"أبطال المستقبل".. كاتب تركي يرصد قوة المدونين المعارضين في روسيا

12

طباعة

مشاركة

نشرت وكالة الأنباء الرسمية التركية "الأناضول" مقالا يسلط الضوء على قوة المدونين المعارضين في روسيا، ومساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في إشعال شرارة الأحداث الاجتماعية.

وقال الكاتب التركي علي جورا، في مقاله: إن "السلطة الروسية، باعتبارها إحدى الدول الرائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا، تنتظرها فترة صعبة بسبب المدونين المعارضين.

وأضاف: "تحتل منصات التواصل مكانة مهمة في حياة الناس مع تقدم التكنولوجيا، ولهذا لا تؤثر ممارسات وسائل التواصل على حياة الإنسان فحسب، بل تؤثر على الأنظمة الحكومية أيضا".

وتابع: "التطبيقات التي أنشأتها شركات التواصل الاجتماعي أصبحت قوة بإمكانها إشعال شرارة الأحداث الاجتماعية، وبهذا تحولت تطبيقات منصات التواصل، التي أصبحت أيضا أداة في الصراع بين الدول، إلى عنصر مهم يؤثر على مصير الدول من خلال تحديد مصير الانتخابات، وخلق الانقلابات والاحتجاجات والفوضى عند الضرورة".

عمالقة الميديا

وكمثال على ذلك، ذكر جورا أن "ادعاء تدخل روسيا في الرأي العام الأميركي عبر فيسبوك قبل وبعد انتخابات الولايات المتحدة عام 2016، الذي نوقش لأيام كان أكبرها وأهمها، إذ أن قدرات الهاكرز الروس في عالم الإنترنت، تعد حقيقة معروفة عالميا". 

وأضاف أن "هذه الادعاءات ظهرت على جدول الأعمال مرة أخرى في الولايات المتحدة نهاية العام الماضي، عندما استهدفت الهجمات الإلكترونية العديد من الوكالات الفيدرالية، بما في ذلك بعض الوزارات".

وتابع: "حتى أن شركة مايكروسوفت زعمت في تقرير لها أن الهاكرز الروس كانوا مسئولين عن هجمات إلكترونية في العديد من المجالات، من الانتخابات حول العالم ودراسات لقاح كورونا إلى الجامعات والأولمبياد".

وقد أخذت التهديدات المتنامية في العالم السيبراني، مكانها في مواجهة سلطة روسيا اليوم، فمع شيوع استخدام المواد المرئية على منصات التواصل الاجتماعي لم تقتصر وظيفة حسابات المدونين "البلوغر" على مواقع التواصل الاجتماعي على كونها وسيلة لإعلام الجماهير، بل أصبحت حاملة علم المعارضة أيضا في السنوات الأخيرة، وفق الكاتب التركي.

وعقب جورا قائلا: "فمنذ أن احتلت تكنولوجيا الإنترنت مكانها في الحياة اليومية، بدأ نفوذ وتأثير المدونين يتزايد على نطاق أوسع مع إتاحة مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة لتقديم محتوى ثري، وأصبحوا ينتجون وينشرون محتوى جذابا وأصيلا على الإنترنت بأفكارهم الإبداعية في مجالات السياسة ونمط الحياة والصحة والسفر والأزياء والتكنولوجيا".

ولفت إلى أن "المدونين حققوا وما زالوا ثروة كبيرة في وقت قصير من الأرباح التي يحصلون عليها من شركات التواصل الاجتماعي وبتعرفة تساوي آلاف الدولارات في الثانية من الإعلانات، اعتمادا على معدلات المتابعة والمشاهدة".

فوفقا لبيانات مجلة "Forbes"، يمكن لشخص مشهور لديه 7.5 ملايين متابع في روسيا أن يكسب ما يقرب من 3 ملايين دولار سنويا، وقد أدت الرغبة في زيادة معدلات المشاهدة والقلق التجاري إلى أن يتم إنتاج المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذاب ومختلف يركز على التصنيف (الريتنغ)، وليس بمعايير الصواب أو الخطأ، يقول الكاتب.

