لوائح الشباب الانتخابية في المغرب.. لهذا أثارت الجدل بين الأحزاب

12

طباعة

مشاركة

يتصاعد النقاش في المغرب بين الأحزاب السياسية حول القوانين المنظمة للانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي مشاورات تجريها وزارة الداخلية منذ يونيو/ حزيران 2020 مع الأحزاب، برزت خلافات بين الأخيرة حيال مشاريع قوانين الانتخابات، ومنها إلغاء اللائحة الوطنية للشباب، التي تضم 30 من مقاعد مجلس النواب البالغة 395.

تشبث حزبا "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" (عضو بالائتلاف الحكومي) بتلك اللائحة، بينما تطالب بقية الأحزاب بلائحة للكفاءات من 90 مقعدا تضم الشباب والنساء، ويتم اعتمادها جهويا (حسب المناطق).

وجرى الخلاف بين من اعتبر اللائحة تشجيعا للمشاركة السياسية لفئة الشباب والنساء، ومن يراها ريعا تستغله قيادات سياسية لإقحام أسماء أبنائهم وأقاربهم في المؤسسة البرلمانية.

ويستند الرافضون للائحة الشباب إلى أن إلغاءها يفرضه الدستور المغربي الذي أُقرّ في عام 2011، مستحضرين قرارا سابقا للمجلس الدستوري.

ذلك القرار اعتبر أن اللائحة الوطنية للشباب والنساء هي مجرد تدبير مؤقت لتشجيع فئات معينة على دخول المعترك السياسي والبرلماني، وتمكينها من التمرس بالحياة البرلمانية قصد تنمية قدراتها على الانخراط بنجاح في النظام الانتخابي العام.

فيما يقترح مؤيدوها للخروج من هذا المأزق الدستوري، اللجوء إلى الفصل 33 من الدستور، الذي ينصّ على أن "على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد".

ريع انتخابي

في حوار صحفي، أجراه في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2021، كشف الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، أن وزارة الداخلية وافقت على مقترح إلغاء اللائحة الوطنية للشباب، وأشار إلى أنها ستقدمه ضمن التعديلات المقبلة على القوانين الانتخابية، استعدادا للاستحقاقات المزمع تنظيمها سنة 2021.

وقال وهبي، إن وزارة الداخلية وافقت على إضافة المقاعد الثلاثين المخصصة لها إلى اللائحة الوطنية للنساء، التي سيُخصص لها تسعون مقعدا عوضا عن ستين حاليا.

 وهو ما اعتبره مراقبون "تغييرات شكلية موضوعية على اللائحة دون المساس بوجودها"، وذلك للاستجابة لكافة الطروحات والمناقشات حول اللائحة ومدى توافقها مع السلوك الانتخابي والمعايير الديمقراطية.

نص القانون التنظيمي لمجلس النواب 27.11 (رقم القانون الترتيبي) خلال الانتخابات التشريعة التي جرت في 2011 على لائحة الشباب، في إطار كوتا (حصة) من ثلاثين عضوا على الصعيد الوطني، وهي لائحة فرضها السياق العام بسبب المشاركة البارزة للشباب في الاحتجاجات التي عمت الشارع المغربي تجاوبا مع موجة "الربيع العربي".

جاءت اللائحة بهدف إدماج الشباب في العملية السياسية والانتخابية، ومنحهم فرصة المشاركة في الرأي العام، لكن الرافضين لها يشيرون إلى أنها لم تُفعّل بالشكل الذي يمنح الشباب المشاركة الحقيقية، وأنها دفعت بفئة محسوبة على الأعيان أو رؤساء الأحزاب أو رجال الأعمال.

وفي انتخابات 2016 عاد النقاش إلى الساحة السياسية، بعد أن اقترحت وزارة الداخلية إلغاء اللائحة. 

في بيان وقعته 7 شبيبات للأحزاب الممثلة في البرلمان -من الأغلبية والمعارضة- اعتبر الشباب المتحزب، الأصوات حذف اللائحة الوطنية للشباب "تراجع عن المكتسبات"، ومحاولة “تحريف النقاش” وتشتيت انتباه الرأي العام عن "أولوية التداول في السبل الحقيقية لتعزيز ضمانات انتخابات حرة ونزيهة وشفافة".

حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي أشار ضمن مقترحاته لإصلاح المنظومة الانتخابية إلى ضرورة الاحتفاظ باللائحة الوطنية بصيغتها الحالية وتحفيز ترشيح الشباب في اللوائح المحلية من مدخل الدعم المالي وولوج الإعلام العمومي.

في المقابل، دعت أحزاب معارضة: "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" و"الأصالة والمعاصرة" إلى تقوية مشاركة الشباب ذكورا وإناثا باعتماد لوائح جهوية بدل اللائحة الوطنية، لضمان صعود نخبة محلية إقليمية وجهوية، بدلا من هيمنة المركز في تحديد الأسماء المقربة من القيادة الحزبية.

