عبر مرتزقة سوريين.. هل يستمر الوجود الروسي في ليبيا رغم الحوار السياسي؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال روسيا تولي اهتماما كبيرا في تجنيد شباب سوريين للقتال ضمن مجموعاتها الأمنية في ليبيا، مستغلة عوامل عدة يعاني منها هؤلاء الشباب في مناطقهم وعلى رأسها وضعهم الاقتصادي، وذلك رغم الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة لإنهاء القتال.

وتشكل محافظة السويداء (جنوب غرب) ذات الأغلبية الدرزية بسوريا نقطة جذب لروسيا، إذ تجند شبابها للقتال خارج البلاد. وهذه المحافظة تسيطر عليها فصائل محلية، ويقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية، وقطع عسكرية بريفها.

اللافت أن روسيا كثفت عمليات التجنيد من شباب السويداء، الذين امتنعوا عن أداء الخدمة العسكرية في صفوف قوات الأسد، عقب اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، للقتال إلى جانب مليشيا اللواء الانقلابي خليفة حفتر، ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في ليبيا.

وتشير الأرقام، وفق ما كشفتها شبكة "السويداء 24" المحلية، بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، توثيق أسماء حوالي 1500 شخص من محافظة السويداء، سجلوا مع الشركات الأمنية التابعة لروسيا، وحصلوا على موافقات من الاستخبارات العسكرية للقتال في ليبيا.

هذا إلى جانب 19 ألف شخص، من محافظات سورية مختلفة بينها اللاذقية وطرطوس ودمشق ودرعا وحمص.

آخر عمليات التجنيد، كانت بتاريخ 3 فبراير/شباط 2021، حيث أكدت شبكة "السويداء 24"، التي تغطي أخبار المحافظة، توجّه مجموعة يتراوح عددها ما بين 35 إلى 50 شابا، عبر حافلة من مدخل مدينة السويداء الشمالي، إلى قاعدة "حميميم" الروسية بـ اللاذقية تحضيرا لنقلهم إلى ليبيا للعمل مع شركات أمنية. 

#عاجل أفاد مراسل السويداء 24، أن مجموعة شباب من محافظة #السويداء، توجهت عبر حافلة إلى مطار "حميميم" التابع للقوات...

Posted by ‎السويداء 24‎ on Wednesday, February 3, 2021

وتزامن زج مجموعة جديدة من شباب السويداء، مع توثيق "السويداء 24"، بتاريخ 3 فبراير/شباط 2021، مقتل 7 سوريين بينهم شاب ينحدر من تلك المنطقة السورية، إثر انفجار لغم أرضي على الأراضي الليبية.

وكشفت "السويداء 24"، في سلسلة تحقيقات وتقارير، نشرتها بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن إشراف روسيا على تجنيد آلاف الشباب السوريين ونقلهم إلى ليبيا لحماية المصالح الروسية، بوساطة شركات أمنية سورية تحمل أسماء مختلفة، وبالاشتراك مع الاستخبارات العسكرية التابعة لنظام الأسد، التي تشرف على منح الموافقات الأمنية للشباب.

وورد في تقرير الشبكة، أن أعمار شباب السويداء المجندين، تتراوح بين 18 و55 عاما، وأنه يجري مصادرة هواتفهم النقالة، لحظة وصولهم لقاعدة حميميم الروسية باللاذقية، كون أحد بنود عقد العمل بينهم، وبين الشركات الأمنية، أنه يمنع اصطحاب أدوات اتصال أو تسجيل أو تصوير معهم. 

عوامل ومغريات

وتقف عوامل عدة في جعل أبناء السويداء لقمة سائغة في فم روسيا، لتجنيدهم في معارك خارج سوريا، وأن يصبحوا مقاتلين مأجورين كخيار نهائي لهم.

