بعثة الأمم المتحدة.. كيف "شرعنت" تزوير الانتخابات البرلمانية في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع عمّ الأوساط السياسية والشعبية العراقية، على خلفية زيارة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد جينين بلاسخارت، إلى العاصمة الإيرانية طهران، وبحثها ملف الانتخابات البرلمانية العراقية مع علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

موجة الجدل جاءت لكون الزيارة إلى طهران في 31 يناير/ كانون الثاني 2021، تُعد الأولى من نوعها لمسؤول أممي يعمل ببغداد ويبحث ملفا عراقيا حساسا مع مسؤولي دولة أخرى، ما أثار علامات استفهام عن دور الأمم المتحدة في العراق منذ عام 2003، ولا سيما في ملف الانتخابات.

وقررت الحكومة العراقية تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية إلى 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، على خلفية مقترح تقدمت به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (رسمية) لـ"استكمال النواحي الفنية لتسجيل الأحزاب السياسية وتوزيع البطاقات الانتخابية وتأمين الرقابة الدولية"، بعدما كان موعدها في 6 يونيو/ حزيران من العام نفسه.

"دور شكلي"

وعلى ضوء زيارة بلاسخارت إلى طهران، وجه السياسي العراقي، أسامة النجيفي، انتقادا لاذعا للمبعوثة الأممية، بالقول: "ليس من حق بلاسخارت الذهاب إلى طهران لإجراء مشاورات في قضية عراقية خالصة، وخصوصا أن إيران هي السبب الأول في مشاكلنا الداخلية".

النجيفي شدد خلال مقابلة تلفزيونية في 3 فبراير/ شباط 2021، على أن "هذه الأمور (الانتخابات) يجب أن تبحث في ظل المجتمع الدولي، مثل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذا هو الأصح والأجدى والمتوازن".

وأضاف أن "البعثة الأممية مكلفة بواجبات داخلية عراقية تستطيع أن تتحرك بها، أما هذه الحركة فهي غير موفقة وتؤشر على علامات سلبية في دور الأمم المتحدة" مشيرا إلى ضرورة "إصدار قرار جديد لمجلس الأمن يوسع ولاية المنظمة ويتيح لها الإشراف والمراقبة على الانتخابات، وتكون محايدة بشكل مطلق مع الشعب العراقي، وفق الحقوق المتساوية".

وتطرق النجيفي إلى انتخابات 2018، بالقول إن "المراقبة الدولية كانت في حينها شكلية، وشملت مناطق محددة في بغداد وبشكل بروتوكولي ولم تذهب لرؤية ما حصل في المحافظات والمناطق البعيدة، حيث كان السلاح مسيطرا في إجبار الناس، وكذلك تزوير الانتخابات وإرهاب الموظفين، وبعد ذلك التلاعب حتى داخل المفوضية، فما حصل كان كارثة".

ودعا السياسي العراقي إلى "إشراف ورقابة للأمم المتحدة بشكل تفصيلي على جميع مراحل العملية الانتخابية وتعطي بعد ذلك قرارا دوليا من مجلس الأمن، بأن الانتخابات قد استوفت المعايير أو أنها مزوّرة، لأنه إذا لم يصدر من المجتمع الدولي ذلك، فلن يقدم الشعب العراقي ثقة للبرلمان والحكومة المقبلين".

وفي السياق ذاته، قال النائب في البرلمان العراقي، محمد الخالدي، خلال تصريحات صحفية في 2 فبراير/ شباط 2021 إن "للأمم المتحدة تأثير كبير على مفوضية الانتخابات العراقية، ولديها تدخلات في عملها، ويؤخذ رأيها في كثير من القرارات".

الخالدي اعتبر مناقشة بلاسخارت الانتخابات العراقية مع إيران خرقا لمهامها في العراق، موجها انتقاده للمبعوثة الأممية كونها بدأت تتحرك وكأنها هي المسؤولة عن الانتخابات بشكل مباشر، وكأنها تتفاوض بدلا عن مفوضية الانتخابات في البلاد وعن الحكومة والبرلمان، وأن مناقشة الانتخابات مع دول أخرى ليست من صلاحياتها.

"شرعنة التزوير"

الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى بلاسخارت بعد زيارتها لطهران، وصلت إلى حد اتهام البعثة الأممية بـ"شرعنة تزوير الانتخابات" ومطالبة سياسيين الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإقالتها من منصبها، والاتيان بشخصية حيادية مكانها.

ووجه عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، النائب ظافر العاني، انتقادات لاذعة لزيارة بلاسخارت طهران، وقال عبر "تويتر" في 2 فبراير/ شباط 2021 إنه "‏لا توجد جهة شرعنت التزوير والفساد والتدخل في الانتخابات العراقية مثل بعثة الأمم المتحدة في العراق عبر تقارير تبريرية مخادعة".

وأضاف العاني، قائلا: "وما زيارة بلاسخارت إلى طهران ومناقشتها هناك موضوع الانتخابات العراقية إلا دليل إضافي. إبعاد الأمم المتحدة عن الانتخابات العراقية يجعلها أكثر نزاهة".

وبعث رئيس حزب "الأمة العراقية" عضو البرلمان العراقي السابق، مثال الآلوسي، برسالة إلى أنطونيو غوتيريش عبر "تويتر" في 1فبراير/ شباط 2021، طالبه فيها بإقالة المبعوثة الأممية، بالقول: "مَنْ خول الممثلة بلاسخارت بيع شعب العراق إلى نظام إيران؟ نطالبكم بتغييرها بشخصية حيادية".

