كرة الثلج التي أطاحت بالبشير.. هل تُسقط حكومة حمدوك في السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بين وعود ثورة لم تتحقق وشعب يرزح تحت خط الفقر، وانعدام للخدمات والسلع الأساسية، إضافة إلى صراعات قبلية وعرقية، يشتعل الشارع السوداني غضبا ضد حكومة عبد الله حمدوك.

وتشهد مدن عديدة بينها العاصمة الخرطوم، منذ 23 يناير/كانون الثاني 2021، مظاهرات عارمة تخللتها أعمال تخريب ونهب للمحلات التجارية وحرق سيارات الشرطة مع اعتصامات ميدانية وإضرابات عن العمل في بعض القطاعات، منها المخابز. 

المشهد القائم يذكر ببداية "ثورة الغضب" ضد رئيس النظام المخلوع عمر البشير، التي تدحرجت ككرة الثلج في ديسمبر/كانون الأول 2018، من الروصيرص وسنار حتى بلغت عطبرة والقضارف، واستقرت في العاصمة الخرطوم لتنهي حكما استمر ثلاثة عقود.

فهل تستطيع الحكومة القائمة الصمود أمام تلك الاحتجاجات؟ وما هي الركائز التي تعتمد عليها؟

غضبة المدن 

الخبز وسوء الأحوال المعيشية، مثلا المحرك الأبرز للمظاهرات التي انطلقت في عموم المدن السودانية، ضد حكومة عبد الله حمدوك، التي رفع المتظاهرون مطلب إسقاطها.

وهو الأمر الذي دفع حكومات الولايات إلى فرض حالة الطوارئ وحظر التجول، وتعليق الدراسة إلى حين استتباب الوضع الأمني.

وفي 10 فبراير/ شباط 2021، وصلت وتيرة الاحتجاجات إلى الخرطوم، حيث تحركت مظاهرات في أماكن مختلفة من العاصمة، دوت معاها هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام".

لكن الحدث الأبرز كان يوم 9 فبراير/ شباط، عندما أعلنت ولايات جنوب وشمال دارفور فرض حالة الطوارئ بعد تصاعد الاحتجاجات، حيث قرر والي شمال كردفان إغلاق أسواق الأبيض والرهد وأم روابه، بعد  تدمير محال تجارية وحرق سيارات.

وكانت مدينة الأبيض شاهدة على عمليات نهب واسعة لمحال تعمل في بيع السكر ودقيق الخبز تحديدا، إضافة إلى سرقة البنك الفرنسي، وذلك نتيجة الارتفاع المتصاعد في أسعار السلع الغذائية وسط شح في غاز الطهي والخبز مقابل تدني القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة ارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية.

وشهد شرق السودان احتجاجات شارك فيها المئات من الطلاب ببورتسودان، بينما أعلن الوالي موسى مهدي حالة الطوارئ في نيالا وحظر التجوال من السادسة مساء إلى السادسة من صباح اليوم التالي.

وأوضح أن "قوات الشرطة تمكنت من تفريق بعض المظاهرات ووقف أعمال الشغب"، مؤكدا وقوع خسائر في الممتلكات.

وتعرض مبنى محلية بورتسودان إلى رشق بالحجارة وتم إشعال النار في إطارات السيارات في بعض الشوارع الرئيسة. 

وعلى نفس النسق خرج المئات بولاية القضارف، ورفع المحتجون لافتات منددة بالحكومة المتسببة في تدهور الاقتصاد مطالبين برحيلها، وقامت السلطات المحلية بإغلاق سوق المدينة الرئيس، تفاديا لعمليات التخريب.

وأشعل المتظاهرون النيران والإطارات في عدد من الطرق والشوارع الرئيسة، واصطدموا ببعض عناصر القوات النظامية، التي أطلقت الغاز المسيل للدموع. 

وحاول حاكم ولاية البحر الأحمر، عبد الله شنقراي، التخفيف من حدة الغضب في زمام ولايته، وخاطب المتظاهرين، ووعدهم بمعالجة الخلل الداخلي الذي صاحب قضية الخبز، وحل مشكلة أصحاب المخابز لاستمرار عمل المخابز، وهو النداء الذي لم يستجب له المحتجون الذين استمروا في المسيرات والمطالبة بتنحية حمدوك وحكومته. 

متشابهات السقوط

"تسقط بس" كان الهتاف الأشهر ضد البشير، وحسم به الثوار موقفهم من النظام، وعاد هذا الهتاف يتردد مرة أخرى، ولكن هذه المرة ضد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

سمع دوي الهتاف في مناطق السوق المركزي بالخرطوم، والشهداء والمؤسسة بحري في أمر درمان، حسب ما أظهر "البث المباشر" لعدد من المواقع الإخبارية المحلية السودانية على صفحات التواصل الاجتماعي، مثل موقع "الطابية" بتاريخ 10 فبراير/ شباط 2021.

التشابه الآخر هو اعتماد "آلية الطوارئ" بين النظامين، فكما أعلن عدد من الولاة في دارفور وبورتسودان "فرض الطوارئ" أمام سيل المظاهرات، كذلك فعل البشير يوم 27 فبراير/ شباط 2019، عندما عمم حالة الطوارئ، ولم يكتف بها في ولايات دارفور الخمس، وشمال وغرب كردفان، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، وكسلا، بل في سائر عموم المدن السودانية.