ويشرح الصحفي السوري نورس عزيز، أبرز تلك العوامل بأنها تعود: "للوضع الاقتصادي الصعب لشباب السويداء، بعد قرار النظام السوري الانتقام بطريقة اقتصادية، تمثلت بمنع خروجهم من المدينة وتركهم يواجهون الحصار الاقتصادي وغلاء الأسعار".

هذا إضافة إلى "عدم توافر فرص عمل للشباب داخل المحافظة، وغرق السويداء بالمخدرات، ما اضطر الشباب للتطوع في القتال خارج سوريا"، وفق ما قاله عزيز المنحدر من محافظة السويداء لـ"الاستقلال".

وكشف عزيز، خلال حديثه أن هناك: "43 ألف مطلوب للخدمة الإلزامية العسكرية في صفوف قوات النظام، رفضوا الالتحاق، وهذه كانت حالة تمت المحافظة عليها منذ عام 2014 بوقوف حركة رجال الكرامة (فصيل عسكري محلي) مع هؤلاء الشباب وحمايتهم من الملاحقة".

وإلى تاريخ اليوم يمنع الفصيل أي شباب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية، أو حتى القبض عليه بتهمة سياسية داخل السويداء، وفق الصحفي ذاته.

حزب سياسي مرخص، يعمل على تجنيد مرتزقة في #السويداء للقتال في #ليبيا بدعم جهة #روسية...

Posted by ‎السويداء 24‎ on Saturday, February 15, 2020  

وحول طبيعة المغريات التي تقدمها روسيا لشباب السويداء، وآلية التجنيد، أكد عزيز، أن ذلك يتم عبر "شركة الصياد المحلية التابعة للنظام السوري، إضافة إلى حزب الشباب السوري الوطني (مرخص من حكومة النظام)".

 وأردف أن "عملية التجنيد تتم بتنظيم عقود من شقين، الأول: القتال على الأراضي الليبية بمبلغ 1500 دولار شهرياً (5 ملايين ليرة سورية – حسب سعر الصرف الحالي)، أو حماية المنشآت براتب 800 دولار (مليونين و700 ألف ليرة سورية).

وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها صدر بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2021، أن شركة أجنحة الشام للطيران المقربة من النظام السوري، متورطة في نقل مرتزقة من مقاتلين سوريين جندتهم روسيا سابقا من أجل القتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر.

دور النظام السوري

وهذا ما بيّنه العميد عبد الله الأسعد الخبير العسكري السوري، في تصريح لـ "الاستقلال"، بالقول إن دور النظام السوري "كبير جدا" في تسهيل استخدام السوريين وقودا للحرب في ليبيا، وتجنيدهم لصالح روسيا.

وألمح الأسعد، إلى أن "روسيا حينما فشلت في تجنيد مقاتلين من محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين، توجهت إلى السويداء. ومنذ يوليو/تموز 2020، استطاعوا عن طريق أحد عملاء فرع السويداء، تجنيد مجموعة من العناصر للقتال في ليبيا".

وكشف الخبير العسكري، أن "من يروج لتجنيد الشباب في المحافظات الجنوبية الثلاث (درعا – السويداء – القنيطرة)، هو رئيس فرع المخابرات العسكرية في السويداء العميد لؤي العلي".

وأشار إلى أن "العلي" الذي لعب دورا كبيرا في سيطرة قوات الأسد على كامل الجنوب السوري، هو من "أرسل مندوبين عنه إلى تلك المحافظات وقدم للشباب مغريات".

 وتمثلت المغريات وفق الخبير العسكري: "بأن من يذهب للقتال في ليبيا من الشباب تبيّض صفحته الأمنية، ولا يبقى مطلوبا لأي جهة أمنية، ولن يخدموا في صفوف قوات النظام، إلى جانب تقديم راتب شهري يصل إلى 1500 دولار". 

#عاجل مجموعة شباب من محافظة #السويداء السورية، توجهت عبر حافلة إلى مطار "حميميم" التابع للقوات الروسية في #اللاذقية...

