صحيفة روسية ترصد خلفيات التقارب الثلاثي بين تركيا وبريطانيا وأوكرانيا

12

طباعة

مشاركة

ربطت صحيفة روسية بين النشاط الدبلوماسي البريطاني-التركي المشترك على مستوى وزراء الخارجية، وبين تنفيذ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرا زيارات إلى كلا البلدين.

وقال الكاتبة والصحفية كسينيا لوجينوفا في مقال لها نشر في صحيفة إزفيستيا الروسية: "قررت بريطانيا وتركيا إنشاء تحالف غير رسمي مع أوكرانيا، يهدف لمنع روسيا من تحقيق مكاسب في البحر الأسود".

وزار زيلينسكي كل من تركيا وبريطانيا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعلى ما يبدو، حسب المراقبين، ستمول لندن مشاريع "إعادة دمج" القرم في أوكرانيا. وقد انضمت أنقرة إلى "منصة القرم"،  وهي اتحاد دولي من شأنه أن يساعد كييف على إعادة شبه الجزيرة.

وسبق أن أعلن زيلينسكي، أن فعاليات "منصة القرم الدولية" ستعقد في كييف، لإدراج شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني، إلى الأجندة الدولية. وستجري الفعاليات بحسب تصريحات أوكرانية في مايو/ أيار 2021.

وتقول الكاتبة إن السفارة البريطانية ستتكفل في تمويل مشاريع "إعادة الدمج" التي تنظمها في أوكرانيا وتشمل الخطة كلا من شبه جزيرة القرم، والمناطق التي لا تسيطر عليها كييف في شرق البلاد. 

ومن المقرر أن يتم ذلك في إطار برنامج سمي بـ"الانفتاح للمستقبل-Open Future"، الذي بدأ منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2021، ويستمر حتى 15 مارس/آذار من نفس العام، بحسب الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية.

وسيتم تنفيذ العمل بدعم من الجهات الحكومية من خلال المنظمات العامة. ونشر هذا الإعلان في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020، لكن الاهتمام به بدأ الآن فقط.

وتقول لوجينوفا إن الهدف الرئيس للبرنامج هو الإبلاغ عن "انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الأراضي" ونشرها بشكل فعال. 

ولكنهم يخططون للتركيز والاهتمام الخاص بالعمل مع تتار القرم، وكذلك لتشجيع نشاطهم السياسي وحقوق الإنسان في تلك المنطقة. وقد رصدت 10 آلاف جنيه إسترليني لهذا الغرض.

المثلث "المناهض"

وتطرقت الكاتبة إلى مقال في صحيفة "يونان سيتي تايمز" اليونانية، جاء فيه: "من الواضح أن تحالفًا ثلاثيًا غير رسمي آخذ في الظهور بين المملكة المتحدة وتركيا وأوكرانيا وموجه ضد روسيا في البحر الأسود من أجل إنهاء الوضع الراهن وإدخال هيكلها الأمني ​​في المنطقة بشروطها الخاصة". 

ويشير المقال إلى أن العلاقات بين الدول الثلاث أصبحت مؤخرًا وثيقة بشكل متزايد وهذا ليس من قبيل الصدفة.

وتتابع الكاتبة أنه "في منتصف صيف 2020، سافر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى العاصمة البريطانية، حيث كان الطرفان يتفاوضان لتعزيز العلاقات التجارية".

ونتيجة لتلك المفاوضات، وقعت لندن وأنقرة اتفاقية تجارة حرة في ديسمبر/كانون الأول، ودخلت حيز التنفيذ مطلع 2021. 

كان ذلك ضروريًا، تقول الصحفية، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي أبرمت تركيا معه اتفاقًا لإنشاء اتحاد جمركي في السابق.

وتذكر صحيفة "يونان سيتي تايمز" اليونانية أن "الاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة وتركيا قد تكون لأمور تتعلق بشكل أساسي بتشكيل اتحاد مناهض لروسيا. 

