سيناريوهات محدودة.. ماذا بعد رفض الرئيس التونسي قبول الوزراء الجدد؟

زياد المزغني | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

دخلت تونس منذ جلسة التصويت على التعديل الحكومي في 26 يناير/كانون الثاني 2021، الذي اقترحه رئيس الحكومة هشام المشيشي، وشمل 11 منصبا وزاريا، في أزمة دستورية جديدة.

إذ لم يتم دعوة الوزراء الذين نالوا الثقة من مجلس نواب الشعب لأداء اليمين الدستورية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد كما جرت العادة في كل الحكومات السابقة منذ العام 2011. 

وجاء هذا الرفض بعد دخول رئاسة الجمهورية في خلافات عميقة مع المشيشي منذ اختيار الأخير لتحالف حكومي مكون من حزبي قلب تونس وحركة النهضة وكتل نيابية أخرى.

تعمّق الخلاف بعد إقالات لوزراء محسوبين على رئيس الجمهورية، أبرزهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين في 7 يناير/كانون الثاني 2021، ليصل الأمر إلى تنفيذ الرئيس لتهديده بعدم دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية بحجة اتهام بعضهم بالفساد وعدم قانونية التصويت في البرلمان على هذا التحوير.

هذا الوضع جعل عددا من الوزارات، بينها وزارات سيادية كالعدل والداخلية، ووزارة الصحة التي تتصدر اهتمام الشأن العام بسبب تفشي جائحة كورونا، تعيش شلل شبه كامل مع غياب الوزراء الذين لم يباشروا مهامهم. 

كما وضعت الظروف الجديدة البلاد أمام احتمالين، إما تراجع الرئيس وقبوله بالوزراء، أو قيام المشيشي بتجاوز لهذا الإجراء مع ما سيحمله من خلاف دستوري كبير، خاصة مع غياب المحكمة الدستورية التي فشل البرلمان في انتخابها.

تنفيذ التهديد

يوم 25 يناير/كانون الثاني 2021، عُقد اجتماع مجلس الأمن القومي الذي يضم سعيد والمشيشي ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي إضافة إلى قادة المؤسسة الأمنية وقادة الجيوش الثلاث (البر والبحر والطيران) في تونس.

كان الاجتماع في الأصل مخصصا لنقاش الملفات الأمنية في البلاد على غرار مكافحة الإرهاب وتمديد حالة الطوارئ ومناقشة الإجراءات المتخذة لتطويق جائحة كورونا، إلا أنه أسقط من جدول أعماله كل ذلك، وحتى الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها البلاد منذ بداية العام 2021.

وتطرق رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال هذا الاجتماع إلى الحديث عن التحوير الوزاري الذي عقد البرلمان جلسة التصويت على منح الثقة له يوم 26 يناير/كانون الثاني 2021.

واعتبر رئيس الدولة، في مقطع مصور نشرته رئاسة الجمهورية، أن "التحوير الحكومي لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور، وتحديدًا ما نص عليه الفصل 92 أي ضرورة التداول في مجلس الوزراء إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة، إلى جانب إخلالات إجرائية أخرى". 

وأشار، في هذا الإطار، إلى أنّ بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح، مضيفًا أن من تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين على اعتبار أن أداءه ليس إجراء شكليًا بل هو جوهري.

ونشرت عدد من منظمات المجتمع المدني في مقدمتها منظمة "أنا يقظ" (فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس)، يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، اتهامات لأربعة وزراء من قائمة الوزراء المقترحين من قبل رئيس الحكومة بتهم فساد وتضارب مصالح، وطالبت النواب بعدم منح الثقة لهم.

هؤلاء هم كل من الهادي خيري (وزير الصحة المقترح)، سفيان بن تونس (وزير الطاقة والمناجم المقترح) ويوسف فنيرة (وزير التكوين المهني والتشغيل المقترح)، ويوسف الزواغي (وزير العدل المقترح)، كاشفة في تحقيقات قامت بها عن شبهات فساد وتضارب مصالح تخص الأسماء المذكورة.

