أدب وفن الثورة.. كيف حافظ على اشتعال جذوة الحراك في نفوس اليمنيين؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من الشعر إلى النثر، ومن الإنشاد إلى الغناء، ومن المسرح إلى الفن الساخر، ومن الكاريكاتير إلى جداريات الغرافيتي، لطالما كان أدب وفن الثورة معبرا عن إرادة الشعوب ورفيقها في ساحات الاعتصام والمسيرات، وداعما لقيمة وشأن الحراك.

وبالقدر الذي تمكنت الثورة عبره من تفجير الطاقات الإبداعية للشباب، خلقت حافزا نفض الغبار عن معظم الشعراء والأدباء والفنانين الذين توقفوا عن الإبداع لسنوات، فشاركوا بغزارة في الثورة، حتى جاز للبعض أن يصف "أدب الثورة" بأنه "ثورة الأدب"، و"ثورة الفن".

المجتمع اليمني، وهو تقليدي محافظ في معظمه، لم يكن شديد التعلق بأنواع الفن والأدب، خصوصا من قبل تلك القبائل التي انضمت لساحات الثورة، غير أن أنواعا من الفن والأدب الحديث، على وجه الخصوص، حضرت في يوميات الثوار، من خلال ندوات يومية وأمسيات شعرية تتخلل الخطابات التي كانت تلقى في الساحات.

وبالقدر الذي كانت تلك الآداب والفنون أدوات الثوار في التعبير عن طموحاتهم وأحلامهم، شعرا ونثرا وخطابا وغناء ورسما، فإنها قد مكنتهم من الاعتصام في الساحات، وبقي الثوار بين صنف يجهز مادة أدبية وفنية يلقيها في الساحات والمخيمات، وصنف آخر يتأهب متحمسا للاستماع والاستمتاع بكل ماهو جديد.

كانت منصات الثورة منبرا لإلقاء جميع الفنون ومخاطبة الثوار، ففي اليوم الواحد كانت تلقى نحو 40 قصيدة عامية وفصحى، وعشرات الأغاني والأناشيد الثورية والمحاضرات والندوات، فضلا عن الفعاليات الأدبية المختلفة والمتنوعة في المخيمات.

وعي ثوري

تمكن الأدب، والشعر على وجه الخصوص، من خلق وعي ثوري لدى المتظاهرين، وضاعف من إيمانهم بقضيتهم، وعزز من تمسكهم بمطالبهم وتطلعاتهم المشروعة، بمعنى أن أدب وفن الثورة بالقدر الذي كان يمثله كوسيلة لتلطيف الأجواء وكسر حدة الخوف والملل بالنسبة للمتظاهرين، فقد كان أداة خلق وتشكيل وعي ثوري وحقوقي.

إلى جانب ذلك، تمكنت آداب الثورة وفنونها من حفظ الذاكرة الثورية، بتوثيق أحداث الثورة في أبيات شعرية وانتقاد همجية النظام في التعامل مع المواطنين السلميين من خلال مسرحيات وأعمال كوميدية ساخرة.

كل الأحداث كان يتم تناولها من خلال قصائد عامية وفصحى، وأعمال مسرحية، وفنون ساخرة، ومحاكاة وتقليد للشخصيات والأصوات، وقد برز الفنان محمد الحاوري في محاكاة الشخصيات وتقليدها في الصوت والأداء والإلقاء، وكانت مهاراته في التقليد تشد الثوار وتنال إعجابهم.

كما أن محمد الضرعي بما يمتلكه من مواهب متعددة كفنان غنائي وممثل شعبي يحظى بقاعدة جماهيرية واسعة، تمكن من خلق أجواء كسرت الخوف لدى المتظاهرين وأزالت الملل.استطاع الأضرعي أن يستقطب حتى أولئك الذين كانوا يعتصمون في مخيمات مناصرة للنظام البائد في ميدان التحرير بصنعاء، حيث كان يذهب بعضهم لساحة التغيير في منطقة حي الجامعة لمشاهدة مسرحيات الأضرعي الكوميدية والغنائية.

تأجيج المشاعر

عبرت تلك الآداب والفنون عن سلمية الثورة، فلم يلجأ المتظاهرون للسلاح رغم أنهم من مجتمعات مسلحة، لكنهم سلكوا طريق الأدب والشعر والمسرح والشعارات الثورية والجداريات في أوضح تجل لسلمية الثورة، رغم قمعهم بالرصاص واستهدافهم بالقناصات ومحاولة جرهم إلى مربع العنف.

