عقد على سقوط مبارك.. فاينانشال تايمز: مصر انهارت في ظل حكم السيسي

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن مصر شهدت انهيارا كبيرا لمفهوم الدولة داخليا وخارجيا خلال السنوات العشر التي تلت سقوط رئيس النظام الأسبق حسني مبارك، والتي قاد فيها رئيس النظام عبدالفتاح السيسي البلاد منذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013. 

وأوضح تقرير نشرته الصحيفة أنه قبل عشر سنوات، أطلق المصريون مخيلة العالم عندما أطاحوا بحسني مبارك. 

لم تنجح انتفاضة ميدان التحرير في إنهاء 30 عاما من ديكتاتورية مبارك فحسب، بل نجحت أيضا في قلب ستة عقود من الحكم العسكري رأسا على عقب.

قبل ذلك بأسابيع فقط، تمت الإطاحة بالدولة البوليسية لزين العابدين بن علي في تونس. وفي وقت قصير، أطيح بمعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن، بينما انتفض السوريون ضد ديكتاتورية عائلة الأسد. في الأثناء كانت ثورة  ميدان التحرير وكأنها مؤشر على أن العرب وجدوا أخيرا طريقهم إلى الديمقراطية.

الفرعون الجديد

وبعد أن نجحوا في الإطاحة بنظام صلب متجذر في الجيش وأجهزة الأمن، قال شباب التحرير وهم في قمة النشوة بالانتصار "ارفع راسك عاليا أنت مصري". ومع ذلك، سرعان ما تحول وعد التحرير إلى سراب.

وجلبت أول انتخابات ديمقراطية في مصر الإسلام السياسي، الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين ومرشحها محمد مرسي، إلى الرئاسة، بينما ظل الجنرالات في الظل وهم ينتظرون وقتهم، بحسب تعبير الصحيفة.

وقالت: "أضاع الإخوان فرصتهم بعد عام بالكاد من وصولهم إلى السلطة، فبدلا من أن يحكموا لفائدة جميع المصريين، حاولوا اختطاف ثورة كانوا مترددين في البداية في الانضمام إليها. لقد أساءوا استخدام تفويضهم من خلال محاولة حزم المؤسسات الضعيفة في مصر"، وفق وصفها.

وأدى تصاعد العداء الشعبي لسلوك الإخوان إلى إعادة تجميع القوى الحيوية التي أسقطت مبارك في حركة تمرد، شكلها الجيش ببراعة، عبر قائده السابق عبد الفتاح السيسي، لتنفيذ انقلاب في البلاد، في منتصف 2013.

وتقول الصحيفة: "حصل الجيش الذي كان بالفعل المؤسسة المصرية العليا، على حقنة من الشرعية الشعبية مكنته من إعادة تكريس الدولة الأمنية. كان السيسي فرعون مصر الجديد، الذي ارتقى به الليبراليون واليسار القومي بعد أن أسقطوا مبارك".

وسرعان ما خنق الحكام العسكريون الجدد احتجاجات الإخوان بقتل جماعي وسرعان ما بدؤوا في ملء السجون بالإخوان ومعارضي مبارك.  

وأصبح السيسي الذي انتُخب رئيسا للنظام في 2014 وأعيد انتخابه في 2018 فيما كان حملة تسويقية أكثر من كونها مسابقة سياسية، يتمتع بسلطة غير مقيدة لم يتمتع بها حتى مبارك.  

وتقول الصحيفة: "لقد قضى (السيسي) على كل معارضة، ولم يعد هناك مكان في مصر لرأي مستقل أو منظمات مستقلة".

وفيما أحاط مبارك نفسه ببعض المستشارين من الدرجة الأولى، وخاصة في السياسة الخارجية، يبدو أن السيسي يفضل الرجال المؤيدين له، حيث يقول زملاؤه السابقون إنه يستمع بشكل أساسي إلى المخابرات العسكرية وخلية أمنية ملحقة بمجلس الوزراء الذي يتجاهله إلى حد كبير.

لا سبيل للتعايش

وأظهرت الاضطرابات التي خرج منها السيسي منتصرا أن الإسلاميين والليبراليين والجيش في مصر فشلوا في إيجاد سبل للتعايش.

 وفشلت القوى العلمانية على وجه الخصوص، في إيجاد قيادة قابلة للحياة، وبدلا من ذلك نظرت إلى الجيش لتخليصها من الإسلاميين، لكن النتائج كانت قاتلة ومتوقعة.

ولم يكن أداء الليبرالية أفضل بكثير من الناحية الاقتصادية أيضا، ففي عهد مبارك، وجدت العديد من الشركات الخاصة أنه من المناسب أن يكون هناك ضابط في الجيش على متنها.  

لكن الاقتصاد المصري أصبح في ظل حكم السيسي، شبيها بإمبراطورية تجارية عسكرية تشمل كل شيء من مزارع الدواجن والأسماك إلى منتجعات العطلات وصالات الألعاب الرياضية  فضلا عن الكيماويات والأسمنت والبناء. 

 وليس أدل على ذلك أكثر من أن شركة عسكرية هي المقاول الرئيس في مشروع السيسي لبناء عاصمة جديدة بقيمة 50 مليار دولار شرق القاهرة.

وفي هذا السياق يقول الخبير في الشؤون العسكرية المصرية بمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط يزيد الصايغ إن استبعاد الجيش للقطاع الخاص أدى إلى انخفاض مستوى الاستثمار الخاص عما كان عليه في الستينيات، في ذروة ما يسمى بـ "الاشتراكية العربية" في عهد جمال عبد الناصر.

وعلى الصعيد الدولي، استفاد السيسي من تراجع الرأي الغربي إلى منطقة الراحة السابقة وتفضيل الحكم الاستبدادي على الاضطرابات، خاصة بعد أن خطف تنظيم الدولة الثورة في سوريا، بحسب وصف الصحيفة.

 وكان  الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب  قد وصف السيسي بأنه "الديكتاتور المفضل لدي". وفي الأثناء غرد الرئيس الحالي جو بايدن، الصيف الماضي قائلا بأنه لن يكون هناك المزيد من الشيكات على بياض للرجل المصري القوي. 

 وتتلقى  مصر منذ توصلها إلى اتفاق سلام مع إسرائيل في عام 1979،  1.3 مليار دولار  على الأقل من المساعدات السنوية الأميركية لجيشها، والتي تم تعليقها فقط لفترة وجيزة من قبل إدارة باراك أوباما بعد انقلاب السيسي عام 2013. 

ولطالما اعتبرت واشنطن هذا الراتب ثمنا متواضعا لمساهمة القاهرة في أمن إسرائيل وقناة السويس. ومع ذلك، في عهد السيسي، أصبحت مصر أقل دعامة إقليمية لسياسة الولايات المتحدة. 

الآن، تراجع موقع الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان من الناحية الجيوسياسية بعد أن طغت عليها السعودية والإمارات اللتان تحركتا بسرعة لتمويل النظام الجديد في القاهرة بمليارات الدولارات في عام 2013، مما جعل مصر تقريبا مجرد عميل، تقول الصحيفة.

وختم التقرير بالتأكيد على أنه "لا يمكن لاحتكار السيسي للسلطة الذي لا يرحم، أن يعوض عن هذا التراجع الحاد، عكس ما بدا لفترة وجيزة على الورق قبل عقد من الزمان".