عامان على الحراك.. موقع أميركي: لهذا سيعود الجزائريون إلى الشارع مجددا

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قال موقع "أتلانتك كونسيل" الأميركي، إن الجزائريين يستعدون للنزول إلى الشارع مجددا للمطالبة بتغيير جذري في البلاد بعد عامين من انطلاق "الحراك".

وأوضح تقرير للموقع أن الجزائريين يستذكرون حركاتهم الاحتجاجية، التي بدأت قبل عامين والملقبة بـ"الحراك"، فيما تحتفل ثورات الربيع العربي بالذكرى العاشرة لانطلاقها.

وقد يفترض المراقبون غير المطلعين على تاريخ البلد المغاربي أنه بعد أن شهدت البلاد احتجاجات محدودة أكثر من جيرانها في عام 2011، فإن الجزائر ببساطة أبطأ في الوصول إلى نقطة الغليان.

ولكن هذا سيكون بمثابة قراءة خاطئة لتاريخ هذا البلد الذي اتبع منذ فترة طويلة إيقاعا مختلفا ويبدو أنها على وشك الدخول في فصل جديد اليوم، وفق الموقع.

البحث عن الكرامة

كانت بعض ديناميكيات العمل في الجزائر في فبراير/شباط 2019 مألوفة للمراقبين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث شعر الجزائريون بالإحباط بسبب الرأسمالية المتزايدة، وتراجع الخدمات العامة وارتفاع نسبة البطالة والنخبة السياسية البعيدة عن الواقع. 

وجسد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة المحاربين القدامى في حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا الذين حكموا البلاد لأكثر من خمسة عقود. 

وبعد إصابته بجلطة دماغية في عام 2013، انسحب بوتفليقة إلى حد كبير  بعيدا عن أعين الجمهور، مما أثار الشكوك حول من يدير البلاد بالفعل.

وخلال حكم بوتفليقة، جمعت الجزائر تريليون دولار من صادرات النفط والغاز، لكن السلطات استخدمت  هذه الثروة لملء حساباتها المصرفية السويسرية مع تغطية ما يزيد قليلا عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين ورفضت الدعوات لتنويع الاقتصاد.

وراهن المسؤولون  على أن الجزائريين الذين ما زالوا يعانون من صدمة "العشرية السوداء" (الحرب الأهلية في الجزائر)، التي أودت بحياة 200 ألف شخص في التسعينيات، ستكون لديهم شهية ضئيلة للثورة.  

وفي حين أن هذا قد يكون صحيحا في عام 2011، إلا أن الأرض قد تغيرت بحلول عام 2019، حيث بلغ جيل جديد سن الرشد.

جيل أصبح أكثر ارتباطا بالعالم الخارجي، وأقل صدمات  من الجيل الذي عايش العقد الأسود، وهم شباب تبدو أحلامهم طموحة لبناء مستقبل أفضل.

ورد هؤلاء الشباب، إلى جانب العديد من شيوخهم، بغضب على الإعلان عن أن بوتفليقة سيسعى لإعادة انتخابه على الرغم من  وضعه الصحي  وسوء الإدارة المتصاعد في البلاد. 

عقب أيام، في 22 فبراير/شباط 2019، خرج الجزائريون إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة لم يشهدها جيل كامل. وسرعان ما ظهر إيقاع أسبوعي منتظم، حيث يتظاهر طلاب الجامعات كل يوم ثلاثاء ويتجمع بقية الجزائريين كل يوم جمعة. 

وبعد أن أخذوا درسا من الثورات الفاشلة في أماكن أخرى،  قام الجزائريون بحراسة بعضهم البعض بصرامة لضمان بقاء المظاهرات سلمية.

ولم تكن استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019،  قادرة على تهدئة المد لأن الجزائريين من جميع الأطياف أرادوا استبدال النظام ، وليس فقط رئيسه. لقد اتحدوا وراء شعار واحد: "أخرجوهم جميعا". 

