صحيفة أميركية: العراقيون يتجاهلون إجراءات كورونا الوقائية.. وهذا السبب

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن العراقيين يتجاهلون البرتوكول الصحي الخاص بمواجهة فيروس كورونا في ظل ترويج بعض مسئولي الصحة لفكرة خاطئة مفادها أن البلاد اكتسبت "مناعة القطيع". 

وأشار تقرير للصحيفة إلى أن "الكثير من المواطنين كانوا يجلسون في مطعم جديد ببغداد، وإطلالته على نهر دجلة في تجاهل تام لما يحدثه وباء كورونا في العالم بأسره".

وأضاف أنه "رغم أنها ليلة من أيام هذا الأسبوع في عام 2021، فإن أحد المطاعم بدى مزدحما بالحرفيين الذين يحتفلون ويعيشون وكأنهم في عام 2019 حيث لا توجد أقنعة ولا مسافات ولا أي مشكلة".

وفي هذا السياق، أكد رجل الأعمال علي الخطيب (37 عاما) بينما كان جالسا على كرسي المقهى: "أعيش أسلوب الحياة مثل عام 2019 قبل ظهور كورونا.. كعراقيين ليس لدينا خوف من الموت.. إنه عامل نفسي يمكن أن يقوي مناعة الإنسان".

فيما قال صديقه رامي رياض (34 عاما)، وهو رجل أعمال أيضا، إنه ألقى قناعه في المطار عندما عاد إلى بغداد من الأردن، قبل أسبوع، مؤكدا "يبدو الأمر وكأننا نعيش في عالم آخر هنا".

مخاوف من الأسوء

ومع انخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا، ينتهك العراقيون بشكل جماعي الاحتياطات الموصى بها من الفيروس، ويؤيد الكثير منهم اعتقاد مشكوك فيه في مناعتهم.

وفي منشور على فيسبوك في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كتب أحد كبار مسئولي قطاع الصحة ببغداد، الدكتور جاسب الحجامي: "لقد وصلنا إلى نوع من مناعة القطيع". وأكد في اتصال هاتفي قبل أيام إنه "لا يزال متمسكا بتلك الاستنتاجات".

ويخشى خبراء الصحة العامة من أن مثل هذه المفاهيم الخاطئة، والتجاهل الواسع النطاق للسلامة من الفيروسات، تمهد الطريق لتفشي جديد كبير.

وانخفض معدل الإصابة المبلغ عنه في العراق بشكل مطرد من أكثر من 3 آلاف حالة جديدة يوميا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى أقل من 800 في معظم الأيام في يناير/كانون الثاني الجاري، وساهم التراجع في ما يقول الخبراء إنه شعور زائف بالأمان.

وقال مدير مبادرات الشرق الأوسط في معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، علي مقداد: "إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة..  هناك موجة محتملة قادمة ما لم يتم تطعيم العراقيين أو اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي".

وأوضح مقداد أن الانخفاض في معدلات الإصابة يمكن تفسيره جزئيا بفصل الشتاء المعتدل في العراق، حيث تُفتح النوافذ. يمكن أن يفسر  المعطى الديمغرافي الذي يشير إلى أن أغلبية سكان العراق من فئة الشباب انخفاض الوفيات وارتفاع حالات الشفاء.

ويعتقد خبراء آخرون أن العدد الحقيقي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في العراق من المرجح أن يتضاعف إلى ثلاثة أضعاف العدد المبلغ عنه حاليا.

لكن ومع انخفاض الرقم الرسمي للإصابات والوفيات، خفف المسئولون العراقيون القيود.

في ذروة الوباء العام الماضي، أغلق العراق المساجد والمدارس والمطاعم حيث كافح نظام الرعاية الصحية المتهالك للتعامل مع الوضع قبل أن يتم تخفيف هذه القيود في الخريف الماضي مع انخفاض معدلات الإصابة.

معركة خاسرة

وقالت الصحيفة إن "الحكومة تخوض معركة علاقات عامة خاسرة لإقناع العراقيين بارتداء الأقنعة والتوقف عن المصافحة".

وتم تقويض الحملة من قبل مسئولي الصحة المحليين والمحليين الذين ادعوا أن المعدل قد انخفض بسبب تعرض عدد كافٍ من العراقيين للفيروس لتحقيق مناعة القطيع.

ويُعتقد عموما أن مناعة القطيع تحدث عند إصابة 70٪ أو أكثر من السكان بالعدوى أو التطعيم. ويوفر ذلك للفيروس عددا أقل من المضيفين المحتملين ويوفر للسكان بعض المقاومة لتفشي المرض.

