الصين أم أوزبكستان؟.. قصة أول من طبخ الأرز قبل 10 آلاف عام

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم تعدد الوجبات واختلاف المطابخ، يكاد الأرز أن يكون من الأصناف القليلة التي يتناولها الناس جميعا في كل أنحاء العالم. فمن الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، يعرف الناس الأرز ويحضرونه بطرق مختلفة، تختلف فيها أنواع التتبيلات وطرق التحضير، تبعا لاختلاف ثقافات البلد.

في المنطقة العربية، وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، يعد الأرز الوجبة الرئيسة والوجبة اليومية التي لا يستغني عنها أي بيت خليجي، بل تكاد تكون هي وجبة الغداء الرئيسة والوحيدة التي يتم تناولها بشكل يومي.

وتتفنن المطابخ الخليجية واليمنية بطبخ الأرز، فمنها الكبسة، والمندي، والمضغوط، والبخاري، والزربيان، والبرياني، وغيرها من الأنواع.

أنواع تختلف عن بعضها باختلاف طرق التحضير، وأنواع البهارات المستخدمة، حيث يستعين عاشقو الأرز بتغيير طرق تحضيره، ليحصلوا على وجبة مختلفة من نفس الصنف الأساسي مع كسر ملل الروتين اليومي.

الموطن الأصلي

الحفاوة التي يحظى بها الأرز تدفع كثيرين للتساؤل عن موطنه الأصلي وبداياته الأولى، وفي حقيقة الأمر، فقد تضاربت الروايات حول ذلك، حيث ذهبت بعض الدراسات، ومنها دراسة  نقلتها مجلة "ساينس تشاينا" إلى أن الأرز أصله من شرق آسيا.

المجلة الصينية قالت إن الموطن الرئيس للأرز كان شرق آسيا، خصوصا على ضفتي نهر يانغتسي في الصين، حيث زرع هناك قبل 10 آلاف عام، ثم انتشر إلى اليابان ومنه إلى جنوب شرق آسيا، غير أن تلك الدراسة لم تقدم أدلة مادية حاسمة.

في المقابل، أجرى فريق بحثي كبير دراسة أخرى قالت إنه تم العثور على دليل مادي يثبت أن هناك بقايا زراعية للأرز في آسيا الوسطى، وتحديدا في موقع خالشيان في أوزبكستان.

الفريق كان مكونا من مجموعة "لي شياو تشيانغ" البحثية الصينية، وفريق من معهد علم الحفريات الفقارية وعلم الإنسان القديم، بالإضافة إلى الأكاديمية الصينية للعلوم، بجانب باحثين من كلية التراث الثقافي بجامعة نورث ويست الصينية، ومعهد الآثار بأكاديمية أوزبكستان للعلوم.

وقال الفريق إنهم وجدوا آثارا لبقايا الأرز المكربن في المنطقة التي عثر عليها، تعود لنحو 1714 إلى 1756 عام تقريبا، وقد استخدموا تقنيات علمية مثل الكربون المشع، لمعرفة تاريخ تلك البقايا الزراعية.

كما استخدم الفريق تقنية التعويم للحصول على كمية كبيرة من المواد النباتية من الموقع، بالإضافة إلى استخدام علماء الآثار المشاركين في الدراسة طريقة التسلسل الزمني وغيرها من السجلات الأثرية المحلية التي تثبت انتشار الأرز من هذه المنطقة إلى غرب آسيا.

وتقول الدراسة إن وجود أوزبكستان على طريق الحرير كان سببا محتملا لانتشار الأرز إلى أكثر من بلد، وتبادل الحضارات الشرقية والغربية، خصوصا أن آسيا الوسطى كانت مفترق طرق الحضارة العالمية التي كانت نشيطة قبل حوالي 2000 عام، واستمرت حتى القرن الرابع عشر تقريبا، ومع هذا فإن هذا لا يدل على أن أوزبكستان هي الموطن الأول للأرز.

"فرق أرز"

حتى وقت قريب لم تعرف الجزيرة العربية الأرز، وكان طعام بدو العرب يعتمد غالبا على الخبز واللبن واللحم والثريد وهو خبز مفتت مضاف إليه المرق وقطع اللحم، على أن هذا لا يعني أنه لم يكن معروفا في التاريخ الإسلامي.

هناك بعض الآثار النبوية تشير إلى أن الأرز قد عرفه أصحاب النبي، كالحديث الشريف، عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فرق الأرز فليكن مثله قالوا ومن صاحب فرق الأرز يا رسول الله، فذكر حديث الغار حين سقط عليهم الجبل فقال كل واحد منهم اذكروا أحسن عملكم، قال وقال الثالث اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق أرز فلما أمسيت عرضت عليه حقه فأبى أن يأخذه وذهب فثمرته له حتى جمعت له بقرا ورعاءها فلقيني فقال أعطني حقي فقلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فذهب فاستاقها".

