جانيت يلين.. ديمقراطية يهودية اختارها بايدن لحراسة الخزانة الأميركية

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جانيت يلين، التي يلقبها أصدقاؤها بـ"السيدة صغيرة الحجم بمعدل ذكاء كبير" والبالغة من العمر 74 عاما، تستعد لتولي حقيبة وزارة الخزانة (المالية) الأميركية في إدارة الرئيس جو بايدن.

يلين، أول امرأة على الإطلاق تشغل هذا المنصب الرفيع والأهم في الإدارة الأميركية بعد وزارة الخارجية، في ظل ظروف كورونا الراهنة التي تمر بها القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، وتحديدا الولايات المتحدة.

تتولى يلين المهمة وسط تفشي جائحة عالمية تسببت في انكماش اقتصادي، وبطالة عارمة في الولايات المتحدة، إضافة إلى تعثر المفاوضات في واشنطن حول حزم التحفيز الاقتصادي.

اختلافات بينية شهدتها الولايات المتحدة مع وزير الخزانة في عهد ترامب (المنتهية ولايته)، ستيفن منوتشين، الذي سحب ضمانات بقيمة 70 مليار دولار من الاحتياطي الفيدرالي.

عائلة يهودية

ولدت جانيت يلين، في 13 أغسطس/ آب 1946، بمدينة بروكلين، في نيويورك، لعائلة يهودية بولندية، وعمل والدها جوليوس يلين، كطبيب عائلي، أما والدتها آنا روث، فكانت معلمة في مدرسة ابتدائية. 

أظهرت جانيت منذ صغرها تفوقا ملحوظا في سنوات دراستها، حتى تخرجت من مدرسة "فورت هاميلتون" الثانوية بحي باي ريدج في بروكلين، وفي عام 1967 حصلت على درجة البكالوريوس في الاقتصاد، بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف من كلية بيمبروك بجامعة براون.

ثم حصلت عام 1971 على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ييل، وكان عنوان رسالتها "العمالة والإنتاج وتراكم رأس المال في الاقتصاد المفتوح: نهج غير متوازن"، حيث أشرف عليها اثنان من ألمع الاقتصاديين الأميركيين، هما جيمس توبين وجوزيف ستيجليتز، الحائزان على جائزة نوبل، والأخير وصفها بأنها من "ألمع طلابه وأكثرهم حفظا".

يلين كانت المرأة الوحيدة التي حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، من جامعة ييل في ذلك العام (1971)، بينما حصل 22 اقتصاديا من الذكور على نفس الدرجة العلمية.

تزوجت جانيت يلين من الاقتصادي الأميركي البارز جورج أكرلوف حيث التقت به أثناء عملها في جامعة هارفرد كأستاذ مساعد، وفي 2001 حصل زوجها أكرلوف على جائزة نوبل في الاقتصاد.

مسيرة رائدة

يلين تعد أول امرأة تولت رئاسة البنك المركزي الأميركي بين 2014 و2018، وكانت نائبة لرئيس مجلس الاحتياطي من 2010 إلى 2014، وعملت أيضا مستشارة اقتصادية، للرئيس السابق بيل كلينتون.

وحسب تصنيف مجلة "فوربس" الأميركية لعام 2016، وصفت يلين بأنها رابع أقوى امرأة في العالم بعد أنجيلا ميركل وهيلاري كلينتون وميليندا غيتس، لتصبح ضمن قائمة النساء الأكثر نفوذا.

شغلت جانيت يلين خلال مسيرتها، منصب عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، وترأست لجنة السياسات الاقتصادية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وأصبحت رئيس الرابطة الاقتصادية الغربية الدولية، ونائب رئاسة الرابطة الاقتصادية الأميركية. 

من أبرز الأدوار التي لعبتها المساعدة في إدارة عملية الانتعاش الاقتصادي بعد الأزمة المالية التي بدأت عام 2007 وما تبعها من ركود، وينسب إليها الفضل في تجاوز تلك الأزمة.

وأثناء رئاسة المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، عرفت يلين بالاهتمام بتأثير سياسات البنك على العمال وتكاليف عدم المساواة المتزايدة في أميركا. 

من سمات سياستها الاقتصادية، تركيزها بشكل خاص على البطالة وأسبابها وآلياتها وآثارها، وقالت خلال مؤتمر لاتحاد النقابات الأميركية إن "العاطلين عن العمل ليسوا مجرد إحصائيات بالنسبة لي"، وتبنت بشدة منهجية تدخل الدولة لتنظيم الاقتصاد وتقليل عدم المساواة وكبح دورات النمو والانحدار.

