"يحرض على قتلهم".. قراءة في إنتاج إسرائيل الفني المتعلق بالفلسطينيين

محمد النعامي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في جريمة بشعة، أضرم مستوطنون يهود أواخر مايو/ أيار 2015 النار في منزل عائلة دوابشة من بلدة دوما الفلسطينية في الضفة الغربية، فقتل ثلاثة من أفرادها، هم: الوالدان سعد وريهام والطفل الرضيع علي (18 شهرا)، فيما أصيب شقيقه أحمد (4 سنوات) بجراح بالغة تعافى منها بعد سنوات.

الجريمة التي لاقت استنكارا وتنديدا دوليا كبيرا استقبلت داخل إسرائيل كانتصار. فعلى نغمات أغنية عنصرية تدعو إلى قتل العرب تراقص عشرات المستوطنين محتفلين بحرق العائلة خلال عرس يهودي.

لم يكتف هؤلاء بذلك، بل رفعوا دمية للطفل أحمد، الناجي الوحيد من الجريمة وطعنوها بخنجر وسط رقصات الاحتفال في ديسمبر / كانون الأول من عام 2015.

على الرغم من أن مشهد المستوطنين اليهود المحتفين بإحراق عائلة دوابشة بالغناء والذي عرضته قناة التلفزة الإسرائيلية "12" قد تم تداوله على نطاق واسع، إلا أن إسرائيل لم تتخذ إجراءات جادة لمعاقبة الذين رددوا الأغنية العنصرية.

وباتت هذه الاحتفالات والرقصات على أنغام الأغاني العنصرية تقليدا احتفاليا في أوساط المستوطنين عقب المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يوضح حجم التحريض المسلط ضد الفلسطينيين والداعي للانتقام منهم.

أغان عنصرية

وتعتبر الأغاني العنصرية المحرضة على الفلسطينيين هي الأكثر شيوعا في إسرائيل، وهذا النوع يرتبط تحديدا بالمطربين اليهود المتدينين الذين أثبتوا حرصهم على أداء الأغاني التي تحث على قتل العرب.

فقد صنفت أغنية "الانتقام" للمطرب دوف شورن، كأكثر الأغاني شعبية في إسرائيل، حيث باتت العوائل اليهودية ترددها في حفلات الزواج والمناسبات العائلية.

وقد جاء في مقدمة الأغنية: "اذكرني يا رب، وأمدني بالقوة،  فقط هذه المرة يا رب، مكني من الانتقام،  مكني من عيون الفلسطينيين".

هذه الأغنية حصدت عدد مشاهدات قياسي على مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت لحوالي 250 ألف مشاهدة، خلال الـ24 ساعة الأولى لعرضها عام 2014؛ وهو ما يوضح حجم الجمهور الإسرائيلي المتابع لهذا النوع من الفن التحريضي ضد الشعب الفلسطيني، والشعبية التي يحظى بها.

وفي الفيديو الخاص بالأغنية التحريضية، ظهر المغني وهو يشهر سلاحا، في إشارة إلى نيته قتل الفلسطينيين، والحث على ذلك.

وسار المطرب أرئيل زيلبر، على درب شورن، من خلال أغنية تمتدح الجندي الإسرائيلي إليئور آذريا، الذي أعدم الفتى الفلسطيني الجريح عبد السلام الشريف في مدينة الخليل في أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ إذ توعدت الأغنية العرب بأن "الرحم اليهودية التي أنجبت آذاريا ستجلب المزيد ممن هم على شاكلته".

ويحرص المطرب عميرام بنيون، على أداء الأغاني التي تحث على العنصرية تجاه العرب. وتعد أغنية "أحمد يحب إسرائيل"، التي أطلقها عام 2014 من أشهر أغانيه، حيث تروج أفكارا عنصرية إزاء الفلسطينيين.

 ونظرا لشعبيته الواسعة ومن أجل استرضاء قطاعات اليمين الديني، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته يحرصان على دعوته لإحياء الحفلات التي تنظمها العائلة.

ولا يتم التحريض الإسرائيلي من خلال الغناء ضد الشعب الفلسطيني فقط، وإنما ضد العرب والمسلمين بشكل عام، وهو ما وصل لشتم النبي محمد، كما ظهر في أغاني التشجيع التي ترددها رابطة مشجعي نادي "بيتار يروشليم" لكرة القدم، والمعروفة بـ "لا فاميليا" في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وتوجهت القائمة العربية المشتركة في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في نفس الشهر، إلى مستشار قضائي للحكومة الإسرائيلية للمباشرة بالتحقيق مع مؤدي الأغنية التحريضية ضد المسلمين والتي تتضمن كراهية ضد الرسول محمد والتي نشرتها مجموعة “لا- فاميليا”.

