"مآرب أخرى".. ما الأهداف غير المعلنة لخط الغاز بين المغرب ونيجيريا؟

عبد الباسط ربيع | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اتصال هاتفي فقط بين العاهل المغربي الملك محمد السادس، مع الرئيس النيجيري محمد بخاري، أحدث تطورا في مشروع "خط الغاز" المتوقف منذ 4 سنوات، وينتظر أن يحقق نقلة كبيرة للبلدين خاصة والقارة السمراء عامة.

وخلال الاتصال في 29 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن الملك محمد السادس وبخاري، عزمهما مواصلة مشروع خط الغاز بين البلدين، بعد 5 سنوات من طرحه رسميا، و4 سنوات على توقيع اتفاقية تفاهم لإنشائه.

ويمر الخط الذي يمتد طوله 5 آلاف و660 كيلومتر، من بلدان غانا وتوغو وساحل العاج والسنغال وموريتانيا ثم المغرب، على أن يتم تطوير الأنبوب ليصل إلى أوروبا في مرحلة لاحقة، وهو امتداد لأنبوب أنشأته نيجيريا عام 2005، لمد بلدان إفريقية بمصدر الطاقة.

وفي حال إتمامه، تأمل نيجيريا أن تحقق أرباحا مالية كبيرة من وراء المشروع، كما يطمح المغرب أن يشكل خط الغاز "حلم" اندماج بين منطقتي شمال وغرب إفريقيا، فضلا عن مكسب سياسي بتحييد أبوجا الداعمة لجبهة "البوليساريو" عن ملف الصحراء الغربية.

محاولة ثالثة

منذ سنوات، حرصت نيجيريا على إيجاد صيغة تمكنها من تصدير الغاز إلى أوروبا بطرق سهلة وقليلة التكلفة، فعملت على بحث أفضل الطرق لتصدير هذه الثروة، ويعد مشروع خط الغاز المغربي النيجيري المحاولة الثالثة في هذا المجال.

ففي سنة 2000 تقدمت شركة أميركية يوجد مقرها في ولاية تكساس، واسمها (Van Dyke)، بمشروع خط غاز يربط غرب إفريقيا بأوروبا، غير أن هذا المشروع طواه النسيان، فيما تكلفت أدغال إفريقيا بإخفاء تفاصيله.

الشركة الأميركية قامت بدراسات مسحية (طبوغرافية) متقدمة للمشروع، كما أنها قامت بشراء مساحات كبيرة من الأراضي في كل من المغرب والسنغال، قبل أن تقرر الانسحاب من المشروع بشكل غامض، ودون إعطاء تفاصيل.

سنتان بعد ذلك، ستقوم الجزائر ونيجيريا بإطلاق مشروع الأنبوب الغازي العابر للصحراء على طول 4000 كم، والذي بلغت قيمته 12 مليار دولار، وقعته شركتي "سوناطراك" الجزائرية (مملوكة للدولة)، والشركة الوطنية للبترول النيجيرية "NNPC".

هذا المشروع استهدف ربط خط الغاز بين نيجيريا والجزائر مرورا بالنيجر وصولا إلى أوروبا، غير أن اللافت أنه لم ير النور أساسا، فيما أرجع مراقبون الأمر للمشاكل التمويلية والأمنية التي واجهته في مجال جغرافي جد مضطرب.

هذا التوقف لم يمنع الجزائر من إعادة المحاولة، فأطلقت مفاوضات مكثفة بين البلدين عام 2009، توجت بإعادة إحيائه خلال زيارة لوزير الطاقة الجزائري الأسبق، شكيب خليل، إلى أبوجا، وعقد اتفاق مبدئي، غير أن المشروع ظل يراوح مكانه.

وهناك معطى آخر يجب استحضاره عند هذا الفشل، يكمن في أن الجزائر ونيجيريا تتنافسان على تصدير الغاز إلى أوروبا، وبالتالي فإن تسهيل وصول غاز نيجيريا إلى أوروبا سيكون تهديدا كبيرا لمداخيل وعائدات الجزائر من تصدير البترول باعتباره أهم مورد اقتصادي للبلاد.

تعاون بعد صراع

في مايو/ أيار 2017، اعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في مقال بعنوان "أنبوب الغاز المغرب ـ نيجيريا.. مستقبل غرب إفريقيا أو الكابوس"، أن مشروع خط الغاز "قد يكون حلما لغرب إفريقيا، رغم وجود مشاكل أمنية تعاني منها مناطق النفط في نيجيريا".

وتعد نيجيريا واحدة من أكبر ثلاث دول في إفريقيا تقيم علاقات ديبلوماسية كاملة مع جبهة "البوليساريو" (تدعو لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب)، بل من أهم داعميها في القارة، وكان هذا الملف سببا في خلافات طويلة بين الرباط وأبوجا.

ويرى الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني للإحصاء في الرباط، عبد الخالق التهامي، أن "العلاقات بين المغرب ونيجيريا عرفت مدا وجزرا خصوصا أن أبوجا كانت قد كونت مع الجزائر وجنوب إفريقيا الثالوث المناوئ لقضية الوحدة الترابية للمغرب". 

