طيور وحيوانات نادرة بصحراء المغرب العربي.. هكذا يقتلها أثرياء الخليج

تونس- الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سياحة من نوع خاص وشبه سرية، تعرفها المساحات الشاسعة في صحراء شمال إفريقيا، خاصة المغرب العربي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، غالبا ما يكون زوارها قادمون من دول الخليج.

رجال أعمال أثرياء وأمراء، يصلون على متن سيارات رباعية الدفع وينصبون خياما فاخرة في صحراء شمال إفريقيا لبضعة أيام يكرسون أنفسهم خلالها للصيد.

يعتبر طائر "الحبارى" رمز صحاري شبه الجزيرة العربية، هو الطريد الأول والتراثي للصقارين، إذ يشكل التحدي الكبير لهم ولصقورهم ويعطيهم اصطياده إحساسا بالفخر والنصر.

هذا النوع من الطيور يوجد في جنوب آسيا وفي الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وقسم من أوروبا الغربية، لكنه معرض للانقراض بسبب كثرة الصيد، الذي أصبح مكثفا منذ أوائل السبعينيات.

رقابة غائبة

في عام 2014 نزل أمير الكويت الراحل، أحمد جابر الصباح، بمطار مدينة بوعرفة، الواقعة على الحدود الجزائرية، شرقي المغرب، ولم يكن الوحيد الذي وضع ترسانته للصيد في المملكة، بل كان أمير قطر السابق ووالد العاهل الحالي، حمد بن خليفة آل ثاني، زائرا منتظما.

وحسب تحقيق أجرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، عرض المغرب على آل ثاني عام 2011، محمية صيد تمتد على مساحة 45 ألف هكتار، قرب مدينة كلميم (جنوب).

ويعتبر حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، أحد المعجبين بالمنطقة، حيث يترك صقوره هناك، حتى أنه أطلق في المغرب مشروع تربية واسع النطاق، وحاول تعويض الخسائر الناتجة عن الصيد في المنطقة من خلال إبرام اتفاقية في 2005.

المشروع الممول من الإمارات يهدف لإنشاء مناطق محمية مخصصة لهذا النوع من الطيور المعرضة للخطر، وأيضا العمل على إستراتيجية لإنتاج أكثر من 20 ألف طائر سنويا في منطقة مساحتها 75 ألف كيلومتر مربع.

يستنكر السكان المحليون إنشاء المحميات المسيّجة التي تمنع رعاة الإبل الرحل من الوصول إلى المناطق الرعوية، فيما يقول الدكتور عبد الواحد أوفقير، لمجلة "جيو-ديف" المغربية المتخصصة: "إنها مأساة حقيقية: قتل هذه الطيور، ثم حمايتها، من أجل قتلها مرة أخرى".

ويرى الخبير، أن "الوقت قد حان لتتجند السلطات والجمعيات المعنية والتنسيق فيما بينها، لوضع حد للصيد غير المشروع وتعزيز إعادة تكوين الحياة البرية".

تتجدد هذه الدعوات مع كل "فضيحة بيئية" تثار، ولعل آخرها التي كانت في 2019، عندما تداول المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على شكل واسع، صور مجموعة من السعوديين يظهرون مع حوالي 1500 من طائر القمري، محتفين بـ"النصر العظيم".

هذه الطيور المهاجرة تسافر بين إفريقيا وأوروبا عبر البلدان المغاربية، وفي المغرب لا يرخص بصيدها بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب من كل عام، ولا يمكن للسياح صيدها إلا عن طريق وكالة الصيد السياحي التي تتكفل بها وهي معتمدة من المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر (التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات).

وحسب القانون، فإن العدد الأقصى من طائر القمري الذي يمكن صيده في اليوم الواحد هو 50 طريدة، لكن الأمر يتم بطرق غير مشروعة.

وفي تعليق على الواقعة، قال أيوب محفوظ، عضو في التنسيقية الوطنية لجمعيات القنص بالمغرب، وهو يقود حركة احتجاج على ممارسات وكالات الصيد السياحي، إنها "في الغالب لا تراعي حصص الصيد المفروضة من أجل جذب عدد أكبر من السياح".

