بزعم "التخابر".. لماذا تُجرم إسرائيل تواصل الفلسطينيين مع بعضهم؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصبح اللقاء بين الزوجين محمد ومجدولين مستحيلا، ضمن سياسة إسرائيلية تهدف إلى "قطع التواصل" بين الفلسطينيين وأراضيهم المحتلة، وسط تهم فضفاضة وملاحقات لا تتوقف.

يعيش محمد خيري، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تنحدر زوجته مجدولين حسونة الممنوعة من الوصول إليه من الضفة الغربية، ولا يتمكن الاثنان حاليا من اللقاء مجددا، وفق ما أخبر الزوج "الاستقلال".

تصاعدت هذه السياسة الإسرائيلية مؤخرا، ما دفع ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق حملة "متواصلون" ردّا على تكثيف حملات الملاحقة بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948، لتواصلهم مع أهلهم وأقاربهم وأصدقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الوطن العربي.

تهمة "التخابر"

صعدت سلطات الاحتلال من توجيه تهم "التخابر مع جهات أجنبية" مؤخرا، لأي شخص يتواصل مع الخارج، في إطار لا يندرج ضمن التطبيع المسموح به رسميا.

في الأثناء، شارك المئات من الناشطين الفلسطينيين والعرب في الداخل والخارج في حملة للتصدي لملاحقات الاحتلال على وسم حمل عنوان #متواصلون، وحاول بعضهم الحديث عن أهداف إسرائيل من ذلك.

انطلقت الحملة منذ نهاية يناير/كانون الثاني 2021 وحتى اليوم، للتأكيد على أن الشعب الفلسطيني كتلة سياسية وهوية جماعية واحدة، وأن التواصل بين مكوناته المختلفة أمر طبيعي. 

وتتضامن الحملة أيضًا مع الناشط والكاتب مهند أبو غوش من القدس المحتلة، والذي تم اعتقاله في 25 يناير/كانون الثاني 2021 ويجري التحقيق معه بعدة تهم من بينها "التواصل مع أصدقاء في الوطن العربي".

ويقول محمد خيري وهو صحفي في الموقع الإلكتروني، النسخة العربية لقناة "تي آر تي" التركية لـ"الاستقلال": "الملاحقة الإسرائيلية أساسها دائما التواصل مع جهات، وهو أمر كاف بالنسبة للمحكمة لعرقلة حياتك".

ويوضح خيري الذي استدعي بسبب هذا الاتهام 3 مرات: "المخابرات الإسرائيلية غير مجبرة عن الكشف عن تلك الجهات (التي تقول إن المتهمين يتواصلون معها)، وجميعنا توجه لنا هذه التهمة". 

ويوضح أن "أي اتصال أو لايك (علامة إعجاب) تضعه على وسائل التواصل الاجتماعي لشخص ما فلسطيني ويعيش خارج فلسطين، هو مادة دسمة للمخابرات الإسرائيلية لتبدأ بمضايقتك".  

وحدث أمر مشابه مع آية خطيب وهي أم لطفلين، اعتقلتها قوات الاحتلال من منزلها بقرية عرعرة بالداخل الفلسطيني المحتل، في 17 فبراير/شباط 2020، وقدّمت ضدها لائحة اتهام بمزاعم تواصلها مع حركة المقاومة الإسلامية حماس. 

لكن في يناير/كانون الثاني 2021، فند 4 شهود استدعتهم النيابة العسكرية الإسرائيلية ادعاءات الأخيرة بحق الأسيرة خطيب التي أثبتت أنها كانت تجمع تبرعات للمرضى في قطاع غزة، ورغم نفي جميع الشهود أي تعاون لها مع حماس، لم يفرج عنها حتى الآن.

أين تكمن المشكلة إذن؟، يقول محمد خيري: "القاضي يرى أن التواصل مع الخارج جريمة، وكل المحامين الذين تواصلت معهم بعد استدعائي أكثر من مرة، أكدوا لي أن هذه التهمة معلبة ويجري إلصاقها لأي شخص يريدون مضايقته".

ويرى أن ما يسهل تلك التهمة هو عدم وجود قانون بشأن التخابر مع الجهات الأجنبية، وعدم الكشف عن أغلب التهم التي يرفضون الإفصاح عنها بدعوى سريتها".

