فاجعة طنجة.. هكذا يهدد غياب المحاسبة "السلم الأهلي" في المغرب

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السيول الجارفة التي ضربت مدينة طنجة شمالي المغرب في 8 فبراير/شباط 2021، وأودت بحياة 28 عاملا في مصنع للنسيج، فتح الباب واسعا في المملكة لانتقاد وزارة الداخلية، وتحميلها مسؤولية "الفاجعة".

وترجع هذه الاتهامات الشعبية والحقوقية للسلطات المحلية؛ بسبب تغاضيها المتواصل عن هذه المصانع غير القانونية، دون تدخل صارم لإرغامها على تطبيق شروط السلامة الصحية للعمال.

كما أن عدد الضحايا المرتفع والمؤلم لمصنع طنجة، دفع المغاربة إلى المطالبة بضرورة محاسبة "المسؤولين الحقيقيين" المتورطين في الفاجعة، بعدما أعاد الحادث إلى الأذهان، ضحايا الكوارث السابقة، التي أعلن عقبها فتح تحقيق رسمي دون نتائج.

أقوى من الفاجعة

لم يكن رحيل 28 مواطنا، هو الكارثي في الواقعة فحسب، بل إن بعض قصصها تزيد من الألم والشعور بالحسرة، فمثلا حكاية عائلة "بلخير" التي فقدت 4 من أفرادها في الفاجعة، وهي تبحث عن لقمة عيش، وتستعد لعرس أحد أبنائها.

عائلة "بلخير" كانت تتكون من 5 أفراد، أم وأربع بنات، بعد وفاة الزوج والأب المعيل، رحلت من مدينة فاس (وسط) إلى طنجة، بحثا عن لقمة عيش، فوجدت ضالتها في المصنع المنكوب.

ويوم الفاجعة، توجه الجميع إلى العمل، الأخوات الأربع كنّ في السرداب، بينما كانت الأم تعمل في الطابق الأول كالعادة، قبل أن تتحول الأمطار إلى سيل جارف تغمر الحي بكامله، وتغرق السراديب، فتكون البنات الأربع من بين الضحايا الـ28، ويتم إنقاذ الأم، لتعيش حرقة الفقد.

وفور وقوع الحادثة، سارعت أعلنت السلطات القضائية، فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة، للكشف عن ظروف وحيثيات هذا الحادث وتحديد المسؤوليات، حيث أعقبها مباشرة الإعلان عن توقيف صاحب مصنع طنجة.

فيما اختارت السلطات المحلية لولاية طنجة أن تصف المصنع التي تعرض للغرق، بكونه "وحدة سرية للإنتاج"، وقالت في بيان، إن "وحدة صناعية سرية للنسيج بمرآب تحت أرضي بفيلا سكنية بطنجة، شهدت تسربا لمياه الأمطار، مما تسبب في محاصرة عدد من الأشخاص كانوا يعملون بداخل هذه الوحدة الصناعية".

وصف "السرية"، اعتبرته الناشطة في منظمة "شابات من أجل الديموقراطية"، سارة سوجار، مستفزا للمغاربة خاصة أنه جاء للحديث عن كارثة مات فيها 28 شخصا.

وقالت في تصريح لصحيفة "الاستقلال": "لا بد من التذكير أن البيان الذي أصدرته السلطة المحلية (ممثلو وزارة الداخلية) فيه استفزاز لمشاعر الناس، في وقت نتحدث عن 28 وفاة، يشير البيان إلى أن الأمر يتعلق بوحدة سرية لإنتاج النسيج".

وشددت سوجار على أن  "المسؤولية الأولى في الحادث هي للسلطة (وزارة الداخلية) باعتبارها تملك أعينا في كل رقعة جغرافية من المغرب".

ولفتت إلى أن "المثير في بيان السلطات هو أن وظيفة السلطة، معرفة ما يجري في تلك الرقعة الجغرافية، وهذا يعكس أحد الأمرين، إما أن السلطة المحلية تتغاضى عن هذه المصانع، أو أنها تجهل أمر وجودها، فإن تغاضت فالأمر خطير، وإن لم تكن تعلم بوجودها فالأمر أخطر.. وبالتالي فإن السلطة المحلية هي المسؤول الأول عن هذه الفاجعة".

وتابعت سوجار: "ثاني مسؤول عن هذه الفاجعة هو صاحب المصنع، الذي يجبر العاملين على العمل في ظروف غير ملائمة، وبناء على ما شاهده المغاربة، فتلك الوحدة الصناعية تفتقد للحد الأدنى من شروط العمل بكرامة".