Posted by ‎نبض ليبيا‎ on Wednesday, February 3, 2021

ووفقاً لدراسة صادرة عن مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في 24 فبراير/شباط 2020، بعنوان رقعة شطرنج ثلاثية الأبعاد، فإن حفتر الذي بدأ بتلقي الأسلحة من روسيا عام 2016، وعد بالسماح بإنشاء قواعد روسية في بنغازي وطبرق بمجرد انتهاء الصراع مقابل ذلك.

وأضاف المركز أنه في ذلك الوقت أو بعد ذلك بقليل، بدأ مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية، ومن شركة تعاقدات عسكرية ثانية يسيطر عليها الكرملين، وهي شركة RSB، في تعزيز قوات حفتر.

استثمار روسي

وفي هذا السياق، يصب سجل العلاقة بين موسكو وحفتر، في هدف روسيا من "استثمار مرتزقة سوريين ممن لديهم خبرة قتالية، ضمن مشروع الشركات الأمنية الذي يخدم سياستها بليبيا"، وفق ما يرى مدير مركز القارات الثلاث للدراسات  الباحث السوري أحمد الحسن.

ويجري ذلك وفق ما يضيف الباحث لـ"الاستقلال"، عبر تأمين موسكو موظفين يتقنون اللغة العربية ويجيدون حمل السلاح ولا يشكلون حالة غريبة على المجتمع الليبي، ما يعطيهم الأفضلية لدى الشركات الأمنية الروسية بدل الموظفين من بيئة مختلفة، كمقاتلي فاغنر.

ويذهب الحسن، إلى وجود علاقة منفعة متبادلة بين النظام السوري، المبارك والمنسق لتجنيد هؤلاء الشباب، وبين روسيا، تتجلى في "تحييد الأشخاص الذين حملوا السلاح من تحولهم إلى قوة تهديد غير منضبطة في حال عدم وجود وارد اقتصادي قد يؤدي إلى عملهم في نشاطات ضد الدولة أو العودة إلى النشاط العسكري في سوريا".

إضافة إلى "وجود هدف اقتصادي، حيث تساهم مشاريع تجنيد هؤلاء الشباب في تمويل اقتصاد النظام السوري من خلال هذه العقود"، هذا فضلا عن "دفع من تبقى من الشباب لإبرام التسويات مع النظام في السويداء"، كما يُشير الباحث أحمد.

ولأن التحالف العسكري بين بشار الأسد وحفتر، تجمعهما أجندة واحدة، سلم النظام السوري مقر السفارة الليبية في دمشق، في 3 مارس/آذار 2020، للحكومة غير الشرعية الموالية لحفتر.

وفي 6 مارس/آذار 2020، أكد تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، أن مرتزقة تابعين للنظام السوري، وصلوا إلى ليبيا، من أجل الالتحاق بصفوف مليشيات حفتر.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مصادر عسكرية، إن حفتر تحالف مع نظام الأسد، ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا.

يشار إلى أنه بعد هزيمة حفتر في المعارك التي دارت لأكثر من عام في محيط العاصمة طرابلس، وإجباره عام 2019 على الانسحاب منها إلى ما وراء خط سرت والجفرة في الشرق الليبي، أعلن عن وقف لإطلاق النار برعاية أممية وإطلاق حوار ليبي ليبي.

وعقب ذلك أخذ الحوار مسارات متعددة وجولات في دول مختلفة، حتى الوصول إلى محطّة انتخاب سلطة تنفيذية جديدة موحّدة، تنهي حالة الانقسام في إدارة البلاد، وتتسلم إدارة مؤسسات الدولة على كامل الأراضي الليبية إلى حين تنظيم الانتخابات العامة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ورغم إشادة موسكو بتوقيع الاتفاق برعاية الأمم المتحدة، فإن الشكوك قائمة حول إمكانية تنازل روسيا عن مشروعها لإقامة وجود عسكري دائم في جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" من الجنوب، ردا على درعه الصاروخي قبالة حدودها الغربية.