لويد أوستن.. جنرال أميركي متمرس بحروب الشرق الأوسط قد يدير البنتاغون 

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يمثل ترشيح الجنرال المتقاعد لويد جيمس أوستن لمنصب وزير الدفاع الأميركي تتويجا لرحلة ملحمية لرجل ذو أصول إفريقية، صاحب مسيرة عسكرية طويلة ومواقف سياسية واضحة.

بدأ أوستن المعروف بـ"الجنرال الصامت"، طفولته في ولاية ألاباما المنعزلة بشدة، مرورا بجيش لا يزال يعاني حتى اللحظة من عدم المساواة العرقية، وصولا إلى قمة الدفاع الوطني الأميركي (البنتاغون)، وهو ما يعبر عن حجم وقوة التحديات في حياته.  

ووافق الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، في 21 يناير/كانون الثاني 2021، على منح أوستن (67 عاما) استثناء يسمح له بالعمل وزيرا للدفاع في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

ويجب منح أوستن الذي سيكون أول أميركي من أصل إفريقي يدير البنتاغون في حال تعيينه، تنازلا عن شرط يلزم أي مرشح لوزارة الدفاع الانتظار لمدة سبع سنوات بعد الخدمة العسكرية، قبل تولي الوظيفة.

والاستثناء هذا، لم يحدث في تاريخ أميركا من قبل، سوى مرتين، منح في إحداهما لجيمس ماتيس حين تولي وزارة الدفاع في عام 2017. والخطوة التالية لتأكيد تثبيت أوستن في المنصب هي نقل الملف للتصويت في مجلس الشيوخ، من دون تحديد موعد لذلك بعد.

أوستن خدم قرابة 40 عاما وتقاعد عام 2016 كجنرال من فئة أربع نجوم، وحصل على ثالث أعلى وسام عسكري للبسالة، وخمسة من أعلى الجوائز العسكرية غير القتالية وعدد كبير من الأوسمة الأخرى، وقال عنه جو بايدن إنه "الشخص الذي نحتاجه في هذه اللحظة". 

بداية الطريق

ولد يوم 8 أغسطس/ آب 1953، في مدينة موبيل بولاية ألاباما جنوب الولايات المتحدة، ثم انتقلت عائلته إلى مدينة توماسفيل في ولاية جورجيا، ونشأ هناك وتلقى تعليمه الأولي. 

وفي عام 1975، حصل على شهادة في العلوم من أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الشهيرة، وهو خريج دورة ضابط المشاة، للمستوى الأساسي والمتقدم، بالإضافة إلى تخرجه في كلية قيادة الجيش والأركان العامة، وكذلك الكلية الحربية للجيش.

حصل على درجة الماجستير في الآداب في تعليم المستشارين من كلية التربية بجامعة أوبورن عام 1986، وهو مجال يركز على إعداد الطلاب للتطبيق المهني لنظرية ومبادئ التوجيه والإرشاد من أجل التنمية الشخصية والاجتماعية والتعليمية والمهنية للآخرين. ثم حصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ويبستر عام 1989. 

بدأ مسيرته المهنية بعد تخرجه من "ويست بوينت" العسكرية، برتبة ملازم ثان، عندما التحق بكتيبة المشاة الأميركية الثالثة في ألمانيا، ومن هناك تدرج في المناصب والرتب العسكرية.

بعدها تم تعيينه في الفرقة 82 المحمولة جوا (المظلات) في "فورت براغ" بولاية نورث كارولينا الأميركية، حيث تولى قيادة سرية الدعم القتالي، والكتيبة الثانية (المحمولة جوا)، حيث فرقة المشاة 508، وعمل كمساعد للواء الأول، للفرقة 82 المحمولة جوا .

وفي عام 1981 انتقل إلى مدينة إنديانابوليس، بولاية إنديانا، ليتولى منصب ضابط عمليات، في إدارة التجنيد التابعة للجيش الأميركي في تلك المدينة.

فلسفته العسكرية 

الفلسفة العسكرية لـ "لويد أوستن"،  تظهر في تبنيه إستراتيجية "التعامل مع القوى المحلية"، لحل الخلافات الداخلية للدول التي تنتشر فيها قوات أميركية، كما حصل في أفغانستان، ثم محافظة الأنبار العراقية عبر "مجالس الصحوات"، ومع قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية.

ويؤمن أوستن بضرورة تسليح وتهيئة تلك القوى المحلية لخوض المعارك والمواجهات على الأرض بدعم من واشنطن والقوات المتحالفة معها. 

وبين عامي 2003 و2005، شغل منصب القائد العام للشعبة العسكرية الجبلية العاشرة للمشاة الخفيفة في أفغانستان، وكذلك كان نائب القائد العام للشعبة العسكرية الثالثة، وقاد القوات الأميركية لدخول بغداد إبان الغزو عام 2003. 

