"ها آرتس": هكذا أنقذ نتنياهو نظام الأسد

12

طباعة

مشاركة

أبرزت صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية الجدل حول حقيقة إنقاذ إسرائيل لنظام الرئيس السوري بشار الأسد خلال السنوات الثماني الماضية، التي كان فيها مهددا بتمرد واسع ضد حكمه.

وأفاد مقال بالصحيفة للباحث البريطاني كايل أورتن، أن ادعاء العديد من الإسرائيليين بأن "تعامل حكومتهم مع الأزمة السورية كان أمرًا يستحق الثناء"، يحتاج إلى تفنيد الأسس التي يقوم عليها هذا الاعتقاد.

وقدّم أورتن وجهة نظره عبر تفنيد ادعاءات أوردها الكاتب أنشيل فيفر بالصحيفة ذاتها، معتبرا أنها مثيرة للقلق خاصة أن الكاتب ليس من المدافعين عن الحكومة الإسرائيلية ولا الصحيفة ناطقة باسمها.

وأشار الباحث البريطاني إلى أن فيفر أوجز رأيه بالقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفوق على روسيا وإيران وتنظيم الدولة من خلال سياسته الوقحة في سوريا بلا رحمة. وبحسب فيفر فإن الفضل يرجع لنتنياهو في 4 أشياء كبيرة في سوريا: تجنب الانخراط في الاشتباك بين نظام الأسد والتمرد، والاعتراف بتنظيم الدولة كتهديد ومنع التسلل الإرهابي، واحتواء إيران وردعها، والتعامل مع الروس ببراعة.

وحاول أورتن الرد على ادعاء فيفر قائلا، دعونا ندرس كل من هذه الادعاءات.

الحذر في دعم المعارضة

لفت الباحث البريطاني إلى أن أول الادعاءات هو امتداح فيفر لنتنياهو بسبب شكوكه في أن تمرد الربيع العربي يمكن أن يهزم الأسد، وأن سقوطه سيكون مفيدًا لإسرائيل. كما أوضح فيفر أنه "بينما دعم زعماء غربيوون شحن أسلحة متطورة للجيش السوري الحر في سوريا، نصح نتنياهو بالحذر، واصفا التردد في مساعدة المعارضة السورية نوعا من البصيرة؛ لأن هذه الأسلحة كان يمكن أن تقع في أيدي تنظيم الدولة. كما أشار إلى أن نتنياهو كان من أوائل القادة الذين أدركوا خطورة ظهور التنظيم في فراغ السلطة الذي نشأ في سوريا والعراق".

لكن أورتن أشار إلى أن هذا الرأي يخطئ في تقدير حساب المخطط الزمني والسببية، مشيرا إلى أن الأسد هو من خلق "الفراغ" الذي تسلل منه تنظيم الدولة؛ لأن نظامه -المدعوم من إيران وروسيا- قصف مناطق المعارضة وزعزع استقرارها بشكل متعمد، في حين ترك التنظيم ينمو بل وساعد على تعزيزه ومجموعات جهادية مماثلة.

وواصل الباحث البريطاني القول: "من بين أمور أخرى، أطلق الأسد سراح المتشددين من السجن في البداية لمحاولة تقسيم وتشويه سمعة الانتفاضة، وبحلول عام 2017 كانت مبيعات النفط والغاز للنظام أكبر مصدر لإيرادات تنظيم الدولة، علاوة على الضرائب التي كان الإرهابيون يتلقونها من السكان الخاضعين لسيطرتهم. وكل هذا أبقى الأسد في مكانه مما ساعد التنظيم على النمو".

وبحسب أورتن، فلو كان قد تم توفير أسلحة مناسبة وكافية للمعارضة الرئيسية في الوقت المناسب لاستكمال الثورة، فربما كان من شأن ذلك أن يحول دون ظهور تنظيم الدولة في سوريا تمامًا، وكان من شأنه على الأقل أن يحسن فرص أقل القوى سوءًا، من منظور إسرائيل، عندما دخل التمرد في حرب مع التنظيم، ووجد نفسه في وقت واحد يتعرض لهجوم من قبل نظام الأسد، الذي قدم دعما جويا فعليا للجهاديين.