ولكن بالرغم من الدعوى القضائية لم يتم إدانة النادي. ومن المفارقات هنا أن دولة الإمارات اشترت نصف أسهم فريق كرة القدم الإسرائيلي، في ديسمبر/كانون الأول 2020، رغم ما يعرف عن النادي من عنصرية ودعوات مشجعيه المستمرة لقتل العرب.

المسرح التحريضي 

لم تقتصر فنون التحريض على الأغاني الدموية ضد الفلسطينيين والعرب، بل تعدتها لحلبة التمثيل الدرامي والمسرحي، من خلال إنتاجات مرئية تمثل أيدلوجيات التطرف الصهيوني المعادي للفلسطينيين.

 وبحسب تقرير نشرته القناة العبرية الثانية عام 2015، خصص التيار الديني المتطرف منذ منتصف التسعينيات موازنات كبيرة لإطلاق المسارح التي تخدم بشكل أساس أتباع التيار الديني وأفكارهم التحريضية ضد الفلسطينيين، حيث جرى تدشين مسرحي "غوش عتصيون" و"غروت شيكودشاه".

ومن جانبه قال الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور صالح النعامي إن "التحريض الموجه ضد الفلسطينيين يتم من خلال كافة السبل الممكنة سواء من الإعلام أو بواسطة الفتاوى الدينية اليهودية أو التصريحات الرسمية وأيضا من خلال الفن بكافة أشكاله وهو ما أثر بتعزيز الحاضنة الجماهيرية للإرهاب الصهيوني".

وأكد لـ"الاستقلال" أن "الفنانين والمطربين الصهاينة الذي يحثون على إيذاء الفلسطينيين ويحرضون عليهم يحظون بشعبية عالية داخل الكيان حتى عند رأس الهرم السياسي ومن ضمنهم المطرب العنصري بنيون والذي يحرص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على إحضاره لإحياء الحفلات التي تنظمها العائلة".

وأوضح النعامي أن الحكومة الإسرائيلية تدعم هذا النوع من الفن التحريضي بشكل مباشر، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة على مدار العقود الماضية خصصت دعما كبيرا للمسارح ذات الطابع المتطرف وخصوصا في مستوطنات الضفة الغربية ذات التيار الديني القومي المتطرف والمطربين الذين يتبنون الخطاب العنصري تجاه العرب.

ورأى أنه "لا يوجد أي رادع داخل إسرائيل لهذا التحريض رغم وجود قانون جنائي يجرم العنصرية والدعوة للعنف ولكن عندما يتعلق الأمر بالتحريض ضد الفلسطينيين والعرب فإن هذا القانون يبقى حبرا على ورق ولا يتم تطبيق أي إجراء قانوني ضد المحرضين، وما يدلل على ذلك الانتشار الكبير لهذا النتاج التحريضي الداعي للقتل".

ومن جانبه قال الكاتب المسرحي الفلسطيني محمد وادي إن "الفن سواء كان الفنون التمثيلية أو الغنائية تلعب دورا بارزا في التأثير بالجماهير وتوجيههم باتجاه أهداف وأيديولوجيات معينة".

وأضاف وادي لـ"الاستقلال": "يتم اختيار البطل بمواصفات شكلية تلقى قبول لدى الجمهور ويضاف إلى دوره أدوارا خيرية ترسم صورة إيجابية له في أذهان المتابعين فيتحول مع مرور الأحداث إلى  قدوة ويستقبل المشاهد كافة أعماله على أنها الأفعال الواجب حدوثها".

وأوضح أن الجانب الإسرائيلي يمتاز بنوعين من المسرح الأول موجه داخليا وهو الذي يشيطن الفلسطينيين ثم يظهر الجرائم الإسرائيلية على أنها انتقام من هذا الظلم وغالبا ما يتم تدعيمها بأسانيد دينية توراتية للحث على هذه الأفعال.

في حين أن الجانب الآخر من المسرح الإسرائيلي موجه للخارج وهو الذي يرسم صورة  "المظلومية الإسرائيلية" وأنه وبرغم الاعتداءات عليه من قبل الفلسطينيين إلا أنه يمد يد السلام والتعايش له وغالبا ينطلق هذا النوع من المسرح من الجامعات الإسرائيلية باللغة الانجليزية.

وأكد الكاتب أن المسرح الفلسطيني أنه على الرغم من ضعف إمكانياته حاول الرد على ما يروجه الاحتلال والصورة الكاذبة التي يرسمها من خلال عروضه، حيث نظمت عدة معارض مسرحية عام 2014 عقب الحرب الأخيرة على غزة تفضح ممارسات الاحتلال ونفاقه أمام العالم.