نظام الأسد يلتقي مسؤولين إسرائيليين سرا.. ما علاقته بالوجود الإيراني؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

توالت الأنباء عن لقاءات جرت مؤخرا بين النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي، برعاية روسيا التي ترى أن بناء علاقة مباشرة بين الطرفين يمكن أن يشكل طوق النجاة لنظام بشار الأسد، لكن الأخير نفى ذلك واعتبرها "أكاذيب" تروج لها جهات إعلامية "مأجورة".

الأنباء جاءت بعد تقرير نشرته قناة "13" العبرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، رأت فيه أن عدم إدانة النظام السوري لتطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، يشير لاحتمالية وجود مفاوضات بين الطرفين، خاصة وأن "دمشق تسعى للخروج من العزلة السياسية".

أسباب محتملة

في 30 يناير/ كانون الثاني 2021، نشر موقع "نيوز ون" العبري، تقريرا للمستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار، كشف فيه عن حقيقة الاتصالات المحتملة التي جرت مؤخرا بين تل أبيب ودمشق، والأسباب المتوقعة وراء هذا التطور.

الباحث في مركز "بيغن- السادات" للدراسات الإستراتيجية، قال إن "أنباء متفرقة نشرت مؤخرا عن اتصالات بين إسرائيل وسوريا لإقامة علاقات بينهما"، مشيرا إلى أن "اعتراف الأسد بأن إيران أصبحت عبئا على بلاده يجعله يسعى لإخراجها، رغم أن تحقيق هذا الهدف يمثل مصلحة لإسرائيل، وربما يكون هذا هو سبب الاتصالات الأخيرة بين الدولتين".

ونقل كيدار عن ضابط كبير في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي (لم يذكر اسمه) قوله: "الأسد جلب الإيرانيين لحل مشكلة تنظيم الدولة والحرب الأهلية. بعد انتهاء مشكلة تنظيم الدولة، أصبحت إيران مشكلة الأسد الكبرى، وبعد أن كانت كنزا للنظام السوري، أصبحت اليوم عبئا على سوريا وروسيا في الوقت ذاته".

وأشار الضابط الرفيع المستوى أن "الروس يوجهون للإسرائيليين رسائل من النظام السوري، بل إن الرسائل السورية تأتي إلينا بطرق أخرى، وبشكل مستمر، فهم يريدون العودة للجامعة العربية، والمساعدة الاقتصادية، والوقود، ودفع الإيرانيين للخروج من سوريا".

مضيفا: "بل إن الأسد يريد الاقتراب من المحور العربي المعتدل لسداد ديونه لإيران، وإخراجها من سوريا، ويرى أن لدى إسرائيل القدرة على مساعدتها مع الولايات المتحدة ومحور الخليج".

وأردف الضابط، قائلا: "السؤال حول مدى إمكانية حدوث ذلك قد يكون واردا، لكننا بصراحة لم نتحدث عن ذلك مع رئيس الأركان والمستوى السياسي الإسرائيلي لأنه لا يزال في مهده، ومع وسطاء عرضيين".

مضيفا: "لكن المهم أنها تسعى لتفكيك المحور الإيراني، والخروج منه، لأن الأسد لم يعد يرى أي جدوى من استمرار إقامة الإيرانيين في سوريا، وبنفس القدر من الأهمية، فإن الروس لا يريدون كثيرا رؤية طهران ومليشياتها هناك".

وبرأي الكاتب العبري: "حتى لو لم تكن كل التفاصيل دقيقة أو كاملة، فيبدو أن هناك اتصالات مكثفة من وراء الكواليس بين إسرائيل وسوريا، وتشمل هذه الاتصالات مرتفعات الجولان، واحتمال أن تنقل إسرائيل السيطرة على القرى الدرزية في مرتفعات الجولان إلى سوريا".

وتابع: "من هنا جاء الدعم الروسي للتقارب بين سوريا وإسرائيل الذي يُنظر إليه على أنه أحد بوابات الإمارات والبحرين"، مرجحا نشر تفاصيل الاتصالات قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 23 مارس/آذار 2021.

تفاصيل اللقاء

وبخصوص تفاصيل اللقاء الذي جرى بين نظام الأسد وإسرائيل، كشف مركز "جسور" السوري المعارض للدراسات، في 18 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "قاعدة حميميم شهدت في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لقاء جمع بشار الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي".

وأوضح التقرير الذي أعده مدير المركز محمد سرميني، أن "اللقاء حضره من الجانب السوري رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ومستشاره الخاص للشؤون الأمنية والإستراتيجية اللواء بسام حسن".

ومن الجانب الإسرائيلي، حضر الجنرال غادي إيزنكوت من رئاسة هيئة الأركان، والجنرال السابق في الموساد آري بن ميناشي، وبحضور أليكساندر تشايكوف قائد القوات الروسية في سوريا، حسب التقرير.

وحسب التقرير، فإن الأسد عرض في اللقاء مطالب عدة، أبرزها العودة لجامعة الدول العربية، والحصول على مساعدات مالية لسداد الدين الإيراني، وبالتالي فتح المجال لنظامه لإخراج إيران من سوريا".