رؤية اقتصادية

عودة يلين إلى الإدارة الأميركية، تأتي في واحدة من أصعب اللحظات التي يمر بها الاقتصاد الأميركي، حيث تتطلع أعين مئات الملايين داخل وخارج الولايات المتحدة، إلى ما ستضخه الخزانة من أموال للخروج بالاقتصاد الأكبر في العالم من الركود، إضافة إلى إعادة عشرات الملايين من الأميركيين إلى وظائفهم التي خسروها بسبب كورونا.

وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قالت جنيت في تصريح لتلفزيون "بلومبيرغ": "في حين أن الوباء لا يزال يؤثر بشكل خطير على الاقتصاد، فإننا بحاجة إلى مواصلة الدعم المالي الاستثنائي".

وأضافت أنه "يمكن لأميركا تحمل المزيد من الديون، لأن أسعار الفائدة ستكون على الأرجح منخفضة لسنوات عديدة قادمة".

هناك مهام أخرى تنتظر الاقتصادية الأميركية، وتحديدا العلاقات التجارية مع الصين، خاصة وأن يلين تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع المسؤولين الاقتصاديين الصينيين منذ توليها منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي.

سبق لويلين أن قالت خلال جلسة استماع في الكونغرس عام 2018، "لا أرى ممارسات تجارية غير عادلة في الصين، أو في أي مكان في العالم، باعتبارها المسؤولة عن العجز التجاري الأميركي".

لكن يبدو أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تحتاج بعض الوقت كي ترسم طريقها للتعامل مع بكين، وهو ما صرح به بايدن يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، خلال مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست قائلا: "سنحتاج بعض الوقت كي نحدد طريقة التعامل مع الصين والتقدم فيها بناء على شروطنا وليس شروطهم".

ديمقراطية متمرسة 

في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، تقريرا خاصا عن جانيت يلين، قدم لها وصفا باعتبارها اقتصادية ديمقراطية متمرسة تتمتع بخبرة فائقة، وتحظى بتقدير العديد من الجمهوريين المنافسين.

التقرير أكد قدرة على التفاوض مع قادة الكونغرس الجديد على خطة واسعة لدعم الاقتصاد لمواجهة خطر عودة الولايات المتحدة إلى الركود الاقتصادي، لما لها من ثقل وثقة لدى تلك القطاعات.

وقالت الصحيفة الفرنسية، عن جنيت إن "لهجتها وقصر قامتها وتفضيلها المصالحة لا ينتقص من كفاءتها، فقد تخصصت خلال دراستها في سوق العمل". 

واستشهدت بتصريح للجمهوري والمستشار الاقتصادي السابق لترامب، غاري كوهن، الذي قال "ليس لدي شك في قدرة جانيت يلين على توفير الاستقرار الذي نحتاجه لتعزيز اقتصاد يخدم الجميع، خاصة في هذه الأوقات الصعبة". 

وذكرت لوفيغارو أنه معروف عن يلين "أنها تعمل بجد وتعرف ملفاتها جيدا، ولديها القدرة على التوصل إلى توافق في الآراء، بفضل قدرتها على الاستماع، وهو ما يؤكده الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز في العلوم الاقتصادية الذي كان مدرسها ويعتبرها من أفضل الطلاب الذين عرفهم على الإطلاق".

ومع الخبرة الواسعة التي تمتعت بها تلك الاقتصادية، لم يشفع لها ذلك عند ترامب، الذي أطاح بها عام 2018، عندما خالف تقاليد واشنطن، رافضا تعيينها لفترة ولاية ثانية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومدتها 4 سنوات.

يذكر أنه بدءا من بيل كلينتون في التسعينيات، احتفظ رؤساء الولايات المتحدة برؤساء البنوك الذين عينهم أسلافهم في محاولة لمنع تسييس البنك، ولكن ترامب خالف النهج على حساب يلين.

ومنذ مغادرتها البنك عام 2018، تحدثت يلين بشكل واضح عن أخطاء سياسة ترامب، خاصة فيما يتعلق بالمناخ الاقتصادي السلبي الناتج عن أسلوبه، وشددت على  ضرورة قيام واشنطن ببذل المزيد لحماية الاقتصاد الأميركي من تأثير جائحة كورونا.

ومطلع ديسمبر/ كانون الأول 2020، غردت جانيت على تويتر قائلة: "نواجه تحديات كبيرة كدولة في الوقت الحالي، للتعافي، يجب علينا استعادة الحلم الأميركي.. مجتمع يمكن لكل شخص فيه الارتقاء إلى مستوى إمكاناته والحلم بأكثر من ذلك لأطفاله".

وأضافت: "كوزيرة الخزانة، سأعمل كل يوم من أجل إعادة بناء هذا الحلم للجميع".