بالمقابل، الحكومة تسعى حاليا إلى تطوير الصيد السياحي في المغرب بالانتقال من 3000 إلى 15 ألف سائح بحلول عام 2024.

مكتشف الماس

في يونيو/حزيران 2020، وقعت وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، مذكرة تفاهم مع الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، بهدف "تعزيز التعاون للمحافظة على هذا النوع الحي، الذي يشكل أهمية بيئية لدولة الإمارات"، وفق بيان الوزارة.

وتعتزم الوزارة أن "الصندوق الدولي" ساهم في إكثار 480 ألف طائر حبارى من بداية برنامج الإكثار، إضافة إلى إنتاج 60 ألف طائر حبارى في أبوظبي والمغرب وكازاخستان.

ووفقا لإحصاءات الصندوق ساهمت الجهود المبذولة في إنتاج ما يزيد عن 64 ألف طائر حبارى (ما يزيد عن 42 ألف حبارى آسيوية، وما يزيد عن 22 ألف حبارى شمال إفريقيا) في الفترة 2018 – 2019.

وأطلق الصندوق برامج تعاون مشتركة مع 22 دولة حول العالم بهدف إعادة إكثار وتأهيل الأنواع المهددة بالانقراض.

ويرى المراقبون أن حجم الاستثمارات يبدو "غير مبرر" لإنشاء هذا الكم من المحميات والمزارع لحماية الحبارى، إذ أن الهدف المعلن هو إيجاد مجموعات برية مستدامة من هذا الطائر المهدد بالانقراض، التي تلعب دورا رئيسا في الحفاظ على رياضة الصيد بالصقور التي تتمركز في قلب ثقافة وتراث شبه الجزيرة العربية.

في مقال نشره موقع "الجريدة 24" استند فيه إلى مصادر خاصة، رأى تناقضا في الإعلان عن الرغبة في الحفاظ على طائر الحبارى من الانقراض، و"ترحيل أعداد مهولة منه، بدعوى تثمين رياضة الصيد بالصقور".

وشدد الموقع على أن "الخليجيين يحصدون ثروات هائلة من وراء طائر الحبارى، تمكنهم من تغطية الاستثمارات الكبرى التي تنشأ في أرض المغرب لاستنزاف ثروته من هذه الطيور النادرة".

وأوضح المقال أن، "حروبا ضروس تدور في الخفاء بين أثرياء الخليج على أرض المغرب للظفر بأكبر الأعداد من طائر الحبارى "مكتشف الماس"، الذي يقتات على مواد براقة ليلا بما يمكنه على مدى سنوات من تجميع شذرات من هذا الحجر الكريم الأغلى في العالم"، ويتم -بحسب متخصصين- "ترحيل الطائر نحو مختبرات خاصة لاستخراج كميات الماس".

مذبحة مخططة

وبعد نحو 42 عاما من تصريح وزير الفلاحة التونسي الأسبق حسن بلخوجة عام 1979، الذي أعلن خلاله رفض حديث أمير سعودي عن صيد الحبارى في تونس، لازال جنون هذه اللعبة مستمرا.

رئيس تونس الراحل زين العابدين بن علي جامل السعوديين بالسماح لهم بصيد الحبارى، وتم تقسيم جنوب تونس إلى 5 مناطق صيد مخصصة تحديدا لأمراء الأسرة الحاكمة.

جمعيات البيئة في تونس تدين ذلك، وتعتبر أن أثرياء الخليج حولوا حفلات الصيد الكلاسيكية إلى حرب حقيقية، من بينها "تونس إيكولوجيا"، التي تقول على لسان رئيسها، عبد المجيد دبار: "إنه صيد غير مشروع لا يحترم أي من الإيقاعات البيولوجية للحيوانات".

وتنشط الجمعية في مجال حماية النظم البيئية والأنواع بما في ذلك الحبارى، وهو صنف لا يزال بريا في تونس، بينما الصيد المفرط قضى عليه في المغرب والشرق الأوسط، ويرى دبار، بحسب تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "صيد الحبارى والغزال، كما يُمارس اليوم، ليس رياضة بل مذبحة مخطط لها".

