صحيفة تركية: هذه مزايا الدستور المدني الأول في تاريخ الجمهورية

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "صباح" التركية، مقالا تحليليا بشأن الدستور الجديد، الذي يهدف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى إعداده، ليكون الدستور المدني الأول في تاريخ الجمهورية مع الاحتفال بمئوية تأسيسها عام 2023.

وأشارت الصحيفة، في مقال للكاتب حسين ألبتيكن، قال فيه، إن "الرئيس رجب طيب أردوغان أكد على ضرورة إعداد دستور جديد مرة أخرى خلال اجتماع الحزب في 9 فبراير/شباط 2021".

وأوضح ألبتيكن أن "هذه العملية ستشمل الأحزاب السياسية والشرائح الاجتماعية، لمناقشة المطالب الاجتماعية المختلفة، ولا تمثل هذه الشرائح الاجتماعية القوالب النمطية من اليسارية واليمينية أو التركية والكردية واللازية والشركسية أو العلوية والسنية فقط، بل الجيل الجديد أيضا من الشباب".

واستدرك: "دعونا نبدأ أولا بالسؤال: هل هناك حاجة لدستور جديد؟"، وأجاب: "لقد كان دستور عام 1982 دستورا انقلابيا صاغته الإدارة العسكرية وتم التصويت عليه في تلك الظروف، ومع أنه تم التعديل على هذا الدستور مرات عديدة، إلا أن العديد من رؤساء الوزراء وقادة الأحزاب السياسية أكدوا على الحاجة إلى دستور مدني خلال الـ40 عاما الماضية". 

حاجة ملحة

وفي الواقع، لا يزال تسمية الدستور الحالي باسم دستور 1982، وإعطاء الانقلابيين الذين وقعوا على العديد من القرارات المشينة من الإعدام إلى التعذيب دورا في وضعها، يزعج السياسة المدنية، يقول الكاتب.

وأضاف: "لكن وكما ذكرنا أعلاه، فإن دستور 82 تم التغيير في محتواه بشكل كبير، وقد أجريت آخر التعديلات عليه عامي 2010 و2017، حيث تم تغيير عدد الأصوات المطلوبة من 3 أصوات من أصل 5، إلى صوتين من أصل 3 في المحكمة الدستورية حول إغلاق حزب سياسي، الأمر الذي جعل من إغلاق الأحزاب أمرا صعبا للغاية في استفتاء 2010". 

كما تم إلغاء المادة 15 المؤقتة التي تمنع مقاضاة المسؤولين عن انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980، إلى جانب إضافة العديد من المواد في الحقوق والحريات مثل منح موظفي الحكومة الحق في الاتفاقيات الجماعية، والتمييز الإيجابي للأطفال وكبار السن والمعاقين وأقارب الشهداء والمحاربين القدامى، بحسب ألبتيكن.

وأردف قائلا: "أما استفتاء 2017 فقد كان متعلقا بالتحول المنهجي، فقد تم وضع نظام جديد بتغييرات مثل زيادة عدد المقاعد في البرلمان وتغيير شروط الانتخاب، ومن إلغاء رئاسة الوزراء إلى إعادة تحديد واجبات وسلطات الرئيس".

وأكد ألبتيكن أن "الهياكل الاجتماعية والمطالب تتغير بمرور الوقت بمعزل عن النظام، لهذا فإن الدساتير يجب أن تتغير وتتحول لكي تحافظ على ميزتها كعقد اجتماعي في المجتمعات التي تتغير وتتحول".

وأضاف: "ولكي يعمل النظام الرئاسي الذي لم يكمل فترته الأولى بعد، بشكل أكثر فاعلية، لا بد من إيجاد حلول لمشاكل النظام الذي يعلقه ويبطئه، فالحاجة إلى إعداد النص التأسيسي الذي سيكون دستور هذا الجيل الجديد، حاجة ملحة".

جيل جديد

ويرى ألبتيكن أن الجيل الذي ولد بين الأعوام 1997 و2012 بشكل تقريبي لم يعرف تركيا القديمة، فحتى أكبر من في الجيل كان عمره 5 سنوات فقط عندما تولى حزب "العدالة والتنمية" السلطة.

وتابع: "يمكن لجيل اليوم أن يشاهدوا في الأفلام أو يقرؤوا في الكتب فقط عن الأيام الي كان فيها من الطبيعي، أن يتعرض أحدهم للضرب من المعلم في المدرسة، ومن الشرطة في مركز الشرطة ومن القائد في الجيش".

