لوموند: العرب أكثر وعيا بعد الثورات لكنهم لم يحدثوا النهضة المأمولة

12

طباعة

مشاركة

بعد 10 سنوات على اندلاعها، ترى صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن ثورات الربيع العربي "لم تحدث النهضة المأمولة"، وسط طموحات شعبية مستمرة لإحداث تغييرات جذرية.

وتحدّث مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط بنيامين بارث، عن أوضاع المنطقة العربية من المغرب إلى اليمن في تلك الذكرى التي غيرت المجريات السياسية.

وقال: "هناك استنتاج عام يمكن للمرء استخلاصه، وهو المقاومة الشرسة والمنتظرة للأنظمة العسكرية القومية القديمة التي نشأت بعد موجة الاستقلال في أربعينيات وستينيات القرن الماضي".

هذه المقاومة قلّل الثوار من شأنها في فترة النشوة التي أعقبت الانتفاضات الأولى، في شتاء وربيع 2011، عندما انتشر الأمل من بلد إلى آخر كالنار في الهشيم، يقول بارث.

صورة قاتمة

ويرى المراسل أن "الصورة الإجمالية اليوم قاتمة بشكل واضح: انتقال ديمقراطي ناجح إلى حدّ ما (في تونس)، وانحداران سلطويان (في مصر والبحرين) وثلاث حروب أهلية (في سوريا وليبيا واليمن)".

التشخيص الآخر الذي يمكن إجراؤه على المستوى الإقليمي هو أن المسار الثوري مُستمر، "رأينا ذلك في 2018-2019، مع الانتفاضات في السودان والجزائر ولبنان والعراق". 

وتابع: "عليك أن تمر عبر المستوى الوطني لفهم الديناميكيات المحلية، وهذا ما يفعله الثوار، فهناك عملية لتراكم الخبرات والدروس التي تنتقل من دولة إلى أخرى".

السودانيون، على سبيل المثال، لم يكن لديهم نفس السذاجة تجاه جيشهم مثل المصريين، وفق وصفه. ويتابع: "لم يغادروا الشوارع بعد رحيل عمر البشير، بل أقاموا ميزان قوى مع الجيش".

وعن البلدان التي كانت الثورة فيها أكثر "نجاحًا"؟ و لماذا؟، يرى أن "الإجماع العام هو أن تونس هي البلد الأفضل"، مرجعا ذلك إلى أن "الجيش التونسي، على عكس نظيره المصري أو السوري، لم يكن تحت سيطرة النظام". 

وأردف: "وصلت حركة النهضة الإسلامية، وهي ذو صبغة محلية من جماعة الإخوان المسلمين، إلى مستوى من النضج والتمييز السياسي يفتقر إليه المصريون".

كذلك حيوية المجتمع المدني، ولا سيما النقابات، التي كانت قادرة على التدخل في لحظات التوتر بين القوى المتنافسة ومنع عودة الاستبداد على نموذج القاهرة. أخيرًا، غياب الرهان الجيوسياسي، ما يعني أن القوى الإقليمية والدولية ابتعدت عن هذه الثورة.

وتطرق المراسل إلى الشخصيات الشابة التي ظهرت كرموز للاحتجاجات وماذا حل بهم بعد 10 سنوات.

ويقول: "توكل كرمان، رمز المعارضين اليمنيين، تعيش الآن في المنفى في تركيا، بينما وائل غنيم، خبير الكمبيوتر المصري الذي أنشأ بالأساس صفحة على فيسبوك كان هدفها الأول الدعوة للتظاهر، في 25 يناير/كانون الثاني 2011، في ميدان التحرير يعيش في الولايات المتحدة".

 واستناداً إلى تدويناته على شبكات التواصل الاجتماعي، يبدو أن غنيم يعيش في فوضى عارمة وهي أقرب لنوع من الاكتئاب العميق، بحسب المراسل الصحفي.

الاختلاف بين الثورات

وعن الاختلاف بين الثورات، يعتقد أن "الجيش في مصر لم يفقد قوته حقًا، بل تم تفسير رحيل حسني مبارك على عجل على أنه سقوط نظام".

ولكن في الواقع، فإن الجيش الذي ما فتئ منذ جمال عبد الناصر يمسك خيوط السلطة في مصر، أبقى اليد العليا على الانتقال إلى انتخاب الرئيس محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين، عام 2012. 

