منظومة "أس 400".. هل تكون بطاقة خروج تركيا من الناتو؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أن اشتعلت الحروب في سوريا عقب اندلاع ثورتها الشعبية، لم يكن أمام تركيا إلا أن تسعى لحماية أمنها القومي؛ إذ إن سوريا تتاخم حدودها الجنوبية، فطلبت من "الناتو" مساعدتها في حماية الحدود باعتبار ذلك التزاما وواجبا على الحلف في حين تعرض أحد أعضائه للخطر.

استجابت عدة دول للنداء التركي من بينها الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا، واستمر انتشار المنظومات الدفاعية منذ العام 2013 حيث تم نصب أنظمة صواريخ من طراز "سام بي تي" في كل من "أضنة" وكهرمان مرش" التركيتين، لكن سحب تلك المنظومات بعد سنتين من نصبها دفع تركيا إلى التفكير في بدء العمل بإنتاج وتطوير نظام دفاع جوي.

إصرار تركي

قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في تصريحه لـ"الأناضول": "إن إحجام الحلفاء عن تزويد تركيا بالمنظومات الجوية لحماية نفسها من التهديدات، اضطرها لشراء منظومة أس- 400 الروسية"، مضيفا أن شراء تلك المنظومة ليس خيارا، وإنما ضرورة لحماية 82 مليون مواطن تركي والدفاع عنهم.

ورأى مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، سامي العريان في حديثه لـ "الاستقلال": إن "تركيا تصر على إتمام تلك الصفقة حرصا على تنويع مصادر سلاحها، وهذه الصفقة بالذات يعد سعرها معقولاً بالنسبة لإمكانياتها الكبيرة".

وأضاف العريان، أن الصفقة لن تقتصر على نقل منظومة الصواريخ فحسب؛ بل سيتم نقل التكنولوجيا الخاصة بها إلى تركيا مما سيمكن الأخيرة من تصنيع تلك المنظومة لاحقا، وهذا مكسب كبير لن تتخلى عنه أنقرة بسهولة.

ورأى محللون، أنه بفضل منظومة "أس-400" لن تضطر أنقرة إلى إقلاع مقاتلاتها وتوجيهها مسافات بعيدة لمواجهة الخطر القادم من الخارج، وبذلك تكون وفرت تكاليف التحليق، فضلاً عن أن عدم دمج المنظومة الروسية في شبكة "الناتو" سيحد من قابلية رصدها، على اعتبار أنها ستعمل بمفردها من دون الاستعانة برادارات "الناتو" حسبما نقل موقع "الجزيرة نت".

وقالت صحيفة "ستار" التركية: إنه في عام 2013 أرادت تركيا –كعضو في الناتو- الحصول على الصواريخ الأمريكية "باتريوت"، لكن واشنطن قابلت تلك الرغبة بشيء من البرود، قبل أن يتم نصب تلك الصواريخ لاحقا على الحدود التركية، لكن أنقرة لم تكن تريد تلك الصواريخ فحسب؛ بل كانت ترغب في الحصول على أنظمة التصنيع وخصائص التشغيل أيضا.

لكن واشنطن لم تعر تلك الرغبة أي اهتمام، وليس هذا فحسب، بل وافقت على توريد الصواريخ لتركيا ولكن مقابل مبالغ مالية باهظة، فجاء العرض الروسي الذي يشمل إضافة إلى السعر الجيد، موعدا قريبا للتسليم، ومشاركة في تكنولوجيا التصنيع والتشغيل، إضافة إلى أن صواريخ "أس-400" بها ميزات مهمة بالنسبة لأنقرة.

ورأى المحلل السياسي التركي فوزي ذاكر أوغلو، في حديثه لـ "الاستقلال"، أن تركيا لا تثق في كون الولايات المتحدة ستبيع لها منظومة "باتريوت" لأنها من الممكن في أي لحظة تقوم بإيقاف تسليم المنظومة لتركيا كما تهدد بفعله الآن في طائرات "أف-35".

الموقف الأمريكي

كان الموقف الأمريكي في البداية واضحا في عدم رفض أي صفقات تركية في هذا المجال؛ إذ صرح وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس قبل عام ونصف، أن واشنطن لن تعرقل خطوة تركية من هذا النوع، وهذا قرار سيادي ينبغي احترامه، لكنه لم يتردد في تذكير الأتراك بأن عمل منظومات "أس-400" لا يتطابق عمليا مع المعدات العسكرية لـ "الناتو".