وفي إشارة إلى المجال الذي يتيحه الإنترنت، لفت جورا إلى أن "القضايا مثل السياسة والاقتصاد أصبح الآن يتم مناقشتها ومتابعتها في بيئة أكثر حرية مثل الإنترنت في روسيا، حيث لا تنعكس المشكلات المتعلقة بالإدارة على الشعب وفقا لتقاليد الاتحاد السوفيتي".

وأردف قائلا: "كما انخفض الاهتمام بالقنوات الفضائية في روسيا حالها كحال باقي دول العالم مقارنة بالماضي، وتحول الشعب إلى الإنترنت لمتابعة الأخبار ومشاهدتها، وقد تسارعت وتيرة هذا التحول مع بداية وباء كورونا، حيث بدأ الناس يقضون وقتا أطول على الإنترنت نتيجة للعزلة الاجتماعية".

معارضة جديدة

ووفقا لبحث أجرته مؤسسة الرأي العام الروسية (FOM) العام الماضي، يعتقد 69 في المائة من الشعب الروسي ثلاثة أرباعهم من الشباب، أنه لا يتم طرح المشاكل الاجتماعية المهمة وبعض القضايا على جدول الأعمال.

وبحسب البحث، انخفض معدل استخدام "التلفزيون" كمصدر للأخبار والمعلومات من 88 في المائة عام 2015 إلى 65 في المائة بداية 2020 وإلى 62 في المائة في أغسطس/آب 2020 بعد مرحلة إجراء العزلة الاجتماعية في البلاد بسبب الوباء.

فيما ارتفع معدل متابعة الأخبار على الإنترنت من 35 بالمائة في عام 2015، إلى 42 بالمائة في يناير 2020 و51 بالمائة في أغسطس 2020. وفقا للكاتب.

وأضاف: "لقد زادت شرائح المعارضة من المدونين من انتقاداتها لإدارة بوتين خلال هذا الوقت، وكشف المدونون الذين حصلوا على ملايين المتابعين، عن ميولهم السياسية وأظهروا دعمهم للمعارضة".

ولفت جورا إلى أن "اليوم، ينتقد عشرات المدونين مثل يوري دود الذي لديه ما يقرب من 9 ملايين متابع ويتلقى دعوات لإجراء مقابلات مع أشخاص مهمين، وكسينيا سوبتشاك، إحدى المرشحات للرئاسة سابقا والتي تقوم بإجراء مقابلات مع مشاهير الإعلام مع ما يقرب من مليوني متابع، وإرينا شيهمان التي لديها 1.5 مليون متابع".

وفي هذا السياق، انطلق العديد من الأشخاص وتحركوا ضد الإدارة كمدونين بعد التعديل الدستوري الذي سمح لبوتين بأن يكون رئيسا لفترتين إضافيتين في روسيا، بحسب الكاتب.

وكمثال على المعارضين من المدونين يذكر جورا، أليكسي نافالني أحد الشخصيات المعارضة البارزة في روسيا والبالغ من العمر 44 عاما، حيث يزعج نافالني، الذي استهدف بوتين ومن حوله بمزاعم "الفساد" لسنوات، الكرملين بمقاطع الفيديو التي يعدها وينشرها على موقع "اليوتيوب".

وكان نافالني قد جذب الانتباه في السابق بمقطع الفيديو الذي يحتوي على مزاعم بالفساد ضد رئيس الوزراء السابق دميتري ميدفيديف، وبما أن نافالني الذي دخل السجن مرات عديدة لخرقه القوانين، يجذب انتباه الشباب في البلاد، فإنه يواصل حركته السياسية بشكل رئيس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وفق الكاتب عن سوابق نافالني.

وأضاف: "وكان قد تم نقل نافالني إلى مستشفى في برلين حيث تلقى العلاج وتعافى، على متن طائرة خاصة بحجة أنه تسمم في 20 أغسطس/آب 2020 أثناء عودته من مدينة تومسك إلى موسكو".

