إلغاء معاشات البرلمانيين.. كيف احتال مستشارو المغرب بالقانون على مال الدولة؟

الرباط ــ الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عاصفة من الانتقادات في المغرب بحق أعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، إثر تصويتهم بالأغلبية في 9 فبراير/شباط 2021، على مشروعي قانون "إلغاء وتصفية معاشات المستشارين".

ويقضي مقترح القانون المصادق عليه، باسترجاع 460 مستشارا، حاليين وسابقين، اشتراكاتهم المالية في صندوق التقاعد، والاستفادة كذلك من مساهمات الدولة.

الاستفادة من مساهمات الدولة في الصندوق، اعتبرها متابعون بـ"الفضيحة الكبرى لنخبة تلهث وراء الريع والفساد"، وأنها "انعدام لروح المسؤولية والمواطنة"، في ظل الظروف الصعبة للبلاد.

وكان مجلس النواب قد قرر، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلغاء وتصفية نظام معاشات البرلمانيين، الذي كان طيلة السنوات الماضية محط رفض شعبي باعتباره "ريعا سياسيا".

وفي الوقت الذي كان فيه مجلس النواب قد أقر في وقت سابق تصفية تقاعد أعضائه من خلال استرجاع اشتراكاتهم في صندوق التقاعد فقط، كان مثيرا للجدل إضافة بند جديد لمقترح قانون إلغاء وتصفية نظام معاشات مجلس المستشارين، يقضي باسترجاع المبلغ الكلي الذي يتضمن واجبات اشتراك المنخرطين في صندوق التقاعد ومساهمات المجلس. 

المال العام

تبلغ ميزانية صندوق تقاعد المستشارين 130 مليون درهم (13 مليون دولار)، تتضمن نحو 98 مليون درهم (9.8 ملايين دولار) مساهمة المستشارين والدولة، فيما يقدر الباقي، المسمى بفارق احتياطي النظام، بحوالي 32 مليون درهم (3.2 ملايين دولار). 

وكشفت دراسة أنجزها صندوق "الإيداع والتدبير"،  وهو مؤسسة حكومية كُلّف بتشجيع وتدبير حسابات التوفير وتلقي ودائع صناديق التقاعد وتدبيرها، أن "صندوق تقاعد المستشارين لن يعرف عجزا دائما إلا في سنة 2023".

وورد في تقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، أن "رصيد الصندوق كما هو الشأن لجميع أنظمة التقاعد على المستوى الدولي، هو ملك للمنخرطين".

وأشار إلى أن "الاقتصار على احتساب الاشتراك فقط في عملية التصفية، سيحرم 360 مستشارا سابقا من الاستفادة من المعاش ومن أي مكتسب ناتج عن عملية التصفية مباشرة بعد دخول قانون التصفية حيز التنفيذ".

وأضاف التقرير، أنه على إثر ذلك "تم الاتفاق حينها بإجماع مختلف مكونات المجلس على ضرورة تصفية وإلغاء النظام سريعا، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الوضعيات التي يوجد عليها المشتركون سواء كانوا منخرطين أو مستفيدين".

وفي وقت سابق، تم الاتفاق على وضع مقترح القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين من طرف الفرق البرلمانية بشكل يراعي خصوصية ووضعية هذا النظام الذي ترتبت عليه حقوق للمستفيدين، من خلال اعتماد صيغة قانونية تضمن قسطا من حقوقهم.

واعتبر المستشارون أن الأمر يتعلق بتشريع خاص ينظم وضعية 460 شخصا ما بين مستشارين حاليين وسابقين على أساس أن المنخرطين والمستفيدين من نظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين ستشملهم الوضعية المترتبة عن هذا الإلغاء. 

من جهتها، أجّلت "لجنة المالية" بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، يوم 10 فبراير/شباط الجاري، المناقشة والتصويت على مقترح قانون إلغاء وتصفية معاشات المستشارين إلى "أجل غير مسمى".

وأوضح بعض البرلمانيين لوسائل إعلام محلية، أن التأجيل تقرر على أساس عدد من الملاحظات بعد الاطلاع رسميا على مقترح القانون المصادق عليه من المستشارين، وأن المناقشة والتصويت تحتاج إلى مزيد من الوقت قصد دراسة المقترح وتقديم الملاحظات والاقتراحات والتعديلات الممكنة قبل المرور إلى مرحلة التصويت النهائي لإقرار القانون. 

مصادقة تثير الجدل

رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام بالمغرب (أهلية)، محمد الغلوسي، اعتبر في بيان، أن مصادقة لجنة "المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية" بمجلس المستشارين، على مقترح القانون، "انعدام لروح المسؤولية والمواطنة"، موضحا أن هذه الخطوة ستمكن المستشارين من "استرجاع مساهماتهم ومساهمات المجلس في صندوق المعاشات".

ووصف الغلوسي قرار المصادقة بـ"الفضيحة الكبرى بكل المقاييس لنخبة تلهث وراء الريع والفساد"، وذهب رئيس الجمعية إلى اعتبار أن "مساهمات المستشارين أصبحت أموالا عامة بدخولها الصندوق".

وأشار إلى أن هذه المصادقة تزامنت مع "ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة، نتيجة تداعيات الجائحة، ودعوة الحكومة شرائح المجتمع الضعيفة إلى التقشف".