ظهرت خبرة أوستن في هذا المجال عندما أشرف على الانتقال من عملية "حرية العراق"، والعمليات القتالية للقوات الأميركية، إلى عملية "الفجر الجديد"، التي هدفت إلى تحقيق استقرار في الأوضاع بعد الخسائر التي منيت بها قوات واشنطن نتيجة عمليات المقاومة العراقية.

منهجية أوستن حينئذ ارتكزت على تقديم المشورة والمساعدة وتدريب قوات الأمن العراقية، وشارك على نطاق واسع في المناقشات الأميركية الداخلية ثم المفاوضات مع الحكومة العراقية التي أدت إلى توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية. 

ويذكر أنه كان معارضا للانسحاب الكلي الأميركي من العراق، وفضل أن تحتفظ الولايات المتحدة بقوات على الأرض هناك.

وفي فبراير/شباط 2008 تولى قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق، ثم في الأول من سبتمبر/أيلول 2010 تم تعيينه قائدا عاما للقوات العسكرية الأميركية في العراق.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، ينتمي أوستن إلى مدرسة قادة البنتاغون العسكريين المعروفين باعتدالهم إزاء النزاعات الدولية، وهو أقرب إلى توجهات رئيس أركان القوات المشتركة الأميركية سابقا الأدميرال مايكل مولن، ووزير الدفاع الأسبق جيمس ماتيس.

قائد عسكري

في 22 مارس/ آذار 2013، أصبح أوستن قائد القيادة المركزية (سنتكوم)، كأول أميركي من أصول إفريقية يتولى هذا المنصب.

وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2014، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تقريرا عنه تحت عنوان "في قيادة البعثة العسكرية في العراق.. جنرال غير مرئي".

قالت في التقرير إنه "في إطار تغطية بقاء القوات الأميركية في العراق، كان أوستن خلال فترات عمله وإشرافه على قوات أميركية عدة، يتمتع بـظهور إعلامي منخفض، ولا يحب التكلم كثيرا، ويبتعد عن نقاط الضوء والبروز، ولا يدلي برأيه في السياسة، ويتجنب إلقاء التقارير العسكرية". 

يعتبر أوستن القائد العسكري الأول لحملات التحالف الدولي، الذي أسس لمحاربة تنظيم الدولة الدولة، وهو من وضع الخطط الأساسية لضرب التنظيم على الأرض ومحاصرته ومنع تقدمه في سوريا والعراق. 

ومع ذلك تعرض أوستن لتوبيخ شديد من قبل عضو الكونغرس المخضرم جون ماكين، الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.

إذ وجه انتقادات لاذعة لأوستن بسبب برنامج التدريب والتجهيز التابع لشركة "Centcom"، والذي بلغت تكلفته 500 مليون دولار للمعارضين السوريين، بينما أنتج فقط  5 مقاتلين مدربين نجوا من المعركة الأولى ضد تنظيم الدولة. 

بالإضافة إلى فشله بحسب السيناتور ماكين، في دعم تدابير حماية المدنيين السوريين أو تطوير إستراتيجية قابلة للتطبيق، لحماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، إبان الحرب على تنظيم الدولة. 

وفي رد على طرح ماكين حول سبب عدم اعتماد أوستن، فرض حظر طيران في سوريا التي كانت تشهد حربا وقصفا من طيران نظام الأسد على مناطق المعارضة، كانت إجابة أوستن "لا أوصي بهذا عند هذه النقطة"، ليرد عليه ماكين مستنكرا ومتهكما "لا توصي بهذه النقطة بعد أربع سنوات من الحرب!". 

ومع ذلك يرى جوش روجين الصحفي الأميركي المختص في تغطية السياسة الخارجية والأمن القومي في صحيفة "واشنطن بوست"، أن أوستن لم يكن مخطئا، فهو "كان يطيع الأوامر ويتبع قيادة باراك أوباما".

وأضاف أن "أوستن قائد كفؤ وجندي مخلص، لا يضع آراءه أو اهتماماته قبل أوامره".  

أبرز مواقفه 

بحكم خبرة أوستن العسكرية العميقة، خاصة في شؤون الشرق الأوسط، كانت لديه مواقف واضحة من القضايا الصعبة والصراعات الإقليمية الضاربة في جذور تلك المنطقة ولعل أهمها، الاتفاق النووي مع إيران.

عارض أوستن بشدة خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي، إذ اعتبر أن الانسحاب يحرم واشنطن، من فرصة مراقبة النشاط النووي الإيراني وضبطه، وهو ما أتاحه الاتفاق، ومنعه الانسحاب اللاحق. 