وأضاف التهامي في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن "نيجيريا ساندت الأطروحة الانفصالية التي يدافع عنها البوليساريو وبذلك عرفت العلاقات الاقتصادية، مثل العلاقات السياسية، قطيعة لعدة سنوات ولم تعد إلى الانتعاش إلا في بداية الألفية الحالية". 

ففي تموز/يوليو 2016، أرسل الملك محمد السادس كلا من الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون آنذاك، ناصر بوريطة، والمدير العام للمخابرات الخارجية ياسين المنصوري، للقاء الرئيس النيجيري بخاري، في أبوجا.

وتسرب من هذا اللقاء، ترحيب الرئيس النيجيري بعرض المغرب إنشاء مصنع للأسمدة في نيجيريا، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يخدم بلاده ومنطقة غرب إفريقيا بأكملها، ورغبة بلاده في تسريع عجلة المشاريع الكبرى في المجال الزراعي من أجل تعزيز أمنها الغذائي وخلق فرص عمل.

زيارة المسؤولين الكبار إلى نيجيريا، كانت تهيئة لزيارة الملك محمد السادس، وفتح ملفات للتفاهم والتفاوض بينهما، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وخلال زيارة إلى نيجيريا، أعلن بيان صادر عن الملك وبخاري أن البلدين "اتخذا إجراءات ملموسة من أجل النهوض بمشروع خط إقليمي لأنابيب ستربط موارد الغاز لنيجيريا، والعديد من بلدان غرب إفريقيا والمغرب".

شهرا بعد ذلك، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وفي زيارة لنائب الرئيس النيجيري للرباط، ترأس الملك محمد السادس، جلسة عمل حول خط أنبوب الغاز الرابط أيضا بين نيجيريا وأوروبا، بحضور مستشارين وأعضاء من الحكومة، ومسؤولين نيجيريين كبار عينهم رئيس نيجيريا لمتابعة المشروع.

وفي يونيو/حزيران 2018 ترأس محمد السادس وبخاري في القصر الملكي بالرباط مراسم التوقيع على 3 اتفاقات للتعاون الثنائي، أهمها المشروع الإستراتيجي لإنجاز خط أنبوب غاز إقليمي يربط الموارد الغازية لنيجيريا بدول غرب إفريقيا والمغرب، ويحدد الخطوات التالية لاستكمال المشروع.

خلال اللقاء تناول الطرفان، المرحلة التالية من إنجاز المشروع الإستراتيجي لإنجاز خط أنبوب الغاز الإقليمي الرابط بين الموارد الغازية لنيجيريا ودول غرب إفريقيا والمغرب.

وشددا على أن خط أنبوب الغاز سيمتد على طول يناهز 5660 كم كما تم تحديد كلفته، وأشارا إلى أنه من المنتظر تشييد الأنبوب على مراحل ليستجيب للحاجيات المتزايدة للبلدان التي سيعبر منها إلى أوروبا خلال السنوات الـ25 القادمة.

واعتبرت الرباط وأبوجا أنه لأسباب ذات بعد اقتصادي وسياسي وقانوني وأمني وقع الاختيار على المسار المختلط لخط الأنابيب برا وبحرا.

واتفق الطرفان على المرور إلى المرحلة المقبلة من هذا المشروع، حيث سيجري إشراك الدول التي سيعبرها والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهي 12 دولة، كما يجري مقاربة الزبائن الأوروبيين، إلى جانب بدء محادثات مع أبناك دولية، للوقوف على مدى استعدادها لتمويل هذا المشروع.

مشروع واعد 

واعتبر الأستاذ الباحث، التهامي أن "خط أنبوب الغاز المغربي النيجيري مشروع مهيكل لإفريقيا كلها، لأنه سيجمع بين دولتين من أكبر دول القارة على المستوى الاقتصادي، فالبلدان معا من خلال هذا التعاون سيفتحان الباب واسعا أمام تحول منطقة غرب إفريقيا والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (الإكواس) إلى فضاء للتنمية الاقتصادية".

وأكد أن "نيجيريا ستجد في هذا المشروع طريقا لتسويق الغاز بشكل سهل وأسرع، بما فتح إمكانية رفع مداخيلها المالية، لأن الأنبوب يعبر دول غرب إفريقيا والمغرب وأوروبا".

وشدد التهامي على أن "وصول الغاز سيعزز الطاقة الكهربائية في البلدان الإفريقية، مما يصبح من السهل معه إطلاق النشاط الصناعي بما ينقل المنطقة الغنية بالمعادن من الاستخراج والتحويل إلى التصنيع والتصدير، مما يحول مع منطقة غرب إفريقيا إلى سوق اقتصادية ضخمة". 

وأكد على أن "المغرب ونيجيريا سيصبحان من أكثر الدول استفادة من المشروع، إذ سيفتح المجال لتعاون في مختلف المجالات بين البلدين، فمن جهة المغرب سيجد سوقا لمنتجاته جنوب الصحراء، فيما تجد نيجيريا طريقا آمنة وسريعة إلى أوروبا عبر كل غرب إفريقيا".

