كوريا الجنوبية.. لماذا ترجح علاقاتها مع دول الخليج على حساب إيران؟ 

12

طباعة

مشاركة

تحدث موقع "إيران ديبلوماسي"، عن العلاقات بين كوريا الجنوبية ودول الشرق الأوسط، خاصة في مجال التعاون التجاري والتوسع الأمني والاقتصادي.

وقال الموقع في مقال للباحث بوريا نبي بور، طالب الدكتوراه في تخصص العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة بيرمنغهام في إنجلترا: "الشرق الأوسط منطقة تحتوي على 6 بالمئة من سكان العالم، و60 بالمئة من احتياطي البترول العالمي، و45 بالمئة من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم".

وبين أن كوريا الجنوبية ترتبط ارتباطًا وثيق الصلة بأمن منطقة الشرق الأوسط، لاحتوائه على المصادر الطبيعية الوفيرة والأهمية الإستراتيجية.

في بداية العقد السابع من القرن العشرين، استقرت العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة الكورية ودول الشرق الأوسط، وبدأ هذا الأمر بالعلاقات القنصلية مع مصر عام 1961.

وأقامت كوريا الجنوبية علاقات دبلوماسية مع 18 دولة من دول الشرق الأوسط، حيث توجد فيها 17 سفارة تتبع لتلك الدول (حاليا).

دبلوماسية اقتصادية

وخلال العقدين الثامن والتاسع من نفس القرن توطدت العلاقات الاقتصادية بين سيئول والشرق الأوسط بشكل لافت للانتباه مصاحبًا للتطور في العلاقات الدبلوماسية في مجال صناعة البترول، البنية التحتية، وإنشاء المصانع. 

وفي العقد الثامن اصطدمت الحكومة الكورية الجنوبية صدمتين في مجال البترول لكي يتبين لها التأكيد على الأهمية الإستراتيجية للتعاون مع الشرق الأوسط، بحسب الكاتب.

وتابع نبي بور: "منذ العقد الأخير في القرن العشرين، سعت الحكومة الكورية من أجل الاستعداد إلى عهد ما بعد البترول، حتى تضع حجر الأساس للتعاون الدائم مع دول الشرق الأوسط".

 وسعت كوريا الجنوبية نطاق التعاون مع دول الشرق الأوسط في التجارة بقيم أعلى ومن ضمنها: مجالات الطاقة، وأعمال البناء.

وزارت رئيسة كوريا الجنوبية السابقة "بارك غيون هاي" عام 2015 أربع دول خليجية هي الكويت، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر، كما زارت إيران عام 2016.

 ومن ثم زاد التوسع الاقتصادي لكوريا الجنوبية مع تصاعد الحاجة إلى استيراد البترول والغاز من الخليج العربي، مما زاد من أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لسيئول.

أردف الكاتب: "كانت العلاقات الأمنية بين كوريا الجنوبية والشرق الأوسط محدودة للغاية حتى العقد الأخير من القرن العشرين".

 لم تعتبر سيئول النزاعات العسكرية في الشرق الأوسط في خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، بل تعتبرها ضررًا لها. 

وحتى العقد الأخير كانت تشمل العلاقات الأمنية مع الشرق الأوسط التعاون العسكري والمعلوماتي المحدود فقط، بينما كانت العلاقات الاقتصادية أكثر ازدهارا. 

إذ يلعب الاقتصاد دورًا هامًا في العلاقات الخارجية لها مع الشرق الأوسط، كما يؤثر على العلاقات السياسية وحتى الأمنية لسيئول ولدول المنطقة.

ويقول الكاتب: "طورت كوريا الجنوبية من سياستها الثنائية التي يمكنها أن تتبعها وتحافظ على مصالحها الاقتصادية بأقل تكلفة سياسية؛ كي تقلل من الوصول إلى صراع محتمل بين مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، والتي من الممكن أن تؤدي إلى اختلافات مع الشرق الأوسط، وربما الولايات المتحدة".

 الجزء الأول من هذه السياسة فصل الحفاظ على العلاقات الأمنية والاقتصاد. تسمح هذه السياسة أن تعمل كوريا الجنوبية في التجارة بدون دفع التكلفة السياسية أو التقييد في القوانين السياسة.

 كما جعلتها هذه السياسة قادرة على التجارة والاستثمار في كوريا الشمالية ودول الشرق الأوسط أثناء الحرب أو فرض العقوبات على دول مثل إيران والعراق. 

والعنصر الثاني في سياستها بقاؤها على الحياد فيما يتعلق بنزاعات المنطقة. وبهذا الموقف لن تستطع سيئول أن تستكمل تجارتها مع الطرفين. 

فقد استطاعت هذه السياسة أن تجعل كوريا الجنوبية قادرة على التجارة مع إيران والعراق طوال فترة الحرب بينهما في العقد التاسع من القرن الماضي. وبهذا الترتيب تفضل سيئول أن تتورط مع الشرق الأوسط من حيث العلاقات الأمنية بتكلفة بسيطة، بحسب الكاتب.

وتابع حديثه: تسبب هذا الموقف والتعاون، والتوسع الاقتصادي مع الشرق الأوسط في قدرة كوريا الجنوبية على تطوير وضعها المسيطر في المنطقة بشكل إيجابي. 

وارتفعت صلة كوريا الجنوبية ببترول دول الشرق الأوسط طوال السنوات إلى نسبة 85 بالمئة ويستوردون حوالي 74 بالمئة من الغاز الطبيعي منها، وفق الكاتب.