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، عمر الشرقاوي: "بدل تصفية معاشات مجلس المستشارين، كان الأولى تصفية دستورية للمجلس بنفسه، لا يصلح لشيء، وأضراره أكثر من منافعه، ومصاريفه أكثر من عائداته، ومشاكله أكثر من حلوله".

وأضاف ساخرا في تدوينة عبر صفحته على موقع "فيسبوك": "قانون تجريم الإثراء غير المشروع جامد منذ 5 سنوات في البرلمان، وقانون توزيع أموال صندوق مجلس المستشارين نوقش وصوت عليه في اللجنة والجلسة العامة في 8 ساعات فقط، والتصويت تم بالإجماع". 

وقد مرت نحو 4 سنوات، ومازال مشروع قانون "الإثراء غير المشروع" حبيس الأدراج في لجنة العدل والتشريع  بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، منذ أن أحالته الحكومة عام 2016 إلى البرلمان لتعديله ومناقشته ثم المصادقة عليه.

وينص المشروع، على فرض غرامات ما بين 100 ألف إلى مليون درهم (نحو 10 آلاف إلى 100 ألف دولار) على أي موظف في الدولة ثبتت زيادة ثروته بشكل غير مبرر خلال فترة أداء مهامه، ولرصد ذلك يُلزم الموظف بالكشف عن ممتلكاته وممتلكات زوجته وأولاده قبل تولي المنصب فيما يعرف في العديد من الدول بـ"إقرار الذمة المالية".

دفاعا عن القانون

رئيس فريق حزب "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي)، بمجلس المستشارين، نبيل الشيخي، قال إن "مقترح قانون تصفية معاشات مجلس المستشارين، خلافا لعدد من الادعاءات التي ترمي إلى تزييف الحقائق وممارسة نوع من التضليل، يهدف أولا إلى تمكين المستشارين الحاليين من استرجاع اشتراكاتهم التي ساهموا بها منذ بداية هذه الولاية التشريعية". 

واعتبر الشيخي، في تدوينة عبر صفحته على موقع "فسيبوك"، أنه "من غير المنطقي أن يستمروا في أداء هذه الاشتراكات من أجورهم، في إطار نظام محكوم عليه بالإفلاس في الأفق المنظور (منتصف سنة 2023)".

وأوضح رئيس الفريق، أن المقترح يهدف إلى "عدم الإخلال بحقوق المستشارين المستفيدين حاليا من المعاشات (المستشارون السابقون) عبر تمكينهم من مستحقاتهم من الرصيد المتبقي بعد استيفاء اشتراكات المنخرطين"، مضيفا: "هذا الرصيد هو في الأصل ملك لهم، وكان من المفروض أن يستمر في أداء معاشاتهم إلى حين وصول النظام للإفلاس".

جدير بالذكر أنه بمجرد صدور مقترح قانون تصفية نظام المعاشات بالجريدة الرسمية ستتوقف تلقائيا اشتراكات المنخرطين كما ستتوقف مساهمات مجلس المستشارين في الصندوق، وهو ما سيوفر على ميزانية المجلس أزيد من 4 ملايين و170 ألف درهم سنويا، وفق الشيخي.

وفي ختام حديثه عن المصادقة التي أثارت الكثير من اللغط والمزايدات، أكد الشيخي أن "فريق العدالة والتنمية مطمئن ومعتز بالدور الذي اضطلع به من أجل العمل على التسريع بتصفية هذا النظام في إطار التعاون مع باقي مكونات المجلس".

قبل أن يستطرد قائلا: "بالقدر الذي انفتحنا على جميع الآراء والمقترحات الجادة في إطار النقاش المسؤول وكذا الاستشارات التقنية مع خبراء الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، وآخرين من مؤسسات مماثلة، فإننا نعبر  بالمقابل عن تنديدنا ببعض الأصوات التي أضحت تحترف الكذب والتضليل".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي- أكبر حزب معارض)، إنه كان "ضد تصفية نظام المعاشات"، وإنه كان يفضل إصلاحه على أساس منح معاش للبرلمانيين السابقين الذين لا يصل دخلهم إلى 20 ألف درهم (ألفا دولار)".

وأوضح أن ذلك "يمكن تطبيقه بالاعتماد على إبراز كشوفات تؤكد أن مداخيلهم الشهرية أقل من 20 ألف درهم لاستكمال، أما من يحصلون على مبلغ 20 ألف درهم فما فوق، فلا يحصلون على شيء ويساهمون في إطار تضامني”.

وعارض وهبي طريقة تقاسم أعضاء مجلس المستشارين رصيد صندوق التقاعد الذي لم يصل مرحلة الإفلاس بعد، وقال: "تبين أنه بعد توزيع رصيد الصندوق سيبقى فائض بقيمة 30 مليون درهم (3 ملايين دولار)، فاقترحنا إعادته للدولة، أو وضعه في الصندوق الخاص بكورونا، لكن المستشارين رفضوا”. 

وكشف وهبي أن نوابا من حزبه اعترضوا على موقفه، ومنهم من قال إنه سيصوت ضد موقف الحزب، لكنه شدد على معارضته "توزيع الفائض بين البرلمانيين".