لكن مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت بالادينو قال: إن واشنطن قلقة بشكل جدي تجاه صفقة "أس-400"، مشددا على أن هناك إعادة محتملة للتفكير بالإنتاج المشترك بين الولايات المتحدة وتركيا لطائرات "أف-35"، وكذلك أي صفقات تسليح أخرى في المستقبل.

وأكد بالادينو، أن الدولة أو المؤسسات الخاصة والشخصيات المشاركة في شراء منظومة صواريخ "أس-400" يمكن أن تخضع لعقوبات محتملة بموجب قانون جاستا، وهو قانون أقره الكونجرس يعرف بـ "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، وهو مطبق على مؤسسات ومنظمات الدفاع الروسية والاستخبارات والبلدان التي تعقد صفقات معها.

وحول المستودعات التي تستخدمها الولايات المتحدة في مدينة "إسكي شهير" التركية، لمحركات طائرات "أف-35"، قال مسؤول أمريكي لـ "رويترز" إن الولايات المتحدة قد تبحث عن مواقع بديلة، وان البدائل المحتملة ستكون على الأرجح في غربي أوروبا.

يأتي ذلك تزامنا مع بيان لوزارة الدفاع الأمريكية نقلته شبكة "سي. أن. أن"، جاء فيه إنهاء الإمداد والأنشطة المتعلقة بتزويد تركيا بالقدرة التشغيلية المرتبطة بطائرات "أف-35" إلى حين التخلي عن استيراد منظومة "أس-400" الروسية، مشيرة إلى استمرار الحوار مع تركيا في هذا الشأن.

لكن الموقف الأمريكي ازداد تشددا؛ إذ ربط حصول تركيا على الطائرات المقاتلة في حال شراء منظومة صواريخها الـ "باتريوت"، إضافة إلى بقائها في حلف "الناتو"، وفق ما صرح به باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، حسبما نقلت عنه وكالة "رويترز".

تراشق بالتصريحات

لم يمض على إعلان تركيا شراء منظومة صواريخ "أس-400" وقت إلا وبدأت التصريحات النارية من الجانب الأمريكي تنهال كالقذائف، لكن الجانب التركي كان لديه القدرة الكبيرة على الرد على تلك التصريحات.

كان من أبرز تلك التصريحات وآخرها ما صرح نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس خلال حدث خاص بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، حيث قال: "إن على تركيا أن تختار، هل تريد أن تظل شريكا مهما في أنجح تحالف عسكري في التاريخ أم أنها تريد أن تهدد أمن هذه الشراكة باتخاذ مثل هذه القرارات المتهورة التي تقوض تحالفنا؟".

لم يبرح نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، إذ رد على نظيره الأمريكي بتغريدة "على الولايات المتحدة أن تقرر، هل تريد أن تبقى حليفة لتركيا، أم تخاطر بصداقتنا، وتضعنا في موقف صعب أمام أعدائنا عبر التعاون مع التنظيمات الإرهابية" مشيرا إلى دعم الولايات المتحدة الكبير للأكراد في الجنوب.

تكسير عظام أم استقلالية ناعمة

بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" عن إيقاف شحن معدات متصلة بطائرات "أف-35" لتركيا، تقدمت أنقرة باقتراح بواسطة وزير الخارجية مولود تاووش أوغلو، يسعى إلى تهدئة الأجواء المشحونة مع الولايات المتحدة، حيث اقترحت تشكيل "مجموعة عمل فنية" لتحديد ما إذا كانت منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "أس-400" تشكل خطرا على العتاد العسكري التابع للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي "ناتو" حسبما ذكرت وكالة "رويترز".

من جانبه، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مقابلة تلفزيونية في قناة "كانال 24" التركية عدم تراجع بلاده عن شراء منظومة "أس-400"، موضحا أن غالبية دول "الناتو" حصلت بالفعل على منظومة صواريخ "إس-300" الروسية مثل اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا، ولم تعترض واشنطن وقتها، في إشارة منه إلى ازدواجية المعايير الأمريكية بخصوص تعامل حلفائها مع منظومات الصواريخ الروسية.

لم يكتف أردوغان بالإصرار على إتمام الصفقة، بل أعطى الضوء الأخضر لبدء التفاوض حول صفقة جديدة لشراء جيل جديد من منظومات الصواريخ الروسية "أس-500" حسبما نشرت صحيفة "أوراسيا ديلي"، في نفس الوقت الذي أعلن انفتاح بلاده لشراء أنظمة "باتريوت" الأمريكية في حال كون الشروط مناسبة لبلاده.