تركيا وبريطانيا لديهما العديد من الأرضية المشتركة. أولاً، تشاجر البلدان مؤخرًا مع الاتحاد الأوروبي: لندن بشأن خروجها من بروكسل، وأنقرة "بسبب السياسة المتشددة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينتقده الغرب"، بحسب تعبير الكاتبة.

وتشير إلى أن "تركيا ظلت دولة موالية لبريطانيا التي دعت لاندماج الأولى في المؤسسات الغربية حتى وهي داخل الاتحاد الأوروبي. وعلى عكس الدول الأوروبية الأخرى، لم تنتقد سياسات أردوغان". 

وتستنتج الكاتبة، بأن "المملكة المتحدة، على عكس حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الآخرين، لم تستنكر العملية العسكرية التركية في سوريا، وكذلك تدخل أنقرة في الشؤون الليبية".

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت لندن في إنشاء نظام تحالفاتها الخاص، حيث تم تكليف أنقرة بأحد الأدوار الرئيسة.

 ويبدو أن بريطانيا العظمى في عهد رئيس الوزراء بوريس جونسون وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي "تعتقد أنها ستتمكن من استئناف التفاعل مع العالم بمساعدة تركيا، ويشير هذا إلى مخاطر كبيرة على أمن روسيا"، كما تشير الكاتبة.

وبحسب الكاتبة، فإنه "في أوائل أغسطس/آب 2020، جذب انتباه وسائل الإعلام العالمية الأنباء التي أفادت بتعيين السفير البريطاني السابق لدى تركيا ريتشارد مور، والذي كان معروفًا بصداقته القديمة بأردوغان، لرئاسة جهاز MI6 (الاستخبارات البريطاني". 

ورأت أن البريطانيين فعلوا الكثير لتقوية العلاقات مع أنقرة، وأن أردوغان يحرص على تنظيم رحلات إلى لندن وتقديم الدعم في وسائل الإعلام البريطانية.

وسرعان ما أصبح مور، الذي بدوره يتحدث التركية بطلاقة، ذائع الصيت في الأوساط الدبلوماسية المحلية. 

وتقول الكاتبة إن "مور تم إرساله سفيراً إلى أنقرة في عام 2014؛ وبعد ذلك بعامين، جرت محاولة انقلاب في تركيا. تم قمع الانتفاضة بسرعة، لكن أردوغان استخدم الانقلاب كذريعة لقمع أولئك الذين يختلفون مع سياساته والذين ينتقدون أفعاله"، وفق تعبيرها.

 بعد ذلك، سرعان ما أجرت تركيا استفتاء على تعديل الدستور، كان أهمها انتقال البلاد إلى شكل رئاسي للحكومة، ومنح رئيس الدولة سلطات أكبر. أيد أكثر من 51 بالمئة هذه الفكرة.

وفي مخالفة للإجماع الأوروبي، انتقدت لندن المحرضين على الانقلاب، وأرسلت بوريس جونسون، الذي كان حينها رئيسًا لقسم السياسة الخارجية، إلى تركيا في زيارة. وكان ريتشارد مور هو من نظم الرحلة.

 أدوار تركيا

وتشير الكاتبة الى مخططات أنقرة لتكوين أمة تركية موحدة، وتقول: "تعمل تركيا بنشاط على الترويج لأفكار القومية التركية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وهذا يعني دمج الفضاء التركي وفق القواعد التركية".

 لهذا، تستخدم سلطات البلاد عادة "القوة الناعمة"، فهي تفعل ذلك من خلال التعليم والعلوم والأعمال وأيضًا من خلال تشكيل مجموعات الضغط.

وبذلت أنقرة الكثير لدمج شبه جزيرة القرم في الفضاء التركي قبل إعادة توحيد شبه الجزيرة مع روسيا، فهناك جالية كبيرة من تتار القرم في تركيا.

وأثار "الضم السريع والناجح" لشبه جزيرة القرم حفيظة السلطات التركية بشكل كبير. واتخذت أنقرة نفس موقف كييف بشأن مسألة عدم الاعتراف بشبه الجزيرة الروسية. 

