بعد عامين على انطلاقها.. ماذا تبقى من الحركة الاحتجاجية في الجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

كان لا بد للمظاهرات الجزائرية التي بدأت في فبراير/شباط 2019 أن تتواصل لولا تفشي وباء كورونا، ومواصلة الحكومة قمع الناشطين الذين تستمر محاكماتهم الواحدة تلو الأخرى بوتيرة محمومة.

تقول صحيفة لوموند الفرنسية، إنه في الأيام الأولى من 2020، بدا أن "اليد الممدودة" التي وعد بها الرئيس الجزائري المنتخب حديثا عبد المجيد تبون قد تحققت، حيث تم الإفراج عن 76 من ناشطي الحراك، بما في ذلك العديد من شخصيات هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية التي برزت قبل عامين بالضبط.

وأضافت أن هذه اللفتة رمزية، كان هدفها تهدئة الاحتجاج وطي صفحة سنوات حكم عبد العزيز بوتفليقة، ولكن، تحولت "اليد الممدودة" إلى "قبضة من حديد"، على مدى الأشهر الماضية، وفق الصحيفة.

وبينت أن "الناشطين والمعارضين السياسيين والصحفيين ومستخدمي الإنترنت هم هدف للسّلطات، التي تزيد من عدد الاعتقالات والإجراءات القانونية والإدانات من أجل منع استئناف الحراك الذي أعاقته الأزمة الصّحية، وقد كانت المحاكمات متواصلة، منذ أسابيع".

وبحسب اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، وهي جمعية جزائرية تساند سجناء الرأي، فإن عشرات الأشخاص يقبعون حاليا في السجن لمشاركتهم في حركة الاحتجاج أو بسبب منشوراتهم التي تنتقد السلطات على وسائل التواصل.

بعد عامين من مسيرات الحراك الأولى، تحذر منظمات الحقوق المدنية من المزيد من الانتهاكات في البلاد. 

وتوسل الروائي ياسمينة خضرة (الاسم المستعار للكاتب الجزائري محمد مولسهول) في مقابلة مع صحيفة "لا ليبرتيه" اليومية، داعيا إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي بقوله إن "الجزائر تستحق مصيرا أفضل".

وأضاف: "لقد عانينا من أبشع الانتهاكات ودفعنا ثمنا باهظا مقابل أقل تقدير، والآن تنهار تضحياتنا ضد عبثية نظام لا يعرف إلى أين يتجه (...). دائما ما ينتهي الأمر بالاستبداد".

حراك معطل

بدأ الحراك انتفاضة سلمية غير مسبوقة، بلا قيادة حقيقية، في فبراير/شباط 2019، في أعقاب رفض ترشيح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

في 16 فبراير/شباط، اهتزّت البلاد بسلسلة من المظاهرات المتفرقة عبر خلالها الجزائريون عن استياء شديد. 

بعد ثمانية أيام، وقع تنظيم تجمعات في أكبر المدن بالبلاد، بما في ذلك العاصمة الجزائر، حيث تم حظر جميع الاجتماعات منذ عام 2001. 

منذ ذلك التاريخ، يتظاهر ملايين الأشخاص للمطالبة بتغيير عميق في "النظام" الذي تركّز منذ عام 1962، كل يوم جمعة. 

وأجبر الحراك الرئيس بوتفليقة على ترك السلطة بعد عشرين عاما على رأس البلاد، ليخلفه عبد المجيد تبون، بعد اقتراع تمت مقاطعته وتميز بمظاهرات حاشدة. 

وكان تبون أحد أنصار عبد العزيز بوتفليقة، وكان رئيسا مؤقتا للوزراء في 2017. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال البرلمان، الناتج عن الانتخابات المزورة في سنوات بوتفليقة، قائما.

على غرار هذه الانتخابات، كان وباء كوفيد-19 هو الذي أدى في الأشهر الأولى من عام 2020 إلى توقف الحِراك. 

في مواجهة انتشار كورونا في البلاد، قرر المتظاهرون "هدنة" في التعبئة بعد الجمعة الأخيرة من الحراك التي كانت في 28 فبراير/شباط 2020.

