بعد تصنيف "الحرس الثوري" إرهابيا.. ما السيناريوهات بين أمريكا وإيران؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أن يوضع كيان حكومي على قوائم الإرهاب، خطوة قد تكون فريدة من نوعها، أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بتصنيف الحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية". القرار حسب مراقبين، يأتي في إطار الإستراتيجية التي تتبعها واشنطن تجاه إيران، واتجاهها لتقليم أظافر طهران وتضييق الخناق على ولاية الفقيه وقواته العسكرية الضاربة.

واشنطن في ظل إدارة ترامب ترى أن الحرس الثوري الإيراني قد تجاوز الحدود المرسومة له، وانتقل في عملياته خارج إيران وأصبح يجوب الدول العربية والخليجية ليشكل تهديدا واضحا لها ولحلفائها.

الحرس الثوري الذي يمثل شريان النظام الإيراني بعد اعتباره منظمة إرهابية، قد يغير ذلك من معادلاته في الداخل الإيراني وكذلك على المستوى الخارجي، حيث يصبح حزب الله المتضرر الأكبر، بينما ستواجه ميليشيات الحشد الشعبي بالعراق مصيرا مجهولا، وكذلك الحوثيون في اليمن المدعومون بشكل مباشر من الحرس الثوري.

التصعيد بين الطرفين الأمريكي والإيراني أصبح محل رصد ومتابعة، خاصة بعد تهديد إيران وقائد الحرس الثوري بالتصعيد تجاه أمريكا والرد بالمثل على القرارات الأمريكية المرتقبة، وذلك بتصنيف الجيش الأمريكي "إرهابيا" أيضا، مما يضعنا أمام سنياريوهات تصعيد محتملة.

ضغوط متواصلة

وفي خطوة جديدة للضغط على إيران مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (في 8 مايو/أيار 2018) وإعادة فرضِ العقوبات على طهران، أصدر البيت الأبيض الإثنين 8 أبريل/نيسان 2019، بيانا أدرج فيه الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات "الإرهابية" الأجنبية.

وجاء في البيان: "هذه هي المرة الأولى التي تعلن الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من دولة أخرى منظمةً إرهابية، ما يؤكد الحقيقة أن أعمال إيران تختلف تمامًا عن أعمال الدول الأخرى".

ووصف ترامب، في البيان، هذه الخطوة "بغير المسبوقة"، مهددا باعتبار من يتعامل مع الحرس الإيراني بعد ذلك بأنه "داعم للإرهاب".

وقال إن هذه المؤسسة العسكرية الإيرانية "تقوم بتمويل الإرهاب ودعمه بشكل فعال، باعتباره أحد أدوات الدولة"، مؤكدا أن بلاده ستواصل ضغوطها على إيران "حتى تتخلى عن سلوكها التدميري وغير القانوني".

الرد الإيراني كان سريعا ومماثلا إذ أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني  إدراج القيادة المركزية الأمريكية المعروفة اختصاراً بـ"سنتكوم" في الشرق الأوسط، والقوات التابعة لها على قائمة "التنظيمات الإرهابية" في إيران.

حماية النظام

تأسس الحرس الثوري في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، بقرار من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وقتها، الإمام الخميني، وذلك بهدف حماية النظام الناشئ، ويقدر عدد أفراده بنحو 125 ألفا.

فبعد سقوط الشاه، أدركت السلطات الجديدة، أنها بحاجة إلى قوة كبيرة تكون ملتزمة بأهداف النظام الجديد والدفاع عن "قيم ومبادئ الثورة"، وصاغ رجال الدين قانونا جديدا يشمل كلا من القوات العسكرية النظامية، وتُناط بها مهمة الدفاع عن حدود البلاد، وحفظ الأمن الداخلي، وقوات الحرس الثوري (الباسدران) وتكلف بحماية النظام الحاكم.

أما على أرض الواقع، فقد تداخلت أدوار القوتين المذكورتين على الدوام، فالحرس الثوري مثلا يقوم أيضا بمهام المساعدة في حفظ النظام العام، ويعزز باستمرار من قوته البرية، والبحرية، والجوية، وله سلطة الإشراف على الأسلحة الإستراتيجية في البلاد، ويشرف أيضا على ميليشيات الباسيج التي تتكون من 90 ألف متطوع.

ومع مرور الوقت تحول الحرس الثوري إلى قوة عسكرية، وسياسية، واقتصادية كبيرة في إيران، حيث تشير المعلومات إلى أنه يسيطر على نحو ثلث الاقتصاد من خلال بعض المؤسسات، ويقوم القائد العام الحالي للحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، بدور كبير في تنفيذ المهام التي يكلف بها من قبل المرشد الأعلى للثورة.

قمع المعارضين

يستخدم النظام الإيراني الحرس الثوري لقمع أي معارضة داخل البلاد، كما يعتبر يدها الطولى للتوسع خارجها، سواء عبر تدخله المباشر بالأحداث والعمليات أو عبر عملائه في بقية الدول مثل حزب الله اللبناني وميليشيات الحشد الشعبي العراقية والحوثيين في اليمن وغيرهم، وهو الأمر الذي لا تخفيه طهران، حيث تباهى جعفري بتجهيز 200 ألف مسلح في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن.

