انتخابات فلسطين.. لماذا يقلق السيسي ومحور الثورة المضادة من نتائجها؟

إسماعيل يوسف | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد خلافات استمرت 15 عاما منذ الانتخابات التشريعية 2006، اتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، على إجراء انتخابات شاملة في مايو/أيار المقبل 2021.

الاتفاق على الانتخابات كإحدى خطوات المصالحة الفلسطينية جاء لإنهاء سنوات من الانقسام وشجع على إجرائها تزايد الخطط الإسرائيلية الدولية المحدقة بالقضية الفلسطينية وتفشي التطبيع بين دول عربية وتل أبيب.

وأصدر عباس في 15 يناير/كانون الثاني 2021 المرسوم الخاص بإجراء الانتخابات الفلسطينية على 3 مراحل، أولها البرلمانية 21 مايو/أيار، والرئاسية 31 يوليو/تموز، ثم انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير في 31 أغسطس/آب وجميعها خلال العام الجاري.

وبداية فبراير/شباط 2021، ستدعو القاهرة الفصائل الفلسطينية لحوار وطني شامل يناقش آليات إجراء الانتخابات، وملفات شائكة مثل أثر التنسيق الأمني مع إسرائيل على الانتخابات والإفراج عن مقاومين معتقلين من قبل سلطة عباس، بحسب ما قالت مصادر فلسطينية لـ "الاستقلال".

تحركات عربية

فور إعلان نجاح لقاءات المصالحة بين "فتح" و"حماس" في تركيا يوم 24 سبتمبر/أيلول 2020، ثم إعلان الرئيس عباس مرسوم الانتخابات، جرت سلسلة تحركات مكثفة لدول الثورة المضادة خاصة مصر والإمارات والأردن.

وأرسل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مدير مخابراته عباس كامل إلى رام الله في 17 يناير/كانون الثاني 2021 حاملا خطابا لرئيس السلطة الفلسطينية، كما التقى معه كلا من مديري مخابرات الفلسطيني ماجد فرج والأردني أحمد حسني.  

وزار ملك الأردن عبد الله الثاني الإمارات قبلها بيوم، وعاد ليستقبل السيسي في بلاده يوم 19 يناير/كانون الثاني، وقبلها بثلاثة أيام أرسل وزير خارجيته أيمن الصفدي للسعودية.

ما جرى إعلانه عن هذه التحركات كان "أكلاشيهات إعلامية" رسمية تتحدث عن "الحرص على المصالحة وثبات الموقف من قضية فلسطين، وأهمية إنجاح العملية الانتخابية الفلسطينية"، بينما الأجواء الفعلية تشير لقلقهم من نتائج هذه الانتخابات لو جرت.

وترغب القاهرة في عودة "فتح" إلى غزة مرة أخرى بعدما قامت "حماس" بطردها والسيطرة على القطاع عام 2007، وفق مصادر "الاستقلال".

وأُجريت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع 2006، وأسفرت عن فوز "حماس" بالأغلبية، فيما كان قد سبق ذلك بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها محمود عباس.

وساد الانقسام عام 2007 بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي بفوز "حماس" وعدم تمكين عباس حكومتها ما أدى إلى اقتتال داخلي.

وإلى جانب رغبات القاهرة، تسعى الإمارات لرؤية القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان رئيسا لفلسطين، في وقت يخشى الأردن من سيطرة الحركة الإسلامية على الضفة الغربية عبر صندوق الانتخابات، وفق المصادر ذاتها.

كما تشن السعودية أيضا حربا ضد "حماس" وتعتقل عددا من قياداتها وكوادرها، في وقت يقدر البعض أن الدولتين الخليجيتين قد تقفان عقبة أمام المصالحة الفلسطينية برفضهما منهج ومبادئ الحركة الإسلامية.

صحف إسرائيلية أكدت وجود قلق من جانب دول الثورة المضادة من تكرار فوز "حماس" في الانتخابات المقبلة، وأن "ترتيبات ما" تجري لمواجهتها واستعادة سيطرة "فتح" على غزة.