اقترحت الأحزاب أيضا، تقوية الحضور النسائي بتخصيص دوائر فردية خاصة بهن، وتقوية تمثيلية الشباب كما النساء في المجالس من بلديات ومقاطعات، وأقاليم وعمالات ومجالس جهوية وغرف مهنية، وإحداث صندوق لدعم تمثيلية الشباب في المجالس على غرار صندوق النساء.

 ودعا أمناء الأحزاب الثلاثة إلى تشجيع الكفاءات على دخول البرلمان، من خلال دعم مشاركتهم وحضورهم. 

عزوف الشباب

كشفت إحصائيات صدرت في 2020، عزوف الشباب عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، إذ لا تتجاوز نسبة الشباب المتراوحة أعمارهم بين 18 و24 سنة المسجلين في اللوائح الانتخابية 3 بالمئة، مقابل 19 بالمئة لدى الشباب ما بين 25 و35 سنة.

وخلصت الدراسة التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، واعتمدت التحليل الكمي على عينة من 1000 شخص تتراوح سنهم بين 18 سنة وما فوق، إلى نتائج مقلقة.

وأظهرت أن الشباب عبّروا عن مستوى متدنٍّ من انعدام الثقة بالأحزاب السياسية، إذ أن 81 في المئة من المستطلَعين لا يثقون بها، و42 بالمئة منهم لديهم انعدام ثقة تامّ، فيما لا تبلغ نسبة الشباب الذين لديهم ثقة كاملة بالأحزاب السياسية إلا نسبة 1 بالمئة.

ضعف الثقة لا يتعلق بالأحزاب السياسية فقط كما سجلت الدراسة، بل يتعداها إلى المؤسسة البرلمانية والحكومة، إذ يبدي الشباب أقلّ من 30 سنة ثقة متدنية إزاءهما.

واعتبر رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، في تصريحات صحفية في يناير/كانون الثاني 2021، أن الأسباب التي زادت عزوف الشباب عن المشاركة في العملية الانتخابية، تتمثل في عدم تواصل أُطُر وقيادات الأحزاب مع الشباب إلا استجداءً لأصواتهم في الحملات الانتخابية التي تسبق يوم الاقتراع.

هذا بالإضافة إلى اللجوء إلى الوعود المتكررة في التعامل مع الناخبين وعدم تحقيقها. ويرى الشفدي، أن بعض ممارسات الأحزاب السياسية زادت اتساع الهوة بين الشباب والنخبة السياسية، موضحا أن "المراتب الأولى من اللائحة الوطنية للشباب في بعض الأحزاب السياسية، تُحجز لذوي القربى بدل المناضلين".

وأضاف أن البرامج الانتخابية التي يتقدم بها معظم الأحزاب والتي تبتعد كثيراً عن واقع الشباب المغربي، مما يجعلها غير قادرة على الاستقطاب أو نيل ثقة هذه الشريحة.

وأكد الشفدي، أن إقناع الشباب بالمشاركة السياسية لا يمكن أن ينجح دون أحزاب قوية بديمقراطيتها الداخلية وباستقلالية قراراتها، كما أن الدولة المغربية عبر وزارة الداخلية يجب أن تحرص على لعب دور الحياد الإيجابي، عبر آليات تمكّن الحزب الفائز من ممارسة التدبير الحكومي بكل أريحية، بما يسمح بتطبيق برامجه وبمحاسبته شعبيا بعد نهاية ولايته.

وزاد: “لا يمكن أن نقنع الشباب بالمشاركة السياسية إلا عبر الشباب، وهنا نسائل الأحزاب عن مدى تفعيل دورها في تأطير المواطنين وتكوين مناضليها من الشباب من أجل صناعة خلف يسمح باستمرارية العمل الحزبي وتحسين الصورة النمطية السيئة التي يراها الشباب العازف عن العملية الانتخابية”.

عائلات برلمانية

في أكتوبر/تشرين الأول 2016،  خلال افتتاح أولى دورات السنة التشريعية الأولى من الولاية العاشرة، أثارت صورة لإحدى "العائلات البرلمانية" -كما يطلق عليها الإعلام المحلي- لغطا واسعا.

تعلق الأمر بالمستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة العربي المحرشي، الذي فازت ابنته وئام -لم يتجاوز عمرها 21 سنة-، في انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة، إلى جانب والدتها البرلمانية.

استمر الجدل لينفجر في مايو/أيار 2020، عندما منع المحرشي نجلته من تقديم استقالتها من العضوية في مجلس النواب، بسبب ما تعرضت له من حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب خبر “غيابها عن القبة البرلمانية و متابعة دراساتها العليا بأميركا”.

وذهب ما تداوله ناشطون إلى حد اتهامها “بمتابعة دراسة عن طريق استغلال المال العام”، وأفادوا بأن “أصغر برلمانية بالمغرب، لم تطأ قبة البرلمان منذ 4 يناير/كانون الثاني 2017، في حين لا تزال تتمتع براتبها الشهري والتعويضات دون توقف”، فيما نفى المحرشي، أن تكون ابنته قد غادرت المغرب لمواصلة دراستها في أميركا.