في مواقع مختلفة، صرح أردوغان مرارًا وتكرارًا بأنه "يؤيد وحدة أراضي أوكرانيا" وأنه "لن يعترف أبدًا بضم شبه الجزيرة".

وتقول الكاتبة إن الباحث الكبير في الشؤون التركية والأستاذ المشارك في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف أكد مرارا أن أنقرة تنتهج سياسة خارجية نشطة للغاية فيما يتعلق بالفضاء التركي.

 وقال: "من الواضح أن إعادة التوحيد السريع لشبه جزيرة القرم مع روسيا على خلفية الابتهاج العام لشعب القرم لا يتناسب مع النخبة التركية الحاكمة، وبعضها يروج للمحافظين، وبعض الآراء القومية التركية".

وأصبحت كييف وأنقرة أصدقاء نشطين للغاية ضد موسكو فور انهيار الاتحاد السوفيتي. 

آنذاك، توجه الزعيم التركي سليمان ديميريل إلى كييف، حيث بدأ الحديث عن "التهديد الروسي في البحر الأسود"، واقترح أيضًا أن "احتواء روسيا" يوفر فرصة للعودة إلى شبه جزيرة القرم لجميع الأوكرانيين من أصول تتارية، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في البر الرئيسي. 

بالإضافة إلى ذلك، بدأت أنقرة في إنشاء منظمات غير ربحية مؤيدة لها على أراضي شبه الجزيرة. لم تكن محاولات تحويل تركيا إلى مركز جذب لتتار القرم ناجحة بشكل عام، لكنهم ما زالوا يحاولون كل جهدهم، فقد أوضحوا أنهم سيستمرون في محاولة تعزيز نفوذهم في شبه الجزيرة، وفق تقدير الكاتبة الروسية.

بعد ضم شبه الجزيرة إلى الاتحاد الروسي، بدأت أنقرة تخشى من أن ميزان القوة العسكرية في البحر الأسود قد تغير لصالح روسيا، وأنها ستتحول تدريجيًا إلى "بحيرة روسية". 

لكن أنقرة لا تريد تصعيد التوترات مع موسكو والسماح لحلف شمال الأطلسي بزيادة وجوده في المنطقة، لذا فإن تطوير علاقات ثنائية أوثق مع أوكرانيا أصبح وسيلة لموازنة النشاط المتزايد لروسيا في البحر الأسود.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم التعاون مع دولة موالية للغرب مثل أوكرانيا مساهمة إيجابية في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، والتي واجهت العديد من المشاكل في السنوات الأخيرة.

يريد الرئيس رجب طيب أردوغان أن يكون صديقًا لنظيره الأوكراني، لكنه لا يعتبر شبه الجزيرة "ليست روسية ولا أوكرانية"، وفق تعبيرها..

وبالعودة الى التحالف غير الرسمي المحتمل بين لندن وأنقرة، في رأي فيكتور نادين رايفسكي، وهو باحث بارز في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فهذه مجرد محاولات بريطانية لإحياء عظمتها السابقة، رغم أنها ليست مثمرة للغاية.

ويقول أيضا: "بريطانيا تنفخ خديها فقط، لكن هذا ليس البلد الذي كان في القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين. هذه محاولات لإعادة إنشاء الإمبراطورية البريطانية السابقة".

للبلاد بالتأكيد مصالح، فضلاً عن الرغبة في الربح، خاصة بمساعدة الدول الضعيفة. إذا كان هناك مساعد مثل تركيا، فسيكون ذلك رائعًا بالنسبة للبريطانيين، يؤكد عالم السياسة الدولية. ويقول أيضا: "لندن لم تعد تتمتع بنفس العلاقات والقدرات المالية".

وختم في تصريح للصحيفة الروسية: "هذه المحاولات لإحياء الماضي محكوم عليها بالفشل، وكذلك رغبة تركيا في إعادة قيام الدولة العثمانية، فضلا عن أن كل هذه الأعمال ستكون معادية لروسيا، وهو ما يجب معارضته"، وفق وصفه.