ومع ذلك، فإن تعليق المسيرات الأسبوعية لا يشجع السلطات على التهدئة، أو على إيماءات الرأفة تجاه الناشطيبن المسجونين. 

على العكس من ذلك، تصاعد القمع، لا سيما مع ظهور وسائل الإعلام المستقلة التي تنتقد الحكومة.

في بيان صحفي صدر في 11 فبراير/شباط، أدانت قناة TSA الجزائرية "كل شيء عن الجزائر"، قائلة "عشرين شهرا من الرقابة التعسفية".  وأكّد البيان على أن "وسائل الإعلام الأخرى على الإنترنت ما زالت معلقة". 

واستنكر البيان "استمرار هذا الانسداد الذي يؤكد أنه بعد عامين من الحراك لم يتغير شيء في الجزائر فيما يتعلق باحترام الحرياتّ".

أما المتظاهرون، غير القادرين على الاجتماع في الشوارع يوم الجمعة، فهم يواصلون الكفاح على الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تخلو من المخاطر.

وهم "جزائر جديدة"

تقول الصحيفة أنّه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حاولت السلطة التنفيذية تقديم ردّ سياسي على الغضب الشعبي من خلال إجراء استفتاء على الإصلاح الدستوري. 

يحد هذا الاستفتاء من عدد الفترات الرئاسية إلى فترتين ويقترح توسيع نطاق الحريات العامة، وتسهيل إنشاء الجمعيات وممارسة الحق في التجمع والتظاهر (في إعلانات بسيطة). كما ينص على إمكانية التعايش بين "أغلبية رئاسية وبرلمانية".

لكن مع مواصلة وسائل الإعلام الرسمية في تكرار أن هذا الإصلاح قد استجاب لمطالب "الحراك الشعبي الأساسية" وأنه سيسمح بإقامة "جزائر جديدة"، مع مقاطعة الاستفتاء الذي جرى في ذكرى حرب الاستقلال ضد فرنسا (1954-1962)، من قبل الناخبين. 

وذهب فقط 23.7 بالمئة إلى صناديق الاقتراع  وهي نسبة مشاركة منخفضة تاريخيا في البلاد. والمشروع، الذي تصوره مُحرروه كوسيلة لتحييد الحراك والذي اعتبرته المعارضة بمثابة "تزويق"، تم اعتماده بالفعل.

تذكر لوموند أنّه في "الجزائر الجديدة" ما زالت السّلطات تراهن على الأساليب القديمة. فمنذ بداية 2021، توالت محاكمات الناشطين المرتبطين بالحراك بعضها البعض بوتيرة سريعة في جميع أنحاء البلاد. 

وهكذا، في 13 يناير/كانون الثاني، حكمت محكمة تيميمون (جنوب) على ثلاثة منهم، ياسر قادري وخليل خيي وسعيد زغار بالسجن ستة أشهر. وهم محتجزون منذ سبتمبر/أيلول 2020 لاتهامهم بإهانة رئيس الجمهورية ونشر أنباء كاذبة.

في 18 يناير/كانون الثاني، خلال يوم شهد ظهور العديد من الحراكيين، حُكم على دليلة توات، المعروفة باسم الناطق الرسمي باسم العاطلين عن العمل في مستغانم (شمال غرب)، بالسجن 18 شهرا، مصحوبة بغرامة، بتهمة ازدراء السلطة السياسية، والتشهير و(توزيع) المطويات المخلة بالنظام العام. 

في غضون ذلك، قررت محكمة برج بوعريريج، جنوب شرق الجزائر العاصمة، تمديد اعتقال شمس الدين لعلمي مع شقيقه منذ سبتمبر/أيلول 2020. 

وفي اليوم نفسه، دعا مكتب المدعي العام في بجاية (شمال شرق) إلى تشديد الأحكام الصادرة بحق ثلاثة ناشطين، بمن فيهم المدون مرزوق تواتي.

