تصعيد بالتصريحات.. لماذا تغيّر موقف فرنسا من ملف النووي الإيراني؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتخذ فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، سياسة جديدة حيال التعامل مع ملف إيران النووي، معالمها مغايرة لما كانت عليه في الاتفاق السابق بين طهران من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى.

وفي تصعيد واضح اللهجة، شدد ماكرون على ضرورة تجنب ما وصفه بخطأ استبعاد دول أخرى في المنطقة عند التفاوض على اتفاق 2015، داعيا إلى أهمية إشراك المملكة العربية السعودية في أي محادثات جديدة بشأن برنامج إيران النووي.

وشدد ماكرون، خلال تصريحات صحفية، في 29 يناير/ كانون الثاني 2021، على أن أي محادثات جديدة بشأن الاتفاق النووي مع إيران ستكون "صارمة" جدا، وأن الوقت المتبقي لمنع طهران من تطوير سلاح نووي محدود للغاية.

التحذيرات الفرنسية، جاءت أيضا على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، خلال تصريح صحفي لصحيفة "جي دي دي" الفرنسية، في 16 يناير/ كانون الثاني 2021، بالقول إن "إيران تعمل على بناء قدرات نووية".

وأضاف لودريان: "لا بد من إخبار الإيرانيين بأن هذا يكفي، وضرورة العمل على ترتيب عودة إيران والولايات المتحدة إلى الصفقة النووية لعام 2015"، متابعا أن "إحياء الصفقة النووية لن يكون كافيا، وهناك محادثات صعبة بشأن الصواريخ البالستية، والأنشطة الإقليمية الإيرانية مطلوبة".

وفي 26 يناير/كانون الثاني 2021، طالبت الرئاسة الفرنسية، إيران بالكف عن الاستفزاز والعودة لبنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية إذا كانت تتوقع عودة واشنطن مرة أخرى إلى الاتفاق.

ونقلت "رويترز" عن مسؤول بالرئاسة الفرنسية، قوله: "إذا كانوا جادين بشأن المفاوضات وإذا كانوا يرغبون في إعادة مشاركة جميع الأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فعليهم أولا الكف عن المزيد من الاستفزازات، وثانيا احترام ما لم يعودوا يحترمونه والمقصود بذلك التزاماتهم".

تصريحات ماكرون والمسؤولين الفرنسيين هذه أثارت التساؤل حول أسباب تغيّر موقف باريس تجاه البرنامج النووي الإيراني مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وازدياد التكهنات بخصوص عودة المحادثات بين طهران والغرب في ظل الإدارة الأميركية الجديدة.

عرض الوساطة

الرئيس الفرنسي لم يقف عند تحذيراته لإيران، وإنما عرض في 4 فبراير/ شباط 2021، التوسط شخصيا بين واشنطن وطهران لحل أزمة الملف النووي الإيراني، معلنا ترحيبه باستعداد الولايات المتحدة للتواصل مع طهران.

وقال ماكرون خلال مشاركته في مؤتمر عبر الفيديو لمركز "أبحاث المجلس الأطلسي" إنه "نحن بحاجة ماسة لأن ننجز بالفعل مرحلة جديدة من التفاوض مع إيران. سأقوم بكل ما في وسعي لدعم أي مبادرة من جانب الولايات المتحدة للانخراط مجددا في حوار، وسأكون هنا. أسعى لأن أكون وسيطا نزيها وملتزما في هذا الحوار".

وأشار إلى أن أول الأسباب التي تدفعه إلى هذا التوجه اقتراب طهران من الحصول على السلاح النووي، ولأنه "يتعين حل مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية"، واستقرار المنطقة، مضيفا أنه يجب مناقشة هذه العناصر الشاملة اليوم "لأن الوقت مناسب".

وفي 6 فبراير/ شباط 2021، نقلت تقارير صحفية عن مصدر غربي في باريس، قوله إن واشنطن "لا تمانع في أن يكون لباريس دور ما".

وأضاف أنه "إذا أرادت واشنطن حقا إطلاق حوار مع طهران، فإنها اليوم ليست بحاجة إلى وسيط، لأن الطاقم الموجود في وزارة الخارجية أو في البيت الأبيض يعرف جيدا المسؤولين الإيرانيين".

وفي المقابل، نقلت التقارير ذاتها عن مصادر أخرى في باريس، قولها إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "لم يعين طرفا أوروبيا بعينه" ليلعب دور الوسيط بل توجه مباشرة إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للقيام بهذا الدور.

وثمة معطى لا يمكن القفز عنه، وهو أن باريس كانت، في السنوات الأربع الماضية ومنذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خروجه من الاتفاق، الأكثر نشاطا ودينامية للحفاظ عليه، وبالتالي فإنه من المشروع أن يرغب ماكرون في لعب دور الوسيط، بحسب التقارير.

دوافع فرنسية

وتعليقا على تغير الموقف الفرنسي ومطالبته بإشراك الرياض، يقول الباحث في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، خلال تصريحات صحفية في 6 فبراير/ شباط 2021 إن "السعودية شريك وحليف تاريخي وأساسي لفرنسا على كل الأصعدة، بخاصة في ملف مكافحة الإرهاب، إضافة إلى التجارة، حيث أن باريس ترتبط بعلاقات قوية مع المملكة منذ زمن بعيد".