وأردفت: "في مستوى ثالث هناك مسؤولية لإدارة مفتشي وزارة الشغل، التي من واجبها معرفة ومراقبة كيفية العمل، فهذه الفاجعة تفتح المجال من جديد لنقاش الظروف القانونية للعمل".

وقالت سوجار: "نحن أمام فاجعة إنسانية للأسف تتكرر باستمرار في المغرب، وكأننا مع موعد سنوي مع فاجعة تصيب عاملين بسطاء، يتعين معها تحمل السلطة مسؤوليتها في متابعة ما يجري في علاقة بظروف عمل الناس، وإجبار أصحاب العمل على توفير فضاءات عمل لائقة".

تهديد للسلم

بدوره، أكد الناشط الحقوقي خالد بكاري، أنه "في فاجعة طنجة تتبدى بوضوح طبيعة الفساد البنيوي الذي يعيق أي تنمية حقيقية في البلاد، فمن جهة هناك هشاشة البنية التحتية نتيجة الصفقات المغشوشة وغير المراقبة، ومن جهة أخرى نجد قطاعا يشغل آلاف اليد العاملة، وهو غير قانوني، لكنه يشتغل تحت أعين السلطة".

وأوضح بكاري في تصريح لصحيفة "الاستقلال": "بمعنى آخر أن هناك الكثير من المسؤولين يتحملون المسؤولية بتفاوت درجاتهم: سلطات وزارة الداخلية، مفتشو وزارة العمل، البلديات، الشركات الأجنبية المفوض لها خدمات النظافة".

وشدد على أن "هذه الوحدات الصناعية التي تشتغل لصالح شركات كبرى، بعضها علامات تجارية عالمية، هي في حقيقة الأمر مقاولات صغيرة وهشة في أغلبها، اختارت العمل خارج القانون في غياب تحفيزات ضريبية أو تمويلات بنكية، مما يعني أن هناك مستفيدين من استمرار هذا القطاع".

وأكد بكاري أن "جزء من المستفيدين يوجد في الإدارة (وزارة الداخلية) حيث ينتفع بالرشاوي والابتزاز، وجزء آخر يتمثل في الشركات الكبرى التي تلجأ لخدمات هذه الوحدات حتى تستفيد من خفض تكلفة الإنتاج على حساب كرامة وحقوق العمال".

وخلص الناشط الحقوقي إلى القول إن "هذا يقودنا إلى فشل او إفشال آليات المراقبة والمحاسبة من أجل استدامة المنافع المحصلة من هذا الواقع".

بعد الفاجعة، ارتفعت الأصوات لمحاسبة المتورطين، وقابلها استدعاء عدد من القضايا والأحداث السابقة، التي أعلنت فيها السلطات قيامها بفتح تحقيق، لكنه عوض كشف الخروقات وتقديم المسؤولين للحساب، يطويها النسيان.

فبعد فاجعة طنجة، عادت لذاكرة المغاربة آلام حريق مصنع نسيج (روزامور) بمدينة الدار البيضاء (وسط)، الذي راح ضحيته أكثر من 56 شخصا، وحريق حافلة في مدينة طانطان (جنوب) الذي لقي فيه 44 طفلا مصرعهم، وانقلاب حافلة "تيشكا" (ممر جبلي بين مراكش وورزازات)، الذي قتل فيه 42 شخصا، وغيرها كثير.

تجاهل المحاسبة، أو تطبيقها على "فاعلين ثانويين" (الحلقة الأضعف)، دفع بكاري إلى التعليق قائلا: "في تاريخ وطننا حوادث مماثلة، تلجأ السلطات من أجل تنفيس الغضب تقديم متورطين ثانويين للمحاكمات، بينما يفلت المتورطون الحقيقيون من العقاب".

الاستثناء في تطبيق القانون، دفع "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" (حكومي)، إلى التنبيه في تقرير أصدره عام 2018 إلى "خطورة عدم تطبيق القانون بحق المتورطين، وانعكاساته على الاستقرار الاجتماعي وتهديده السلم الأهلي".

ودعا المجلس في واحدة من توصياته الشهيرة حول التفاوت الاجتماعي، إلى "ضرورة تركيز الجهود على محاربة الفساد، وتعميم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وزجر الممارسات المنافية للتنافس، ومحاربة الامتيازات".