ورأى الأكاديمي سامي العريان في حديثه لـ"الاستقلال" أن هناك تنسيقا كبيرا بين تركيا وروسيا في العديد من المجالات وأهمها الوضع في الجبهة السورية والتي تعد في غاية الأهمية للأمن القومي التركي، الأمر الذي يؤكد إصرار أردوغان على إتمام تلك الصفقة.

وأضاف العريان: "إن تركيا عضو في الناتو، وسلاحها أمريكي منذ أكثر من 60 سنة، وبالتالي فإن وجود سلاح روسي سيعقد المسائل في وجود الناتو؛ لأن المقصود من وجوده في الأساس هو القوة والسلاح الروسيين" على حد قوله.

ورأى الناشط السياسي التركي محمد أردوغان في حديثه لـ"الاستقلال"، أن تركيا كانت تحت سيطرة الغرب اقتصاديا وعسكريا وأيديولوجيا، ولذلك لن تسمح الولايات المتحدة بخروج تركيا من عباءتها وتستقل بنفسها، لأهميتها الكبيرة على المدى الإستراتيجي للولايات المتحدة.

ماذا بعد إتمام الصفقة؟

هناك سيناريوهات كثيرة محتملة ستترتب على إتمام تركيا صفقة شرائها لمنظومة "أس-400" الروسية، والتي ما زالت حتى الآن بين شد وجذب بسبب اعتراض الولايات المتحدة على حيازة تركيا لتلك المنظومة المتطورة.

أول تلك السيناريوهات هو فرض عقوبات أمريكية على تركيا، حيث أكد الأكاديمي سامي العريان في حديثه لـ "الاستقلال"، أن هناك توجها أمريكيا واضحا لإنزال العقوبة بأنقرة متمثلة في وقف مشاركتها في صناعة طائرات "أف-35"، كما أن الكونجرس سيعمل على سن قوانين تسير في ذلك الاتجاه.

ورأى العريان، أن التراجع سيكون صعبا جدا بالنسبة لتركيا؛ لأنها دفعت جزءا من الصفقة ولأنها تريد تنويع مصادر السلاح، في نفس الوقت الذي تحرص فيه على التعاون مع روسيا في ملفات عدة، إضافة إلى استحواذها على قوة رادعة وتكنولوجيا دفاعية متقدمة.

ويؤيد ذلك ما صرح به ويس ميتشل مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية وشؤون أوروبا وآسيا، في إفادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في يونيو/حزيران الماضي؛ إذ حذر تركيا من أن حصولها على الطائرات المقاتلة الأمريكية معرض للخطر ما لم تتخل عن صفقة صواريخ "أس-400".

وهناك سيناريو آخر حدده الصحفي المقيم في واشنطن إلهان تانير، في مداخلة نشرها "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، أن ما يحدث قد يؤدي بتركيا إلى خروجها من حلف شمال الأطلسي "الناتو". وأضاف "صحيح أنه منذ إنشاء حلف "الناتو" لم تنسحب أي دولة من عضويته، لكن ثمة دوماً مرة أولى لكل شيء".

هذا الانقسام في حلف شمال الأطلسي "ناتو" قد تستفيد منه تركيا، وفق ما رأى مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سونر كاغاتباي، أن الدول الأعضاء في الحلف قد لا يشكلون جبهة موحدة في موقفها حيال شراء تركيا لمنظومة "أس-400"؛ لأن بعض تلك الدول يعد حليفا لروسيا مثل هنغاريا وغيرها، إضافة إلى أن الأسرة الأوروبية داخل الحلف غير مصطفة تماماً إلى جانب الولايات المتحدة.

وحسبما رأى فوزي ذاكر أوغلو في حديثه لـ"الاستقلال"، فإن تركيا ستتحمل ذلك الضغط الأمريكي الهائل لإلغاء صفقة "أس-400"، الأمر الذي قد يصل إلى مقاطعة اقتصادية لتركيا، وهو الأمر غير المستبعد، على حد قوله.

الحديث عن إتمام صفقة "أس-400" سيتصدر أجندة لقاء الرئيس التركي بنظيره الروسي في موسكو، وسط اهتمام كبير من بوتين بالحديث حول الموضوع، فكيف سيتفق الرئيسان في مواجهة طوفان الاعتراض الغربي؟