وسط صمت رسمي.. ما أبعاد الصراع الخفي بين "يوتيوبرز" وصحفيي المغرب؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"سوينغا" و"المحترف" و"العوني".. غيض من فيض شخصيات أصبح لها متابعون بالملايين عبر موقع "يوتيوب" وباقي منصات التواصل الاجتماعي في المغرب، حتى صنعت لنفسها اسما أزعج في مناسبات عدة رجال "السلطة الرابعة".

وتصدر صناع المحتوى بالمملكة المشهد بعد نجاحهم في تحقيق انفرادات، باتوا من خلالها ينافسون وسائل الإعلام الرسمي والخاص في التأثير على الرأي العام، إثر حضورهم القوي الذي لا يحده حاجز، وتفوقهم في إيصال المعلومة بطريقة مبسطة، فتحت لهم قلوب المتابعين.

وأبدى إعلاميون انزعاجهم من التوجه الجديد لصناع المحتوى عبر لعب مهام في اختصاص مهنة الصحافة، فيما دافع آخرون عن هذه الفئة، معتبرين أن هذا المجال مفتوح لكل المبدعين بغض النظر عن دراستهم أو مهنهم الأصلية.

شهر العسل

وأمام هذا المد والانتشار الطاغي لصناع المحتوى، بدأت تطرح التساؤلات أمام المراقبين بشأن فتح السلطات الباب أمامهم دون توجيه، فيما يقول آخرون إن "شهر العسل" لن يستمر خاصة حين يحيد هؤلاء عن "الخطوط المباحة".

خلال الفترة الأخيرة، نال أمين رغيب صاحب قناة "المحترف"، ومصطفى الفكاك المشهور بـ"سوينغا"، وأمين العوني صاحب قناة "أجي تفهم" (تعال لتفهم)، شهرة واسعة في المغرب وخارجه، لقيمة المحتوى المقدم للمشاهدين. 

ومن بين أهم انفراد أثار انزعاج صحفيين، حين استضاف الفكاك، مؤخرا، عبر موقع "إنستغرام" مسؤولا في وزارة الخارجية المغربية، ليجيب عن أسئلته حول جائحة كورونا وتأثيرها على المواطنين في الخارج.

كما تمكن الفكاك في خطوة أخرى من كشف تفاصيل "مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي" الشهير بـ"قانون تكميم الأفواه"، الذي خلف نقاشا كبيرا حول مواده "السالبة للحريات"، ما جعل الحكومة تؤجله.

ووفق خبراء، فإن المنافسة لم تبدأ بعد بين الطرفين، لأن هذه الانفرادات محدودة فرضتها الظرفية والصدفة، خاصة أن هذه "الموجات الافتراضية" تبقى رهينة "النشأة الجديدة" وإعجاب المتابع بكل ما هو جديد.

وأكدوا أن أمام صناع المحتوى في المنصات وأبرزها "يوتيوب"، تحدي التدريب وفهم الرؤية السياسية وتعلم أخلاقيات مهنة الصحافة، غير أن المتحدثين ذاتهم لم يستبعدوا رؤية هذه المنافسة في توقيت غير بعيد.

وقال الإعلامي والخبير في الإعلام الجديد، نور الدين البيار: "ظاهرة المؤثرين، أو الذين استطاعوا جذب اهتمام ملايين المتابعين تنامت في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب المعضلة الاجتماعية، وازدياد عدد مستخدمي مواقع التواصل".

وأشار في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "بعض هؤلاء أصبح يقوم بأدوار الصحافة، والبعض الآخر يقوم بأعمال الخير وغيرها، وهي كلها تحركات تدخل في إطار الترويج الرقمي والتشبيك".

وشدد على أنه "لا يمكن تعويض دور الصحافة  المعروف، بالمؤثرين، وغيرهم، لعدة أسباب، أبرزها عملية لبث لما يقومون به، وإن كانت تتقاطع مع بعض المنصات الرقمية على السوشيال ميديا، لكن جلهم يستهدفون شريحة المشاهدين، كما أنهم قد يسقطون في فخ الأخبار الزائفة".

وأوضح البيار أن "سبب هذا التنامي يعود أساسا إلى تراجع دور الصحافة أمام سطوة مواقع التواصل وتحديات النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحفية".

وأكد أن "صناع المحتوى هم ظاهرة صحية على مستوى إثراء المحتوى، إن كان مفيدا للجمهور، وهم يلعبون في ملعب خاص رقميا، لا يتجاوز حدودا بعينها".

صناع المحتوى

من جانبه، قال محمد العوني رئيس "منظمة حريات الإعلام والتعبير" (غير حكومية): "العمل الإعلامي منظم في إطار مؤسساتي وقانوني ومهني. هناك خلط ما بين العمل الذي يقوم به الإعلاميون، والعمل التواصلي الذي يقوم به صناع المحتوى".

وأضاف في حديث للأناضول: "من حق أي مواطن أن يقوم، في إطار التواصل الرقمي، بالتواصل وأن يهتم بقضايا معينة، لكن من غير المقبول أن يقوم بالعمل الإعلامي كما تفرضه قواعد المهنة".

