خط بحري يربط الجزائر بمليلية.. فصل جديد من التوتر بين مدريد والرباط

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تدرس الجزائر حاليا مشروع إنشاء خط بحري تجاري، مع مدينة مليلية، الواقعة شمال غربي المغرب، والخاضعة للحكم الذاتي تحت السيادة الإسبانية، والتي تطالب الرباط باسترجاعها مع مدينة سبتة.

في حال دخول هذا المشروع حيز الجدية والتنفيذ، يتوقع مراقبون أن تزداد وتيرة الخلافات وتتصاعد موجة التوتر في العلاقات بين المغرب وإسبانيا من ناحية، وأيضا بين المغرب والجزائر من ناحية أخرى.

وتقول حكومة مليلية، إن المشروع جاهز ولا يحتاج إلا إلى ترخيص من مدريد، في حين يستبعد مراقبون إقدام الأخيرة على الخطوة التي قد تؤجج الخلاف القائم أساسا مع الرباط إثر سلسلة من الأحداث التي جرت مؤخرا. 

حكومة مليلية تضغط في اتجاه هذا الربط البحري مع تلمسان (شمال غربي الجزائر) لتعويض الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها المدينة جراء قرار المغرب إغلاق حدوده مع مليلية بسبب كورونا وقبلها مواجهة ظاهرة "التهريب المعيشي".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قررت حكومة الرباط إغلاق المعبرين مع مدينتي سبتة ومليلية، وهو ما فسره متابعون بأن الإجراء هدفه خنق المدينتين اللتين سيطرت عليهما إسبانيا.

ويأتي الغلق في إطار سياسة شد الأصابع التي تمارسها الجارتان (المغرب وإسبانيا) في الكواليس لحل أزمة مجال المنطقة الاقتصادية المغربية الذي يتداخل مع المجال البحري لجزر الكناري، وهي إحدى الجيوب السبعة التي تسيطر عليها إسبانيا في حين يطالب المغرب باستعادتها.

قديم جديد

النائب الإسباني إيميليو غويرا وهو كذلك نائب رئيس الشركة العامة "Poyecto Melilla" في مليلية التي تعمل على تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كشف عن وجود خطة لفتح خط بحري بين مدينة الغزوات في الجزائر ومليلية.

وأضاف غويرا، بحسب وسائل إعلام جزائرية، بأن فكرة المشروع آخذة في التبلور، مؤكدا أن مدريد تنظر لهذا المشروع بشكل إيجابي، رغم بقائه مطروحا على الورق منذ 10 سنوات.

وقال النائب الإسباني: "في عام 2012، أكدت هيئة ميناء مليلية أنها تعمل بنشاط على هذا الخط البحري الجديد، لكن معارضي المشروع ذكروا على وجه الخصوص مشاكل الهجرة التي يمكن أن يسببها".

وأشار غويرا أنه بعد 8 سنوات من هذه المحاولة الأولى، أرسل الرئيس الحالي لهيئة ميناء مليلية، فيكتور غاميرو، خطابا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلى الحكومة الإسبانية يطلب فيه دعمها الصريح للترويج لخط بحري جديد بين مليلية وميناء الغزوات في الجزائر.

وأوضح غاميرو في خطابه أن الهدف من هذا المشروع هو "استعادة السوق الجزائرية، وتثبيت نفس النظام المتعامل به مع المغرب، من خلال منح الجزائريين الإعفاء من التأشيرة للسفر إلى المدينة الساحلية".

وفي رد على سؤال لأحد أعضاء البرلمان المحلي، كشف غاميرو أن "وزارة الخارجية الإسبانية تدعم بقوة هذا المشروع الذي لا يهدف إلى تحقيق فوائد اقتصادية فحسب، بل له أهمية سياسية أيضا، خاصة بعد غلق الحدود من طرف المغرب".

وطالب النائب ببرلمان مليلية خافيير لانس، في مداخلته بالبرلمان، رئيس المدينة إدواردو كاسترو بالضغوط على الحكومة المركزية التي يقودها تحالف اليسار، لتسريع عملية إطلاق المشروع.

وذكر رئيس المدينة أن وزارة الخارجية الإسبانية تدرس بعناية اقتراح هذا الربط البحري الجديد موضحا أنه "يجب على وزارتي المالية والداخلية أيضا إبداء رأيهما في هذه القضية".

ووفق كاسترو، "هناك ترتيبات تتعلق بالجمارك وتأشيرات الدخول، إضافة للمنشآت والبنى التحتية اللازمة لإجراء عمليات المراقبة على المسافرين في الميناء".