في 21 يناير/ كانون الثاني، أصدرت محكمة في الجزائر العاصمة أحكاما بالسجن ضد ثلاثة ناشطين آخرين، وهم محمد تجديت، 26 عاما، ونور الدين خيمود، 25 عاما، وعبد الحق بن رحماني، 38 عاما.

وكان الثلاثة رهن الاعتقال سابقا خلال عام 2020 وتمكنوا من مغادرة سجنهم بعد أن أتموا بالفعل عقوبتهم. ووجهت إلى ثلاثتهم عشرة تُهم، منها تقويض الوحدة الوطنية والتحريض على التجمعات السلمية وإهانة رئيس الجمهورية ونشر أخبار كاذبة. 

استندت هذه التهم بشكل خاص على رسائلهم ومقاطع الفيديو التي تم تناقلها على شبكات التواصل الاجتماعي.

إدانات واتهامات

في 31 يناير / كانون الثاني، أدين وليد كشيدة في الاستئناف من قبل محكمة في سطيف (شمال غرب) لنشره الميمات (النِكات) - الصور التي تم تحويلها بشكل فكاهي على شبكات التواصل الاجتماعي - تسخر من السلطات والدّين على فيسبوك.  وحكم عليه بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة 30 ألف دينار (180 يورو). 

لكن الشاب البالغ من العمر 25 عاما تمكن من مغادرة السجن الذي كان محتجزا فيه منذ 27 أبريل / نيسان 2020.

في 15 فبراير / شباط، حكمت محكمة برج بوعريريج بالقرب من الجزائر العاصمة على شمس الدين لعلمي المعروف باسم "إبراهيم" بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها 200 ألف دينار (1250 يورو). 

اعتقل منذ 9 سبتمبر / أيلول 2020، وكان عليه العودة بسبب ستة تهم أخرى. بُرِّئ من ثلاثة تهم، ولكن أدين بـ "إهانة رئيس الجمهورية" و"ازدراء الكيان السياسي و"نشر معلومات كاذبة".

وفي اليوم نفسه، صدرت أحكام بالسجن على نشطاء آخرين في تيارت (وسط) وعنابة (شمال شرق). ومن المقرر إجراء محاكمات أخرى في فبراير / شباط، رغم نفي وزير الاتصال عمار بلحيمر، الذي كرر في وقت سابق هذا الشهر أنه "لا يوجد سجناء رأي في الجزائر". 

تتساءل الصحيفة : هل خفت بريق الحراك بسبب كل ذلك؟. على أي حال، تصاعدت حدة الغضب في الجزائر، في الأول من فبراير/شباط، أثناء محاكمة وليد نقيش أمام محكمة في شرق الجزائر العاصمة.

الشاب البالغ من العمر 25 عاما، والذي تم اعتقاله على هامش مسيرة للحراك وقضى أكثر من عام رهن الاعتقال الإداري، يقال إنه تعرض "للاعتداء الجنسي والجسدي واللفظي" من قبل عناصر الأجهزة الأمنية.

وأعلن مكتب المُدّعي العام بمحكمة الجزائر العاصمة فتح تحقيق في المزاعم. وأثناء محاكمته، أمر المُدعي العام بالسجن المؤبد بحق الطالب الذي حوكم بتهمة التآمر على الدولة والاعتداء على وحدة التراب الوطني وتحريض السّكان على حمل السلاح. 

وفي النهاية حُكم عليه بالسجن ستة أشهر بتهمة توزيع وحيازة منشورات تهدف إلى الإضرار بمصالح البلاد. وبما أن العقوبة كانت تغطيها مدة احتجازه السابق للمُحاكمة، فقد أطلق سراحه بعد المحاكمة.

 يقول حزب الشباب التقدمي في التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية، في بيان على فيسبوك "إن الخطأ الوحيد لوليد نقيش هو مشاركته في مظاهرة سلميّة من أجل قيام دولة قانون تحمي مؤسساتها عبر الممارسة الكاملة للمواطنة "

 ودعا البيان "جميع الطلبة والشباب لإحياء الحشد الشعبي لمواصلة الثّورة المفتوحة في فبراير/شباط 2019".