منذ تأسيسهما.. هذه أهم محطات العلاقات التركية الإسرائيلية

12

طباعة

مشاركة

تُشكّل العلاقات التركية- الإسرائيلية محورا مهما في العلاقات الثنائية ضمن منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة الحيوية والنشطة بأحداثها السياسية الكبيرة، والتي لها أثر كبير في الأحداث السياسية العالمية، فهناك محطات فاصلة في تاريخ العلاقات الثنائية، وعلاقة قوية بين مسيرتهما، وتطور كل واحدة منهما.

جاء تأسيس الجمهورية التركية بعد تفكك وسقوط إمبراطورية السلطنة العثمانية، التي كانت تمثل مؤسسة الخلافة الإسلامية، أي الدولة الأهم من الناحية السياسية من بين دول العالم الإسلامي، والسلطة الأعلى بالنسبة لأبناء الأمة الإسلامية. عملية تفكك السلطنة العثمانية كانت على مراحل عديدة، كانت آخر مرحلة تمثل سقوط، أو بعبارة أدق إسقاط مؤسسة الخلافة العثمانية عام 1923.

أما تأسيس إسرائيل، فهو الحدث الأهم بالنسبة للمنطقة العربية، والعالم الإسلامي بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية، وخسارة أرض فلسطين التاريخية لصالح الحركة الصهيونية التي أقامت الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين عام 1948.

منذ إعلان تأسيس إسرائيل، مثلت العلاقة مع الجمهورية التركية نقطة مركزية في تحالفات إسرائيل مع دول المنطقة، فتركيا دولة إسلامية قوية، تحمل إرثا تاريخيا عريضا، وهي في الوقت ذاته دولة علمانية، ذات ميل غربي في الثقافة الحديثة، إضافة إلى ذلك كونها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بالتالي فهي علاقة تضمن لإسرائيل الكثير من المزايا الجيو-إستراتيجية في المجال السياسي، العسكري والأمني.

اتسمت العلاقة الثنائية بين الدولتين بالتنسيق المطلق تارة، وبالندية على المستوى السياسي تارة أخرى، في مقابل تفاهمات على مستويات عدة.

بداية العلاقات

انقسمت العلاقة تاريخيا بين تركيا وإسرائيل إلى مرحلتين مركزيتين: المرحلة الأولى والتي ساد فيها التنسيق والتحالف السري بين الطرفين، خلال سنوات الخمسينيات، الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.

بعد ذلك اختلفت طبيعة العلاقة في المرحلة الثانية، فصار هناك نوع من الانحياز، أطلق على تلك الفترة الانحياز التام. بداية من سنوات الثمانينيات، مرورا بالتسعينيات وصولا إلى سنوات الألفية الثانية.

تبلورت العلاقات الثنائية بين إسرائيل وتركيا وفقا لمثلثين، المثلث الأول، تركي – عربي – إسرائيلي، وكان انعكاس تواجد العامل العربي سلبيا على العلاقة بين الدولتين. أما المثلث الثاني، تركي – أمريكي – إسرائيلي، في هذا المثلث كانت العلاقات الثنائية التركية الإسرائيلية أكثر تجانسا.

في عام 1947 اعترضت تركيا على خطة الأمم المتحدة لتقسيم أرض فلسطين التاريخية، والتي كانت تعني إقامة دولة وطنية للشعب اليهودي، إلى جانب دولة فلسطينية. اعترفت تركيا بإسرائيل خلال عام 1949، وفي العام التالي أي في عام 1950 أعلن عن إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الدولتين، وتبادلتا الممثلين الدبلوماسيين. كانت تركيا أول بلد مسلم يعلن اعترافه وبشكل رسمي بالكيان الجديد الذي أقيم على أرض فلسطين التاريخية، وهو إسرائيل.

بين مد وجزر

تتميز العلاقة الثنائية بين تركيا وإسرائيل بكونها علاقة مدٍ وجزر، وهذا يتبيّن خلال سرد الأحداث التي أعقبت التطبيع الرسمي بين البلدين. كما ونلاحظ أن العلاقات صارت بعد الاعتراف الرسمي بإسرائيل ضمن منظومة العلاقات الدولية، علاقات تحكمها ويحدها سقف سياسي دبلوماسي.