"آل المحرشي" ليست العائلة البرلمانية الوحيدة في المغرب، حيث يوجد في مجلس النواب ذاته عائلة الراضي.

 فعبدالواحد الراضي أكبر نائب في البرلمان سنا   يجالس على مقاعد المجلس شقيقه إدريس الذي ينتسب إلى حزب الاتحاد الدستوري، والذي بدوره يجاور ابنه ياسين المرشح عن الحزب ذاته.

النائب البرلماني عبدالهادي خيرات عن حزب الاتحاد الاشتراكي، يجلس أيضا بالقرب من زوجته جميلة يملاحي التي فازت في الانتخابات التشريعية بترشحها ضمن اللائحة الوطنية للنساء، فضلاً عن وجود شقيق له في مجلس المستشارين، وهو الغرفة الثانية للبرلمان.

وعلى غرار هؤلاء، اتسعت الكراسي الدافئة في البرلمان لعائلة علي قيوح القطب البارز في حزب الاستقلال في جهة سوس جنوب البلاد، حيث يوجد ثلاثة من أنجاله، وهم إسماعيل وعبدالصمد وزينب قيوح، وهي سيدة أعمال احتلت المركز الثاني في اللائحة الوطنية لنساء حزبها، وهو ما يجعل آل "قيوح" أكبر عائلة في مجلس النواب الحالي من حيث العدد.

وأدخل حزب الحركة الشعبية عائلات تنتمي إليها، وذلك بعد فوز عادل السباعي، عن “حزب السنبلة”، بمقعد بمجلس النواب بدائرة أسفي، ليجاور والده مبارك السباعي، عضو مجلس المستشارين عن الحزب نفسه.

إرادة حقيقية

الدكتور والباحث في العلوم السياسية، عبد المنعم لزعر، أشار إلى جملة من الملاحظات؛ هي أن اللائحة الوطنية للنساء ونظيرتها للشباب هي عبارة عن آليات معيارية، هدفها خلق فرص سياسية وحوافز انتخابية لهما، في ظل سياقات خاصة أو ثقافات معينة تعيق اندماج هذه الفئات في الحياة السياسية والانتخابية والتمثيلية.

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": بما أن هذه الآلية معيارية، فهي غير محصنة من أي تدخل معياري، سواء بحذفها أو تعزيزها أو تعديلها، أو تغيير قواعدها وشروطها وطرق تطبيقها.

وزاد أن هذه الآلية المعيارية استثنائية لها رهانات مؤقتة أجازها المشرع والفقه الدستوري بسبب طابعها الاستثنائي، وبالتالي، يمكن العدول عن هذه الآلية كإستراتيجية تحفيزية متى حققت أهدافها المتمثلة في إزالة العوائق وتطبيع الثقافة التي تعيق اندماج الفئات المعنية بها في الحياة السياسية.

وأضاف لزعر: عندما تفشل هذه الآلية في تحقيق الرهانات، يبقى للمشرع طرح صيغ بديلة غير اللائحة لتحقيق الأهداف، التي يرى أنها تشكل أولوية في إطار صياغة السياسة العمومية الانتخابية.

وعلى المستوى العملي يلاحظ، وفق أستاذ العلوم السياسية، بأن اللائحة الوطنية للشباب والنساء لم تحقق أهدافها سواء على مستوى تدوير النخب، أو دفع النخب النسائية والشبابية من الهامش إلى مركز الفعل السياسي والانتخابي.

واستطرد المتحدث: بل إن تطبيق هذه الآلية ساهم في تأسيس المشهد الانتخابي، دون تأثير في التوازنات السياسية، كما ساهم في تعزيز هيمنة ونفوذ بعض العائلات السياسية وبعض العينات من محترفي السياسة الذين استغلوا اللائحة لتوريث ونقل الرصيد التمثيلي لجيل الأبناء.

أما عن التعديلات، يقول لزعر، إن مساراتها ترتبط بطبيعة رهانات الحقل السياسي والفاعلين، فكل جهة ستحاول أن تدافع عن التعديل الذي يخدم مصلحتها السياسية ويعزز موقعها الانتخابي والتمثيلي، موضحا أن "هناك الكثير من الخيارات تمكن من تحويل اللائحة الوطنية إلى لوائح جهوية".

واستدرك المتحدث قائلا: لكن في جميع الحالات، فإن تفعيل أي آلية لدمج النساء يرتبط باختيارات معينة على مستوى نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، مثلا آلية المقعد الإضافي للنساء تلائم نمط الاقتراع الأحادي الإسمى وآلية اللائحة تلائم نمط الاقتراع باللائحة وهكذا.

وختم: ثم هناك مدخل آخر لدمج النساء بعيدا عن آلية "الكوتا" وذلك عبر بوابة التزكية الحزبية، كأن يتم إحداث اتفاقات حزبية على أن تكون الترشيحات في بعض الدوائر المحلية مقتصرة على النساء، وهذا يتطلب إرادة حزبية والتزام أخلاقي وثقافة داعمة لترسيخ مثل هذه المداخل.