وحسب دبار: "تباع قطعة أرض لتغذية الحبارى أو الغزال بما يتراوح بين 70 و350 يورو، فيما يباع صغير الطائر بـ90 ألف يورو"، قائلا: "بشكل غير قانوني تخصصت وكالات السفر، في تقديم مثل هذه الخدمات لأمراء الصحراء عبر الإنترنت".

وكشف تحقيق المجلة الناطقة بالفرنسية، أن مناطق قريبة من الجزائر وليبيا في تونس، كانت تحت تصرف هواة الصيد من الخليج، جُهّزت بمهبط طائرات هليكوبتر وسيارات رباعية الدفع، ووفق وسائل إعلام محلية، أصبح للقطرين أيضا عام 2008، محمية طبيعية خاصة في الصحراء التونسية.

رد الجميل

حتى ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن أمراء الخليج -الذين شدوا رحالهم للصيد في المغرب وتونس- قد وضعوا أنظارهم على المساحات الجزائرية الشاسعة، التي تضم وفرة من أكثر نوعين مثيرين لبنادق الصيادين، غزال دوركاس والحبارى.

النوعان كانا ممنوعين من الصيد بموجب المرسوم الرئاسي الصادر في 20 أغسطس/آب 1983، إلى أن وصل عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم في 1999.

فتح بوتفليقة الصحراء الجزائرية كميدان للصيد لأمراء الإمارات، الذي ظل يشعر تجاههم بالعرفان، بعد أن احتضنوه وجعلوه مستشارا لهم عقب إقالته من منصب وزير الخارجية واتهامه بالاختلاس، بوفاة العقيد هواري بومدين عام 1978. 

وبصفتهم أصدقاء الرئيس وضيوفه، تمتع أمراء الخليج بمعاملة خاصة في الجزائر، مع تحديد الأماكن وأفضل مناطق الصيد وإقامة المعسكرات فيها، وفي الجنوب، يتم حشد مرافقين لهم من الدرك الوطني لضمان سلامتهم ويتم توفير المرشدين المحليين لهم للعثور على أفضل الأماكن. 

في 9 يناير/كانون الثاني 2020، وأثناء مثوله أمام محكمة الاستئناف، اعترف رئيس الوزراء الجزائري السابق، أحمد أويحيى، بمصدر ثروته التي تبلغ 600 مليون دينار (3.73 ملايين دولار) الموجودة في حساباته المصرفية الأربعة. 

جاءت الأموال، بحسب اعترافات المتهم، من إعادة بيع سبائك ذهب في السوق السوداء، قدمها له عدد من أمراء الخليج خلال مغامراتهم العديدة في الجزائر، خصوصا حفلات الصيد في الصحراء أو في المرتفعات.

وصفت أساليب الصيد بـ"المدمرة"، كما تدمر مركباتهم الغطاء النباتي الرقيق والهش، وحسب ناشطين في المجال البيئي، "على أرض صيد جيدة، يمكن للصياد الواحد أن يقتل 20 إلى 30 حبارا يوميا، أما بالنسبة للغزلان دوركا، فبمجرد رصدها، يكتفي الأمراء بمتابعتها بسياراتهم حتى تنهار من الإرهاق".

"بعد أن هلكت هذه الحيوانات"، بحسب الجمعيات المعنية، تم إنشاء مركزين للتكاثر، أحدهما للحبارى والآخر لغزال دوركاس عام 2018 بولاية البيض (جنوب غرب الجزائر)، أحد أفضل محميات الصيد في البلاد، ومن جهته، قدم حاكم دبي عام 2017 "تبرعا" للجزائر بـ 500 غزال.

صور الغزلان المنزوعة الأحشاء التي تُترك في الصحراء كل عام، تثير حنق الرأي العام، وفي 2016 قرر سكان ولاية "وادي سوف" -شمال شرق الصحراء الجزائرية-، الإمساك بزمام الأمور بأيديهم، عبر حملة لإخافة الغزلان وطردها بعيدا عن المناطق التي يجتاحها سياح الخليج الأثرياء.