أول تعليق على التحركات العربية الأخيرة جاء من صحيفة "هآرتس" التي ذكرت في 18 يناير/كانون الثاني 2021 أنه "سيكون لمصر والأردن دور مهم في آليات الرقابة على الانتخابات إذا جرت، وفي الدفع قدما بالمصالحة بين فتح وحماس". 

"هآرتس" نقلت عن "مصدر في رام الله" أن "زيارة مسؤولَي الاستخبارات المصرية والأردنية للضفة الغربية هدفها محاولتهما تقدير مدى جدية عباس في إجراء الانتخابات".

وقالت إن تحركاتهما "تدل على إدراك تداعيات ومخاطر هذه الخطوة على المنطقة وتنسيق المواقف العربية في ظل انقسام فتح واحتمالات فوز حماس".

مراسل قناة تلفزيون "كان" الإسرائيلية الرسمية، غال برغر، قال في 19 يناير/كانون الثاني 2021 إنه "علم أن مصر والأردن تضغطان على الرئيس عباس، بهدف توحيد صفوف فتح قبل إجراء الانتخابات حتى تكون الحركة مستعدة لمواجهة حماس".

وأكد برغر أن "الجانب الأردني متخوف من تحقيق حماس إنجازات في الانتخابات القادمة ربما في الضفة أيضا إضافة لغزة".

وأضاف: "لقاء مديري مخابرات مصر والأردن مع الرئيس الفلسطيني ورئيس مخابراته "جرى فيه حثّ عباس على ضرورة رصّ صفوف فتح قبل إجراء الانتخابات المقبلة، منعا لتشتيت الأصوات وفوز حماس".

الاثنان قالا للرئيس عباس: "يتوجب على فتح خوض الانتخابات وهي موحدة"، بحسب "مصادر فلسطينية مسئولة" للتلفزيون الإسرائيلي.

مع ذلك، نفت هذه المصادر للتلفزيون الإسرائيلي أن يكون عباس كامل ونظيره الأردني "طلبا من الرئيس الفلسطيني إدخال محمد دحلان ضمن قائمة فتح الموحدة في الانتخابات المقبلة".

تشكيك عام 

ويشكك خبراء إسرائيليون ومصادر فلسطينية في احتمالات إجراء الانتخابات سواء بسبب رغبة دول عربية في إفشالها لتوقعها فوز حماس، أو لاحتمال عدم حل قضايا الانتخابات الشائكة في حوار القاهرة أوائل فبراير/ شباط 2021.

صحيفة "جيروزاليم بوست" تساءلت في 17 يناير/كانون الثاني 2021: "هل الانتخابات الفلسطينية حقيقية هذه المرة؟"، مؤكدة أن "عباس يُخاطر بشكل كبير للدعوة إلى انتخابات عامة جديدة لأن حماس قوية وفتح منقسمة".

الصحيفة الإسرائيلية ترى أنه "لا تزال فتح وحماس بحاجة إلى إيجاد حل لعدد من القضايا الخلافية، ولا يبدو أن لديهما الكثير من الوقت".

هل تسمح حماس بإجراء انتخابات حرة في قطاع غزة؟ وهل ستسمح قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لمرشحي الحركة الإسلامية بالعمل بحرية في الضفة؟، وهل تسمح إسرائيل بانتخابات في القدس، هذه كلها ضمن القضايا العالقة، بحسب "جيروزاليم بوست".

وتضيف: "حتى لو تمكنت فتح من إبرام صفقة مع حماس، فسيظل عباس يواجه تحديا كبيرا آخرا من الداخل لأن حركته غير قادرة على الترشح كقائمة موحدة وقد تشهد انقساما جديدا لمطالبة العديد من أعضاء الحركة بإنهاء حكم الحرس القديم".

هناك تحدٍ آخر يواجه عباس، وهو خصمه دحلان الذي يعيش حاليا في الإمارات، منذ طرده عام 2011 من فتح، ولديه طموحات سياسية بدعم إماراتي وإسرائيلي لرئاسة السلطة الفلسطينية.

"جيروزاليم بوست" ترى في تقرير آخر نشرته يوم 21 يناير/ كانون الثاني 2021 أن الانقسام في حركة فتح يفيد حماس وأن هناك إحباط من إعادة ترشح عباس لرئاسة السلطة الفلسطينية.