وأضاف نور الدين المقيم في باريس: "أما عن سياسات المنطقة، فالدولتان حليفتان في رسم السياسة العامة في الإقليم"، مشيرا إلى أنه "عندما يتحدث ماكرون عن صعوبة في المفاوضات فهي محاولة لإدخال السعودية كطرف بالمفاوضات، وفي أسوأ الحالات، سيطرح الجانب الفرنسي هواجس الرياض في الملف النووي والصواريخ الباليستية وغيرها".

من جهته، قال الكاتب اللبناني سركيس أبو زيد في إن "الملف النووي الإيراني يبقى ثابتا في الأجندة الفرنسية للعام 2021، ودائما في إطار طموح ماكرون بأن يلعب دور صلة الوصل بين واشنطن وطهران عبر تشجيع بايدن على العودة الى الاتفاق النووي، ودفع طهران بالتوازي لإدامة الالتزام بتعهداتها النووية".

مع العلم أن الخط العام لسياسة الرئيس المنتخب يتطابق إلى حد بعيد مع ما كانت تدعو إليه باريس منذ البداية، وفق ما قال أبو زيد في مقال نشره موقع "العهد نيوز" في 4 فبراير/ شباط 2021.

وفي الواقع، فإنه بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، تتوجه الأنظار ليس إلى باريس بل إلى واشنطن، حيث أن التغيير الجذري يتمثل في رغبة الرئيس الأميركي الجديد بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ومن ثم، إطلاق جولة مفاوضات جديدة تأخذ بالاعتبار برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وسياسة طهران الإقليمية، حسبما رأى أبو زيد.

بعد مفاوضات شاقة ومتقلبة امتدت لمدة تزيد عن عقد من الزمن، أعلنت ست قوى عظمى، هي: "الصين، روسيا، أميركا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا" توقيع اتفاق تاريخي مع إيران يتعلق ببرنامج طهران النووي، وذلك في 14 يوليو/تموز 2015.

حتى تاريخ هذا التوقيع كانت إيران تتهم فرنسا ووزير خارجيتها آنذاك، لوران فابيوس، بالتصلب في مواقفها خلال المفاوضات التي سبقت الاتفاق.

غضب إيراني

إيران بدورها، أعلنت أن الاتفاق النووي لا يحتاج إلى وسيط، تعقيبا على طرح الرئيس الفرنسي التوسط بينها وبين الولايات المتحدة التي انسحبت أحاديا منه في عهد ترامب عام 2018.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده خلال مؤتمر صحفي في 7 فبراير/ شباط 2021، إن "الاتفاق على البرنامج النووي لا يحتاج إلى وسيط"، مشيرا إلى أن الاتفاق الذي أُبرم في العام 2015 في فيينا كُتب بـ"أكثر من 150 صفحة. عندما يكتب نص طويل ودقيق إلى هذا الحد، هذا يعني أنه لا حاجة لإعادة مُناقشته".

كما انتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية، محمود أحمدي بيجش، مواقف ماكرون تجاه طهران ووصفها بأنها لا تحمل أية نوايا حسنة.

وأشار النائب بیجش، خلال تصريح صحفي في 8 فبراير/ شباط 2021، إلى تصريح ماكرون أنه يستطيع أن يكون "وسيطا صادقا وملتزما حيال المفاوضات بين طهران وواشنطن"، قائلا: إن "الرئيس الفرنسي يحمل ضغائن وأحقادا دفينة إزاء الجمهورية الإيرانية ومواقفها الاستقلالية مقارنة بالرؤساء السابقين".

ووصف بيجش الفرنسيين بأنهم "وقفوا باستمرار إلى جانب الولايات المتحدة في مختلف المواضيع، وأتصور أن تصريح ماكرون حيال الوساطة لا يحمل نوايا حسنة كما أن سجل الفرنسيين مليء بمثل هذه التصريحات".

وبخصوص مطالبة ماكرون إشراك السعودية في المحادثات، شدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، خلال تصريحات صحفية في 30 يناير/ كانون الثاني 2021 على أن "الاتفاق النووي اتفاق دولي متعدد الأطراف صدق عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، وهو غير قابل للتفاوض، كما أن الأطراف فيه واضحة وغير قابلة للتغيير".

وأضاف زاده أن تفعيل الاتفاق النووي أمر سهل ويتطلب عودة واشنطن إليه ورفع عقوباتها، مطالبا ماكرون بأن "يتحلى بضبط النفس". وتابع: "إذا كان المسؤولون الفرنسيون قلقين على مبيعاتهم الضخمة من الأسلحة إلى دول الخليج العربي فمن الأفضل أن يعيدوا النظر في سياساتهم".

ودعا المتحدث الإيراني، الرئيس الفرنسي إلى "التوقف عن إصدار مواقف متسرعة وغير مدروسة"، لافتا إلى أن "الأسلحة الفرنسية -إلى جانب أسلحة غربية أخرى- لا تتسبب في مذبحة لآلاف اليمنيين فحسب، بل هي أيضا السبب الرئيس لعدم الاستقرار في المنطقة".