مع ذلك استمرت المظاهرات ولم تهدأ، وينطبق الحال مع حمدوك أيضا الذي يواجه مظاهرات متصاعدة لا تهدأ أيضا. 

البشير بدأ مواجهة الاحتجاجات عن طريق قوات الأمن التي هاجمت المتظاهرين في المدن وأطلقت عليهم الرصاص الحي وقنابل الغاز.

 كان ذلك من المتشابهات الفجة بين النظام القديم والحكومة القائمة التي جاءت بفعل الثورة في الأساس، حيث واجهت قوات الأمن التابعة للحكومة المظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي لتفريق الحشود الكبيرة، مثلما حدث في شوارع نيالا.

وتفترض الحكومة الحالية توقف المظاهرات مثلما كان البشير يأمل مع الوقت بالتزامن مع وعوده بإحداث تغييرات.

ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية، من المفترض أن تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش و"قوى إعلان الحرية والتغيير".

ولكن المظاهرات المستمرة القائمة ضد الحكومة تشكك في استمرارية الخطة المطروحة للمرحلة الانتقالية، وهو السيناريو الذي يحاول حمدوك تجنبه بإقامة سياسة خارجية قائمة على تلقي الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

ويذكر أنه في خضم تلك المظاهرات، تلقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، يوم 9 فبراير/ شباط 2021، اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عبر خلاله عن التزام الولايات المتحدة الراسخ بدعم الحكومة الانتقالية ذات القيادة المدنية بالسودان، حسب بيان مجلس الوزراء في الخرطوم.

وأكد بلينكن في أول مكالمة هاتفية له مع حمدوك التزام واشنطن بدعم التحول الديمقراطي بالبلاد والإيفاء بكامل استحقاقاته، مشددا على استمرار دعم حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن للسودان خلال الفترة الانتقالية.

فهل يكون الوعد الأميركي بالدعم لحمدوك كافيا أمام التظاهرات القائمة نتيجة الأوضاع الاقتصادية؟ وهل يجد حمدوك حلولا ناجعة لمواجهة المظاهرات التي قد تشكل ثورة مماثلة لثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018 التي أنهت حكم البشير.

مسألة وقت

يرى الصحفي السوداني محمد نصر، أن تطورات الأوضاع واتساع رقعة المظاهرات في المدن السودانية عارض لمرض، بحسب وصفه.

 وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" أن "السؤال الذي يطرح الآن على حكومة حمدوك، هل هذه المظاهرات حدث طارىء ومستجد؟ الإجابة قطعا لا، فهي احتجاجات قائمة منذ أشهر وحاليا أخذت في الازدياد واشتدت حدتها، لفشل الحكومة في الاحتواء وحل المشكلات كما وعدوا". 

وقال نصر: "الدولار الآن في السوق السوداء وصل إلى 400 جنيه سوداني، وعملتنا المحلية فقدت نصف قيمتها أمام الدولار في أقل من شهرين، وهو ما أدى إلى ارتفاع بالغ في الأسعار، وكثير من العائلات لا تجد الخبز فضلا عن الوجبات الرئيسة".

في المقابل اختزل التجار السلع وخزنوها على اعتبار أن سعرها سيتضاعف. ويقول الصحفي "في إطار تلك المعضلة لا نجد حكومة حقيقية تستطيع إنقاذ المواطن، أو التحكم في الأسواق، أو حتى معاقبة التجار، وهذا يدلل على حجم الأزمة وعدم الثقة بين المواطن وحكومته، التي تظهر في حالة ضعف وعجز".  

وأردف: "بالعودة إلى المظاهرات، فإن بورتسودان لم تهدأ منذ أكثر من عام، وشهدت سقوط قتلى في الاشتباكات التي حدثت بين البني عامر والنوبة، فأين كانت حكومة حمدوك مما يحدث، وها نحن نعيش مأساة في الجنينة بولاية دارفور، والتي وصل ضحاياها إلى مئات من المواطنين، وظهرت الحكومة في موقف العاجز".

ويتساءل: "هل من المنتظر أن تستمر حكومة بهذا الكم من الفشل والإخفاقات؟! البشير بجيشه وترسانته العسكرية لم يصمد أمام إخفاقات أقل". 

وعلق الصحفي السوداني على الدعم الغربي لحكومة حمدوك، الذي يمكنها من الاستمرار نسبيا، قائلا: "كان يجب على حمدوك بدلا من اللجوء للاتحاد الأوروبي وأميركا، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أن يحدد مهمة حكومته في تسريع عملية الانتقال السلمي للسلطة، والعمل على تقصير أمد المرحلة الانتقالية".

 وقتها كان سيخرج من الأزمات ومواجهة الإشكاليات العميقة، ويضمن موطئ قدم له في إدارة الدولة كممثل للشعب ويحظى باحترام الجميع، ولكنه لجأ إلى حلول خارجية، والاعتماد على الغرب، وهي آلية دمرت وحطمت أنظمة كانت أشد منه قوة وأكثر رسوخا، وفق محمد نصر.

واختتم نصر حديثه: أن "موجة الاحتجاجات الحالية تتصاعد بشكل كبير، وحكومة حمدوك فقدت دعم الشارع وثقة المواطن قولا واحدا، ومسألة سقوطها متوقعة ومنتظرة لصالح المكون العسكري في مجلس السيادة".