وكشف استطلاع للرأي العام أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" في رام الله كشف احتمال تفتت الأصوات بين عباس ودحلان والأسير في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي.

بحسب الاستطلاع يطالب 66 بالمئة من الفلسطينيين في الاستطلاع، عباس بالاستقالة، ويرى 50 بالمئة أن هنية سيفوز حال ترشحه مقابل الرئيس الحالي في الانتخابات الرئاسية، و42 بالمئة ينظرون إلى البرغوثي على أنه مرشح "فتح" الأفضل.

ولا يُعرف هل ستسمح السلطة الفلسطينية لدحلان الذي يقود تيار "الإصلاح الديمقراطي" بخوض الانتخابات أم لا، في ظل تأكيدها عدم أحقيته لإدانته في قضية جنائية (اختلاس أموال)"، وفق مصادر إعلامية.

لكن دحلان، أعلن استعداده لخوض الانتخابات "بقائمة واحدة لفتح"، وبدأ ضخّ أموال في الأراضي المحتلة لانتخابه حسبما رصدت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في 21 يناير/كانون الثاني 2021.

غير أن هناك توافق مشترك بين محور الثورة المضادة وإسرائيل على عدم إجراء الانتخابات في الظروف الحالية حيث ضعف وانقسام فتح وتفوق حماس المتوقع، بحسب يوني بن مناحيم، المحلّل الأمني بمركز القدس لشؤون الدولة في مقاله المنشور في 8 يناير/كانون الثاني 2021.

وأضاف "هناك تشكيك إسرائيلي في نوايا عباس الحقيقية بشأن إجراء الانتخابات، وصعوبة تخليه عن منصبه، ورغبته فقط في إرضاء الاتحاد الأوروبي، وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإظهار جديته في تنفيذ إصلاحات وانتخابات حرة".

وفي 19 يناير/كانون الثاني 2021، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت": "يصعب أن نتخيل عباس وهو يخرج بإرادته من السلطة، ويتخلى عن كل شيء ويقرر الاستجمام في مناطق السلطة أو عمان أو لدى واحد من أبنائه في إمارات الخليج".

وتضيف: "عباس وفتح سيخسران الانتخابات الثلاثة (البرلمان والرئاسة ومنظمة التحرير)، وهناك استطلاع داخلي لحماس أكد أن الحركة الإسلامية ستفوز بـ50% على الأقل مقابل 43% لفتح، لهذا لن تجرى الانتخابات".

وتقول الصحيفة: "ما يعلنه عباس ليس سوى ذر الرماد في العيون أمام الجيل الفلسطيني الشاب، وأمام معارضيه في رام الله وخصومه المحبطين في غزة، وفي عيون المنظمات الأوروبية التي تدفع له الملايين التي تمتلئ بها جيوب السلطة"

إسرائيل أيضا لا تريد انتخابات، كما تبين "جيروزاليم بوست" في 13 يناير/كانون الثاني 2021، التي تقول بسخرية: "هل تريد إسرائيل حقا أن يُجري عباس انتخابات ويغادر منصبه؟ وماذا سيحدث في حال فازت حماس؟ هل تريد إسرائيل حقا أن يجلس هنية أو (رئيس "حماس" في غزة) يحيى السنوار في رام الله بدلا من عباس؟". 

ويطالب المستشرق الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، البروفيسور "أيال زيسر" حكومته ألا تقع في "الفخ" الذي وقعت فيه عام 2006، بضغط من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، مرة أخرى حين سمحت لحماس بالمشاركة في الانتخابات، رغم رفضها الاعتراف باتفاقات أوسلو، وفازت، حسب صحيفة "هآرتس" في 18 يناير/كانون الثاني 2021.

3 تطورات

بالمقابل، هناك 3 تطورات قد تجعل إسرائيل توافق على إجراء الانتخابات وتدعمها، الأول هو اتفاقيات التطبيع، والثاني، المصالحة الخليجية، والثالث، بزوغ إدارة جديدة في أميركا، بحسب مصادر فلسطينية لـ"الاستقلال".

وقالت المصادر إن "الإسرائيليين يتصورون أن اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية ستهذب سلوك السلطة الفلسطينية وتدفعها مستقبلا للرضوخ أكثر والتفاوض على ما تسمح لها به تل أبيب".