موقف مدريد

صحيفة "الشروق" الجزائرية، ذهبت إلى أنّ الحكومة الإسبانية تعكف على فتح خط بحري للمسافرين وللبضائع بين ميناء مليلية الواقعة في القارة الإفريقية وتحيط بها الأراضي المغربية، وميناء الغزوات الجزائري في ولاية تلمسان، بدافع الأثر الاقتصادي الإيجابي لهذا المشروع على المدينة الإسبانية.

الحديث عن الخط طفا على السطح بعد أسابيع من التوتر بين مدريد والرباط بسبب مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للسيادة الإسبانية منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر على التوالي، وهما المنطقتان الوحيدتان المتبقيتان لإسبانيا في إفريقيا.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، استدعت إسبانيا، سفيرة المغرب لدى مدريد، كريمة بنيعيش، على خلفية تصريحات حكومية تتعلق بقضية مدينتي "سبتة ومليلية" التابعتين للإدارة الإسبانية، واللتين تطالب الرباط باسترجاعهما.

وقبل الاستدعاء بـ4 أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، في مقابلة مع قناة "الشرق"، عن إمكانية أن "يفتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".

ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، فإن "كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية في إسبانيا كريستينا غالاش، استدعت سفيرة المغرب، وأخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".

وطالبت "غالاش"، سفيرة المغرب بتقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما لم يصدر موقف رسمي من الرباط بشأن استدعاء سفيرته.

التوتر مع الرباط

توجس المغرب من صفقة إسبانية - جزائرية بإنشاء هذا الخط البحري ليس وليد اللحظة، لكنه يعود لسنة 2002، عندما ظهرت الفكرة إثر اندلاع نزاع بين مدريد والرباط حول جزيرة تورة الواقعة على بعد عشرات من الأمتار من الساحل الجنوبي لمضيق جبل طارق في الجهة المغربية.

وقتها وقفت الجزائر إلى جانب إسبانيا، واعتبرت الجزيرة الصغيرة ضمن الحدود الموروثة عن الاستعمار.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، علق زعيم حزب بوديموس بابلو إغليسياس، على أزمة الكركرات بالانحياز لجبهة البوليساريو، ودعا لإجراء استفتاء في الصحراء الغربية، ما أثار غضب المغرب، ودفع الحكومة الإسبانية إلى التبرؤ منها.

الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية، وما سبّبه من هزة داخل الائتلاف الحاكم في إسبانيا، دخل ليزيد الطين بلة، بمعنى أن حكومة بيدرو سانشيز، وجدت نفسها محرجة من هذا القرار، الذي يعترف بالسيادة، إضافة إلى قلق إسبانيا من صفقة التسلح الموقعة بين المغرب وأميركا.

تتجنب إسبانيا أي توتر مع الجارة وتسعى أكثر إلى الطمأنة والتهدئة، خصوصا في ظل الحكومة الحالية الاشتراكية، والتي تميل دوما إلى التهدئة مع المغرب، وإن اختلف السياق، في حال وجود حكومة يمينية تتغذى على بعض خطابات الصراع وتوتير الأجواء.

وتحتاج مدريد إلى المغرب كجار هادئ، لضمان أيضا انسيابية في حركة البضاعة، والاقتصاد والأمن، كلها عوامل مشتركة، أصبحت مع الوقت صمام أمان دائم يجعل مدريد لا تسعى إلى أي توتر مع المغرب.

بعد إستراتيجي

الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، اعتبر فتح خط تجاري بهذا الشكل سيمكن من ضمان نقل السلع ما بين البلدين، خصوصا وأن إسبانيا أصبحت مصب السلع الصينية نتيجة خط سكك حديدية استثمرت فيه المليارات من الدولارات.

كما تعتبر إسبانيا الموزع الأول للسلع الصينية في أوروبا نتيجة هذا الاستثمار الذي قام به الصينيون في ربط الوصل بالسكة الحديدية، وفق مسدور.

الخبير الاقتصادي قال لـ"الاستقلال": "الخط سيمكن من ضمان دخول السلع الصينية إلى الجزائر ومنها إلى إفريقيا، إذا كان لدى السلطات الجزائرية بعد إستراتيجي لهذا الاستثمار".

حتى بالنسبة للسلع الجزائرية والإسبانية، يضيف البروفيسور، "سيكون هناك نوع من التعامل، وزيادة وتيرته ما بين البلدين، خصوصا وأنها عرفت بالفعل نموا في التبادلات التجارية في السنوات الأخيرة، كما أن الحركة الدبلوماسية كانت مكثفة في الفترة الأخيرة".

ولا يرى البروفيسور أن مدريد قد تعرقل هذا المشروع، "لأن إسبانيا في الآخر تبحث عن مصالحها الاقتصادية، وهي فوق كل اعتبار، بغرض تطوير اقتصادها بعيدا عن كل الحساسيات الدبلوماسية والسياسية التي تثار من حين إلى آخر بغية إدامة التوتر في المنطقة".