وقد استغل الجيش أخطائه الفادحة، في تدبير انقلاب في العام التالي وإبراز "ضعفه" في الحكم عبر دعم شخصية عبد الفتاح السيسي، رئيس النظام الحالي، وفق لموند.

وتابعت: "في سوريا وليبيا والبحرين واليمن، لعبت الجيوش دورًا مضادًا للثورة. وفي السودان، يجب أن نكون على دراية بما سيحدث في الأشهر المقبلة، حيث أن التحالف المدني العسكري غير المعلن الذي يدير عملية الانتقال، هش".

وعن دور الإسلاميين في الثورات، قال: "زعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي، ساعد في تبني تونس للدستور الأكثر تقدمية في العالم العربي، وخاصة بالنسبة للمرأة".

ويرى أنه "لبضعة أشهر، كانت جماعة الإخوان المسلمين، التيار الإصلاحي السائد في العالم العربي، تحاول مجاراة التقلبات، حيث حققت انتصارات انتخابية في مصر وتونس بشكل أساسي، ولكن كان هناك رد فعل عنيف كما رأينا".

ويرى أن "تيار الإسلاموية الذي انسحب من اللعبة هم السلفيون الوَرِعُونَ، الذين يدافعون عن إسلام أكثر رجعية من جماعة الإخوان المسلمين، لكنهم مُدللون من قبل السلطات الاستبدادية القائمة، لسبب وحيد أنهم لم يشاركوها السياسة"، وفق تعبيره.

ويقول المراسل الصحفي: "بعد أن عِشتُ في مصر لبضع سنوات وعايشت الديكتاتورية، أجد صعوبة في رؤية أي أمل في تحسين الوضع".

ويستدل على ذلك بـ"وجود 60 ألف سجين سياسي، بمن فيهم الناشط رامي شعث، زوج امرأة فرنسية، والرواية البغيضة لجوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي تعرض للتعذيب حتى الموت عام 2016 على يد الشرطة".

وقال: "يبدو أن مصر دخلت في نفق من القمع لا نهاية واضحة له. وما يمكننا قوله هو أن روح الثورة، في القاهرة كما في أي مكان آخر، لم تمت في المخيلة السياسية العربية، العالقة منذ زمن طويل بين الديكتاتورية صاحبة الخوذة والديكتاتورية الملتحية"، بحسب وصفه.

وهنا يعتقد أن "ما أظهرته تونس، هو أن هناك طريقة أخرى ممكنة لممارسة السياسة، وهذا الإنجاز لن يختفي".

أسباب العجز

وعن سبب عجز الناس في تلك البلدان عن فرض الديمقراطية على حكوماتهم، يقول: "أود أن أعود إلى جانب نادرا ما أتطرق إليه، وهو تدخل القوى العظمى".

فنظرًا لموقعها، على مفترق طرق آسيا وأوروبا، وثروتها الباطنية، فإن المنطقة مُحددة جغرافيًا بطريقة معينة، لتكون هدفًا للتدخل الأجنبي. 

وأضاف في السياق: "تُجسد روسيا وإيران اليوم هذه الإمبريالية في سوريا، حيث يدعمان بكل قوتهما بشار الأسد، الذي هو ليس أكثر من ملك للخراب، لكن تاريخياً، عانت المنطقة في الغالب من التدخل الغربي".

وواصل: "وهذا يتطلب دعمًا عسكريًا وماليًا للحكام المستبدين، وخاصة أولئك الذين يدعمون إسرائيل، والتي أصبحت نوعًا من الريع الإستراتيجي لجميع الطغاة في المنطقة. لكنه ينطوي أيضًا على المزيد من الإجراءات التخريبية". 

وتطرق هنا إلى الإطاحة في عام 1953، من قبل وكالة المخابرات المركزية، برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، الذي حلم بإقامة ديمقراطية علمانية في بلاده وأثار غضب لندن وواشنطن لأنه أراد تأميم صناعة النفط.

وليس بعيدا عن ذلك، كان قرار الاتحاد الأوروبي عام 2006 بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات البرلمانية في فلسطين، التي فازت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس، وقطع كل المساعدات عن السّلطة الفلسطينية، إنكارًا آخر للديمقراطية، وكان له عواقب وخيمة، وفق لوموند.

ويُؤمَل، إذا تم تنظيم اقتراع جديد هذا العام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن تتمكن بروكسل من عكس هذه السياسة الكارثية في الوقت المناسب، بحسب تقدير الصحيفة.