لكن هذه المطالب  كانت بعيدة المنال بسبب سنوات الحصار التي فرضتها  من الدولة، وعدم قدرة أحزاب المعارضة والمجتمع المدني وغيرها من المؤسسات على توجيه الحوار وصياغة الإجماع، يقول الموقع الأميركي.

و لم تكن الشخصيات البارزة التي تسعى إلى قيادة الحراك تحظى بثقة الجزائريين، مما ساهم في غياب مطالب مشتركة أو قيادة واضحة أو رؤية متماسكة للمستقبل" للحراك".

"الجزائر الجديدة"

وبعد استقالة بوتفليقة، أذعنت السلطات المدنية إلى الجيش الجزائري القوي، الذي حاول خنق الحراك من خلال مزيج من الاسترضاء والترهيب. 

وتم تنفيذ حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد أطاحت برجال الأعمال والسياسيين "المحتقرين" على نطاق واسع ، بما في ذلك العديد من الوزراء السابقين.

كما سعى الجيش إلى تقسيم الحراك. وعلى سبيل المثال ، قام بسجن المتظاهرين بتهمة "تقويض الوحدة الوطنية" إذا شوهدوا وهم يحملون علم البربر (الأمازيغ).

لكن وبالنسبة للكثيرين، فإن تصفية الحسابات السياسية من خلال تهم الفساد التعسفي إلى جانب سجن المتظاهرين السلميين كانت بمثابة دعوات للاحتجاج أكثر، وليست أسبابا للانسحاب. 

وفي الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، كانت العديد من الشخصيات الشعبية في السجن أو حكم عليها بعدم الأهلية للترشح، مما ترك الجزائريين مجبرين على الاختيار من بين قائمة من خمسة من المقربين من النظام. 

وفي انتخابات شابها إقبال ضعيف، خرج وزير الإسكان السابق (والرئيس الحالي) عبد المجيد تبون منتصرا وأعلن فجر "الجزائر الجديدة". 

 لكن  الجزائريين الذين كانوا غير مقتنعين بهذا الإعلان، وواصلوا الاحتجاج بينما تحولت حكومة تبون الجديدة ببطء لمواجهة قائمة الأزمات المتزايدة في البلاد.

ولم يكن بإمكان الحكومة ولا المحتجين توقع وصول جائحة فيروس كورونا الربيع الماضي. وفي البداية، استمرت مظاهرات الحراك لعدة أسابيع، قبل أن يدعو المتظاهرون إلى وقفها في أواخر مارس/آذار 2020.

واستغلت الحكومة الوباء كذريعة لإعادة فرض نسختها من النظام، وإغلاق حدود البلاد، وسجن الصحفيين والناشطين، ومنع الوصول إلى المواقع الإعلامية المستقلة. وفي غضون ذلك  تُركت مهمة احتواء أزمة كورونا للنظام الصحي الجزائري، المرهق والذي يعاني من نقص التمويل. 

وحرصا منه على ترسيخ شرعيته وصياغة قطيعة حاسمة مع اضطرابات العام السابق، أوفى تبون بوعده بوضع دستور جديد. 

لكن الوثيقة التي نشرتها حكومته، قبل أيام فقط من الاستفتاء الذي أجري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فشل في تلبية مطالب المحتجين بنقل السلطة الرئاسية وضمان استقلال القضاء وتعزيز الحماية على حرية التعبير وحرية الصحافة. وبدلا من ذلك، حاولت السلطات استقطاب الحراك بالإشادة بها في الديباجة المنقحة.

وعلى أمل حرمان تبون من التفويض الشعبي الذي سعى إليه، دعا الكثيرون داخل الحراك النائم، الجزائريين إلى مقاطعة الاستفتاء. واستجاب الكثير لندائهم، حيث أظهرت الأرقام الرسمية إقبال 23 في المائة فقط.  

وعلى الرغم من إقرار الدستور بأغلبية ثلثي الأصوات، إلا أن نسبة المشاركة  كانت ضعيفة ومثلت توبيخا واضحا للحكومة.