البقاء على الهامش

أما الادعاء الثاني، وهو أن فيفر يرى أنه بينما كان نتنياهو محقا في البقاء على "هامش" الحرب الأساسية في سوريا فإن هذا لم يعنِ أنه ابتعد عن التصرف في سوريا، بل على العكس تمامًا. بل يرى أن نتنياهو رسم ونفذ خطوطًا حمراء واضحة ضد الإيرانيين، حيث هاجم قوافل المساعدات لحزب الله، وقوات الحرس الجمهوري الإيراني  -مما أعاق بالفعل تشكيل قواعد دائمة من قبل إيران- وحتى قتل قادة الحرس الثوري الإيراني.

لكن أورتن فند هذا الادعاء قائلا: "لكن نتنياهو انخرط في الحرب السورية الرئيسية، وإن كان ذلك بشكل مفكك، من خلال التأثير في البداية على نطاق واسع لمنع الأعمال الأمريكية المناهضة للأسد، وبعد ذلك، متأخرا، عبر تقديم الدعم لجماعات المعارضة.

وأشار إلى أن المتمردين الذين تدعمهم إسرائيل وفروا حاجزًا ضد إيران وتنظيم الدولة في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبية (مرتفعات الجولان) السورية على الحدود مع إسرائيل. وفي يوليو/ تموز 2018، لعب الروس بنتنياهو لترك درعا يقع تحت سيطرة القوات الإيرانية. النية الطيبة التي تراكمت لدى إسرائيل عن طريق تزويد السوريين بالطعام والرعاية الطبية والوسائل التي تحمي أنفسهم، تبددت دون جدوى واستغل حزب الله أصول إسرائيل.

فشل التعامل مع الوجود الإيراني

وأضاف: "بحسب فيفر، فإن نتنياهو نفسه اعتبر سقوط درعا كارثة؛ لأنه اعتبر إيران دائما تهديدا أكبر بكثير من تنظيم الدولة، إلا أنه سهّل استبدال جيب التنظيم بالميليشيات التي يديرها الحرس الثوري. والحصاد أمامنا بالفعل، مع شن خلايا حزب الله الإرهابية لهجمات عبر الحدود على إسرائيل من سوريا".

ومضى أورتن يقول: "القصة التي يرويها فيفر حول تحرك نتنياهو الفعال في الوقت المناسب ضد إيران في سوريا تكرر ما قيل عندما استقال رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي أيزنكوت في يناير/ كانون الثاني من هذا العام".

وأضاف: "مثل فيفر، أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت إلى أن الحملة الإيرانية من أجل وجود دائم في سوريا بدأت في عام 2017، بعد 5 سنوات من تدخل إيران الحاسم بالآلاف من القوات البرية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، تم الآن دمج القوة الاجتماعية والعسكرية لإيران في نسيج سوريا، المتمركزة على الأسد الذي لا زال صامدا".

ومضى يقول: "بعبارة أخرى، لإيران موقع في سوريا دائم بقدر ما تحصل عليه. وهذا ليس مفاجئًا: قال آيزنكوت بوضوح إن إسرائيل إلى حد كبير لم تكن تنوي حتى القضاء على عناصر الحرس الثوري الإيراني الذين هم مفتاح مشروع إيران في سوريا".

وبحسب أورتن فقد كان تعليل أيزنكوت أن إسرائيل يمكن أن تعطل مشروع إيران من خلال ضرب البنية التحتية، وعدم قتل الموظفين الإيرانيين لتجنب إثارة الانتقام الإيراني.

وتابع أورتن قائلا: "هناك العديد من المشاكل في هذا الأمر. إحداها في التنفيذ، إذ بالغت إسرائيل إلى حد كبير في حجم عملياتها في سوريا، وكذلك فعاليتها".

وأضاف: "لكن المشكلة الأكثر خطورة في المفاهيم: فالأفراد الذين يقومون بالربط الشبكي والنشر الأيديولوجي هم من يكرسون نفوذ إيران، لذا فإن وضعهم خارج الحدود يعد خطأ. علاوة على ذلك، وحتى بمحدداته، فإن حجة أيزنكوت غير ذات جدوى، حيث أرسلت إيران طائرات مسلحة بدون طيار إلى إسرائيل من سوريا".

