جيك سوليفان.. عاشق "ترومان" مستشارا للأمن القومي في إدارة بايدن

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جيك سوليفان أو "جاكوب إرميا سوليفان" هو أول اختيارات الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، ضمن فريق إدارته، كمستشار لشؤون الأمن القومي، والمشهور بقوة حججه، وتفوقه في المناظرات.

سوليفان رجل مفاوضات من طراز رفيع، استطاع أن يدير أصعب المراحل، خاصة مع إيران، لذلك فإن وجوده باعث على توقع آمال مستقبلية عريضة فيما يخص النقاط الساخنة حول العالم، بعد سنوات ترامب المثيرة.

يعد سوليفان من قادة الوسط المتمركزين في قلب السياسة الأميركية، الذين قضوا سنوات بين دهاليز الحكم، واستطاعوا رغم صغر سنهم، أن يحصلوا خبرات واسعة، مكنتهم من الوصول إلى درجات متقدمة في القيادة.

عاشق "ترومان"

سوليفان النجم الصاعد داخل البيت الأبيض يعتبر أن الرئيس الأميركي الثالث والثلاثين هاري ترومان بطله المفضل ومصدر إلهامه، وهو ما يثير تساؤلات عن شخصية سوليفان وتطلعاته.

كان ترومان من أشرس الرؤساء الذين أنجبتهم مدينة كانساس، ويعد نموذجا للصقور الليبرالية، ويشتهر تاريخيا بأنه الآمر بإسقاط القنابل النووية فوق هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية.

ترومان هو من أطلق عبارته الشهيرة "اقضوا عليهم"، ثم تسبب بمواقفه المتشددة  في إشعال الحرب الباردة، مع الاتحاد السوفيتي، تلك التي كادت أن تدمر العالم في مناسبات متعددة.

يعتبر جيك سوليفان من قادة الديمقراطيين الأميركيين الواعدين، فهو يمثل جيل الوسط، الذي استطاع رغم صغر سنه أن يحقق خبرة واسعة داخل أروقة الإدارة الأميركية، وتحديد سياسة البيت الأبيض تجاه عديد من القضايا الدولية والمحلية.

ولد سوليفان في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1976، في بيرلينجتون بولاية فيرمونت، وانتقلت عائلته إلى مينيابوليس، حيث نشأ في مينيسوتا.

عمل والده في صحيفة "ستار تريبيون" الأميركية الشهيرة، وكان أستاذاً في كلية الصحافة والإعلام بجامعة مينيسوتا، وكانت والدته مستشارة التوجيه بالمدرسة الثانوية.

التحق سوليفان بمدرسة "ساوث ويست" الثانوية في مينيابوليس، وتخرج منها عام 1994، وهناك بدأ نبوغه المبكر، حيث قال عنه الأساتذة، إنه "كان بطلًا في المناظرات والخطابات، ولديه حجج قوية"، ورئيسا لمجلس الطلاب. 

وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق سوليفان بجامعة "ييل"، حيث تخصص في الدراسات الدولية والعلوم السياسية، وتخرج منها عام 1998 بتقدير "امتياز". 

بعد تخرجه، درس سوليفان العلاقات الدولية إثر فوزه بمنحة رودس في جامعة أكسفورد، وهي واحدة من أرفع برامج المنح الدراسية على مستوى العالم، ومن أشهر الذين حصلوا عليها الرئيس الأميركي بيل كلينتون، ووزير الخارجية الأميركي الأسبق دين راسك الذي شغل المنصب عام 1961.

أثناء دراسة سوليفان في أكسفورد، عمل كمحرر إداري لمجلة أوكسفورد إنترناشيونال ريفيو، واحتل المركز الثاني في بطولة العالم للمناظرات التي نظمتها منحة رودس.

في عام 2000، تخرج سوليفان بحصوله على درجة الماجستير في الفلسفة، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة ييل وحصل فيها على درجة دكتوراه في القانون عام 2003.

وإثر تخرجه، عمل بالتدريس في كلية الحقوق جامعة "سانت توماس" بالتزامن مع عمله كاتبًا بالدائرة الثانية من محكمة الاستئناف الأميركية، كما عمل في مكتب القاضي بالمحكمة العليا الأميركية "ستيفن براير". 

مشواره السياسي

في البداية عمل "جيك سوليفان" كمستشار رئيس للسيناتور "إيمي كلوبوشار" التي دعمته وقدمته للعمل مع "هيلاري كلينتون" ضمن فريقها السياسي.

وفي عام 2008، كان سوليفان مستشارا لهيلاري كلينتون، ثم لباراك أوباما خلال حملة الانتخابات العامة، وكان له دور بارز في إعداد الخطابات والكلمات  لكلينتون وأوباما، خلال الجولات الميدانية.

عندما أصبحت كلينتون وزيرة للخارجية، أصبح سوليفان مديرا لتخطيط السياسات بالوزارة، وسافر مع هيلاري إلى 112 دولة، وارتقى في سلم إدارة أوباما، وتم تعيينه كنائب مساعد الرئيس ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن.

من هنا ارتبط سوليفان، ببايدن، وأصبح أكبر مساعد أمني لنائب الرئيس، وفي فبراير/ شباط 2013، بعد تنحي هيلاري كلينتون من منصب وزيرة الخارجية، لعب سوليفان دورا محوريا في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية تجاه ليبيا وسوريا وميانمار.

ويعد ملف الاتفاق النووي الإيراني، من أهم الأدوار التي لعبها جيك سوليفان، وهو ما أكدته وكالة أسوشيتد برس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، حيث ذكرت أن "المسؤولين في إدارة أوباما كانوا على اتصال سري مع المسؤولين الإيرانيين طوال عام 2013 حول جدوى التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني".