كما عرض الأسد أيضا دعمه لتثبيت حكمه، وإعادة العلاقات مع المحور السني العربي، ودعم نظامه اقتصاديا، ووقف العمل بالعقوبات المفروضة على سوريا وإيقاف قانون العقوبات "سيزر" (قيصر)، وفق التقرير.

وفي المقابل، طلب الجانب الإسرائيلي تفكيك ما يُسمى بـ"محور المقاومة والممانعة"، وإخراج إيران وقوات حزب الله اللبناني وكامل المليشيات الأجنبية من سوريا بشكل كامل.

كما طلبت تل أبيب أيضا "تشكيل حكومة بالمناصفة مع المعارضة السورية، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية بشكل كامل، وإعادة الضباط المنشقين بضمانة روسية أميركية إسرائيلية، وفقا للتقرير.

وأكد سرميني: رغم أن هذا اللقاء الأولي لم ينته إلى اتفاقات محددة، إلا أنه يُشكل بداية لمسار تدفع روسيا باتجاهه بقوة، ويُعتقد أنه سيشهد توسعا كبيرا في عام 2021، حيث ترى موسكو أن بناء علاقة مباشرة بين نظام الأسد وتل أبيب يمكن أن يُشكّل طوق النجاة للنظام، وبالتالي لمسعاها في الحصول على الاعتماد الدولي لمشروعها للحل السياسي في سوريا.

ولفت إلى أن التطبيع مع إسرائيل يمثل حلا مثاليا لنظام الأسد للخروج من حالة الحصار الدبلوماسي والاقتصادي التي يعيشها منذ 10 سنوات تقريبا، كما قد يمنح نظامه بطاقة عبور لعقود قادمة في الحكم، ما لم يحصل انفجار شعبي آخر، أو تنشأ ظروف أخرى غير محسوبة في المستقبل.

وبحسب سرميني، فإن "دخول دمشق إلى مسار التطبيع يُمكن أن يُشجِّع العواصم الغربية على طي صفحة الماضي، والنظر في منظومة العقوبات الدولية والوطنية، وهو ما سيفتح الباب أمام ولادة الأسد من جديد، مستندا إلى شرعية دولية عميقة هذه المرَّة، دون أن يكون بحاجة إلى المتاجرة بفلسطين وقضيتها".

حال النظام

التقارير التي تحدثت عن لقاءات بين الأسد وإسرائيل، وأكدتها مصادر عسكرية عبرية، نفتها وزارة خارجية النظام السوري، وقالت بأنها "مأجورة"، حسبما نقلت وكالة أنباء "سانا" في 18 يناير/ كانون الثاني 2021.

ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول في الخارجية، قوله: "تنفي الجمهورية العربية السورية بشكل قاطع الأنباء الكاذبة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام المأجورة حول حصول لقاءات سورية إسرائيلية في أي مكان".

وأضاف: "تؤكد سوريا أنها كانت ولا تزال واضحة في سياستها وتتخذ قراراتها بما يخدم المصلحة الوطنية والقضايا العادلة للأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتحرير كامل الجولان العربي السوري المحتل والأراضي العربية المحتلة وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة"، بحسب قوله.

وتابع المصدر السوري، قائلا: "القوى التي تقف وراء هذه الأكاذيب هي نفسها التي تسعى لاهثة للتطبيع مع هذا الكيان، وتحاول جر كل المنطقة إلى تحالفات صهيونية غربية، عبر الترهيب تارة أو الترغيب تارة أخرى.. وعندما تفشل تلجأ لمثل هذه الطرق الساذجة عبر نشر الأخبار الكاذبة".

وتعليقا على نفي النظام لمثل هذه اللقاءات، قال الكاتب الأردني، ياسر الزعاترة، خلال مقال نشرته صحيفة "عربي21" في 5 فبراير/ شباط 2021: "من الطبيعي أن يبادر النظام إلى نفي ذلك، لكن كل المؤشرات والمعلومات تؤكد أن الأمر حقيقي، عبر الروس، وعبر جهات أخرى".

وتابع الزعاترة: "الحال أن النظام يعيش بين طرفين (إيران والروس)، لكنه يميل إلى الروس لأنه يعلم أن البلد سيبقى مدمّرا ما لم يتم إخراج إيران من سوريا، ويعلم أن العلاقة مع الكيان هي المدخل لترميم آثار الحرب وتثبيت النظام، وهنا يلتقي مع بوتين الذي يريد الخروج من المأزق الذي يجعل انتصاره تافها، في ذات الوقت الذي يريد مجاملة الكيان الذي تربطه به علاقة حميمة".

ولفت الكاتب إلى أنه "نتيجة هذا الشد بين إيران وروسيا لن تُحسم الأمور سريعا، لا سيما أن أماني بوتين وبشار لا تكفي، تبعا لحقيقة أن إيران أقوى منه على الأرض، وستعتمد النتيجة على مصير الاتفاق النووي، وعلى تحوّلات صراع الإقليم أيضا".

لكن الأسد كان قد نفى ظاهريا أي توجه للتطبيع مع إسرائيل، ورهن قرارا مماثلا بتخليها عن مرتفعات الجولان، التي اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليها في مارس/آذار 2019، وهو ما يعتبر أمرا مستحيلا بالنسبة لإسرائيل حاليا، حسب تقرير لصحيفة "هآرتس" في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.