وفي السياق نفسه، أعرب الرئيس عن استيائه من غياب المرأة عن قائمة الوزراء المقترحين، مبينًا أنها قادرة على تحمل المسؤوليات كاملة وقادرة على العطاء وعلى الصدع بكلمة الحق. 

وعلى الرغم من هذا التهديد الشديد اللهجة من قبل رئيس الجمهورية فإن نتائج التصويت داخل البرلمان كانت مفاجأة للجميع، حيث أن الحزام السياسي الداعم لحكومة المشيشي بدا أنه صار أكثر راحة داخل البرلمان. 

إذ عبر ممثلو كتل "حركة النهضة" و"حزب قلب تونس"  و"ائتلاف الكرامة" عن مساندتهم للتعديل، في حين عارضته "الكتلة الديمقراطية" و"الدستوري الحر"  وبعض المستقلين. 

وتراوحت الأصوات التي منحت للوزراء الجدد بين 144 صوتا و 118 صوتا وهي التي حصل عليها وزير التشغيل (العمل) يوسف فنيرة والذي اتهم بملف تضارب مصالح حين تولى منصبا إداريا ساميا في نفس الوزارة، بينما لم يتجاوز عدد الرافضين لمنح الثقة عن 55 صوتا من أصل 217 عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب.

وخلال الجلسة، قال رئيس الحكومة إن التوجه إلى البرلمان جاء لأنه مصدر الشرعية، محذرا من خطورة الأوضاع في بلاده، وقال إن طريق الإصلاح ما زال طويلا.

وأكد المشيشي أن الصعوبات التي تعيشها تونس على درجة من الخطورة، وأصبحت "تهدد ديمومة وكيان الدولة"، وقال إن تأخر معالجة هذه الصعوبات فسح المجال أمام الخطاب الشعبوي لافتعال معارك زائفة، وفق تعبيره.

صراع نفوذ 

ولا يخفى على التونسيين أن ما يحصل في هذه الأيام، هي عملية صراع على النفوذ بين رئاستي الجمهورية والحكومة، في مشهد مكرر منذ سنوات في تونس شبيه للذي حصل في مرحلة أولى بين الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة حينها حمادي الجبالي.

وظهر الصراع المذكور إلى العلن في قضية تسليم البغدادي المحمودي الرجل البارز في نظام معمر القذافي إلى السلطات الليبية.

كما ظهر خلاف بين المرزوقي ورئيس الحكومة المهدي جمعة، إلا أن أبرز الصراعات كان بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الذي انشق عن حزب نداء تونس وأسس حزب تحيا تونس.

ولكن الغريب في هذا الوضع هو سرعة تغيّر موقف قيس سعيّد من هشام المشيشي، الذي ارتقى بسرعة  صاروخية في المناصب.

ومرّ المشيشي عبر أروقة قصر قرطاج من مستشار قانوني لم يقابله الرئيس سوى مرات قليلة قبل اقتراحه من قبل سلفه نادية عكاشة، لينتقل إلى تقلّد وزارة الداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ. 

وبعد استقالة هذه الحكومة ورغم تقديم الأحزاب لعدد من الأسماء، إلا أن قيس سعيّد اختار المشيشي من خارج كل المقترحات المقدمة، واضعا البرلمان بين خياري المصادقة على حكومته أو الحل. 

إلا أن قيس سعيّد سرعان ما سحب دعمه للمشيشي، بل وتذكر بعض الأطراف المقربة من الرئيس سعيه لإفشاله قبيل منحه الثقة في البرلمان، وذلك إثر رفض المشيشي تعهده الأول الذي كان شرط تكليفه، أي الانضباط الكلي للرئيس وخياراته، وقبول اختيار معظم أعضاء الحكومة من قبل القصر.

ومع انتهاء جلسة منح الثقة للأعضاء الجدد في الحكومة، وجهت رئاسة البرلمان رسالة إلى رئاسة الجمهورية من أجل إعلامها بنتائج التصويت وإفساح المجال أمامها لدعوتهم لأداء اليمين.

إلا أن الرئاسة ردت على هذه المراسلة بمراسلة أخرى تمّ تسريبها للإعلام، تنبه رئاسة المجلس من ورود خطأ في تاريخ عقد الجلسة، حيث أنها انتهت بحسب مراسلة الرئاسة بعد منتصف ليل 25 يناير/كانون الثاني 2020 بـ 9 دقائق ما يجعل تاريخ انتهائها يوم 26 يناير/كانون الثاني.