في أواخر سنوات الخمسينيات من القرن المنصرم، بدأت أول أزمة في العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، إذ أن الأزمات السابقة، التي كانت قبل إقامة إسرائيل، وإبان النكبة، تعتبر خارج إطار العلاقات الدبلوماسية، لكن هذه الأزمة هي الأولى حيث إنها تنضوي تحت إطار العلاقات السياسية الرسمية، فثمة علاقات دبلوماسية قائمة بين الدولتين، ويحكم تعاملهما سقف سياسي محدد.

أول توتر للعلاقات بين تركيا وإسرائيل كان على إثر تأسيس حلف بغداد عام 1955، الذي يضم كل من تركيا، العراق، إيران، باكستان وبريطانيا، رأت إسرائيل أن هذا الحلف يزيد من العداء والخطر العربي عليها. احتجت تركيا على دخول القوات الإسرائيلية إلى مصر عام 1956 إبان ما يُعرف بالعدوان الثلاثي على مصر من قِبل بريطانيا، فرنسا وإسرائيل بعد إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. وفي العام نفسه خفضت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى قائم بأعمال فقط، ولم تعد العلاقات إلى طبيعتها حتى بعد سبع سنوات.

تضامن مع العرب

تضامنت تركيا مع الدول العربية في حرب 1967، حرب الأيام الستة، التي كانت نتيجتها احتلال إسرائيل الشق الشرقي من القدس والضفة الغربية، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. انحازت تركيا بشكل واضح للدول العربية، وطالبت إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي التي احتلها.

لم تمضِ سنوات طويلة قبل أن يعود الاضطراب إلى العلاقة بين البلدين، لم يرق لإسرائيل دعم تركيا لردود الفعل على حريق المسجد الأقصى المُبارك 1969، الحريق الذي استهدف منبر صلاح الدين في المسجد القبلي المسقوف. ثم تصويت تركيا عام 1975 لصالح قرار في الأمم المتحدة يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية. وكانت نهاية الخطوات التركية التي أثارت حفيظة إسرائيل، هي اعتراف تركيا بمنظمة التحرير الفلسطينية.

في شهر يناير/كانون الثاني من العام 1980 رُفعت العلاقات الدبلوماسية بين الدولة التركية والإسرائيلية إلى مستوى السفراء.

توترت العلاقات الثنائية بين الدولتين مع إعلان إسرائيل يوم 30 يوليو/تموز 1980 ضم القدس الشرقية، وإعلان مدينة القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، أدى ذلك إلى إغلاق القنصلية التركية في القدس، وخفضت أنقرة مستوى تمثيلها الدبلوماسي في تل أبيب إلى أدنى مستوى.

انبعاث جديد

شهدت العلاقات مرحلة انبعاث جديد في عام 1986، حيث تم رفع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى القائم بالأعمال، لكن هذا الانبعاث الجديد لم يلبث كثيرا، حيث دخلت العلاقات فترة ركود أخرى بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ثم بعد إعلان تركيا اعترافها بفلسطين كدولة مستقلة.

أعلنت فلسطين عن استقلالها يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، ففي هذه المرحلة لم تتوتر العلاقات حد قطعها، وإنما حافظت كل دولة على العلاقات على مستوى القائم بالأعمال منذ عام 1986، وفي عام 1992 أُعيدت العلاقات إلى مستواها الدبلوماسي العالي، حيث أعيدت السفارات في البلدين.

اتسمت العلاقة الثنائية بين تركيا وإسرائيل بحالة المد والجزر الدائمة، وكأنه هو الثابت الوحيد الذي عرفته العلاقة التركية الإسرائيلية، مع التأكيد أنه ضمن حدود الدبلوماسية، أي أنه لا يوجد هناك شيء خارج عن المألوف، كأن تقطع العلاقات بشكل نهائي وتصنف الواحدة الأخرى كدولة عدو، أو دخول بحرب مباشرة، كل هذا كان خارج هذه العلاقة، التي قد تفسرها عوامل عدة.