كما أنه مؤيد لعملية السلام مع إسرائيل، وفي 6 نوفمبر/ تشرين الأول 2013، ألقى كلمة في "مؤتمر العلاقات العربية الأمريكية" أشاد فيها بجهود الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في التطبيع.

 وأعرب عن تأثره بخطاب السادات، الذي وصفه بالتاريخي أمام الكنيست الإسرائيلي، في القدس المحتلة باعتباره أول رئيس لدولة عربية يزور دولة الاحتلال.

 وقال أوستن في كلمته "إنَّ في حياة الأمم والشعوب لحظات، يتعين فيها على هؤلاء الذين يتّصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة، أن ينظروا إلى ما وراء الماضي، بتعقيداته ورواسبه، من أجل انطلاقة جسور نحو آفاق جديدة".

وأردف: "هؤلاء الذين يتحملون، مثلنا، تلك المسئولية الملقاة على عاتقنا، هم أول من يجب أن تتوافر لديهم الشجاعة لاتخاذ القرارات المصيرية، التي تتناسب مع جلال الموقف، وفي الوقت الذي يختلف فيه العالم بالعديد من الأوجه الآن فالمسئولية المشتركة تحدث عنها السادات بأن نكون صانعي سلام وداعمين للعدالة تبقى منتصبة حتى اليوم"، وفق تعبيره.

كما يؤيد أوستن التعاون الدائم مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة، خاصة في الشرق الأوسط، وتحديدا إسرائيل ودول الخليج ومصر. 

ونقلت عنه وكالة "رويترز" في 27 مارس/ آذار 2015، قوله أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ بأن وزير الدفاع السعودي (محمد بن سلمان) تحدث معه "قبل أن يتخذوا أي إجراء"، وأضاف أنه "لم يستطع تقييم احتمالية نجاح عاصفة الحزم لأنه لا يعرف الأهداف والغايات المحددة منها". 

وعلقت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن ذلك الموقف تحديدا "الأهم من ذلك، كان التدخل السعودي بهذا الشكل، لافتا لكونه المرة الأولى التي يتخطى فيها السعوديون أوستن، بصفته قائدا عسكريا أميركيا". 

وأضافت: أن "سبب عدم إبلاغ السعوديين القيادة المركزية لخططهم في وقت مبكر، هو أنهم يعتقدون أننا نقف إلى جانب إيران". 

سبب الاختيار 

أسباب ترشيحه من قبل الرئيس، كتب عنها بايدن نفسه في صحيفة "ذي أتلانتيك" الأميركية بالقول: "خلال أكثر من 40 عاما في الجيش، واجه أوستن كل تحد بمهارة غير عادية وروح شخصية عميقة".

وأضاف أنه "جندي وقائد حقيقي ومختبر، لقد أمضيت ساعات لا تحصى معه، في الميدان وفي غرفة العمليات بالبيت الأبيض، وطلبت نصيحته، واطلعت على قيادته، وأعجبت بهدوئه وشخصيته".

وذكر بايدن: "نقاط قوة أوستن العديدة ومعرفته الوثيقة بوزارة الدفاع وحكومتنا تتوافق بشكل فريد مع التحديات والأزمات التي نواجهها".

وفوق ذلك تربط بايدن علاقة شخصية وصداقة بأوستن، حتى "بو" نجل بايدن، خدم في طاقم الرجل في العراق وأقام الاثنان علاقة وثيقة هناك، حيث كان يجلسان جنبا إلى جنب في القداس كل يوم تقريبا، واستمرت الصداقة، حتى عندما عاد "بو" من خدمته العسكرية. 

وبحسب ما ذكرته شبكة تلفزيون "سي إن إن" الأميركية عنه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، "أوستن يعلم البنتاغون من الداخل للخارج"، وسيكون "خيارا ممتازا لتسيير الأمور اللوجستية المتعلقة بتوزيع لقاح كورونا".

وأضافت أنه فوق ذلك "يعلم أوستن بالضبط كلفة الحرب وأنه أخبر العديد من العائلات ممن فقدوا أحبائهم (من الجنود الأمريكيين) عن تلك الكلفة". 

وكانت لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قد عقدت في 19 يناير/كانون الثاني، جلسة استماع لأوستن قال فيها "إذا تم تأكيدي (في المنصب)، سأقوم بمهمة وزارة الدفاع، لمنع الحرب وضمان أمن أمتنا، وسأؤيد مبدأ السيطرة المدنية على الجيش".

وأضاف خلال الجلسة: "سأعمل جاهداً للقضاء على الاعتداء الجنسي، وتخليص صفوفنا من العنصريين والمتطرفين، وتهيئة مناخ يجد فيه كل من هو مؤهل ولديه الرغبة الفرصة لخدمة هذا البلد بشرف".