وأضافوا أن "وجود إدارة أميركية جديدة تحرص على العلاقات مع تل أبيب وأيدت بقاء القدس عاصمة لإسرائيل، وتسعى لإعادة التواصل مع السلطة الفلسطينية، سيدفع باتجاه تشجيع الانتخابات".

وأكدت المصادر أن المصالحة الخليجية والتصالح مع قطر، أحد الداعمين الرئيسيين لحماس، يمكن أن يدفع فتح وحماس لمصالحة فعلية وتخفيض سقف مطالب حماس وتثبيت الهدنة مع الاحتلال في غزة وبدء تنمية هناك بدعم مصري وخليجي.

فيما يؤكد حسن كنعان، العضو العربي السابق بالكنيست لوكالة "سبوتنيك" 20 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "من الشروط التي تحدث عنها أبو مازن مع رئيسي المخابرات المصري والأردني أن يشارك سكان القدس (340 ألفا) في الانتخابات"

لكن، تؤكد الصحفية الإسرائيلية، سمدار بيري، في "يديعوت أحرونوت" 19 يناير/كانون الثاني 2021، أن "إسرائيل لن تسمح لسكان القدس الشرقية بالتصويت في الانتخابات رغم أنها تلتزم الصمت حاليا".

وتوضح أن "تل أبيب لن توافق على نشاط سياسي فلسطيني في أراضيها كون القدس الشرقية مضمومة لدولة إسرائيل"، بحسب زعمها.

ونهاية عام 2017، اعترفت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بالقدس (شرقية وغربية) عاصمة لإسرائيل، وأكدت إدارة بايدن أيضا دعمها للقدس كعاصمة لإسرائيل على لسان وزير الخارجية الجديد بلينكين في 20 يناير/ كانون الثاني 2021.

وقالت صحيفة "المونيتور" الأميركية 21 يناير/ كانون الثاني 2021 إن "قرار إسرائيل بشأن القدس الشرقية يعتمد على تقديرات حول ما إذا كانت الانتخابات هناك ستفيد حماس بشكل كبير أم لا؟".

وأضافت أن "هناك قلق من الوجود التركي المتزايد في القدس الشرقية والذي يزيد ويعادل نفوذ حماس هناك، وقلق من مبالغ تركية كبيرة تُضخ في المدارس الفلسطينية بالقدس الشرقية لاستعادة البلدة القديمة".

وتنص اتفاقية أوسلو 2 عام 1995 على حق الفلسطينيين في القدس، المشاركة في الانتخابات الفلسطينية ترشيحا وانتخابا، وإجراء ترتيبات مع الجانب الإسرائيلي.

لكن "السلطة ما تزال تنتظر رد الحكومة الإسرائيلية للسماح بإجراء انتخابات في القدس الشرقية كما جرى في الأعوام 1996 و2005 و2006"، حسبما أبلغ الرئيس الفلسطيني اللجنة المركزية لحركة فتح 17 ديسمبر 2020.

وقال مراقبون في تصريحات متفرقة لـ"الاستقلال": "كما كانت هناك مصلحة مشتركة لدول الثورة المضادة وإسرائيل في الانقلاب على الربيع العربي ومحاربة التيارات الإسلامية، هناك مصلحة مماثلة في عدم إجراء انتخابات فلسطينية تشير التوقعات لفوز حماس فيها".

وأضافوا: "ما سعت حماس لأخذه بالمقاومة في غزة، وحاولت تكراره في الضفة (منعها التنسيق الأمني بين عباس والاحتلال) قد تحصل عليه بالانتخابات، ما يعزز شرعيتها أكثر ويخلق مأزق لحكومات الثورة المضادة وتل أبيب معا".

وختم المراقبون تصريحاتهم بالقول: "لهذا فهم قلقون (دول الثورة المضادة)، ويسعون لعرقلة الانتخابات بوسائل شتى، وينسقون من أجل ضمان عدم استفادة حماس منها أو منع إقامتها خشية تكرار تجربة 2006 وإحراج دعاة الديمقراطية الذي يرفضونها حين يفوز بها الإسلاميون".