استطاع الأدب والفن الثوري أن يلخص رسالة المتظاهرين بأوضح الكلمات ووجه رسائل جادة للنظام ومطالبات واضحة، ومع ذلك فإن كثيرا من القصائد الغنائية لم تخل من الدعابة وخفة الروح اليمنية كما في أغنية (يا أبو أحمد كثّر خيرك.. رح لك.. والله عايدي غيرك).

برزت أسماء عديدة في الثورة، فمن الشعراء مجيب الرحمن غنيم ونايف الجماعي وعامر السعيدي، ومن الفنانين، محمد الأضرعي ومحمد الربع ومحمد الحاوري، ومن المنشدين، صالح المزلم وعمر البنا وخالد زاهر وجميل القاضي وخليل الآنسي، كما برز ممثلون كوميديون من بينهم فهد القرني وعلي السعداني.

منشد الثورة اليمني عمر البناء قال لـ"الاستقلال": "أنا دائما أسميها الثورة الفنية، فما أنتجته ثورة فبراير/شباط 2011 من مخزون فني يضاهي ما أنتجته دول الربيع العربي كاملة، بسبب امتداد فترة الثورة وبقائنا في ساحات الاعتصام لنحو عامين، كما أنها أنتجت فنانين ومبدعين لم يكونوا معروفين من قبل في الساحة الفنية".

وأضاف البناء : "واكب الفنان التغيرات التي كانت تحصل في فترة الثورة وشارك فيها، وفي يومياتها، وكان للفن دور بارز وواضح في تأجيج المشاعر الثورية وإشعال حماس الثوار، بما في الفن من كلمات صادقة وألحان ثورية ومطالب مشروعة".

وتابع: "كان فن الثورة في فبراير امتدادا لفن الثورة في سبتمبر/أيلول 1962  وأكتوبر/تشرين الأول 1963، فهي أغان وطنية وثورية، تحاكي في مواضيعها تلك التي كنا نسمعها للفنانين الكبار، وهي كلها أغان وطنية كانت نتاج ثورة شعب وثورة حقوق وحريات".

يضيف البناء: "كان الفنانون في ثورة فبراير حاضرين بفنهم وأصواتهم وغنائهم وأناشيدهم في جميع المسيرات والمظاهرات التي كانت تخرج من ساحات التغيير وتجوب شوارع صنعاء وغيرها من المدن، وشاركوا في جميع الفعاليات التي كانت تقام في الساحات والأمسيات الفنية والثقافية".

البناء أردف: "كان الفنانون جزءا من الحراك الثوري، لهذا تعرضوا كغيرهم إلى القمع والاستهداف والاعتقال والتنكيل والملاحقة، والانتقام لاحقا من قبل جماعة الحوثي الحليف لنظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح".

وضرب البناء مثلا بقوله: "لا ننسى منشد الثورة الأبرز ومؤذن الثورة في ساحة التغيير بصنعاء الفنان صالح المزلم، الذي اعتقلته جماعة الحوثي لأكثر من عامين ونكلت به وعرضته للتعذيب".

سلاح الكلمة

لم تقتصر تلك الآداب والفنون على أيام الثورة، بل استمرت لتكون حاضرة مع كل ذكرى للثورة، فخلال الـ 10 سنوات الماضية كانت الاحتفالات بذكرى الثورة تعتمد على الشعر الفصيح والقصائد الشعبية والأغاني الثورية بشكل أساسي.

شكلت تلك الأعمال الفنية والأدبية عماد الفعاليات الثورية، وأدت دورا في تعزيز المطالب المشروعة، وفي المقابل لاقت زخما وتفاعلا كبيرا من قبل المعسكر الثوري بكل فئاته، رغم أن الثورة لم تنجح في تحقيق أهدافها وتم إعاقة طريقها.

يقول المنشد عمر البناء: "في كل ذكرى للثورة ندشن أعمالا فنية بالتنسيق مع عدد من الفنانين، نقول فيها رسالتنا التي طالما آمنا بها، ونؤكد فيها أننا لم نرتد ولم نتراجع عن مطالبنا في رحيل النظام القمعي العائلي والنظام الإمامي العنصري".

يضيف البناء: "نحن كأدباء أو فنانين، سلاحنا هو الفن، وذخيرتنا هي الكلمات والألحان، لنؤكد بأننا كنا سلميين ومازلنا كذلك، وقد يقلل البعض من شأن الفن وقدرته على تعديل الكفة لصالح المطالب المشروعة".

وختم حديثه بالقول: "لكننا نقول بأن الفن ليس رصاصة نافذة، لكنه يتصدى للظالم وينهي الظلم على المدى البعيد، من خلال خلق وعي ثوري للشعب والجماهير".