وهو ما أكّد عدم نية الرئيس دعوة الوزراء لأداء اليمين أمامه، الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة عن استتباعات بيان الرئاسة وكيفية تأويل الدستور في هذه الوضعية بالنظر لتواصل عدم تركيز المؤسسة المخوّل لها ذلك وهي المحكمة الدستورية.

هذا الغموض الواسع في الأفق السياسي التونسي، يعمّق أزمة حكومة المشيشي، ويظهر حجم التفكك والخلاف والصراع بين مختلف السلطات في الدولة مما ينذر بأيام تونسية صعبة، وهو ما دفع عددا من الأطراف والشخصيات السياسية إلى محاولة الوساطة لحلحلة الوضع.

مبادرات وساطة 

وبحسب مصادر من داخل البرلمان، فإن الوزير علي الحفصي يقود حاليا وساطة من أجل حلحلة الأزمة السياسية التي أخذت أبعادا دستورية وسياسية بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة).

وذكرت هذه المصادر، أن الحفصي باشر اتصالاته مع الرئيس سعيد ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2021، في ظل الأزمة الحالية ، إلا أنه لم تظهر نتائج لهذه الوساطة على الواقع.

والحفصي هو وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقات مع البرلمان وناشط سياسي يحظى بعلاقات جيدة مع سعيد والمشيشي والغنوشي. 

ولم يتفاعل لا الرئيس ولا بقية أطراف الأزمة مع المبادرة التي قادها رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي، ولا المبادرة التي أطلقها أيضا رئيس كتلة الإصلاح الوطني في البرلمان حسونة الناصفي، الذي أكد إجراءه قرابة 6 اتصالات بالرئيس سعيد الذي لم يجبه، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الرئيس ورئيس الحكومة. 

وأجرى الشابي مشاورات مع مجموعة من الشخصيات الوطنية، من بينها رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد ووزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي والأميرال كمال العكروت، وغيرهم، وخلصوا إلى دعوة أقطاب السلطة إلى “التعقل والحكمة وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.

وأكّد القيادي في حركة النهضة والعضو في مجلس نواب الشعب سمير ديلو أن هذه الأزمة تبدو الأصعب منذ فترة، حيث أنه من الجانب السياسي جميع الأطراف متمسكة بالمواقف التي أصدروها مؤخرا.

وقال ديلو لـ"الاستقلال": "الأزمة مستمرة، بين تمسك المشيشي باستكمال مسار تنصيب وزرائه الذين نالوا الثقة وبين الرئيس قيس سعيّد الذي يعتبر أن هنالك إخلالات لا يمكن القبول بها في مسار تشكيل الحكومة".

وأضاف في تعليقه على المبادرات المطروحة لحل هذه الأزمة "لا يمكن الحديث عن وساطات بالفعل ولكن يمكن القول إنها محاولات فقط، حيث لم تحظ بقبول من قبل الجهات المعنية بها". 

وأكّد أنه بحسب المعلومات المتوفرة لديه فإن رئيس الجمهورية لديه النية بتنظيم جلسة لأداء اليمين الدستورية بقصر قرطاج يوم 5 فبراير/شباط 2021، إلاّ أنه لا أحد يعرف إن كان سيقوم بدعوة كل الوزراء أم يستثني عددا منهم في هذه الجلسة.

في المقابل فإن الحكومة من جهتها يبدو أنها ستتجه لأداء اليمين ربما في موعد سابق بطريقة أخرى، وهو ما قد يعمّق الأزمة ويضع قطيعة نهائية بين الرئيس ورئيس الحكومة. 

واعتبر ديلو أنه "لا توجد الكثير من الخيارات أمام الطرفين اليوم، ولا حتى إمكانية إنجاز خطوة للوراء، حيث ليس أمام الوزراء الجدد إلا الاستعفاء من مناصبهم والعودة من النقطة صفر في تعديل الحكومة، وليس أمام رئيس الجمهورية إلا القبول بهم ودعوتهم لأداء اليمين ولا وجود لحل خارج هذين الخطوتين".