والصحافة كغيرها من المهن الأخرى منظمة قانونا، بحسب العوني، "ولا يمكن مثلا لأحد أن ينتحل عمل المحاماة أو القضاء، وإلا سيتم اتهامه بانتحال صفة، والذي يريد القيام بالعمل الإعلامي يجب أن يمر عبر مسار تدريبي ومهني للقيام بهذه المهمة".

وبالتالي فإن "صناع المحتوى مطالبون بالتدريب، من أجل ممارسة العمل الإعلامي بقواعده، وإلا يجب أن يقتصر حضورهم على المستوى التواصلي فقط"، وفق العوني.

هذه الطفرة الكبيرة والتأثير السريع اليومي لصناع المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي، فتح قوسا للتساؤل عن مدى هامش الحرية لدى هؤلاء، خاصة المحتوى ذا الطابع السياسي الذي أصبح يزعج السلطات من حين لآخر.

وقال الخبير الإعلامي محمد المدني: "ظاهرة صناع المحتوى واليوتيوبرز جاءت في سياق عام يمكن أن نسميه الانفجار المعلوماتي الذي تتيحه وسائل التواصل، والتي باتت تشكل تحديا حقيقيا للإعلام التقليدي، سلطة وانتشارا، كما تشكل تحديا للسلطة السياسية والأمنية واحتكارها أو هيمنتها لتشكيل وتوجيه الرأي العام".

واعتبر في حديث مع "الاستقلال" أن "الحكم على هذه الظاهرة بالصحية أو غيرها رهين بمستوى وجودة ومصداقية ما يقدمه هؤلاء وليس بالحامل (المنصة) الذي تقدم فيه".

وتابع المدني: "الراجح أن سلطة الإعلام البديل ستتسع مع الوقت سواء كان في صف السلطة والأنظمة أو ضدها، وسيكون من العبث التوهم بإمكانية ضبطه وإدخاله إلى الطابور".

وختم تصريحه بالقول: "سيبقى وعي الناس وقدرتهم على التمييز بين الحقائق وتنويع مصادر بحثهم، وكذا مصداقية ما تقدمه هذه الشخصيات هو الكفيل بالحكم على هذه الظاهرة".

تكسير العظام

شهدت "حلبة" التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، صراعا بين إعلاميين وصناع المحتوى السياسي، خاصة حينما انتقد مجموعة من "اليوتيوبرز"، المؤسسة الأمنية، ومن بين الأسماء التي انتقدت بشدة المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، صاحب قناة تحمل اسمه "محمد تحفة".

فيديوهات "تحفة"، أزعجت صحفيين محسوبين على السلطة، ومنهم رضوان الرمضاني ويونس دافقير، ما دفعهم لإطلاق برنامج مباشر عبر "فيسبوك"، اسمه "العصابة" للرد على "كل من سولت له نفسه الإساءة لثوابث الوطن"، حسب قولهم.

المواطنة مرسيم سيو، قالت: "ما يتعرض له صناع المحتوى النقدي من تضييق يجعلنا كمواطنين نفهم أن بعض المتحكمين في تسيير البلاد لا يقبلون بحرية التعبير والنقد.. ويتم إيهامنا عبر الصحفيين والبرامج التلفزيونية والإذاعية بأن حرية التعبير مكفولة.. فقط ابتعد عن الملك وتحدث عن ما شئت".

وأضافت في تدوينة مقتضبة عبر "فيسبوك": "لكن بعد انفجار ملف مسؤولين أمنيين، تبين أن هناك خللا في الثقافة الديمقراطية عند بعض المسؤولين في هذا البلد العزيز".

وفي تعليق على هذه الظاهرة الجديدة، قالت خبيرة التواصل الإعلامي شامة درشول: "لا يعجبني ما يحدث بين صناع الصحافة، وصناع المحتوى الرقمي، وإن استمر على هذا المنوال فالثمن سيدفعه الوطن، وثورات الربيع العربي بدأت بأخطاء صغيرة لم تعالج في وقتها، فتدحرجت صخرة زلزلت ما كنا نعتقده راسخا".

وأكدت أن "تحفة له الحق في انتقاد المؤسسة الأمنية، لكنه حين يفصلها عن مديرها أي حموشي فهو وقتها يفقد البوصلة، ويتحول إلى مجرد كارت في يد من يناصب الحموشي العداء".

وشددت درشول على أن "لتحفة الحق في الحديث والكلام والانتقاد، حتى لو لم يكن  سياسيا، أو حقوقيا، أو صحفيا، لسبب بسيط أنه يطل من يوتيوب، ويوتيوب يصنف كإعلام بديل أي منح الجميع حق الكلام خارج المؤسسات التقليدية، حزب، برلمان، جمعية، صحافة".

وختمت تدوينتها بالقول: "كل خصومة بين أهل الصحافة، وأهل صناعة المحتوى الرقمي، الوطن وحده من سيدفع ثمنها، ولذلك، ما يحدث لا يبشر نهائيا.. ولا أستبشر به خيرا إن استمر على هذا الوضع".