزيز الديمقراطية التمثيلية بهدف تقوية المؤسسات المنتخبة، فللسلطة رهاناتها، وللأحزاب رهاناتها".

وأوضح أن ذلك يتجلى في "التواطؤ الجماعي على هندسة قوانين تحقق هذه الغاية، ومنها إجراء الانتخابات البلدية والجهوية والبرلمانية في يوم واحد، مع إقرار حالات تمنع الجمع بين وكالة اللوائح". 

وختم حمورو تصريحه بالقول: "السلطة لا يمكن أن تفرط في المعطيات المتوفرة لها، ولن تسمح بعودة التأطير السياسي للانتخابات، وستعمل على ترسيم الخريطة التي رسمتها طيلة هذه الفترة، ووضع كل حزب في الموقع الذي ارتضته له، بنفس ضبطي غير جديد في المغرب".

ويتوقع مراقبون أن تساهم تعديلات القوانين الانتخابية، وتنازلات "العدالة والتنمية"، في زيادة إضعاف حظوظه للحصول على الرتبة الأولى في الانتخابات المرتقبة، الأمر الذي سيزيد من متاعب "المصباح" الذي فقد الكثير من عناصر الجذب التي كانت تدفع المواطنين إلى التصويت له.