أما عضو "اللجنة المنظمة لمظاهرات ثورة تشرين" علي عزير أمين، فقد خاطب غوتيريش، قائلا: "نؤكد أن ممثلتكم في العراق غير مرغوب بها من قبل شعبنا، لا سيما بعد أن كان موقفها من ثورة تشرين غير مشرف، فإن عجزتم عن الإتيان بشخص أممي نزيه، فلا حاجة لوجود ممثل ماكر لكم في بلاد الرافدين".

واتهمها بـ"السعي لخدمة مصالح إيران في العراق"، حسبما نقلت عنه تقارير في 2 فبراير/ شباط 2021.

وشهد العراق في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، احتجاجات واسعة أطلق عليها البعض "ثورة تشرين" أسفرت عن إقالة حكومة عادل عبد المهدي، بعد مقتل نحو 700 شخص خلال المظاهرات.

 لكن المبعوثة الأممية زارت ساحة التحرير (مكان الاحتجاجات في بغداد) في 30 من الشهر ذاته، وأصدرت بيانا جاء فيه: "إن الحكومة ليس بوسعها أن تعالج بشكل كلي تركة الماضي والتحديات الراهنة خلال عام واحد فقط من عمرها"، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه موقف يتماشى مع الموقف الحكومي.

وبعد موجة الغضب العارمة التي ولدتها زيارة بلاسخارت إلى طهران، أصدرت البعثة الأممية بالعراق بيانا لها في الأول من فبراير/شباط 2021، قالت إن "بلاسخارت زارت طهران يومي 31 يناير/كانون الثاني والأول من فبراير/شباط 2021، وعقدت محادثات مع مسؤولين إيرانيين حول القضايا الإقليمية، وذلك في إطار الجهود المبذولة لدعم الاستقرار في العراق".

والتقت بلاسخارت في طهران مستشار "المرشد الأعلى" الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، والمساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

وبحسب بيان صدر عن مكتبه في 31 يناير/ كانون الثاني 2021، قال ولايتي خلال اللقاء: "نحن متفائلون جدا بمستقبل العراق وستشهد العلاقات بين إيران والعراق تطورات كثيرة". واعتبر الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بأنها "ستكون مصيرية للغاية بالنسبة للعراق"،

ونقل البيان عن بلاسخارت تأكيدها "ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة العراق وإجراء انتخابات حرة في هذا البلد". وقالت إن "أوضاع العراق تحسنت مقارنة بالماضي، وهذا البلد يتمتع بطاقات اقتصادية وثقافية وتاريخية جيدة بين دول المنطقة ويجب استخدام كل هذه القدرات".

تاريخ مشبوه

لم تكن الاتهامات الموجهة إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق والتشكيك في نزاهتها، هي الأولى من نوعها، فقد طالتها اتهامات سابقة تتعلق بالعملية الانتخابية التي جرت عقب الاحتلال الأميركي في 2003.

ففي أول انتخابات برلمانية يشارك فيها المكون السني في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2005، طالت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق الباكستاني أشرف قاضي، اتهامات بالحصول على رشاوى مالية كبيرة من إيران للسكوت عن تزوير الانتخابات.

وقال القيادي في جبهة التوافق العراقية (سنية) خلف العليان خلال تصريحات صحفية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2005، إن "أشرف قاضي حصل على 5 ملايين دولار من إيران مقابل سكوته عن حالات التزوير والتلاعب في الانتخابات العراقية".

وشدد العليان في حينها على أن (الحركة الرافضة لنتائج الانتخابات العراقية) "مرام" تطالب بإعادة الانتخابات في كل أنحاء العراق أو في أجزاء منه، مثل بغداد والبصرة وبابل والعمارة والسماوة وكركوك والموصل أو تعديل النتائج لتكون القوى السياسية متوازنة كلها.

وفي 6 أغسطس/ آب 2010، عبّرت جبهة التوافق العراقية (أكبر ممثل سابق للسنة بالبرلمان)، عن خيبة أملها من تقرير الأمم المتحدة الذي استعرضته في مجلس الأمن كون خالٍ من أي سقف زمني لتشكيل الحكومة، منتقدا مجاملة دول الجوار العراقي وعدم إيقاف تدخلاتها، في إشارة على ما يبدو لإيران، التي رفضت فوز قائمة السياسي العراقي، إياد علاوي، بالانتخابات البرلمانية على قائمة حليفها نوري المالكي بفارق مقعدين في البرلمان.

وقال عضو جبهة التوافق، محمد إقبال، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر البرلمان العراقي ببغداد إن "تقرير الأمم المتحدة الذي تم استعراضه في جلسة مجلس الأمن في نيويورك لم يشر إلى دول الجوار وضرورة عدم تدخلها في الشأن العراقي، إضافة إلى أنه قد خلا من تحديد سقف زمني لتشكيل الحكومة"، موضحا: "كنا نتوقع موقفا أكثر صرامة في توصيات تقرير الأمم المتحدة، إلا أنه كان مخيبا للآمال".

 وكانت الأمم المتحدة، قد أعربت خلال الاجتماع الدوري لمجلس الأمن الدولي بشأن العراق، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك في 5 أغسطس/ آب 2010، عن قلقها من "استغلال عناصر معارضة للديمقراطية في العراق" تأخير تشكيل الحكومة مما يزيد الشعور بالغموض في البلد.