غير أن تناوله لم يكن شائعا لديهم، لكن ما يعزز القول بوجوده في تلك الحقبة أن الصين كانت تزرعه على أراضيها أيضا في نفس التوقيت.

وتذهب بعض الآراء إلى أن دخول الأرز إلى جزيرة العرب، كان مرتبطا باكتشاف النفط في الجزيرة العربية ودول الخليج، حيث توافدت العمالة من شبه القارة الهندية، التي كانت تعتمد الأرز كوجبة رئيسة إلى السعودية التي كانت من أوائل الدول التي اكتشفت النفط عام 1932.

وعقب أزمة النفط عام 1973، وتزايد توافد العمالة الهندية والباكستانية والبنغالية تعرف العرب على أنواع مختلفة وأصناف متعددة من الأرز.

كان "البرياني" وهو وجبة شائعة لدى الهنود منذ القدم، أشهر طبق أرز يحضره الخليجيون من بين كل أطباق الأرز الأخرى (المندي، الكبسة، المضغوط، البخاري، الزربيان.. إلخ).

كما أن البهارات التي يستخدمها العرب في تحضير مختلف أنواع الأرز، هي بهارات هندية، أي أن تعرف العرب عليها كان مرتبطا بالعمالة الهندية الوافدة إلى دول الخليج.

غير أن ذلك لا يعني أن الهند هي الموطن الأول للبرياني بشكله الحالي، بل تذهب بعض الأقوال إلى أن البرياني بما فيه من خضار ولحم كان عبارة عن بقايا وجبات يتم جمعها ليأكلها بعض العاملين في قصور ملوك المغول، في آسيا الوسطى.

ولعل الدراسة التي نشرتها مجلة (ساينس تشاينا) والتي أفادت أن آسيا الوسطى قد شهدت زراعة الأرز قبل نحو 1750 عام، تؤكد أن المغول الذين استوطنوا آسيا الوسطى هم من نقل البرياني إلى الهند عبر الحملات التي غزا فيها المغول الأراضي الهندية في تلك الفترة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجزء الجنوبي من اليمن، وعدن على وجه الخصوص، كانت تشهد علاقات تجارية نشيطة مع الهند، لهذا فإن كثيرا من الوجبات والأطباق الهندية، والبرياني والزربيان على وجه الخصوص، قد تسربت إلى عدن، ومن ثم إلى الأجزاء الشمالية في اليمن، ومن ثم قام اليمنيون بدورهم في نشرها في بعض دول الخليج التي سافروا إليها واستوطنوا فيها.

أطباق يمنية

عرف العالم الأرز، لكن كل بلد كان له طريقته في التحضير والإعداد، غير أن أطباق الأرز المعروفة خليجيا قد شهدت انتشارا واسعا لدى الجاليات العربية في القارات الأمريكية والأوروبية، التي لم تكن تعتاد على أطباق الأرز الخليجية، فالمطاعم الخليجية واليمنية على وجه الخصوص قد أسهمت بانتشار تلك الأصناف التي شهدت  قبولا واسعا لدى تلك الجاليات.

اقتران أطباق الأرز باللحم والدجاج، ساعد في قبوله لدى تلك الجاليات، خصوصا أن الدجاج أو اللحم، يحضر بعدة طرق، منها المندي والحنيذ والمدفون والمظبي والمشوي والمقلي، ما يوفر خيارات متعددة تلبي كثيرا من الرغبات.

لقيا أطباق الأرز اليمنية والخليجية قبولا واسعا حتى من الأفارقة ذاتهم، فالمطاعم اليمنية المنتشرة في عدد من بلدان العالم تشهد توافدا كبيرا من أبناء القارة الإفريقية ومن دول القرن الإفريقي على وجه الخصوص، كما أن كثيرا من دول المغرب العربي قد اعتادوا تناول هذه الأطباق بنكهاتها اليمنية والخليجية.

وأسهمت الهجرات الأخيرة وموجات النزوح التي تزامنت مع حالة عدم الاستقرار السياسي في الجزيرة العربية، وفي اليمن على وجه الخصوص، بانتشار المطاعم اليمنية في عدد من عواصم ومدن العالم.

وبفعل الهجرات والغزوات والاحتكاك الثقافي انتشرت هذه الأطعمة، ويتواصل نشر حكاية الأرز التي بدأت قبل نحو 10 آلاف عام، بانتقالها من جيل إلى جيل ومن حضارة إلى حضارة.