وقال الكاتب التركي: إن "الاعتراف بجرائم لم يتم ارتكابها بوجه وعين منتفخين، والقرى المحترقة، وجبال طوروس البيضاء، وغرف الإقناع، وحظر الحجاب، تبدو للجيل الجديد مثل أساطير تاريخية قادمة من العصور الوسطى".

وتابع: "حتى أن هذا الجيل لا يصدق بانفجار جبال القمامة، والمستشفيات الحكومية التي كان يتقاسم فيها الأسرّة شخصان، إن الذين عانوا من القلة والفقر كانوا راضيين بالقليل، لكن أطفالهم لا يرضون بالقليل ويرغبون في المزيد دائما، ويجب عليهم ذلك. حيث يجب عليهم أن يحلموا بمستقبل أفضل وأن يعملوا من أجل هذا".

وأردف ألبتيكن: "لقد قلنا إن الجيل الجديد لا يعرف الفقر، لأن ظروفهم أفضل من ظروف آبائهم، وهم يرغبون بطبيعة الحال ظروفا أفضل لأطفالهم أيضا، وجدير بالذكر هنا أن سبب جهلهم بالماضي ليس بسبب تحسن الظروف فقط، بل يلعب الخيال بقدر ما يفعل الحقائق دورا في تشكيل هذا التصور".

وأوضح ذلك بالقول: "كان يتم إظهار تركيا السابقة على غير حقيقتها للجيل الجديدـ فيقال لهم إننا اعتدنا أن نكون مزدهرين أحرارا وديمقراطيين للغاية، مع أننا قطعنا شوطا طويلا من الوقت الذي كان يسجن فيها من يقول: أنا كردي، إلى الوقت الذي تبث فيه قناة فضائية حكومية باللغة الكردية، ولكنهم يحاولون إقناع هذا الجيل بأن تركيا في تراجع".

قصة نجاح 

واستطرد ألبتيكن قائلا: "اليوم أُطلق اسم شرف الدين إلتشي الذي سجن سابقا لأنه قال: هناك أكراد في تركيا، وأنا كردي، في مطار بمحافظة شرناق، لكنهم مع ذلك يقولون: لقد كان الأكراد أكثر حرية في الماضي".

لقد مرت تركيا أياما قيل فيها للملتزمين "هيا إلى عربستان" بما يعني أن اذهبوا إلى السعودية مطرودين، إن الأيام التي لم يتم فيها منح المحجبات فرصة التعليم فضلا عن فرصة العمل لقريب جدا من جيلي، وبالنسبة لجيل اليوم، كانت تلك الأيام قبل عصور بعيدة، يقول الكاتب التركي.

وأضاف: "جميل، أليس كذلك؟ ويمكن لمن ينظر حوله اليوم بعناية قليلا أن يجد ممارسات مماثلة في الجامعات الحكومية، ناهيك عن الشركات الخاصة، كما يمكن للجامعات التي تمثل المناطق المحررة والتي لا توظف محجبة واحدة بين مئات الموظفين، إخفاء هذا التمييز خلف قناع استقلالية الجامعة".

وتابع: "بالطبع، هذا ليس ذنب الشباب، فهم ولدوا في تركيا جديدة وفي معايير جديدة... مع زيادة فرص التواصل والسفر وزيادة الفرص التعليمية، يرغب الشباب في الأفضل دائما، وعليهم أن يفعلوا.. ولهذا فإن الدستور الجديد ضروري لأجل جيل اليوم، وليس لقادة الأحزاب السياسية، الذي يتراوح عمر أصغرهم في الخمسينيات".

ولفت ألبتيكن إلى أن "تركيا نذرت العشرين عاما الماضية لمحاربة نظام الوصاية العسكري لأجل نظام مدني، وبالفعل فازت في هذه المعركة، وظهرت المنظمات بي كا كا وداعش وغولن واحدة بعد الأخرى، وحققت نجاحا كبيرا في هذه المعارك أيضا".

وأضاف: "لكن جذور المنظمات الإرهابية الثلاثة في الخارج الآن، والحرب ضدها مستمرة، والآن تركت تركيا خلفها طوابير الدواء والفحص وجبال القمامة المتفجرة، وتلاشى كل هذا في الذكريات تماما مثل قصة خيالية".

وختم ألبتيكن مقاله قائلا: "وبما أن العقول الشابة تجد صعوبة في تذكر تركيا القديمة، لا بد الآن من كتابة قصة نجاح جديدة بدلا من التذكير بالماضي، لهذا من الضروري وضع نص تأسيسي وعقد اجتماعي جديد لهذه القصة، وربما يتمثل أهم تغيير متوقع من الدستور الجديد في أن يبني إطارا يمكنه تحقيق ذلك".