اتفاقية أغسطس/آب عام 2013 بين كوريا الجنوبية والبحرين دليل آخر على الأهمية الاقتصادية للشرق الأوسط، وذلك من أجل جمع لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي الثنائي. 

ويرى الكاتب أن "سيئول تسعى دائما إلى تحسين العلاقات الاقتصادية باعتبارها خطوة أخرى لإضفاء الطابع المؤسسي للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط".

 بدأ هذا الأمر بقرار سيئول من أجل تقدير اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، دون توضيح من الكاتب.

تغير الأسلوب

استكمل الكاتب حديثه: "إذا نظرنا إلى المسار التاريخي للعلاقات بين إيران وكوريا الجنوبية ربما  نجد تغيرات عجيبة غريبة، حيث كانت إيران من أوائل دول الشرق الأوسط التي أقرت علاقاتها الدبلوماسية مع سيئول عام 1962".

 ومنذ ذلك الوقت، ظهرت العلاقات الثنائية وثيقة التعاون والصلة بينهما على الصعيد السياسي والتجاري. فعلى سبيل المثال، ارتبط كل منهما بالمعسكر المناهض للشيوعية تحت إشراف الولايات المتحدة الأميركية.

 وكانت طهران إحدى الحلفاء المقاتلين من أجل كوريا الجنوبية في منظمة الأمم المتحدة في الأمور المتعلقة بأهداف سيئول. 

ولكن بقي البرنامج النووي الإيراني لغز كبير بالنسبة لكوريا الجنوبية. واشنطن وحتى دول الخليج العربي من الممكن أن يقوموا باستدعاء سيئول وفقًا لموقفها. 

وتابع الكاتب: "منذ بداية عهد فرض العقوبات الجديدة من قبل حكومة الرئيس السابق دونالد ترامب (عام 2018)، توترت العلاقات بين إيران وكوريا الجنوبية".

جرى ذلك عندما بلغت مدة إعفاء الولايات المتحدة للبترول الإيراني نهايتها منذ شهر سبتمبر/أيلول 2019. حينها اشتكت طهران من منع حوالي 7 مليار دولار من الأموال الإيرانية في بنكين من بنوك كوريا الجنوبية.

 عقد عدد من الجلسات الرسمية دون جدوى، فيما تهدد طهران سيئول في الوقت الراهن باتخاذ إجراء ضدها في محكمة العدل الدولية، بمنع تجارة السلع الكورية الجنوبية في إيران بالمستقبل.

 هذا في الوقت الذي زعمت سيئول فيه أنها تراعي العقوبات الأميركية فقط، بحسب الكاتب.

وتابع أن "تغيير موقف المسؤولين في كوريا الجنوبية طوال العشرة أشهر الماضية، من الممكن أن يكون علامة على تبدل رئيس في تصرفات سيئول بدورها في الشرق الأوسط".

 وربما تكون هذه العلامة تغيير رئيس بدورها كذلك في الدبلوماسية الأمنية - التجارية لسيئول في علاقاتها مع إيران، بحسب الكاتب.

وأردف: "جزء من هذا التغيير في موقف وسلوك سيئول غير المقبولين في علاقاتها مع إيران متعلق بالأهمية التي تكنها كوريا الجنوبية للعلاقات التجارية والسياسية بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية باعتبار الأولى دولة مصدرة". 

وهذا الأمر مشهود بشكل تام في تشكل علاقات كوريا الجنوبية الإستراتيجية مع حلفائها من دول الخليج العربي في الشرق الأوسط؛ وخاصة الإمارات العربية المتحدة. 

وعند أخذ الأولويات الإستراتيجية لكوريا الجنوبية في عين الاعتبار، من خلال علاقات سيئول مع دول الخليج العربي، وكذلك إسرائيل، سنجد موضوعين معروفين هما: أمن الطاقة وتصدير التكنولوجيا. 

سنوات العقوبات المفروضة من قبل واشنطن ضد إيران والتي صدقت عليها منظمة الأمم المتحدة، أثبتت أن الطاقة الإيرانية بإمكانها أن تكون البديل أكثر من أي شيء آخر، حتى لو كانت سيئول مثل العديد من الدول المرتبطة بالطاقة، فبإمكانها أن تؤمن حاجتها منها من خلال الاختيار من سلة متنوعة، وحتى لو كانت هذه المرحلة صعبة، وفق تقدير الكاتب.

وواصل أنه "لا يخفى على إيران الوجود العسكري لكوريا الجنوبية في المنطقة وعلاقاتها الحميمية مع دول الخليج العربي".

واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية قرار كوريا الجنوبية بالوجود العسكري غير مقبول، حيث تنظر طهران إلى هذا الأمر كتهديد.

في المقابل، استقبلت الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة العربية قرار كوريا الجنوبية باعتبارها خطوة لزيادة الضغط الدولي على طهران، ويرون أن هذه السياسة تصب في صالح المنطقة، وفقًا لما ذكره الكاتب.

وصرح المتحدث باسم البنتاغون، المقدم ديف إيستبورن قائلًا: "تأمين العبور من مضيق هرمز مشكلة دولية تحتاج إلى طريقة حل". ويبدو بشكل عام أن سيئول متورطة في الحرب بين أميركا وإيران.

واختتم الكاتب مقالته قائلًا: "يوجد مصالح كلية تجارية، إستراتيجية، ودبلوماسية نتيجة للعلاقات مع مجلس التعاون الخليجي، وتسببت سياسات الإمارات ضد إيران في النهاية بتغيير سلوك كوريا الجنوبية (تجاه طهران)".