في ذات الاتجاه، اعتبر البرلماني المغربي، والمحلل الاقتصادي، عبد النبي أبو العرب، أن خط الغاز "مشروع إستراتيجي سيمكن نيجيريا من تطوير صادراتها في الغاز الطبيعي بداية عبر إيصال هذا الغاز إلى حوالي 13 بلدا إفريقيا وهو ما سيخلق سوقا إفريقيا هاما للغاز الطبيعي النيجيري".

وأضاف أن "المشروع سيدر أرباحا كبيرة على الخزينة النيجيرية، خاصة إذا علمنا أن الأنشطة الموازية التي ستواكب إنشاء هذا الخط خاصة من خلال إنشاء مدن جديدة ومشاريع مبنية على الطاقة المستخلصة من الغاز الطبيعي، ستمكن من إعادة هيكلة الأنشطة الاقتصادية والصناعية والمدنية بصفة عامة في هذه البلدان الـ13 عبر الخط الغربي الذي يربط نيجيريا بالمغرب".

وشدد أبو العرب في تصريح لـ"الاستقلال"، على أنه "لحد الآن ليس هناك خط لتوريد الغاز النيجيري نحو الأسواق المستهلكة وخاصة السوق الأوروبية وحتى التصدير عبر الخطوط البحرية هي محدودة الإمكانية".

وتابع: "السوق الأوروبية التي تعتبر أكبر مستهلك في العالم للغاز الطبيعي، ستستفيد من هذا المشروع، وسيساهم أيضا في تخفيف من تبعية أوروبا للغاز الروسي، وهو ما يجعله مشروعا مهما يفسره إصرار الدولتين على التقدم في إنجاز هذا الخط المهم لتصدير غاز نيجيريا عبر المغرب".

مآرب أخرى 

لا يخفي المغرب في مسعاه لإقامة خط الغاز العابر لغرب إفريقيا، وصولا إلى أوروبا، رغبته في تحقيق هدف سياسي كبير، والمتمثل في حسم الصراع حول الصحراء، وضمان حياد نيجيريا على الأقل ومن ثم دول منظمة غرب إفريقيا. 

ويذهب التهامي إلى أن "هناك بطبيعة الحال أرباح سياسية قد يجنيها المغرب من خلال هذا المشروع وعلى رأسها تدعيم ومناصرة موقفه من قضيته الأولى، أي قضية الصحراء، التي طال النزاع حولها وأثر بشكل واضح على كل المشاريع الإنمائية في شمال وغرب إفريقيا".

وشدد على أن "إنجاز هذا المشروع وتبنيه من طرف نيجيريا بالأساس سيضمن للمغرب إلى حد كبير الحياد السياسي لهذا البلد العملاق والمؤثر قاريا، ويمكن أن نقول نفس الشيء بالنسبة لبلدان أخرى في غرب القارة والتي قد يمر عبرها الأنبوب الغازي رغم أن تأثيرها قد يكون أقل مقارنة بنيجيريا".

واعتبر التهامي أن "حضور الملك، ووقوفه بثقله المعنوي والرمزي خلف هذا الاتفاق، ومتابعته له يعني أن الأمر حيوي وإستراتيجي بالنسبة للرباط وليس فقط مجرد مشروع اقتصادي، لأنه مرتبط بالسياسة الجديدة التي تبناها المغرب في الصحراء".

من جهته، أكد أبو العرب، أن "الاتصال الملكي الأخير، يأتي في إطار بعث الحيوية والتأكيد على إصرار المغرب على الاستمرار في الاهتمام بعلاقاته مع نيجيريا، ورسالة على أنها بلد مهم بالنسبة للرباط على كافة المستويات، وذلك من خلال إعطاء الأولوية للاستثمار المتبادل والتعاون الاقتصادي عبر تحديد قطاعات اقتصادية ذات أولوية إستراتيجية وهامة".

وأوضح أن الاتصال "إشارة إلى أن هذه العلاقات هي علاقات إستراتيجية وحساسة وحيوية بالنسبة للمغرب، ودليل على الاهتمام المغربي بهذا البلد الذي يعتبر المفتاح لكسر الخط الذي كان يخترق إفريقيا عبر نيجيريا ويربط الجزائر بجنوب إفريقيا".

وأضاف أن "هذه العلاقات هي المفتاح للاختراق النهائي للتكتل التقليدي الذي كانت تقوده الجزائر ضد مصالح المغرب، ويشير إلى النجاح المحقق في هذه العلاقات وإلى أن المغرب ونيجيريا سيسيران في الطريق الصحيح".

وخلص أبو العرب إلى أن "العلاقات المغربية النيجيرية، ستكون أيضا المفتاح لانضمام الرباط رسميا إلى (الإيكواس)، باعتبار أن نيجيريا هي أكبر بلد من حيث عدد السكان وناتجها الداخلي الإجمالي، (حيث قدم المغرب رسميا طلب الانضمام للإيكواس فبراير/شباط 2017، وتمت المصادقة على هذا الطلب مبدئيا إلا أن العضوية لم تقبل بشكل رسمي لحد الآن)".