محمد الخطابي.. "أسد الريف" الذي قاوم الإسبان والفرنسيين في المغرب

سام أبو المجد | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"هذا البطل الذي نشأنا منذ الصغر ونحن نمجد اسمه، ونسمو بأبصارنا إليه، ونحوطه بقلوبنا وإيماننا، ونجعله المثل الأعلى للعربي الأبي الذي لا يقبل ضيما ولا يقيم على هوان، هو نفسه الذي علّمنا بفعله لا بلسانه أنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال".

عبارة أوردها الأديب المصري محمود شاكر، عن المقاوم والمجاهد المغربي محمد عبدالكريم الخطابي، الذي قاوم الإسبان والفرنسيين وألحق بهم الهزيمة، ومارس نشاطا عسكريا ثم سياسيا حتى استقلال المغرب.

يصادف 6 فبراير/شباط، الذكرى السنوية لوفاة القائد العسكري والزعيم الثوري الخطابي، الذي توفي في القاهرة عام 1963 بعد أكثر من 4 عقود من المقاومة العسكرية والنضال السياسي.

ولد الخطابي لأسرة تعمل بالقضاء، حيث كان والده قاضي القبيلة، وكانت أسرته تحتل مكانة علمية وسياسية في الريف الأوسط والغربي للمغرب، وكان يلقب بـ"أسد الريف"، لتزعمه الحراك ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي للمغرب.

شكل الرجل لجنة موسعة للمقاومة تكونت من جميع القوى والأحزاب الوطنية، للقتال تحت مظلة واحدة، من أجل استقلال المغرب العربي (المغرب وتونس والجزائر)، وإرساء أسس الوحدة الوطنية التي تنادي بالاستقلال وترفض أي مساومة مع المستعمر الأجنبي. 

تلقى الخطابي تعليمه الأولي في الكتاب، كعادة أقرانه، ثم انتقل للدراسة في مدينة تطوان، ثم فاس، حتى حصل على شهادة البكالوريا الإسبانية من مدينة مليلية، ثم درس القانون الإسباني في مدينة شلمنقة الإسبانية.

عمل مدرسا، ثم مترجما وكاتبا بالإدراة المركزية للشؤون الأهلية بمليلية عام 1910، وقد مكنته لغته الإسبانية القوية، بالإضافة إلى العربية والأمازيغية من إتقان عمله، وهو الأمر الذي مكنه من العمل كصحفي لدى صحيفة تيليغراما ديل ريف الناطقة بالإسبانية لنحو 8 سنوات. كان يكتب عمودا يوميا في الصحيفة، باللغة العربية، بالرغم من كونها ناطقة بالإسبانية.

ولأنه درس القانون الإسباني فقد تم تعيينه في 1913 قاضيا، ولم تمر سنة واحدة حتى تم تعيينه قاضيا للقضاة بأمر من المقيم العام الإسباني، وكان عمره حينها 32 عاما، عندما حظي بذلك التعيين الذي يعد أرفع درجة في سلك القضاء في مدينة مليلية. وفي ذات العام عين أستاذا في مدرسة الشؤون الأهلية بالمدينة.

نقطة التحول

حتى ما قبل عام 1915، لم يكن الخطابي مناهضا للاستعمار الإسباني، بل كان متعايشا معه، وهو الأمر الذي دفع السلطات الإسبانية لتعيينه في وظائف مرموقة في سلكي التعليم والقضاء.

غير أن سجنه عام 1915، كان نقطة التحول بالنسبة للرجل، حيث سجن بإيعاز من فرنسا، على إثر تعاطفي مع الألمان خلال الحرب العالمية الأولى.

مكث الخطابي في السجن 11 شهرا، وحاول خلالها الفرار، فكسرت ساقه، وضاعف من قناعاته بموقفه المعادي للنشاط الاستعماري الإسباني المتزايد في المغرب.

آنذاك/ نشر الإسبان 63 ألف جندي على امتداد شمال المغرب، وهو الأمر الذي عارضه شيوخ القبائل، وعلى رأسهم عبدالكريم الخطابي (الأب)، فبدأ الأمر بالقطيعة بين الإسبان والقبائل، ثم ما لبث أن تحول لنشاط تحرري مقاوم، وذلك عام 1920.

استغل الخطابي فترة اعتقاله، لقراءة الأوضاع ودراسة المشهد والاستعداد للمقاومة، وقد كان فكره التحرري قوميا، حيث رأى أنه لابد من التحرر لكل الأقطار الخاضعة للاستعمار الأجنبي، فقال عبارته التي أوردها في مذكراته: "انتصار الاستعمار ولو في أقصى الأرض هزيمة لنا، وانتصار الحرية في أي مكان انتصار لنا".