ويعد سوق الشورجة في بغداد، أحد أكثر الأماكن ازدحاما في المدينة حيث لا يستطيع العمال مراقبة قواعد التباعد الاجتماعي.

وفي هذا السياق، قال الدكتور مقداد إن "العراق لا يجري الفحص العشوائي الذي يسمح له بتحديد معدلات الإصابة بدقة، لذلك يشير إلى أن التقديرات تذهب إلى أن حوالي 20 بالمائة من السكان مصابون بالفيروس".

وقال إنه من غير المقبول أن يقول المثقفون والمسئولون العراقيون نحن محصنون، لأنه يعطي شعورا زائفا بالأمن".

وحتى وزير الصحة العراقي، حسن التميمي لم يحاول تصحيح التضليل بشكل مباشر، وعندما سئل عن مناعة القطيع، لم يؤيد أو يدحض الفكرة.

وأرجع الوزير في مقابلة تلفزية الانخفاض في معدلات الوفيات إلى "زيادة قدرة البلاد على علاج حالات كورونا وانخفاض معدلات الإصابة للحماية الإلهية".

لكن الوزير أعرب عن مخاوفه بشأن النوع شديد العدوى للفيروس الذي تم تحديده مؤخرا في بريطانيا، مؤكدا أن الحكومة العراقية اتخذت خطوات لمحاولة منع العدوى القادمة من الخارج.

والأسبوع الماضي، حظرت الحكومة دخول معظم المسافرين غير العراقيين من 20 دولة ذات معدلات إصابة عالية، لكن القيد يترك فجوات واسعة للأشخاص القادمين من بلدان أخرى.

موجة أخطر

وفي سياق متصل، قال أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية ببغداد، رياض لفتة، إنه يتوقع موجة أخرى أكثر حدة بحلول مارس/آذار أو أبريل/نيسان المقبلين، مما يعرض للخطر ليس فقط أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة ولكن الشباب الأصحاء.

وأضاف "نخشى موجة أخرى مثل ما حدث في أوروبا.. هذا هو الخطر والتهديد الذي ننتظره، للأسف لم يدرك الكثير من الناس ذلك حتى الآن".

وأشار التقرير إلى أن "العراق، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، غير مستعد لموجة ثانية، حيث دمرت البنية التحتية المتضررة ونظام منح السيطرة على الوزارات للفصائل السياسية على أساس الولاء والفساد المستشري نظام الرعاية الصحية في البلاد". 

وفي الصيف الماضي، أدى نقص أسطوانات الأوكسجين إلى أعمال شغب في بعض المستشفيات بين الأقارب الذين أجبروا على محاولة شراء معدات تنقذ حياة مرضاهم بأنفسهم.

ورغم أن الدكتور التميمي أكد أن العراق افتتح 47 مصنعا جديدا لتصنيع أو إعادة تعبئة أسطوانات الأوكسجين وأضاف 14 ألف سرير جديد و63 مستشفى جديدا للمساعدة في التعامل مع الوباء، إلا أن مسئولا آخر في الصحة العامة أكد أن العدد أقل من 25 مستشفى.

وقال إن العراق خصص 1.5 مليون جرعة من لقاح فايزر، ويشتري مجمدات فائقة البرودة لتخزينها قبل بدء حملة تطعيم يتوقع أن تبدأ بحلول بداية مارس/آذار المقبل.

لكن الدكتور لفتة وخبراء آخرين في الصحة العامة قالوا إنهم يشككون في موافقة عدد كافٍ من العراقيين على التطعيم حتى تنجح الحملة.

وقال لفتة: "الناس هنا لا يحبون اللقاحات.. كنا نكافح كثيرا في العام الماضي لمجرد إقناعهم بتطعيم أطفالهم ضد شلل الأطفال والحصبة".

وأضاف أنه "وبالنظر إلى انتشار الفقر الذي يمنع العديد من العراقيين من التباعد الاجتماعي، لم يتفاجأ من أنهم سيختارون تصديق أنهم محصنون بدلاً من قبول أنهم في خطر".

وختم لفتة تصريحه للصحيفة الأميركية بالقول إن: "التباعد الاجتماعي يعني أن الفقراء لن يذهبوا إلى العمل.. هم لا يخرجون إلى الشارع لبيع سلعهم. إنهم يخشون فقط من أن يتسبب فيروس كورونا، في موتهم جوعا".