فمن خلال فيلق القدس الذي يمثل قوات النخبة في الحرس الثوري تتدخل إيران في سوريا لدعم بشار الأسد في مواجهة المعارضة، وفي العراق فإن أغلب المليشيات الطائفية هناك مرتبطة به وتتلقى منه الدعم والتسليح والتدريب، كما يتدخل في لبنان عبر ميليشيات حزب الله، ويشرف على تدريب أفراده وتسليحه وتدريبه أيضا، وهو الأمر ذاته في اليمن من خلال دعم مليشيات الحوثي.

وفي دول الخليج فإن للحرس الثوري عدة محاولات للتدخل من أجل زعزعة الاستقرار فيها، وهو ما يظهر جليا في البحرين التي أعلنت مرارا تفكيك خلايا إرهابية مرتبطة بالجهاز، وكذلك الكويت، بجانب محاولاته المستمرة بالمساس بأمن واستقرار المملكة العربية السعودية.

وللحرس الثوري أعضاء بالسفارات الإيرانية عبر العالم، تنفذ عمليات استخباراتية وتشرف على معسكرات التدريب وتقدم الدعم للموالين لإيران، تنفيذا لتوجهات المرشد الرامية لزعزعة الاستقرار خاصة في منطقة الشرق الأوسط عبر شعار تصدير الثورة.

خارج القانون

كميل البوشوكة خبير القانون الدولي الأحوازي عرج خلال حديثه لـ"الاستقلال" على جرائم الحرس الثوري الإيراني قائلا: "يستعمل أسوأ سياسات العنف مثل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والإخفاء القسري والتهجير ضد أي جهة في إيران تعارض سياساته، ولديه سلطة قانونية وعسكرية واستخباراتية اقتصادية، ويدير الدولة العميقة، ويدخل في سوريا وقام بأبشع المجازر بحق المدنيين بأمر علي خامنئي القائد العام للثورة الإيرانية".

مضيفا: "الحرس الثوري درب عشرات المليشيات المسلحة خارج القانون في العراق منذ احتلال العراق عام 2003، ولكن بعد عام 2014 أي بعد احتلال شمال وغرب العراق على يد داعش قام الحرس الثوري بتدريب 100 ألف مليشياوي خارج القانون في العراق قاموا بمجازر ضد الإنسانية في العراق بحجة محاربة داعش".

حسب البوشوكة فإن "قاسم سليماني قائد فرقة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري، هو من يدير السياسة الخارجية الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وأفغانستان وفلسطين بدلا من الوزارة الخارجية"، لافتا إلى أن الحرس الثوري "يملك جهاز مخابرات وسجون ومعتقلات ومقرات عسكرية خارج إطار القانون، ولديه أيضا قوة صاروخية يهدد بها دول العالم وتحديدا دول الخليج العربي، وحلفائهم من الأمريكان".

صمود أم انهيار.

تهديد إيران لأمريكا بتصنيف الجيش الأمريكي كياناً إرهابياً، يعد حسب  جواد الحيدري خبير العلاقات الدولية، "ردّاً رمزيّاً يرمي إلى رفع معنويات مؤيديها من المحافظين والمتشددين في الداخل، والمليشيات والكيانات السياسية التابعة لها في الدول العربية".

واستبعد الحيدري أن "تردّ إيران عسكرياً على السياسيات الأمريكية، وإذا حدث ذلك، فسوف يكون منحصراً في العراق عبر مليشياتها الإرهابية كحزب الله وعصائب أهل الحق وجيش المختار، مؤكدا أن هذا ما تنتظره الولايات المتحدة".

خلال حديثه مع "الاستقلال" تنبأ الحيدري أن يخسر النظام الإيراني ما تبقّى من رصيد مشروعيته السياسية في أوساط بيئته الحاضنة التي أعلنت عدم رضاها بما يجري، مشيراً إلى أن إيران سوف تواجه هذه الخطوة بمحاولة الضغط على الاتحاد الأوروبي حتى يقف معها ويدعمها، مهددةً بالانسحاب من الاتفاق النووي.

الحيدري توقع أن يتبع القرار الأمريكي انهيار العملة الإيرانية بشكل دراماتيكي أكثر من قبل، وينكمش الاقتصاد الإيراني، ويزداد التضخم.

تقليم أظافر

كما توقع أن تزداد الاضطرابات الداخلية والاحتجاجات الشعبية الرافضة لسياسات نظام ولاية الفقيه، والوضع المعيشي المزري في العاصمة والمدن الفارسية الكبرى، وأقاليم الشعوب غير الفارسية المتمثّلة في الأحواز وكردستان وبلوشستان وتركمانستان والأتراك الآذريين الذين ذاقوا ذرعاً بسياسات إيران العنصرية، والمطالبين بالتحرر وحق تقرير المصير.