ولم تكن النتائج محرجة للحكومة فحسب، بل سلطت الضوء أيضا على أكبر نقاط ضعف الحراك. وفي حين أن افتقار الحراك للقيادة منع الحكومة من إيقافه "بقطع رأسه"، فإن هذا الافتقار جعل  الحراك غير قادر على إجراء تحولات إستراتيجية في اللحظات الحاسمة. 

وكان الاستفتاء لحظة من هذا القبيل، ونظرا لأن أقل من 14 في المائة من الناخبين المسجلين قد صوتوا لصالح الدستور، فإن المحاولة المتواضعة لتعبئة نسبة 86 بالمائة المتبقية من الناخبين لرفضه لم تكن ناجحة.

أزمة مألوفة

ولم يكن تبون موجودا ليشهد انتصاره بفارق ضئيل في الاستفتاء على الدستور، ذلك أنه وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020، سافر إلى ألمانيا لأسباب صحية غير محددة، مما أثار تكهنات واسعة النطاق.

وعندما بث التلفزيون الحكومي خطابا مسجلا مسبقا منه، رأى الجزائريون تشابها مقلقا: مرة أخرى، جلس رئيسهم في مستشفى أوروبي، غير قادر على قيادة البلاد مع تصاعد التحديات. 

بعد يومين، أكدت الرئاسة أخيرا أن تبون البالغ من العمر 74 عاما، و"المدخن الشره"، قد أصيب بفيروس كورونا مما أدى إلى تعميق المخاوف من أزمة قيادة أخرى.

وعلى مدى شهرين، سمع الجزائريون القليل من الأخبار عن صحة الرئيس حتى مع وجود مشاكل متزايدة في الوطن بسبب غيابه.

وكانت الجزائر غارقة في أزمة اقتصادية وأخرى صحية عامة تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة. ومع ذلك، في ظل نظامها شديد المركزية - سمة من سمات كل من الدستورين السابق والجديد - أدى غياب الرئيس فعليا إلى تجميد عمل الدولة.

ومثلما تم تجديد النظام الجزائري المكسور من خلال استفتاء على شرعية مشكوك فيها، سلط غياب تبون الضوء على هشاشة النظام العميقة.

وتعمق الشعور بالفراغ القيادي بشكل حاد في ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما وصلت أنباء عن تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل، مصحوبا باعتراف أميركي بسلطة الرباط على الصحراء الغربية (استضافت الجزائر لاجئين صحراويين ودعمت حق المستعمرة الإسبانية السابقة في تقرير المصير لأكثر من 40 سنة).

ووصف الجزائريون الأمر بأنه إذلال آخر، ذلك أن بلادهم تغيبت عن الساحة الدولية وبدون رئيس يتحدث نيابة عنها، مما جعلها عاجزة عن تشكيل الأحداث حتى في الجوار، رغم أنه لا توجد دولة في المنطقة معروفة بدعمها للقضية الفلسطينية أكثر من الجزائر.

وبالنسبة للعديد من الجزائريين، يبدو أن الإهانات تتصاعد مرة أخرى. فوسط الانتشار الواسع لفيروس كورونا، كافحت الجزائر لتنظيم تدابير مضادة فعالة، بما في ذلك التطعيم. وزادت الضغوط على الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات.

وفي الوقت نفسه، يشعر الجزائريون بالقلق من أن المشاكل الاقتصادية ستجبر البلاد على طلب الإنقاذ من المؤسسات المالية الدولية، وهي خطوة اتخذتها الجزائر في التسعينيات وأصبحت منذ ذلك الحين، خطا أحمرا سياسيا إلى اليوم.

وفي ذات الوقت يسارع أنصار الحراك إلى الإشارة إلى أنهم أوقفوا الحركة طواعية ويمكنهم العودة للشارع في أي وقت.

وبعد عامين من اندلاع الحراك، يبدو هذا الاحتمال مرجحا، حيث تتزايد الدعوات يوما بعد يوم من أجل العودة إلى الاحتجاج والدفع المتجدد من أجل التغيير الأساسي، يقول الموقع الأميركي.