 وفي السجن زادت قناعته بضرورة دحر الاستعمار فكتب في مذكراته: "لم أعتبر يوما الحضارة الغربية غاية السعادة والاستقرار، وكنت كلما ازداد احتكاكي بالإسبان والأوروبيين بصفة عامة، ازداد إيماني بأنهم يعيشون في حلم الاستعمار والاستغلال للغير واستعباده، فأزداد بعدا عن حضارتهم، وعن كل ما يسمونه بالتقدم والرقي الذي يسخرونه لمصلحتهم دون بقية الإنسانية".

ما لبث أن توفي والد عبدالكريم الخطابي بعد 22 يوما من قرار المقاومة، وهو الأمر الذي دفع البعض للقول بأنه تسمم، خصوصا أن الإسبان في تلك الفترة كانوا يكثفون من عمليات الاستقطاب والاختراق في صفوف القبائل المغربية.

فتولى محمد عبدالكريم الخطابي القيادة عقب والده، وتمكن من توحيد صفوف القبائل، وقاد أول معركة (أنوال) في مايو/أيار 1921 وتمكن من إلحاق الهزيمة بالقوات الإسبانية في ريف المغرب، وتوالت بعهدها الغارات والهجمات التي شكلت إزعاجا للقوات الإسبانية.

سرعان ما قام الخطابي بتأسيس دولة، سماها الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف، وعاصمتها أجدير، وذلك في 18 سبتمبر/أيلول 1921، وشكل لها دستورا وبرلمانا، ويوم استقلال وطني، وقد كان الخطابي رئيس الدولة، والحاج الحاتمي رئيسا للحكومة.

غير أن الجمهورية ما لبثت أن حلت بعد نحو خمس سنوات، وذلك بعد تدخل عسكري قوامه نصف مليون جندي من القوات الإسبانية، استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية، وأخرى محرمة دوليا، من بينها غاز الخردل، الذي استخدم لأول مرة من قبل طائرة إسبانية، وما زالت آثاره باقية حتى اليوم.

تحالف الاستعمار

إلى جانب كون فكرة الدولة مزعجة للاستعمار الإسباني، فقد كانت أيضا منطلقا لشن هجمات مزعجة للقوات الإسبانية، وهو الأمر الذي استغرق خمس سنوات من الإسبان للإعداد والهجوم على قوات الخطابي.

تمكنت القوات الإسبانية من استقطاب عناصر من القبائل المغربية للعمل معها، فشكلت جيشا من المرتزقة تحت قيادة المريشال الريفي أمازيان، فقام بدوره كجبهة داخلية تمكنت من تفكيك جبهة القوى الثورية من الداخل ، وهو الأمر الذي انعكس لصالح إسبانيا وقدرتها في هزيمة قوات الخطابي والقضاء على ثورة الريف.

وبطبيعة النهج الاستعماري الواحد، فقد عملت فرنسا وإسبانيا جنبا إلى جنب، في القضاء على القوات الثورية، واستخدمتا كل وسائلهما لصد المقاومة، خشية استلهام النموذج التحرري من قبل الدول المجاورة الخاضعة للاستعمار الفرنسي والإيطالي.

تمكنت إسبانيا بدعم من فرنسا، وخيانة من داخل الصف الثوري في الريف المغربي أن يلحقا الهزيمة بقوات الخطابي وهو الأمر الذي قاد في نهاية الأمر لسقوطه بيد القوات الفرنسية، ثم نفيه إلى جزيرة لارينيون في المحيط الهندي شرق مدغشقر، وهي الجزيرة التي تبسط باريس سيادتها عليها حتى الآن.

طلب الخطابي اللجوء السياسي من الملك فاروق في مصر، فاستجاب له، ليستقر بعد ذلك في القاهرة كلاجئ سياسي، ويمارس نشاطا سياسيا يدعو إلى استقلال دول المغرب من الاستعمار الإسباني والفرنسي.

رأس لجنة تحرير المغرب عام 1948، وساند الحركات التحررية في كل من ليبيا وتونس والجزائر، حتى نالت المغرب استقلالها عن الاستعمار الفرنسي والإسباني عام 1956، وكان عمر الخطابي حينها 74 عاما، وتوفي بعد ذلك بنحو 7 أعوام أي في 6 فبراير/شباط 1963 في القاهرة ودفن بمقبرة الشهداء.

كتب الخطابي مذكراته وضمنها وثائق تاريخية أصلية ومراسلات مهمة لفترة المقاومة ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، وعن المواقف الثورية التي خاضها ورفاقه.

كما  كتبت عنه عدة مؤلفات منها "لعنة عبدالكريم" و"محمد الخطابي .. آراء ومواقف" لمحمد أمزيان، وكتاب "التربية والتعليم في برنامج محمد عبدالكريم الخطابي لعبدالرحمن الطيب والحسين الإدريسي".