خبير العلاقات الدولية، توقع أنّ تتخذ الدول العربية المناوئة لإيران خطوات مشابهة في تصنيف الحرس الثوري منظمةً إرهابية، ساعيةً إلى عزل إيران إقليميّاً، وتقليم أظافره في دول الجوار، وحل القضايا العالقة والأزمات في دول عربية كاليمن وسوريا والعراق، لتحييدها، وعدم السماح لإيران باستخدامها أوراقَ ضغط في مفاوضاتها ومناوراتها.

الحيدري خلص إلى أن "العلاقات الأمريكية الإيرانية سوف تزداد سوءاً وتوتراً، وتسعى إيران ألّا تقدم تنازلات، متخذةً مزيداً من سياسات التقشف وتطبيق "مقاومة الصبر"، مراهنةً على تغيير إدارة الرئيس ترامب في الانتخابات الأميركية المقبلة، مستبعدا سيناريو الحرب بين الطرفين في هذه المرحلة".

حروب بالوكالة

أحمد بيان المتخصص في الشأن الإيراني توقع أن تتجه العلاقات الإيرانية الأمريكية نحو التأزم والمواجهة التى قد تصل حد الصدام المخابراتي العسكري، والحروب بالوكالة من جانب الطرفين في المنطقة والعالم بصورة عامة.

بيان اعتبر القرار الأمريكي  من شأنه أن يساعد على عمليات وهجمات أكثر من جانب الحرس الثوري ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، مشيرا إلى أن ترامب اتخذ منذ مجيئه إلى سدة الحكم في أمريكا خط المواجهة لتطلعات إيران التوسعية.

وقال بيان لـ"الاستقلال": إن "الحرس الثوري الإيراني بأعماله الإرهابية والتجسسية هو الهاجس الأول لدى واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من المؤكد سيكون له تداعيات كبيرة على صعيد المنطقة والعالم".

تبييض الأموال

وعن تلك التداعيات، أوضح الكاتب والناشط الإعلامي السوري الدكتور زياد أيوب، أن "تصنيف الحرس الثوري إرهابيا سيحرم إيران من التمدد والوجود الاستراتيجي؛ عن طريق القادة الذين يتعاملون عن طريق شركات الصرافة والعقارات في الدول الأخرى".

مضيفا: "حتى الحسابات المصرفية المعلنة المتعلقة بقادة الحرس الثوري، فضلا عن منعهم من الذهاب إلى مناطق العمليات خارج إيران وأيضا منع الأموال الإيرانية التي يتم تبيضها في دول كثيرة من الذهاب مرة أخرى إلى مناطق العمليات ولاسيما الساخنة منها كاليمن وسوريا وغيرها".

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى "أهمية التوقيت الذي اتخذت فيه أمريكا الخطوة، حيث تمر إيران بأسوأ الأوقات اقتصادياً وسياسيا؛ مما يجعلها محاصرة ويمكن أمريكا من شد الوثاق أكثر على السلوك الإيراني بل وعلى الحكومة الإيرانية".

مشروع جديد

ياسين التميمي الكاتب والمحلل السياسي اليمني، قال: إن "ترامب يتحرك انطلاقاً من رؤية إدارته لمستقبل المنطقة، والذي سيتأسس وفقاً لهذه الرؤية على حلف إستراتيجي يدور حول المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويحرر حلفاء إقليميين مثل السعودية من مخاوف التوسع الإيراني الذي يستند بشكل أساسي على جهود الحرس الثوري".

مضيفا في حديثه مع "الاستقلال": "القرار الأمريكي الأخير سيولد العديد من الصعوبات أمام تحركات الحرس الثوري، وسيعقد كثيراً من أساليب تمويله وشبكة علاقاته ذات الطابع الاقتصادي، ويضيق خياراته ويحجم دوره في الداخل الإيراني وخارجه، خصوصاً وأنه يستأثر بمصالح اقتصادية هائلة داخل إيران".

"أمريكا بعدما فرغت من استخدام الدور الإيراني في المنطقة تصنفه إرهابيًّا لتنفيذ مخططها الهادف لتقسيم إيران، وهذا ما ذكرته في أكثر من مناسبة، متوقعا أن إيران على وشك التقسيم في الأيام القادمة" هكذا قال فالح الشبلي المتحدث باسم سنة العراق.

فالح أشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن "أمريكا تعمل الآن على حشد الكثير من الشخصيات العراقية لمحاربة وإيقاف المد الإيراني في العراق، وهذا يدل على أن الدور الإيراني قد انتهى كما سبق وأوشكت إيران على مواجهة المصير الذي لا تتمناه".

ولفت "الشبلي" إلى أن "أمريكا تعمل ليل نهار لأجل إنهاء صفحة وحقبة هذا العميل المأجور (إيران) وإنهاء دوره في المنطقة، تمهيدا للبدء بمشروع أمريكي جديد في الشرق الأوسط عامة أو في كل آسيا".