بعد يوم من تنصيب بايدن.. لماذا عادت التفجيرات الدامية إلى بغداد؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد يوم من تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن للسلطة، عادت التفجيرات الدامية إلى قلب العاصمة العراقية بغداد، بعد توقف دام لعدة سنوات.

عودة التفجيرات أثارت سخطا شعبيا واسعا على حكومة مصطفى الكاظمي والقوى السياسية الحاكمة، لما خلفته من ضحايا وصلت إلى 32 قتيلا و110 جرحى.

وفتحت الهجمات التي ضربت ساحة الطيران ببغداد في 21 يناير/ كانون الثاني 2021، باب التساؤل واسعا بخصوص الجهات المستفيدة من عودة التصعيد الأمني، والرسائل التي تحملها التفجيرات.

تقسيم العراق

عبر سلسلة تغريدات على "تويتر" في 23 يناير/ كانون الثاني 2021، رأى السياسي العراقي ليث شبّر، أنه "ليس صدفة أن يعود تنظيم الدولة في أول يوم يتسلم فيها بايدن الرئاسة، وليس صدفة أن يطفو إلى السطح الخطاب الطائفي".

وتابع: "ليس صدفة أن توسع الميليشيات خطابها ليشمل قوات التحالف كلها، وليس صدفة صمتهم، وليس صدفة أن يتحول النظام الإيراني من الدفاع إلى الهجوم فكل ذلك يجري وفق مخطط بايدن في العراق".

وحسب شبّر، فإن "لعبة بايدن - خامنئي بدأت بتفجير بغداد ولن تنتهي إلا بتقسيم العراق وحرق جنوبه ووسطه بحرب الميليشيات واقتطاع المحافظات الغربية لتكون إقليما مستقلا".

ولفت إلى أن "الحسابات الوهمية والجيوش الإلكترونية نشطت مرة أخرى لتأجيج الطائفية وخلط الأوراق وتقسيم المجتمع، وهكذا ستجد كلمة الشيعة والسنة تتكرر كثيرا بالتزامن مع تنصيب بايدن وكأن هناك مخطط جديد وقديم يراد له أن ينفذ في العراق. إنه مشروع بايدن لتقسيم العراق".

ويؤيد بايدن منذ فترة طويلة خطة تقضي بتقسيم العراق إلى 3 مناطق تتمتع بحكم ذاتي: للشيعة والسنة والأكراد، وهو ما عبر عنه في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" 22 أغسطس/آب 2014، بقوله: "الولايات المتحدة تدعم نظاما فيدراليا في العراق"، داعيا إلى وحدة البلاد التي تعاني من انقسام كبير.

وكتب بايدن أن خطة من هذا النوع "ستؤمن تقاسما عادلا للعائدات بين كل الأقاليم، وتسمح بإقامة بنى أمنية متمركزة محليا، مثل حرس وطني لحماية السكان في المدن، ومنع تمدد تنظيم الدولة، وفي الوقت نفسه (تضمن) حماية وحدة وسلامة أراضي العراق".

وأضاف أن "الولايات المتحدة ستكون مستعدة لتقديم التأهيل وغيره من أشكال المساعدة بموجب (اتفاق الإطار الإستراتيجي)، للمساعدة على نجاح هذا النموذج".

استثمار سياسي

شبّر رأى خلال تغريداته أيضا أن "التفجيرات رسالة إيرانية بزي تكفيري لتأجيج الطائفية وخلط الأوراق وتشتيت الأنظار وإعادة اللعبة القذرة ولاعبيها الفاسدين والعملاء من جديد وكل ذلك تكشفه الأحداث القريبة الماضية".

وحذّر من استمرار وقوع الهجمات، بالقول: "بغدادنا مقبلة على تفجيرات كفانا الله شرها وبرد نارها حتى يوم الانتخابات المقبلة، فهم يعلمون وكل خطاباتهم السابقة تؤكد ذلك بأن لا عودة لهذه الأحزاب الفاسدة والتيارات المنافقة والميليشيات القذرة إلا بعودة الطائفية وكل ذلك تحت شعار الدفاع عن المذهب والعقيدة. هل ستقعون في الفخ من جديد؟".

وفي السياق ذاته، حمّل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد عبد الجبار أحمد، الاحتقان السياسي الذي يشهده العراق وما أسفر عنه من تأجيل للانتخابات، مسؤولية التفجير الانتحاري المزدوج الذي شهدته بغداد.

وحذر في مقابلة مع قناة "الجزيرة" في 21 يناير/ كانون الثاني 2021،  من ربيع ساخن جدا في العراق إذا لم يتم إنهاء الاحتقان السياسي، ولم يستعبد أن يكون أحد أهداف تفجيري اليوم هو تكريس وتعزيز الانقسام السياسي والطائفي.

وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن تأجيل الانتخابات هو ما فتح الباب أمام الجريمة المنظمة والخلايا النائمة وكذا الأجندة الإقليمية والدولية، "فهذا التأجيل أرسل رسالة واضحة لمن يصطادون في الماء العكر ويحاربون الديمقراطية والاستقرار الأمني والسياسي".

وجاءت الانفجارات في وقت تعيش فيه البلاد على وقع مسار سياسي هدفه تنظيم انتخابات مبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لذلك يقول الكاتب العراقي يحيى الكبيسي إننا "أمام عملية إرهابية (مسيطر عليها) لاستثمارها سياسيا في سياق الصراع المفتوح بين الدولة والدولة الموازية".

وتابع الكبيسي في مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 21 يناير/ كانون الثاني 2021: "العملية تأتي في سياق الصراع الشيعي الشيعي المحتدم، وفي سياق ما بعد احتجاجات تشرين وتداعياتها، هو كلام منطقي ويثير شكوك واسعة حول المخططين للعملية، ومن غض الطرف من أجل حصولها، بعيدا عن الأدوات التي استخدمت لتنفيذها".

وإذا ما ثبت أن تنظيم الدولة كان الفاعل الرئيس لهذه العملية بعد أكثر من سنتين عن آخر عملية جرت في المكان نفسه في 15 يناير/كانون الأول 2018، فذلك قد يعني، بحسب الكبيسي، أن التنظيم بدأ يستعيد المبادرة ثانية في وسط بغداد نفسها، مع كل ما يعنيه ذلك من ترتيبات لوجستية، وسيطرة، واتصالات، وخلايا جاهزة للتنفيذ.

مضيفا: "وهو ما يفند الرواية الرسمية عن القضاء الكامل على تنظيم الدولة وإغلاق كل منافذ نموه، وقطع الطريق أمام محاولاته، وهي الكلمات التي جاءت على لسان الكاظمي في كلمته بالمؤتمر السنوي لقيادة العمليات المشتركة يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2020".

وأكد الكاتب أنه "على مدى سنوات، تعرضت منطقة ساحة الطيران وسط بغداد إلى عشرات الهجمات، أوقعت مئات الضحايا الأبرياء من العمال اليوميين، ومن الباعة الجائلين أو المتسوقين من الفقراء، ولم تكن، في الواقع، هدفا حيويا أو إستراتيجيا.

وأوضح قائلا: "كنت أشكك دائما بأن ثمة استثمارا سياسيا في هذه العمليات، وتوقيتاتها، كان آخرها عملية تفجير سيارة مفخخة في المكان نفسه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 والذي كان يشهد احتجاجات تشرين، يومها فشل المسوقون في لصق التهمة بالتنظيمات الإرهابية، وبدا واضحا للجميع أن من قام بها هو نفسه من يقوم بقتل المحتجين قنصا أو بقنابل الدخان باستخدامها سلاحا للقتل".

رسالة لأميركا

عضو لجنة الأمن والدفاع السابق في البرلمان حامد المطلك يرى أن الساحة العراقية متشنجة ومخترقة، فهناك أطماع وتأثيرات خارجية، وهناك أطراف في الداخل تأتمر بأوامر خارجية بحكم مصالحها وارتباطاتها.

المطلك أعرب خلال حديثه لـ"الاستقلال" عن اعتقاده بأن "هذه التفجيرات القصد منها إعطاء رسالة للعالم الخارجي بشكل عام، والولايات المتحدة تحديدا، مفادها بأنه لا مكان لكم في العراق إذا لم تحلوا الإشكالات مع إيران".

وشدد السياسي العراقي على ضلوع إيران في هذه التفجيرات، وأن الدليل على ذلك هو إطلاق الصواريخ على مطار بغداد الدولي بعد يوم واحد من وقوع التفجير الدامي، وربما تكون هذه رسالة من إيران والأشخاص المتعاونين معها لأميركا لإنهاء الأزمة مع إيران.

المطلك يعتقد أن "الأحداث مرتبطة مع بعضها، والصراع قائم بين من يريد ربط العراق بالعالم العربي، ومن يريده مستقلا، ومن يريده أن يبنى على أسس طائفية. لذلك فإن الحملات الإعلامية ضد المحيط العربي، والتفجيرات، والصواريخ كلها مرتبطة ببعضها".

وفي الوقت الذي تمنى فيه المطلك عدم تكرار التفجيرات، فإنه توقع أن يشهد العراق "مثل هذه الأفعال الإجرامية والاختراق لسيادته، وأن  الحكومة مطالبة بأن تكون قوية وقادرة على متابعة مثل هذه الأعمال الإجرامية والحد منها، لأن هناك مستفيدون من ارتكابها وتوظيفها طائفيا".