وتابع: "وقد احتجز نافالني الذي قال إنه تم تسميمه من قبل المخابرات الروسية بأوامر من بوتين، في المطار أثناء عودته إلى موسكو في 17 يناير/كانون الثاني الجاري واعتقل بقرار من المحكمة".

وأشار جورا إلى أنه "قد نشر مقطع فيديو تم إعداده مسبقا من قبل نافالني وفريقه على قناته على اليوتيوب بعد أن تم حبسه، وحطم الرقم القياسي لعدد المشاهدات على اليوتيوب".

السياسيون الجدد

وحصل مقطع الفيديو الذي يحمل عنوان "قصر بوتين: أكبر رشوة في التاريخ" والذي استهدف بوتين ودائرته المقربة وكان قد طرح على جدول الأعمال قبل 10 سنوات، أكثر من 45 مليون مشاهدة خلال يومين، وفقا للكاتب.

وتابع موضحا: "لقد ذكر نافالني في بداية الفيديو أنه تسمم بتعليمات من بوتين ودعا الجميع للاحتجاج في الشوارع يوم 23 يناير/كانون الثاني الجاري، فيما صرح الكرملين أن هذه الادعاءات ليست جديدة ولا أساس لها من الصحة".

ومع ذلك، وجه بعض الفنانين والمدونين البارزين دعوة للمشاركة في المظاهرات غير المصرح بها، ودعم نافالني باستخدام حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتم إنتاج مئات المحتوى الذي يحتوي على دعوات ودعم للاحتجاجات التي ستقام في البلاد في عطلة نهاية الأسبوع عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي "تيك توك" و"فكونتاكتي"، والتي يتابعها الشباب الروسي الذين لم يبلغوا سن التصويت. 

كما ظهرت دعايات تفيد بأن المشاركة في مظاهرات غير مصرح بها "لن تؤثر سلبا على سجل الشباب الجنائي ولا داعي للخوف من الشرطة".

من جهة أخرى، ذكر الكاتب التركي أن هيئة الإشراف على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجماهيرية الروسية (Roskomnadzor) أرسلت رسالة تحذير إلى شركات مواقع التواصل الاجتماعي "تيك توك" و"فكونتاكتي"، تطالب بوقف الرسائل التي تشجع الشباب على المشاركة في احتجاجات غير مصرح بها.

بعد ذلك، طالب مكتب المدعي العام الروسي بتقييد الوصول إلى المواقع التي تحتوي على دعوات للمشاركة في الاحتجاجات، وأعلن أنه تم اتخاذ الخطوات اللازمة، لكن ورغم هذه الإجراءات، تُظهر التطورات في وسائل التواصل الاجتماعي أن قدرة روسيا على مواجهة التهديدات القادمة من حسابات منشأها الولايات المتحدة لم تنجح بعد.

وأشار جورا إلى أن "ما يحدث الآن في روسيا حدث سابقا في بيلاروسيا، الأمر الذي جعل طريقة المعارضة التي أخرجت آلاف الأشخاص إلى الشوارع قبل وبعد الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا، والتي تم تنفيذها من حسابات يتم إدارتها من دول غربية، بمثابة بروفة لروسيا".

وأضاف "يقال بأن دعوات النزول إلى الشارع والشعارات والأساليب التي يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا لها نفس محتوى تلك التي نشرت في بيلاروسيا سابقا".

وختم جورا مقاله بالقول: إن "أبطال وسائل التواصل الاجتماعي الذين يواصلون زيادة شعبيتهم يوما بعد يوم، قد أشعلوا الفتيل لتحريك الشوارع في روسيا خلال الأيام المقبلة، ويبدو أن هؤلاء الفاعلين السياسيين الجدد، الذين يعملون في وحدة وتضامن في العالم الافتراضي، سيمثلون وجع رأس لبوتين مستقبلا".