وأضافت: أن "المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم نائب وزير الخارجية ويليام بيرنز، وكبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون إيران بونييت، وجيك سوليفان، التقوا سرا مع نظرائهم الإيرانيين 5 مرات على الأقل وجهًا لوجه في سلطنة عمان".

وأردفت "مهدت هذه الجهود الطريق لاتفاقية جنيف المؤقتة بشأن البرنامج النووي الإيراني، والمعروفة رسميا باسم خطة العمل المشتركة، التي وقعتها إيران ودول 5 + 1 في جنيف، بسويسرا، يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013".

ومنذ ذلك الوقت، حضر سوليفان بانتظام خلال المشاورات الثنائية مع إيران في جنيف كعضو رئيسي في الوفد الأميركي بشأن المفاوضات النووية.

وفي عام 2016، بعد انتهاء سنوات رئاسة أوباما، وهزيمة هيلاري في الانتخابات، استقر سوليفان في عهد ترامب بمركز "الأبحاث وعوالم الاستشارات الإستراتيجية".

حصل  سوليفان وقتها على زمالة رفيعة المستوى في مؤسسة كارنيغي، وعمل أيضاً في شركة "ماكرو أدفايسري بارتنرز"، التي حققت إيرادات بلغت 37 مليون دولار خلال عام 2019، وانضم إلى شركة الاستشارات البريطانية السابقة للتجسس في الشهر نفسه الذي غادر فيه أوباما.

فلسفة خاصة

كانت قضايا منطقة الشرق الأوسط تحديدا حاضرة بقوة في مقالات وأطروحات جيك سوليفان، سواء خلال عمله في الخارجية الأميركية، أو المقالات التي نشرها أثناء ولاية ترامب بمجلة "الشؤون الأميركية".

ومن أبرز ما تناوله أزمة حصار قطر، عندما نشر مقالا في 22 مايو/ آيار 2020، بعنوان "فرصة أميركا في الشرق الأوسط.. قد تنجح الدبلوماسية حيث تفشل القوة العسكرية"، وفيه قدم رؤى الديمقراطيين حول علاقات أميركا ومصالحها بالشرق الأوسط، والفرص المتاحة لها بعد سياسات ترامب.

ورأى في المقال أنه "على الولايات المتحدة القيام بالعمل على إعادة تركيز أولوياتها على التحديات الحالية والمستقبلية الأكثر إلحاحًا".

وفيما يخص آثار حصار قطر على المنطقة ودور منظمة مجلس التعاون الخليجي قال: "لقد تم نزع أحشاء مجلس التعاون الخليجي بسبب الحصار السعودي الإماراتي لقطر" في اعتراض صريح منه على السياسة السعودية الإماراتية ضد الدوحة.

وطرح جيك سوليفان في إحدى مقالاته بمجلة "الشؤون الأميركية"، بأن "الشرق الأوسط لا يزال مصدرا لاضطرابات كبيرة خارج حدوده من الإرهاب إلى الانتشار النووي إلى الهجرة الجماعية". 

تمحورت إستراتيجية سوليفان بشكل عام حول ضرورة استمرار مشاركة الولايات المتحدة في نزاعات الشرق الأوسط، حتى في الوقت الذي تدعو فيه الجغرافيا السياسية وإمكانات النمو إلى زيادة التركيز على آسيا وإفريقيا ونصف الكرة الغربي".

كذلك يرى أن انتهاء حرب الولايات المتحدة في أفغانستان، وسلوك نهج مختلف تجاه إيران يفتحان فرصا لإعادة نشر القوات الأميركية البرية والبحرية والجوية الموجودة في الخليج لأن الوجود الأميركي بحجم معقول يمكن أن يساعد في منع الأزمات التي من شأنها أن تتطلب عودة أكبر، بحسب رؤيته. 

مواقف متقدمة

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل، أكد جيك سوليفان، من سلسلة مقالاته بمجلة "الشؤون الأميركية"، على ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل، كعامل ثابت لدى الساسة الأميركيين من مختلف التوجهات.

ويزيد سوليفان بأن التهديد الذي تتعرض له إسرائيل من إيران ووكلائها، حزب الله في لبنان، والمليشيات في سوريا والعراق، ومختلف الجماعات الفلسطينية في غزة، لا يزال قويا، ولابد من العمل على وقفه. 

وفي مجال الحقوق والحريات في الشرق الأوسط، وبصفته مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، وصف سوليفان في 28 ديسمبر/ كانون الثاني 2020، قرار محكمة سعودية بالرياض سجن الناشطة البارزة لجين الهذلول بأنه "ظالم ومقلق".

وشدد سوليفان، مغردا عبر حسابه بتويتر، أن إدارة "بايدن-هاريس ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان، أينما حصلت".

وفي 4 يناير/ كانون الثاني 2021، اعتبر سوليفان أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني لم يجعل الولايات المتحدة ومصالحها أكثر أمنا مثلما تدعي إدارة ترامب.

وعن حصيلة ما فعله ترامب قبل عام بدعوى ردع طهران وفرض صفقة أفضل عليها حول برنامجها النووي قال سوليفان على قناة "سي إن إن": "كل الوعود التي تلقيناها من هذه الإدارة والتي مفادها أن سياستها ستحقق لنا صفقة أفضل بشأن البرنامج النووي وستمنع إيران عن مواصلة تصرفاتها المتلاعبة في المنطقة، هذه الوعود لم تتحقق".