وحول ما يجري مؤخرا من ملاحقات، قال "حراك حيفا" في بيان: "لوحظ في الآونة الأخيرة اشتداد الهجمة القمعية عبر الاعتقالات التعسفية التي تستهدف شبابنا في فلسطين المحتلة عام 48 كما في القدس والضفة، من قبل أمن إسرائيل وتحريض دؤوب من المستوى السياسي وتواطؤ مفضوح من القضاء".

وحسب البيان الذي نشر على فيسبوك 27 يناير/كانون الثاني 2021: "تأتي حملات الاعتقالات هذه بدعوى التواصل غير المشروع بالتركيز على تواصل الفلسطيني مع أبناء شعبه".

وتابع "حراك حيفا" الذي يهتم بمتابعة أمور الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948: "المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية ترى في مجرد تواصلنا الاجتماعي – الثقافي مع أبناء شعبنا تهديدا أمنيا يمسها، وهو ما يساق لتبرير ترهيب الفلسطينيين ومنع تواصلهم".

هذا الترهيب يجري عبر وسائل مختلفة أبرزها الاعتقالات التعسفية التي إما تكون باختطاف الشباب فجرا والتنكيل بهم وإرهاب عائلاتهم، أو من خلال الضغط عليهم لتسليم أنفسهم لأجهزة التحقيق والتعذيب عبر تهديد العائلات ونزع سلامها، وفق البيان.

الحرية للرفيق المناضل مهند أبو غوش! بيان عاجل صادر عن حراك حيفا لطالما كان الشباب والشابات الفلسطيني يتعرض للقمع من قبل...

Posted by ‎حراك حيفا Hirak Haifa‎ on Wednesday, January 27, 2021

وارتفع صدى تلك الانتهاكات، حيث أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في 31 يناير/كانون الثاني 2021 عن "القلق البالغ" إزاء اعتقال السلطات الإسرائيلية موظفة أممية في مدينة القدس المحتلة تدعى شيرين الأعرج.

وقال في بيان، إن السلطات الإسرائيلية اعتقلت الأعرج، بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني من أمام "محكمة الصلح" في القدس، على خلفية اتهامات "بالاتصال بعملاء وأشخاص أجانب".

وأشار إلى أن الناشطة التي تحمل الهوية الإسرائيلية وجواز سفر دبلوماسي صادر عن الأمم المتحدة، عادت لإسرائيل، مؤخرا، لتجديد أوراق الإقامة حتى لا تتحول إلى لاجئة، لكنها خضعت لتحقيق فور وصولها وتم إبلاغها بالتوجه في اليوم التالي إلى مقر المحكمة لتخضع لتحقيق آخر.

وأفاد أنه لدى وصولها إلى مقر المحكمة في اليوم التالي، أوقفها عناصر من المخابرات الإسرائيلية، واقتادوها إلى منزلها، وصادروا أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة الخاصة بها، قبل اقتيادها إلى سجن "بتاح تكفا" (وسط الأراضي المحتلة).

الهوية الوطنية

أرجع كتاب "إسرائيل: الملاحقة الأمنية كأداة سياسية" ما يجري من ملاحقات أمنية وتضييق على الفلسطينيين داخل أراضي 1948 إلى "فشل إسرائيل في القضاء على الهوية الوطنية المشتركة بين السكان في حيزات الوجود الفلسطيني، داخل إسرائيل وخارجها".

ويوضح الكتاب الصادر عام 2019 لأنطوان شلحت وإمطانس شحادة، أنه رغم محاولات إسرائيل "بقي ارتباط الفلسطينيين قويا بماضيهم التاريخي، وبهويتهم الفلسطينية، وبالعلاقات العائلية، وكل هذه باجتماعها معا، تولد شعورا بالتضامن، يوضع موضع اختبار في كل مرة ينشأ وضع يلحق أذى كبيرا بحياة الفلسطينيين، أو برموز وطنية ودينية".

 ويمكن القول بكفاءة أن "الهدف الأساسي من وراء هذا التعامل يتمثل في منع قيام وحدة نضالية بين الفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" (الأراضي المحتلة عام 1948) والفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية، قد تكون بداية لالتحام النضال السياسي لكل فئات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية"، وفق الكتاب.