روسيا

أما فيما يخص التعامل مع روسيا، فيرى فيفر أن تعامل نتنياهو مع روسيا هو أعظم نجاح له. بحسب قوله، فبعد فترة وجيزة من تدخل الروس علانية في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2015، أسس نتنياهو قواعد أساسية مع فلاديمير بوتين، للحفاظ على حرية التصرف في إسرائيل؛ لأنه بذكاء أدرك أن بوتين ليس لديه مصلحة في مساعدة إيران، وإنما فقط في ضمان بقاء موكله الأسد، وأن إسرائيل وحدها هي التي يمكنها تهديد ذلك. والضمان الأمني ​​الإسرائيلي للأسد يعني أن روسيا واصلت الوقوف إلى الوراء، والسماح لإسرائيل بممارسة أعمالها في سوريا، معتبرة ذلك تجارة مجدية.

لكن أورتن رد على ذلك قائلا: "كما تشير الأحداث في درعا، فإن الكرملين أضر بمصالح إسرائيل في سوريا بشكل كبير، ومع ذلك، ظهر نتنياهو في موسكو مؤخرًا في فبراير/ شباط، مشيدًا بتعاون بوتين. في الواقع، لقد عاد إلى هناك مرة أخرى يوم الخميس الماضي، مشيدا ببوتين باعتباره صديقا، شاكرا الرئيس الروسي على كل ما قام به لإسرائيل".

ومضى يقول: "لقد تركت السياسة الأمريكية في سوريا لإسرائيل العديد من التهديدات، من بينها القوة الروسية، بطريقة لا تختلف عما حدث لتركيا. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل -أو تركيا- ملزمة بذلك بتبني موسكو".

وأضاف: "هذه ليست نقطة أخلاقية، صور بعض المعلقين الإسرائيليين روسيا كحكم شبه محايد بين إسرائيل وإيران، وفكرة أن روسيا يمكن أن تكون مفيدة لإسرائيل في سوريا منتشرة على نطاق واسع. ولكن من الخطأ بشكل خطير، البناء في الواقع على وهم، بل وهمين".

وبحسب أورتن، فإن الوهم الأول هو وجود مسافة كبيرة بين الأهداف الروسية والإيرانية في سوريا، وهذه الفجوة تعني أن روسيا مستعدة لمساعدة إسرائيل بطرق معينة.

وأردف: "كل ما يقوله المسؤولون الروس للإسرائيليين في اجتماعات خاصة حول شركائهم الإيرانيين -وقد يكون من الصعب أن يكون أسوأ مما قاله الروس علنًا حول الأسد- إن إيران وروسيا مرتبطتان استراتيجياً ببعضهما البعض: نظام الأسد المدمر كان سينهار دون استيلاء إيران بحكم الواقع على أمنها والقطاعات الأخرى، وليس لروسيا أي نفوذ داخل سوريا في غياب هذه القوات البرية التي تقودها إيران".

وتابع: "الأمر الذي يؤدي إلى الوهم الثاني: أن روسيا يمكن أن تساعد إسرائيل. ضعف موقف موسكو يجعلها غير مجدية لإسرائيل، حتى لو أرادت المساعدة. هذا ليس سرا. قال الروس علنًا إنهم لا يستطيعون إخراج إيران من سوريا، ويقول نتنياهو إن بوتين كرر نفس الشيء له شخصيًا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لقد أدى الافتراض بأن روسيا قادرة إلى الاعتقاد بأن موسكو تسمح لإسرائيل بالعمل في سوريا".

وأضاف الكاتب: "الحقيقة هي أن روسيا لم تتمكن ببساطة من منع الهجمات الإسرائيلية حتى الآن. تقوم إيران بحفر وتخزين الصواريخ حول جميع أنحاء الدولة اليهودية، بالتعاون الكامل من روسيا، لتمتد من سوريا إلى لبنان إلى غزة".

ومضى يقول: "إن قدرة الردع الإيرانية هذه تتراكم تحت مظلة شبكة دفاع جوي روسية، والتي تتوسع أيضًا. وفي غياب ما قد يكون الآن صراعًا كبيرًا، ستصبح قدرة إسرائيل على المناورة مقيدة أكثر بمرور الوقت".

وأشار إلى أن إطاحة نظام الأسد كان من شأنه أن يخرج حجر الزاوية في هذه الإمبراطورية الإيرانية الروسية، لكن بدلاً من ذلك، قدّم نتنياهو ضمانة أمنية للأسد على أساس خدعة روسية ضمنت بدورها موقع إيران في بلاد الشام.

الكلمات المفتاحية