أمّا عن الأهداف السياسية للأدوات الأمنية في تعامل إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة،، فيقول أستاذ العلاقات الدولية في حيفا نديم روحانا إنها تشكل ركيزة مهمة من بين 3 ركائز لتحليل السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين: إسرائيل بصفتها دولة يهودية، وبصفتها دولة ديمقراطية، والعقلية الأمنية أو الهاجس الأمني الإسرائيلي الدائم.

ويضيف في قراءة نشرها في 2008 حول مستقبل الأقلية الفلسطينية في الأراضي المحتلة أنه "حين تفشل أدوات ووسائل الديمقراطية الخاصة بإسرائيل في الدفاع عن يهودية الدولة، أو في منع أي تهديد للطابع اليهودي للدولة، فإن المؤسسة تلجأ إلى استعمال المسوغات الأمنية".

بدوره، قال الكاتب الفلسطيني ساري عرابي في مقال نشره على موقع "عربي 21" 2 فبراير/شباط 2021: "يتضح من هويات المعتقلين، وتفاصيل التهم الموجهة لهم، أن الاحتلال لا يخشى من هذه الحالات العينية بأن ينطوي تواصلها على احتمالات تنفيذ عمليات مقاومة، لكنه يهدف من هذه التهم المصاحبة للاعتقال الفعلي، إلى أمرين اثنين".

الأول أمني بفرض عملية مراقبة ذاتية على الفلسطينيين كي لا تتوسع أشكال التواصل الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي إلى أنماط من العمل المقاوم، والثاني (وهو الأهم) إستراتيجي، للإجهاز على ما تبقى من الكيانية الفلسطينية والإحساس الجمعي بوحدة الشعب، وفق ما قال.

وقال الصحفي الفلسطيني محمود حريبات: "ابتدعت أجهزة الاحتلال تهمة لتبرير الاعتقالات وهي التخابر مع جهات أجنبية، بهدف التخويف وردعهم عن التواصل مع أهلهم وأصدقائهم في الضفة وغزة والعالم العربي خارج إطار التطبيع المجاني المسموح رسميًا والذي لا يفتقر اليوم إلى شركاء رسميين من الجانب العربي".

‏تزداد شراسة أجهزة الاحتلال الصهيوني في ملاحقة الناشطين من أهلنا في الأرضي المحتلة، وقد ابتدعت تهمة لتبرير الاعتقالات وهي...

Posted by ‎محمود حريبات‎ on Friday, January 29, 2021

في حين أوضح الناشط عرفات الحاج في تغريدة على تويتر: "متواصلون مع أهلنا في فلسطين وأهلنا خارج فلسطين يعني سياسيا أننا أصحاب قضية واحدة ومطلب جمعي واحد، وهو هزيمة الكيان الصهيوني على كامل التراب الوطني الفلسطيني".

من جانبها، ترى الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر أن "سياسات التفرقة والتقسيم، وإنشاء كيانات وتجمعات منعزل بعضها عن بعضٍ تناسب أهداف المشروع الصهيوني، وهو ينتهجها على نطاقات واسعة وضيقة، لعلمه بالأثر الذي يمكن أن تحدثه وحدة الموقف على قضية معينة، كالدفاع عن الأقصى والانحياز للمقاومة ومجابهة الاستيطان".

وبينت في مقال نشرته في صحيفة "فلسطين" المحلية مطلع فبراير/شباط 2021 أن "كل هذه السياسات ليست عشوائية بطبيعة الحال، وأهداف الاحتلال منها تتجاوز العامل الأمني إلى محاولة تفكيك النسيج الفلسطيني، وجعله متشظيًا ومتناثرًا ومنسلخًا عن همومه الوطنية الجديرة بالاهتمام".

وأوضحت أن "هذه القيود التي فرضها الاحتلال على مجالات التواصل بين الفلسطينيين دفعت بجزء من الجمهور إلى الاستجابة لإملاءاته، والامتناع تلقائيًا عن كثير من أنماط التواصل، حتى لو كانت لأغراض اجتماعية، وكانت النتيجة أن انشغلت كل ساحة بهمومها المحلية، وغابت إلى حد ما الرؤية الشاملة العامة المدركة لأساس القضية الفلسطينية وأولوياتها".

ويقول الكاتب محمود جودة في مقال نشره في ذات اليوم: "العدو يخاف من الفلسطيني الحي، والحي هو من يعرف قضيته وأهله، وما زال على تواصل مع جذوره التي حاول العدو قطعها، فنجح حينًا وفشل أحيانًا كثيرة".